نظم المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة مؤخراً ندوة بعنوان ( مرايا نجيب محفوظ ) شارك فيه الروائي يوسف القعيد والروائية السودانية بثينة خضر مكي والناقدة د.أماني فؤاد والباحثة أمينة سالم ؛ وأدار الندوة المخرج الكبير توفيق صالح في حضور عدد من المثقفين والكتاب والمهتمين بالحركة الأدبية في مصر . في إشارة سريعة في بداية الندوة نوه المخرج توفيق صالح إلى أنه جاري تنفيذ مركز باسم نجيب محفوظ يضم الأفلام التسجيلية عن حياته، وقد تم عرض فيلم تسجيلي فرنسي عن نحيب محفوظ ، صور بعض الحواري والأزقة بحي الجمالية البيئة التي نشأ فيها نجيب محفوظ وكتب عنها أغلب رواياته . قالت الروائية السودانية بثينة خضر : في بدايات تكويني قرأت الكثير من الروايات والقصص لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما من الكتاب، ولكن روايات محفوظ أخذتني تماما، امتدت تأثيرها عميقا في تكوين رؤيتي الأدبية، وبعد أن قرأت العديد من روايات نجيب محفوظ ، قرأت الرواية السودانية ، ومثلما كنت أتوقف كثيرا أثناء قراءة الكاتب الشهير "لورانس" ، أخذتني تماما أعمال محفوظ في وصفه البيئة المحلية وتفاصيل الحياة اليومية وشعور يغلب عليه التعاطف مع الطبقة الوسطي والفقراء والمهمشين ، وتقديم نماذج بشرية ، مثلما في روايات زقاق المدق والثلاثية وغيرهما. وبعد عام واحد كنت قد حصلت على مجموعة قصصية أخري ، وجدت فيها البحث عن كرامة الإنسان وحقه في العيش في سلام داخل وطنه، ويتمتع بكافة حقوقه الاجتماعية والسياسية كاملة دون اعتصام ، أدناها الصحة والتعليم والشعور بالآمان دون وجل أو خوف أو فزع من رقابة متسلطة علي حياته أو آرائه أو خطر علي أمواله غير الموالية لجهات رسمية، أو سلبه حقه شفاهة أو من خلال الكتابة الإبداعية ، النظرة الحالمة التي يبتغيها الإنسان في مواجهة الإحباط الفكري والسياسي والاجتماعي ، وفي هذا استطاع الكاتب العظيم والكبير نجيب محفوظ مواكبة المتغيرات الزمانية والاجتماعية في المجتمع المصري ، واستطاع استنباط أحداثها وشخوصها ؛ ومن هذا المنطلق، أود أن أشير إلي أنني تأثرت كثيرا ككاتبة عربية بصفة عامة وسودانية بصفة خاصة بأدب نجيب محفوظ . مؤسسة القرض الحسن الكاتب يوسف القعيد قال : " أود أن أقول معلومة وهي أن نجيب محفوظ بعدما ترك الشيخ مصطفي عبد الرازق وزارة الأوقاف نقلوه إلى مؤسسة اسمها القرض الحسن، وكان يستقبل الأسر التي تأتي لطلب مساعدات ، وجاءته الأسرة التي استوحي منها رواية " بداية ونهاية"، وأظنه اشتغل بهذه المؤسسة سنتين أو ثلاثة ، وقد قال لنا أنه حلم حياته أن يكتب قصة فكاهية تضحك ، لأنه كان يحب الضحك , ويحب سماع النكت ، وكل أسبوع كان يسأل عن آخر نكتة ويستمتع بها جدا ، لكن للأسف قلبت الرواية إلى مأساة. أما د. أماني فؤاد فقد قدمت بحثا بعنوان " المرأة ثورة لم تنجز في أدب نجيب محفوظ " وبدت الورقة تحتمل أكثر من تساؤل ..