مجلس كنائس الشرق الأوسط يطلق ورشة "إدارة الأزمات"    بروتوكول بين القوات المسلحة وأكاديمية تكنولوجيا المعلومات ل«ذوي الإعاقة»    وزارة العمل: توفير 7 ملايين و240 ألفا فرصة عمل فى الداخل والخارج منذ 2014    وزيرة التخطيط تشارك بجلسة "التحول من أجل النمو العالمي" بمنتدى سان بطرسبورغ    عناوين وأماكن مجازر ذبح الأضاحي بالمجان في القاهرة والجيزة والقليوبية    ارتفاع أسعار المكرونة واللحوم وانخفاض الجبن اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    اليوم تسيير 27 رحلة جوية إلى الأراضي المقدسة    شهداء ومصابون فى قصف إسرائيلى استهدف منزلا بحى الزيتون بمدينة غزة    30 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى    بايدن يعتذر لزيلينسكى عن تأخير المساعدات العسكرية لأوكرانيا    تشيلسي يبدأ موسم الانتقالات بصفقة مجانية    أول تعليق من وسام أبو علي بعد ظهوره الأول مع منتخب فلسطين    الشرقية تستعد لانطلاق ماراثون امتحانات الثانوية    صور.. بعثة الحج بوزارة الداخلية تستقبل آخر فوج من ضيوف الرحمن بالمدينة المنورة    حملات مكثفة على المنشآت الغذائية بمركز الفرافرة في الوادي الجديد    بالخطوات تعرف على طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الإعدادية بالمحافظات    تشييع جنازة نادر عدلى في العاشر من رمضان اليوم والعزاء بالمعادى غداً    وصلة رقص ل منى زكي وجميلة عوض على أغنية عمرو دياب بحفل زفافها (صور وفيديو)    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    مواعيد صلاة عيد الأضحى 2024    «يأثم فاعله».. مفتي السعودية يوجه نصيحة لحجاج بيت الله الحرام (تفاصيل)    «مفيش بشر».. شوارع الوادي الجديد خالية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    مذكرة تفاهم بين مصر وجامبيا للتعاون في إدارة الأنهار المشتركة والتحلية    مصر وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار    مفاجأة في قائمة منتخب إسبانيا النهائية لبطولة يورو 2024    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    عيد الأضحى- فئات ممنوعة من تناول الممبار    بروتوكول تعاون لاستقطاب وافدين من أوروبا والخليج للعلاج بمستشفيات «الرعاية الصحية»    الصحف الأوروبية.. تلجراف: روميلو لوكاكو يفتح باب الانتقال إلى دوري روشن السعودي.. ديلي ميل: تشيلسي يرغب في التعاقد مع مهاجم إيفرتون    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    تفاصيل موعد جنازة وعزاء المخرج المسرحي محمد لبيب    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    سعر الدولار يرتفع في 9 بنوك مصرية خلال أسبوع    أكسيوس: فشل اجتماع القاهرة لإعادة فتح معبر رفح    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    أيام البركة والخير.. أفضل الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة 1445    أحكام الأضحية.. أقيم مع ابنتي في بيت زوجها فهل تجزئ عنا أُضْحِيَّة واحدة؟    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    بمناسبة عيد الأضحى.. زيارة استثنائية لجميع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    اليوم.. سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام في برنامج بالخط العريض    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتصار العاهل السعودي لقضية المرأة في بلاده يكشف خبايا الصراع بين الليبراليين وأصحاب دعاوي الانغلاق
