- قبل عام 1952 كانت مصر بالفعل تحتاج إلي ثورة لتصحيح أوضاع كثيرة وتنظيم الضباط الأحرار هو أحد خلايا النظام الخاص بالجهاز السري للإخوان، فكيف تطورت العلاقة بين الثورة والإخوان وأخذت شكل العداء؟ بالفعل كنا فى حاجة لثورة تصحيح أوضاع كثيرة خاصة بعد بداية الاعتقال الجماعى للإخوان وحل جماعة الإخوان المسلمين كبري الهيئات الجماهيرية فى مصر بأمر عسكرى متعسف، وترصد جهاز الأمن لمرشد الدعوة الإسلامية الوحيد ، الأعزل فاغتالته في جنح الظلام، عندما جاءت حركة يوليو سعدنا بها وأيدناها لتطوى حقبة منكرة ولكنها جاءت بحقبة أخري أشد نكرا، وأسوأ تعسفا وأقام الحكم العسكرى نظما سلطوية تتقمص الديمقراطية وتدعى الاشتراكية، وهى فى حقيقة الحال أبواق وأجهزة إرسال تنقل وتردد ما يقوله الحاكم، وفي ظل الحكم المطلق توالت الأخطاء وكل خطأ يسلم إلي خطأ أكبر منه حتى جاءت هزيمة 1967 الساحقة التى أنهت عهد الثورة• - ماذا كان يريد الإخوان المسلمون وهم يمثلون حزب أقلية ولم يصلوا مثلا لقوة حزب الوفد الأغلبية في ذلك الوقت ولم يكن لهم تمثيل نيابى؟ هذه نظرة تغفل الأهمية الخاصة والمميزة للإخوان لأنهم هيئة أيدلوجية لها عقيدة أو نظرية، وهذا شىء لم يتوافر للأحزاب التي لا تقوم علي عقائد أو نظريات والهيئة الوحيدة التي يمكن أن يقال إنها نظرية هى الهيئات الماركسية، ولكنها نظرية مرفوضة من المجتمع المصري والإخوان تنظيم شعبى حقيقى وخالص فهم جميعا من صميم الشعب المصرى ولم يكن فيهم باشا أو مالك أو رأسمالي ولم تقم على عصبيات وقد كسبت قوة خاصة، فى الوقت التى تهاوت فيه الأحزاب ووقفت في وجه الطغاة أمثال فاروق وعبدالناصر ولم تفقد ترابطها وكيانها عندما تعددت أوامر حلها، أما أنها لم تشترك فى المجالس النيابية فهذا طبيعى فى المجتمع البرجوازى وكان عملها لتغيير هذا المجتمع، لذلك أيدت الثورة وكما رأينا عندما حانت ساعة قوة التغيير فإن الإخوان كانوا وراءها. - هل كان للسفارة الأمريكية دور فى الوقيعة بين الإخوان والثورة ؟ الولاياتالمتحدة كانت تتابع بقلق تطور الأحداث وتعرف جيدا أن الملك لا يمكن الاعتماد عليه كقوة تمسك المجتمع أو تهيمن علي السياسة، وكانت ترى أن حزب الوفد اكتسب شعبية كبري وانتصر انتصارا كاسحا في انتخابات 1950 ، لكن الوفد من وجهة نظر الولاياتالمتحدة كان هو الحزب الذي له قواعد قديمة وقوية في المجتمع المصرى تجعل له درجة من الاستقلالية من الممكن أن تعرقل التعاون مع الولاياتالمتحدة، لهذا لم يكن حزب الوفد هو الحزب الذي يصطفيه الأمريكيون وأيضا يوجد الشيوعيون وبسبب فضائح الرأسمالية ومهازل الملك وإسرافه من الممكن أن تتغلغل فى المجتمع المصرى .. وفى أقصى اليمن الإخوان المسلمون اكتسحوا القرية والحارة والواضح أن الإخوان والشيوعيين كانوا أعداء تقليديين للسياسة الأمريكية•• فأيدت الحركة لأنها ببساطة تنبأت بأن الضباط الأحرار سوف يخلصونها من كل أعدائها "إخوان مسلمين وشيوعيين وأحزاب"• - أين دور الإخوان المسلمين فى أزمة مارس 1954 وعدم وقوفهم مع اللواء محمد نجيب الذى انحاز للديمقراطية؟ جميع القوى السياسية فى مارس 1954 أيدت محمد نجيب ووقفت بجانبه ورفضوا الحكم العسكرى وطالبوا بعودة قادة الانقلاب إلي الثكنات، ففي هذا الوقت التف الوفد والإخوان المسلمون والشيوعيون كلهم حول اللواء محمد نجيب ليس حبا فى عيونه ولكن للقضاء على الثورة فلأى سبب تلتف كل هذه القوى السياسية المختلفة فى أيدولوجيتها حول محمد نجيب ويدعمونه .. على الثورة .. والغريب حقا أن يتحالف الإخوان والشيوعيون والوفد وبقايا الأحزاب الأخري لا اتفاق بينهم في أهداف ومبادئ بل العكس تلاقت التناقضات لهدف واحد وهو التخلص من الثورة• - ما الذي دفع الإخوان المسلمين إلي تكوين قسم عسكرى وجعلوا الضابط محمود لبيب مسئولا عنه إذا كانوا لا يستهدفون الثورة العسكرية؟ وجود ضباط في الجيش من الإخوان المسلمين سيكون له أثر كبير إذا أرادت الحكومة أن تسلط الجيش علي الشعب عندما يتطلب الأمر القيام بمظاهرات سلمية .. كما أن كون فرد ما ضابطا لا يخرجه هذا من إطار الدعوة علي العكس إن تعميق الإحساس الإسلامى في نفوس الضباط وتهذيب أخلاقهم سيكون له بلا شك أثر حميد على أدائهم العسكرى وقياداتهم، حيث يكونون قدوة حسنة وهو ما يدخل فى الإطار العام لدعوة الإخوان• - عندما نقرأ كلمة حسن البنا رحمه الله "نؤثر أن نكون رديف غيرنا" ألا نتهم الإخوان المسلمين بالسلبية؟ لا•• فهذه كلمة لا تنم عن سلبية ولكنها تنم عن إيثار نبيل، لكن يمكن أن يكون لها آثار سلبية ، ولهذا فعندما ظهر عبدالناصر في الحلبة تصوروا أن يلعب دورا لحسابهم بجانب تحقيق مصالحه الخاصة من خلال صيغة تتضمن مساندة جمال عبدالناصر وتركه يعمل بطريقته الخاصة•• مع تعهده بأن تكون حركته ذات هدف إسلامي وأن تعمل للحكم بما أنزله الله وبهذه الطريقة لا يتورط الإخوان في الجانب الانقلابى العسكرى ويحتفظون بوضعهم التوجيهى فإذا التزم عبدالناصر بتعهده أصبحت الحركة إسلامية وأهدافهم تكون تحققت وإذا انحرفت فإن مسئولية ذلك لن تكون مسئوليتهم فهم إذن لا يتسمون بالسلبية، لكن قد تنطبق عليهم مقولة الإخوان في السودان ولعلهم نقلوها من القاهرة لتبرير موقفهم من نميرى "من خدعنا بالإسلام انخدعنا له" والإخوان المسلمون انخدعوا طائعين فعلا لجمال عبدالناصر، وهذا هو التبرير الوحيد لمسلك الإخوان تجاه عبدالناصر. - الرئيس عبدالناصر كان يري أن الثورة قامت دون وصاية أحد عليها وبالتالى بعد أن نجحت فلن يقبل بحال أن تضع تحت وصاية أحد، فى حين المرشد العام يريد أن تعرض عليه أى تصرف للثورة قبل إقراره أليست هذه وصاية؟ إن تعبير الوصاية جاء فى قرار حل الإخوان ورددته الأبواق الناصرية ، وينم عن حساسية ضباط الانقلاب وحرصهم علي الانفراد بالسلطة وليس هذا غريبا فالمنطق الذاتى يأخذ أكثر صورة فجاجة وفظاظة وتصلبا عند العسكريين وقد يتمحور حول ثورتهم وقائدهم وكانت وجهة نظر الإخوان وهى لا تعنيهم الثورة ولا القائد وما يعنيهم هو الأهداف التى تعمل لها الثورة ويلتزم بها القائد•• لأنه كيف أن لفيفا من الضباط لا يزيد عددهم عن 90 ضابطا ليس لهم خبرة بالعمل العام أو إصدار القرار السياسى قاموا بانقلاب ناجح، لكن دون نظرية ودون قاعدة من الشعب أو حتى من الجيش وإن ظفروا بالتأييد من الشعب فى الأيام الثلاثة الأولى له لأن التأييد كان للقضاء على "الملك الفاسد" وقام الانقلاب بحل الأحزاب جميعا وأبقي علي الاخوان ولم يكن هذا الإبقاء حبا فى سواد عيون الإخوان أو من باب التقوى والورع لأن الإخوان كان لهم ضباطا في الجيش وكانوا أقوياء ولهم شعبية مثل عبدالمنعم عبدالرؤوف ومعروف الحضرى ورشاد مهنا ، وكان لهم ميليشيات قوية ومدربة•• كان لهم انتشار في المدن وبين الطلبة وحوالى ألف شعبة فى قرى مصر، وتتمتع بعطف جماهيري •• وكل هذا يمكن أن يجلب له المتاعب أو حتى تقلبه وهو فى المهد ، فهل هذا الوضع يعتبر الأمثل وهو ترك قيادة الانقلاب يفعلون ما شاءوا أو أن الأفضل هو التشاور •• أفلا يتطلب التشاور مناقشة موضوع القرار قبل إصداره •• فلا يمكن أن نسمى هذا وصاية• - لماذا رفض الإخوان المسلمين اتفاقية الجلاء التى وقعها الرئيس عبدالناصر مع الإنجليز فى 28 يوليو 1954؟ تم نقدها من جانب الإخوان وتم نقدها من خلال الخطوط الرئيسية مثل جعل مدة الاتفاق 7 سنوات ويتم التشاور في السنة السابعة فيما يتخذ من تدابير فإذا كان الجلاء سيتم خلال 20 شهرا فما الداعى لمدة السبع سنوات ثم تعطى المادة الرابعة الحق لإنجلترا في العودة إلى قاعدة القناة إذا هوجمت مصر أو أىة دولة من الدول العربية وإذا هوجمت تركيا وتنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة علي إلزام مصر بالتشاور مع إنجلترا في حالة قيام تهديد بهجوم على الدول السابق الإشارة إليها، والأغرب من ذلك المادة الثامنة الخاصة بقناة السويس وتنص على أن القناة تعتبر ممراً دولىاً وتوجب احترام الفريقين لاتفاقية 1888 التى تكفل حرية الملاحة وكان يرى الإخوان أنه من الواجب النص علي تعطيل هذه الملاحة في حالة الدفاع عن النفس لأنه بذلك لن يستفيد من هذه المادة سوى إسرائيل فكان رأى الإخوان أنه من الضرورى أن تعرض الحكومة الاتفاية على الشعب وأن هذا لا يكون إلا بإطلاق حرية القول والاجتماع وترك الحرية للصحف لتنشر كل ما يصل إليها عن طريق الاتفاق وهذا يوضح أن الإخوان أبعد ما يكونون عن التفريط أو التساهل وأن نقدهم له ما يبرره• - اتهام الإخوان بالعنف أليس له ما يبرر هذا الاتهام من اغتيالات قامت بها الإخوان؟ الإخوان المسلمون فى حادث المنشية بالذات ضحية كمين اشتركت فيه بعض عناصرهم مع أجهزة الدولة وتوجد روايات كثيرة، خاصة فى هذا الحادث ولن يعرف حقيقته لأن أغلب من عايشوه أو بدوره قد ماتوا أو قتلوا ولكن توجد روايات تتلخص في أن المحاولة تمت بتدبير عبدالناصر وهنداوى دوير الذي استطاع أن يقنع محمود عبداللطيف بضرورة اغتيال عبدالناصر وأعطاه المسدس، ورسم له الخطة، بينما نفذ إطلاق الرصاص أحد أعوان عبدالناصر بمسدس آخر وما يؤكد هذه الرواية أن هنداوى قام بتسليم نفسه بعد وقوع الحادث مباشرة ولو كان مشتركا فى الجريمة فعلا لظل هاربا حتى يقبض عليه .. إنما سلم نفسه حتى يسرد اعترافات تطيح بكل جماعة الإخوان واللواء محمد نجيب علي أمل أن يكون له مكان مرموق بعد ذلك، لكن عبدالناصر تخلص من الشاهد الوحيد ضده الذى يستطيع أن يكشف الحقيقة بإعدامه ما نتيجة الشقاق أو المبارزة بين عبدالناصر والإخوان؟ انتهت بانتصار عبدالناصر الذي حل الهيئة وشنق بعض قياداتها وزج بالبعض الآخر إلي السجن الحربى وأجبرهم على أن يغنوا "يا جمال يا مثال -الوطنية" هذا الجانب السلبى على الإخوان، أما الجانب السلبى علي النظام نفسه فيتمثل أن هذه الإجراءات نفسها لوثت النظام وألجأته إلي الديكتاتورية وقيام الدولة البوليسية ومحت الانطباع الأول عن النظام وهو انطباع البراءة والتضحية والوطنية ثم بدأ مسلسل الأخطاء الذى أودي بالناصرية في النهاية وكان كل خطأ أفدح من سابقه والأخطار متمثلة في فشل الوحدة بين مصر وسوريا ثم جاءت حرب اليمن أسوأ من فشل الوحدة، ثم جاءت الكارثة التى أودت بالتجربة الناصرية وبعبدالناصر نفسه وهي هزيمة 1967 هذه أخطاء فاحشة لأن عبدالناصر رفض أن يعرض عليه الإخوان وجهة النظر الأخرى وألجم وزج بكل المعارضين إلي السجون• - معنى هذا أنه كان لا يوجد بصيص أمل للإخوان أن يعرضوا أراءهم فى أىة تجمعات أو أية منابر؟ كيف ذلك وهو قام بإلغاء الأحزاب وكان مفهوم الصحافة عنده يعنى حرية صحيفة واحدة هى الأهرام وحرية صحفى واحد هو محمد حسنين هيكل وكان هذا واحد من أكبر أخطاء عبدالناصر!! إذ ترتب عليه أن أصبحت كل الصحف الأخرى كسيحة فلم تعد تستطيع أن تركض ولا تمشى لم تعد تستطيع أن تنكفئ علي نفسها وتذبح من الأعماق حزنا علي حالها وكانت النتيجة النهائية أن فقدت الصحافة المصرية دورها الرائد والمؤثر والفعال فى المنطقة العربية بأسرها وهو الدور الذي ظلت صحافتنا محتفظة به لنفسها إلي أن حدثت واقعة التأميم التى دخلت بها صحافتنا فيما عدا الأهرام دائرة التنفس بالأمر والتكلم بالأمر، والتلفت نحو اليسار أو اليمين بالأمر• - ألم ير الإخوان أية إيجابيات للثورة أو للحقبة الناصرية؟ عبدالناصر أساء فى كل ما أحسن وأحسن فى كل ما أساء فلو عددنا الإيجابيات التى يتشدقون بها مثل مصادرة قصور وممتلكات أسرة محمد على، تأميم قناة السويس، مكاسب العمال ومجانية التعليم ، السد العالي، تمصير الاقتصاد، الوحدة بين مصر وسوريا فهذه الإنجازات لا ترى في كثير منها أخطاء أو انحرافات فهى إنجازات ذات طبيعة حسنة وكان يمكن أن تتحول إلى إنجازات لولا إساءة التطبيق التي لو لم يكن سيطرة أهل الثقة على هذه الاجتهادات لكاتب أفضل لو أعطيت لأهل الخبرة فهى من الحسنات ولكن عند التطبيق عمليا تغلب عليها جانب السيئات على الحسنات فيها بدرجات متفاوتة فأصبح يطلق علي الثورة فى أحد الكتب "ثورة السلب والنهب" وقد لا ينطبق هذا الكلام على كل ضباط الانقلاب ولكن البادئ أظلم!!ومن دعا الناس إلي ذمه ذموه بالحق وبالباطل•