تشتعل على فترات متقاربة أزمة صارت موسمية، وترتبط مباشرة بحالة صراع غير حقيقي بين الدين الإسلامي من جهة وبين الفن وصناع الدراما التاريخية من جهة أخرى ، الصراع قديم قدم صناعة الدراما نفسها، اشتعل في بداية أربعينيات القرن الماضي عندما تردد أن فيلما - تركي الإنتاج - يدور حول حياة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وترشح لبطولته الفنان الراحل يوسف وهبي وفور تسريب خبر العمل للصحافة وقتها قامت الدنيا ضده والذي سرعان ما تبرأ منه - وعلى حد ذكر بعض الروايات - بادر بالذهاب لأداء العمرة للتطهر من مجرد الفكرة والتأكيد علي أنه ليس ضد الدين. وعادت القضية للسطح مرة أخرى مع مسرحية "الحسين ثائرا" من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي والتي تحايل مخرجها آنذاك كرم مطاوع على قرار المنع بزعمه أنه يقوم ببروفة جنرال ودعا المثقفين لمشاهدتها وجسد فيها شخصية الحسين الفنان الراحل عبد الله غيث الذي كان أسمي أمانيه أن تعرض المسرحية حتى لو اضطره الأمر إلى اعتزال التمثيل بعد أداء الدور وهو ما قاله الفنان نور الشريف بعدها بفترة، وحاول جاهدا إعادة تقديم المسرحية نفسها ؛ لكن محاولاته باءت بالفشل بعد إصرار الأزهر على عدم موافقته نهائيا على تجسيد شخصية الحسين. الرسالة أشهرها ولم يستطع المخرج الراحل مصطفي العقاد أن يحصل على موافقة الأزهر على فيلمه "الرسالة" والذي جسد فيه العديد من الصحابة وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب وأحد العشرة المبشرين بالجنة واصطدم العمل بفتوي الأزهر القديمة التي تنص علي "عدم جواز تمثيل ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة في أعمال فنية" هذه الفتوي أدت في مطلع الثمانينيات إلى منع المشاهد المصري من متابعة مسلسل مثل "خالد بن الوليد" والذي جسده الفنان الراحل مجدي وهبة ومن بعده مسلسل "أبو عبيدة ابن الجراح" والذي كان من بطولة الفنان عزت العلايلي في حين تم عرض العملين علي شاشات العديد من التليفزيونات العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وخلال السنوات الثلاث الماضية تصاعد صراع الفتوى والدراما بسبب أعمال "خالد بن الوليد" و"يوسف الصديق" و"الحسن والحسين" وأخيرا "عمر " ورغم مطالبة رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق أسامة الشيخ إدارة مجمع البحوث الإسلامية إنتاج مسلسل "عمر" إلا أن المجمع في حينها أكد على أن موقفهم ثابت في موضوع تجسيد شخصيات الصحابة في الدراما، وأن هذا الموقف ليس لأئمة السنة في مصر فحسب، بل يجمع عليه مجمع البحوث الإسلامية الذي أكد في جلسة ترأسها شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي قبيل وفاته، عدم جواز تجسيد شخصيات الأنبياء والرسل وآل البيت والصحابة في الدراما. الاجتهاد السعودي يكسب الغريب أن ذات الجهة التي استند إليها الأزهر في رأيه هي التي أجازت ذات المسلسلات باستثاء "يوسف الصديق" الذي كان بإنتاج ورؤية إيرانية وأكد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكةالمكرمة د أحمد الغامدي في تصريحاته لإحدي الشبكات الإخبارية السعودية قبل عرض مسلسل "عمر" على أنه يؤيد فكرة إنتاج مسلسل عن الخليفة عمر بن الخطاب، كي يتعرف لجيل الجديد إليه، وأنه مع مبدأ تجسيد الخلفاء في المسلسلات التاريخ ؛ لأنه لا يوجد نص شرعي يمنع ذلك ولا دليل علي التحريم في القرآن الكريم أو السنة النبوية شريطة أن يخرج العمل خاليا من الأخطاء التي قد تشوهه وتفسد فكرته. ورفض الغامدي الخلط بين الممثل والشخصية التاريخية في ذهن المشاهد قائلا: يدرك المشاهد الفرق بين شخصية الصحابي وبين القائم بهذا الدور وهو الممثل ولن يلتبس الأمر على المشاهد لدرجة أن يربط بين الممثل إذا قام بدور آخر غير جيد وبين شخصية الصحابي الجليل. المتشددون يربحون ويرى الكاتب والسيناريست د .