نشر في القاهرة يوم 11 - 10 - 2011

في تطور نادر، وجه رئيس هيئة العلماء في السعودية نقدا للعاهل السعودي عقب قراره التاريخي الذي يقضي بمنح المرأة السعودية حق الانتخاب والترشح في المجالس البلدية، وحق التعيين في مجلس الشوري، وجاء نقد رئيس هيئة العلماء للملك بدعوي أنه لم تتم استشارته في مثل هذا الأمر، كما لم تتم استشارة أحد من علماء الهيئة علي الإطلاق . وكان قرار الملك عبدالله بن عبد العزيز عاهل السعودية بإشراك المرأة في عضوية مجلس الشوري، وفي الانتخابات البلدية، قد جاء مفاجئا علي مستوي المجتمع السعودي، وأيضا علي مستوي المتابعين للشأن السعودي في الخارج، خاصة أن المرأة السعودية لم يتم بعد تحريرها من ولاية ولي الأمر ( ذكر) لإتمام معاملاتها، كما أنها لاتزال ممنوعة من حق استخراج رخصة القيادة . ومع ذلك، فإن قرار الملك ببدء إشراك المرأة السعودية في الحياة السياسية تعيينا وانتخابا وترشحا، جاء ليقلب الكثير من الموازين في حياة المجتمع السعودي المتمسك بقوة بتقاليده، برغم أن مشاركة المرأة لن تتم قبل عامين، أي عند حلول موعد تشكيل مجلس الشوري الذي يعينه الملك ليمثل مختلف أطياف وفئات الشعب السعودي، كما أن موعد الانتخابات البلدية التي تقرر أن تشارك فيها المرأة ترشحا وانتخابا يحل بعد أربع سنوات . وجاءت هذه التطورات في ظل مناخ حيوي تشهده المملكة، حيث أجريت فيها منذ أيام ثاني انتخابات من نوعها تشهدها البلاد، وهي انتخابات المجالس البلدية السعودية، والتي يبلغ عددها 285 مجلسا، يتم انتخاب نصف أعضائها، ولا تتمتع بصلاحيات كبيرة . القرار .. ومغزاه وُصف قرار العاهل السعودي بمنح المرأة حقها في الانتخاب والترشح في الانتخابات بأنه " خطوة صغيرة " تمثل تحولات كبيرة في صراع الثقافات الجاري حاليا في المملكة . وفي غمار ردود الفعل التي أثيرت في هذا الصدد، فقد استنتج الكثيرون بأن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمنح المرأة السعودية حقوقها السياسية، جاء علي خلفية " الصعوبة الكبري " التي لا يزال المجتمع السعودي المتحفظ يبديها حول منح المرأة الكثير من حقوقها الاجتماعية . فالمرأة السعودية، حتي اليوم لا تستطيع إدارة الكثير من أعمالها بنفسها برغم التطور الذي وقع في هذا الصدد ، ولا تستطيع السفر أو استصدار جواز السفر أصلا بدون " الولي المحرم الذكر "، كما لاتستطيع استخراج رخصة قيادة سيارة أو قيادتها . ومن هنا، فقد فهمت المبادرة التاريخية للملك بمنح المرأة حقوقها السياسية علي أنه المقدمة لبداية مشوار المرأة النضالي الطويل من أجل نيل حقوقها بنفسها من خلال وجودها الفعلي في المجالس البلدية، ومجلس الشوري، وعلي حد قول الملك " إن هناك حاجة لإنضاج الظروف الاجتماعية حتي يتقبل المجتمع منح المرأة حقوقها " . علي كل، لابد من تذكر أن المبادرة الملكية سبقتها خطوات تمهيدية لفسح المجال العام أمام المرأة السعودية، ففي أبريل 2009، أبلغت وزارة التجارة والصناعة كل فروعها ومكاتبها في مدن ومحافظات السعودية بإلغاء شرط الوكيل الشرعي لسيدات الأعمال، والسماح للمرأة بإدارة أعمالها التجارية بنفسها، استنادا لقرار مجلس الوزراء رقم 120 الصادر في تاريخ 12 / 4 / 1425 هجرية، والداعي