إن تلمس واقع المرأة العربية اليوم يشير بكل وضوح الى انه على الرغم من التقدم المشهود الذي وصلت اليه المرأة حقيقة في مجالات الحياة في الواقع العربي. الا ان هناك لا يزال الكثير من الاشكاليات لا تزال قائمة في مقدمتها تغيير بنية العقلية القبلية والنظرة الابوية البطركية التي افقدت المرأة العربية الكثير من الحضور في الواقع العربي الراهن بسبب اشكاليات فكرية ودينية ومجتمعية الحقت بها الحرمان والعوز المعيشي والاضطهاد الاسري والعنف البيتي والتحرش الجنسي والتسلط الابوي سواء من الاسرة في حالة العزوبة أو من الزوج في حالة الارتباط الزوجي. وفي ضوء الصورة التي تبدو ضبابية الى حد ما وما تطرقت اليه الكتابات في الادبيات العربية الا ان سبل الحل تكاد تدور اما في اجراءات روتينية حكومية او في عقد منتديات ومؤتمرات بروتوكولية او انشاء منظمات نسوية تفتقر الى الجدية من جهة والتكاتف مع الاخر اي الرجل لتحقيق برامجها واهدافها من جهة اخرى. ولا بد من المصارحة بان اساس اي تغيير في واقع المرأة العربية هو تغيير عقلية الرجل تلك العقلية القبلية التي ترسبت بها ارهاصات تاريخية ومجتمعية لم تعد تواكب حركة التغيير الكبيرة والسريعة في المحيط الاقليمي او العالمي اليوم، وهنا تكمن اولى اولويات عملية التغيير. من جهة اخرى، لا بد من الاعتراف بموضوعية ان المرأة العربية بشكل عام حققت بعض التطور في مجتمعها مقارنة بما كانت عليه في العقود السابقة فقد دخلت شتى مجالات التربية والتعليم الحديث في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات وفي مختلف التخصصات العلمية التطبيقية والانسانية الاجتماعية، والتحقت بالوظائف المدنية وتطوعت بالاعمال الادارية العسكرية، وتصدرت العمل الوزاري كوزير او وكيل وزير ومديرعام، والتحقت بالعمل الدبلوماسي سفير وقنصل عام وملحق ثقافي او تجاري، وعملت في الطيران والاتصالات والهندسة والطب والعلوم والتدريس وغيرها من المجالات. إلا أنه على الرغم مما تحقق تبقى هناك حاجة قائمة الى ان تتحول الانجازات الى مفاصل حياة المرأة اليومية أي حصولها على حقوق المساواة الانسانية الطبيعية باعتبارها نصف المجتمع لها ما للرجل من حقوق، وعليها واجبات ايضا للاسرة والمجتمع والدولة لا نريد ان نقارن ماوصلت اليه المرأة في اوروبا أو اميركا ونسعى اليه لانه سيدخلنا في جدل ديني وشرعي ومسألة الامكانات والخبرات، ولكننا نقارن ما وصلت اليه المرأة في دول العالم الثالث أو عالم الجنوب في اليابان والصين وتركيا والبرازيل وغيرها. فالمطالب المشروعة للمرأة في حرية العمل والتعليم والمشاركة السياسية والسفر واختيار شريك الحياة والانصاف في القضاء والمحاكم والنظر اليها بعقلانية بانها تعتبر نصف حقيقي للمجتمع لايمكن ان تبقى معطلة أو شبه معطلة، ودفعها وتشجيعها للمشاركة الجادة والفعلية في عملية التنمية والبناء والتي تشهدها بعض الدول العربية اقتصاديا وسياسيا ولاسيما التي حصلت فيها عمليات التغيير تونس ومصر واليمن وليبيا. ولكن الطامة الكبرى ان بعض الدول العربية التي شهدت ما يعرف بالربيع العربي او التغيير العربي وبعد سنوات طويلة من نضال المرأة فيها مع انظمة الحكم االتي اطيح بها من أجل ان تحصل المرأة على بعض من حقوقها، وبعد جلاء المشهد عن عمليات التغيير هذه لاحظنا عملية نكوص واحباط لافتة للنظر في واقع المرأة من تسلط تيارات غير تنويرية اعادة المشهد المجتمعي عقود طويلة ومريرة الى الوراء لاسيما مع محاولات هذه القوى النظر الى المرأة في الغالب نظرة دونية واقتصار دورها على العمل الاسري، وايقاف كل محاولات السير الى الامام من أجل استمرار مسيرة الحصول على حقوقها التي انتزعتها في الانظمة الليبرالية او شبه الليبرالية السابقة، فضلا عن ممارسة العنف والاضطهاد في اتون عمليات التغيير في تلك المجتمعات العربية، وباتت المرأة هناك تشهد نوعا من الحصار الفكري والتقهقر السياسي والاحتكام الابوي في مجتمعات لا تزال تتلمس طريقها السياسي والايديولوجي الذي يمكن أن يستمر ويطول سنوات وربما عقود لكي تعرف هل تسير بمنهج ديني أم مدني وهو صراع في