وليد يوسف أن الأزهر به اتجاهات مختلفة تجاه هذه القضية وهوما يتضح من تصريحات وفتاوى تصدر عن علماء مثل الشيخ جمال قطب ود. إسماعيل عاشور، لكن للأسف خلال أكثر من نصف قرن انتصرت الاتجاهات المتشددة في مقابلة الأخرى الأكثر تسامحا ومواكبة لروح العصر وتطور وسائل الاتصال. ويؤكد "سيف" أن هذا الوضع مأساوي ونذير تخلف مصر دراميا في مجال الأعمال التاريخية الإسلامية تحديدا ؛ وقد يصل بنا إلى أن يتوقف الإنتاج الدرامي تماما في هذ المجال أو قصوره على الأعمال الفقيرة التي تعتمد علي الأداء الصوتي فقط أو الاستعاضة بهالات ضوئية وهو ما يجعل العمل فقيرا جدا ؛ ويفقد الأداء الدرامي واحدا من أم عناصر التفاعل فيه. ويطالب "سيف" جهات الفتوي بالأزهر أن تحدد موقفها من الفن والإبداع عموما قائلا: لم يعد هناك مجال لإمساك العصي من المنتص وصار لزاما عليكم أن تحددوا أولا موقفكم من الفن عموما هل أنتم معه أم ضده؟ فإن كنتم ضده فلا مجال للنقاش وإن كنتم عمه فلزاما عليكم إثبات انحياز فعلي له عن طريق إعادة النظر في الفتاوي القديمة وذلك عن طريق اجتهاد جديد عبر لجان تضم فقهاء ومتخصصين من أهل الفن وصولا لرسم خرطة طريق جديدة يستطيع الفنان المسلم أن يخدم بها تاريخه الإسلامي عبر أعمال تعرض حياة الصحابة دون أي قيود تعوق إيصال الفكرة للمشاهد. وحتي تتضح الصورة في ضوء عصر السماوات المفتوحة والإنترنت صار واجب الوقت هو إخضاع فتوي الأزهر لبحث جديد، خاصة إذا ما وضعنا رأي المفكر الراحل د.عبد الصبور شاهين الذي قال "إن رأي الأزهر لا يلزم سوى المصريين ورأيه استشاري بالنسبة للآخرين"، غير أنه قال إن القائمين على الأعمال المجسدة للصحابة "متجاوزون للصواب" مدللا علي رأيه بأنه "لا يجوز ولا يصح أبدا استثمار سيرة الصحابة في مكسب درامي ومادي" وهو الأمر الذي يتم في الكتب الخاصة بسير الصحابة، خاصة أنها لا توزع مجانا؟ أعمال جادة ويقول مخرج مسلسل "عمر" الفنان السوري حاتم علي: "أنا علي يقين من أن الجمهور يتمني مشاهدة أعمال جادة عن الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسلامي والدليل أن فيلم "الرسالة" للمخرج السوري الراحل مصطفي العقاد مازال يلاقي استحسانا كبيرا لدى عرضه على الفضائيات ولهذا فهو يسير على خطى فيلم "الرسالة" ورغم مخالفة رأي الأزهر في هذا المسلسل إلا أنه علي يقين من أن اجتهادا جديدا في أمور الفن قادر على أن يعيد تقييم هذه الأعمال التي لا تهدف إلا أن تقدم للناس تاريخ أمتهم في صورة فنية تليق بعظمة هذا التاريخ وشخوصه". البحث المفاجأة لكن المثير للدهشة أنه قبل قرابة السنوات العشر ناقش الباحث عمر الفحماوي رسالة ماجستير خاصة بالآراء في تجسيد الأنبياء والصحابة فنيا انتهت نصا إلى "لو قلنا إن تمثيل كبار الصحابة انتقاص من حقهم لذا لا يجوز تمثيلهم فهذا يعني جواز الانتقاص من غيرهم ؛ لأنهم أجازوا تمثيل باقي الصحابة،وكذلك قياس كبار الصحابة علي الأنبياء قياس مع الفارق ؛ لأن الممثلين لن يصلوا إلى درجة الأنبياء قطعا ولكن يستطيعوا أن يصلوا إلي درجة الصحابة بالتمثيل، لذا فالقول - والله أعلم - أن كل الصحابة متساوون في كل هذه المسألة وأنه لا ينتقص من حقهم عند تمثيلهم. وأكد الباحث في رسالته علي عدم جواز تمثيل زوجات النبي وبناته مطقا، لأن الله سبحانه وتعالى قد خص زوجات النبي بأمور كثيرة وقال تعالى "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء" "سور الأحزاب 32". وحدد الباحث عددا من الشروط التي يلتزم بها العمل الفني منها "أن يكون السيناريو مراقبا من قبل هيئة شرعية، وكذلك تعرض جميع الحلقات علي الهيئة الشرعية قبل عرضها علي الناس على أن يلتزم المخرج بما يمليه عليه أهل العلم وأن تكون القصة حقيقية؛ وأن لا يزاد في السيناريو ما لم يفعله أو يقله الصحابة وإنما يقتصر على ما وصلنا من سير وأن يكون الهدف من وراء العمل هدفا دينيا ابتغاء رضوان الله، وإظهار الصحابة علي أفضل صورة، ولا يكون الكسب المادي والتجاري هو الأساس فقط".