على مدى عقود طويلة ظلت مجموعة من الجزر غير المأهولة في بحر الصين الشرقي سببا في تأزم العلاقات بين الصين وجارتها اللدود اليابان حيث تدعي كل منهما أحقيتها في امتلاك تلك الجزر. وإقدام اليابان على تأميم بعض الجزر وشرائها من مالكها الياباني الأصل في منتصف هذا الشهر قوبل بسفينتين صينيتين بالقرب من المياه الإقليمية للجزر لإظهار ملكيتها لها، واشتعال سلسلة من المظاهرات المناوئة لليابان في مدن الصين، وآثار المخاوف من تصعيد الأزمة بتدخل الولاياتالمتحدة في النزاع بموجب اتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين حليفتها اليابان. تكتسب مجموعة الجزر التي تعرف باسم (سينكاكو) في اليابان و (ديايو) في الصين أهميتها؛ وذلك نظرا لقربها من ممرات إستراتيجية للتجارة بالإضافة إلى كونها موقعا مهما جدا للصيد وغنيا أيضا بموارد الثروة النفطية. الجزر الثماني محل النزاع بين الدولتين تمتد على مسافة سبعة كيلومترات في المنطقة الواقعة شمال شرق تايوان وشرق الأراضي الصينية وجنوب غرب مقاطعة أوكيناوا اليابانية. النزاع بين الدولتين له جذور تاريخية حيث قامت اليابان بعد عدة دراسات جغرافية في عام 1895 بوضع علامات تدل على سيادتها للجزر وضمها للأراضي اليابانية، أما الصين فتؤكد أن جزر (ديايو) كانت منذ العصور القديمة جزءا من أراضيها وأن الأمر مهم من الناحية التاريخية وله أصول قانونية راسخة. وخلال القرن العشرين ظل أرخبيل (سينكاكو. ديايو) عاملا مثيرا للتوتر بين الدولتين، وتسبب في سلسلة من الحوادث والمناوشات المتفرقة إلا أن تحرك محافظة طوكيو أخيرا بتوقيع عقد شراء ثلاث من هذه الجزر أجج مشاعر القومية في كلتا الدولتين، ورفع حدة الخلاف إلى أعلى مستوى له منذ عدة سنوات. الحكومة الصينية قررت التعامل مع الأزمة بجدية شديدة حتى أنها لوحت باتخاذ إجراءات اقتصادية وأخرى ذات طابع عسكري، لكنها بدبلوماسية واضحة تركت لمواطنيها حرية الاحتجاج التي وصلت إلى ذروتها في 18 سبتمبر الموافق لذكرى حادثة (موكيدن) التي وقعت عام 1931، وتمثل الذكرى الأولى لغزو اليابان للصين. ففي بكين هاجم مئات من المحتجين السفارة اليابانية بالزجاجات البلاستيكية الفارغة، وتمادى بعضهم وتسبب في حدوث أضرار طفيفة لسيارة السفير الأمريكي بالصين (جارني لوك). بعض الشركات اليابانية الموجودة بالصين مثل: (تويوتا) ،و(هوندا) ،قررت تعليق أنشطتها؛ خوفا لتعرضها لهجمات المتظاهرين الغاضبين، وترتبط الصين واليابان بعلاقات تجارية قوية حيث يستثمر العديد من الشركات اليابانية في الصين، وبلغ حجم التعاملات التجارية بينهما في العام الماضي 342.9 مليار دولار، ومن ثم فإن أي خلاف مالي بين الدولتين اللتين تعدان أكبر قوتين اقتصاديتين في آسيا سيؤدي إلى تباطؤ النمو في قارة آسيا، والذي تعول عليه كبرى الدول الغربية لدفع نمو الاقتصاد العالمي المتباطئ. وسعيا لنزع فتيل الأزمة بين الدولتين، أجرى وزير الدفاع الأمريكي (ليون بانيتا) مباحثات في طوكيو وبكين داعيا كل الأطراف إلى الهدوء وضبط النفس واللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية لتفادي المواجهة. ورغم أن سياسة واشنطن تقوم عادة على عدم الانحياز في النزاعات الحدودية كما أشار (بانيتا)في زيارته لطوكيو إلا أنه أكد على التزام الولاياتالمتحدة تجاه اليابان باتفاقية الدفاع المشترك لكنه شدد على أن مصلحة الجميع تستدعي احتفاظ اليابان والصين بعلاقات جيدة. أما(شي زينج بينج) نائب الرئيس الصيني وخليفته المنتظر فقد قام بإبلاغ (بانيتا) أن مخطط اليابان لشراء الجزر ليس سوى أمر هزلي، وطالب الحكومة اليابانية بكبح أطماعها مؤكدا أن الصين لن تتخلى أبدا عن أي شبر من هذه الجزر. الموقف الصيني المتشدد من أزمة الجزر يأتي في وقت حساس حيث تعتزم الصين إجراء تغيير في قيادتها لأول مرة منذ عقد كامل في نهاية هذا العام، ومن ثم لا يمكن لأي مرشح لتولي رئاسة البلاد أن يغامر باتخاذ موقف لين تجاه أزمة الجزر. الولاياتالمتحدة من جانبها لا ترغب في تأجيج الموقف في جنوب شرق آسيا في ظل الأزمات التي يواجهها الرئيس أوباما، وهو على أعتاب الانتخابات الرئاسية والتي أضيف إليها أخيرا أزمة الفيلم المسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم)، بجانب تراجع نفوذ الولاياتالمتحدة وأزمة الركود التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي ويوليها الأمريكيون اهتمامهم الأول، كما أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في مواجهة أكبر شريك تجاري لها في العالم وهي الصين في ظل الظروف الحالية جميعها. ورغم الدعوات المتطرفة في الصين والتي دفعت إحدى الصحف إلى تجاهل الحلول الدبلوماسية غير المجدية والتوجه مباشرة لضرب اليابان بقنبلة ذرية، واستطلاعات الرأي التي تكشف أن أكثر من نصف المواطنين الصينيين يتوقعون نزاعا عسكريا بين الصين واليابان خلال السنوات القادمة، مع ذلك فإن الكثير من الخبراء السياسيين يستبعدون احتمال قيام مواجهة عسكرية بين جميع الأطراف في الوقت الحالي؛ لأن المصالح الاقتصادية لدول آسيا تتشابك جميعها وتشابك العلاقات التجارية والاقتصادية في العالم يجعل مجرد التفكير في تصعيد الأزمة عسكريا بمثابة انتحار سياسي.