ارهاصات التيارات الفكرية في الواقع المجتمعي، وهنا ستدفع المرأة العربية بالتاكيد ثمنا باهضا من حريتها وحقوقها الانسانية ربما هي اكثر من سيتكبد الخسائر في اطار الافق الفكري الضيق الذي تعيش فيه هذه المجتمعات. نعتقد ان مسيرة المساواة التي ناضلت من اجلها المراة العربية عقود وعقود تسير ببطء وربما احيانا بتراجع كل بلد عربي حسب ظروف التغيير فيه مثال واضح اليوم في تونس وليبيا واليمن وبشكل اقل في مصر وهي بصورة عامة تحتاج الى مسار رسمي حكومي واخر مجتمعي في اصدار التشريعات، والارادة السياسية والقرار الحكومي، وسن القوانين لصالح المراة وحقوقها، ومواجهة ملفات البطالة والامية التي تقف بارقام واحصاءات مخيفة في بعض الدول العربية، ودخولها سوق العمل والمجتمع المدني، وتأسيس المنتديات والجمعيات النسوية الاجتماعية والثقافية والرياضية، وخروج المراة من خانة الصمت التاريخي الى الحوار والاحتكام الى العقل ومنطق التطور، وافساح المجال امام المرأة في التعليم الاهلي والحكومي بالمشاركة أو القيادة، وفتح المصارف والاعمال المالية أمامها، وازدياد البعثات الدراسية بالداخل والخارج، واعطاء القروض والسلف لفتح المشاريع الصغيرة للمراة، والاستثمار والبناء والمشاريع العمرانية والاقتصادية والمالية، وتطوير الروابط الفنية والترفيهية بادارات نسوية، ودعم الاندية الرياضية النسوية وفتح اخرى في بقية المدن العربية وليس العواصم والمدن الكبيرة فحسب، والانفتاح العربي للرياضة النسوية في المشاركات العربية - العربية، والعربية - الاسيوية والافريقية والتي تصل بنا فيما بعد الى المشاركات الدولية والمنافسة في المحافل الاولمبية وربما تجربة اولمبياد لندن 2012 الاخيرة اثبت التخلف الكبير والمخزي للرياضة العربية النسوية وما وصلت اليه فقيرة الموارد المالية والاقتصادية وقليلة السكان والامكانات البشرية والتي حققت انجازات رياضية باهرة كانت محط اعجاب وتقدير العالم مثل اثيوبيا وكينيا وبيلاروسيا وبعض ودول الكاريبي وغيرها، هذا ان كنا لا نريد ان نتحدث ونقارن عما حققت المرأة في الدول المتقدمة من طفرات هائلة في المنجز الرياضي النسوي مثل الولاياتالمتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا وروسيا والمانيا وبريطانيا والبرازيل. إذن ما العمل كيف يمكن لنا ان نتخلص من الخطاب الانشائي الى الواقع العملي والانجاز الفعلي لتغيير صورة المرأة العربية لكي تواكب عملية التغيير الكبيرة في واقع المرأة في الجوار الاقليمي والعالم الاوربي- الاميركي. إن عمليات التغيير التي تعرف بالربيع العربي للاسف تجعلنا نتخوف على واقع المرأة العربية بانها انت تناضل من أجل الرقي والتطور في خطوات المواجهة مع الانظمة الليبرالية أو الشبه ليبرالية، نحصد الان تراجعا واضحا في ظل انظمة لازالت تتلمس افق المستقبل في صراعها من منظومتها الفكرية اساسا ،فضلا عن صراعها مع الفكر الاخر الليبرالي او اليساري او القومي. ومن جانب اخر المرأة في الدول التي لم تلامسها رياح التغيير لا تزال خطوات التغيير فيها بطيئة تحتاج الى ضغوط المجتمع الاهلي على الحكومات ومؤسسات صنع القرار كالبرلمانات والوزارات، والعمل مع الصحافة والاقلام الحرة لنهضة فكرية وتعليمية ومجتمعية تزيح عن العقلية القبلية الغشاوة الازلية وتنظر الى العرب في الكوكبة العالمية في العقد الثاني من الالفية الثالثة نظرة واقعية عقلانية لكي تنهض المؤسسات التربوية والجامعية والتعليمية والصحفية والرياضية والاهلية والحقوقية والاعلامية والفضائية من اجل العمل على تمكين المرأة العربية من المشاركة الفعلية والمساواة والحصول على الحقوق والمساهمة بالبناء والتنمية والانتقال الى ان تكون فاعلة في عملية بناء الاسرة وادارة عملية صنع القرار وبناء المجتمع والدولة التي هي اليوم بحاجة ماسة الى كل عقل منفتح ويد عاملة وخبرة محكمة وارادة جادة وخيرة لنسعى نحو ما كتبنا عنه منذ سنوات وطالبنا به بعقل تنويري مجرد وهو تجسير الفجوة بين العرب والاخر، والآخر هو الغربي فيما مضى، وبات اليوم الآخر هو ليس الغربي فحسب بل الشرقي أيضا بامتياز!