قالت " ما هو موقف نجيب محفوظ من المرأة ، أنا لا أعني هذا الموقف السطحي ، لكنه موقف عميق بعيد عن مشاعر الإعلامية ، مثل تركيزه علي عالم الغانيات ، مثل شخصيات عوالم الثلاثية أو " في السمان والخريف" أو (نور) في " اللص والكلاب" ، أو ما عالجه من شخصيات نسائية تمارس هذه المهن التي كان مصرح بها في وقت من الأوقات. على الرغم أن تصوير نجيب محفوظ لهذه الغانيات كان يحمل جانبا إنسانيا شديد الرقي ، أو نموذج المرأة الأم والزوجة المقهورة تحت وطأة الثقافة الذكورية ، أمينة في الثلاثية ، أو حتي النموذج الذي يبدو علي المستوي الظاهري إيجابيا مثل زهرة في ميرامار ، والذي يحمل في عمقه الفني هذا البعد الذكوري الذي كان سمة بعض أعمال نجيب محفوظ الروائية . ماذا قدم لنا من رؤية فنية فلسفية تشمل كيانها الإنساني وتميزاتها وسماتها الخاصة الفنية ؟ لقد وجدت أن نجيب محفوظ لم يكن له موقف فكري وفني ضد المرأة ، ولكنه أيضا لم ينشغل بموقف ثوري يخرج المرأة من قيود الثقافة الذكورية، كرست منذ أزمنة بعيدة حالا من القهر والتبعية له . المرأة ثورة لم تنجز في أدب نجيب محفوظ ، منطقة رخوة ، رغم قدرته على تصوير الكثير من القضايا والأفكار الإنسانية مثل رؤيته السياسية الثورية ، وكلنا يعلم أن نجيب محفوظ عالج الثورة منذ الحضارة الفرعونية مرورا 1919 , 1952 وما بعده من أحداث . كان باستمرار هناك رؤية فنية ثورية ، علي المستوي السياسي ، الحرافيش نفسها تنتهي بثورة تشبه ثورة الشعب ، ثورة الديمقراطية، أيضا على المستوي الفني تطويع الفلسفة ونظرياتها المختلفة والنزول بها من تجريدها وتعاليها إلي دماء وطين الحياة ، إلي تغليف يوميات الإنسان وقضاياه . جدال ومداخلة وعلق الروائي يوسف القعيد علي كلمتها قائلا : البحث الذي قدمته د. أماني وهي ناقدة تتناول موضوعاتها بأكبر قدر من الجد وأنا متابع مشروعها كله ، لكن مضطر أن أختلف معها بشكل جذري ، وتألمت من بعض الأوصاف التي أعتقد أنه جانبها الصواب فيها ، وأن نجيب محفوظ همش المرأة وجعلها منطقة رخوة وذكرت مسألة الراقصات في حين أن لدى نجيب محفوظ شخصيات نسائية ، أعتقد أن الأستاذ توفيق صالح أكثر علما مني ، وسوف أذكر مثالين فقط وهما سمارة بهجت في رواية ثرثرة فوق النيل وهي صحفية جريئة حاولت أن تكتب مسرحية عنهم وتكتب ملاحظات كثيرة ثم تكتب في النوتة التي بها الملاحظات ، وكتبت آراء شديدة الخطورة ، كتبت عن سليم حسن الذي لعب دوره في الفيلم عماد حمدي نصف مجنون ونصف ميت ، كتبت عن الممثل أنه تافه ولا قيمة له علي الإطلاق وتوسعه في الجنس نوع من الضياع ، سمارة بهجت شخصية توزن كل أبطال الثرثرة فهي صحفية إيجابية جيدة وقد قامت بدورها الفنانة ماجدة الخطيب في الفيلم وكان دور إيجابيا جدا . في الثلاثية سوسن حماد من الجيل الثالث وهي فتاة تؤمن بالفكر اليساري إيجابية جدا حقيقية جدا ، نجيب محفوظ حاول أن يقدم صورة المرأه المعاصرة ، وهو مولود عام 1911 وترك حي سيدنا الحسين عام 1919 بعد ثماني سنوات من عمره وبالتالي في أدبه كثير من الشخصيات السلبية والشخصيات الإيجابية . وأعتقد أن الرجل عرف كثيرا تركيبة المرأة المصرية وحاول أن يقدمها بأمانة ولم يكن منحازا ضد المرأة .