إلي زيادة فرص العمل أمام المرأة، ووفقا للضوابط الشرعية . كذلك في العام نفسه، 2009، عينت أول سيدة سعودية في منصب نائب وزير التربية والتعليم، واول سيدة في منصب وكيل وزارة الشئون التعليمية في وزارة التربية والتعليم أيضا، فيما اعتبر فتحا جديدا أمام المرأة السعودية . وكان لخطوة الملك السعودي بمنح المرأة حقوقها السياسية، أصداء واسعة داخليا وخارجيا باعتبارها نقطة تحول فاصلة في مسار التفكير في حقوق المرأة . ففي الداخل، شرعت القوي المتشددة في إبداء الآراء الحادة وتجييش الحجج الشرعية ضد حقوق المرأة عموما، وقال أحد المتشددين في هذا الصدد " كيف ستجري الأمور وفقا للشريعة الإسلامية التي تحرم الاختلاط أساسا ؟، وكيف سيتم تطبيق قرار الملك في المجالس البلدية ومجلس الشوري وتبادل الجدل في ظل الاختلاط بين الرجال والنساء ؟ أما علي المستوي الخارجي، فقد بدا واضحا اهتمام الكثير من الدوائر الغربية في الولايات المتحدة وأوروبا بأي بادرة انفتاحية تظهر علي الساحة السعودية تحديدا، حيث أعرب البيت الأبيض، والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي عن الترحيب بخطوة الملك السعودي نحو توسيع حقوق المرأة السعودية في المجال السياسي، كما خصصت صحيفة «الاندبندنت» في بريطانيا افتتاحيتها للتعليق علي هذا الموضوع، مشيرة إلي أنه بينما يقضي " الربيع العربي " مضاجع الجميع في دول الجوار، فقد بدت المملكة السعودية هادئة وكأنها بمنأي عن هذه التغييرات، غير أن هذا الانطباع يبدو مضللا، حيث تأثرت المملكة برياح التغيير القادمة من الربيع العربي، واعتبرت الصحيفة خطوة الملك انتصارا كبيرا للنساء السعوديات اللاتي صعّدن مؤخرا من حملاتهن العامة للحصول علي حقوقهن في الأشهر الأخيرة . وفي المحصلة، يتأكد أن منح المرأة السعودية حقوقها السياسية ، ومشاركتها في الانتخابات ترشحا وانتخابا، وإقدامها علي المشاركة في الحملات الانتخابية، ونشر صورها، ودخولها حلبة المنافسة السياسية مع الرجال، كل ذلك سيغير بالتأكيد من ثقافة المجتمع السعودي بالنسبة للمرأة، ويكسر الحواجز بينها وبين المجتمع والعمل العام، ويتعود الناس علي وجود المرأة الفاعل في المنتديات والاجتماعات ويسلط الدور علي رأي المرأة وقضاياها في المجالس، وتقول باحثة سياسية سعودية " أعطوا المرأة الصلاحيات والمناصب القيادية، وامنحوها فرصتها الطبيعية في الحياة، وسوف تنهض المرأة وتتقدم حتي لوتعثرت في البدايات " . يذكر أن هناك حوالي 40 ألفا من فتيات وسيدات السعودية، الحاملات لشهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وينتظرن دورهن في مسار هذا التغيير، والتعيين في مناصب مناسبة، وتشير التوقعات إلي أنه في حالة انتصار التوجه الإصلاحي الذي يقوده الملك عبدالله بن عبد العزيز المنتصر لحقوق المرأة السعودية، وفي حال إثبات المرأة السعودية وجودها في المناصب والمجالس، فإن ثقافة المجتمع السعودي المسماة بالانغلاق سوف تتغير، وتنتهي سياسة إقصاء المرأة واستبعادها، فيما تتقلص تدريجيا السلطة الذكورية المبالغ فيها في الدولة والمجتمع السعودي . صراع " التيارات " عندما وجه الشيخ صالح اللحيدان رئيس هيئة العلماء في السعودية نقده للملك بدعوي عدم استشارته في خطوة منح المرأة حقوقها السياسية، فقد جاء ذلك تعبيرا عن "غضب" المؤسسة الدينية وربما الشعور بالصدمة والتوجس الشديد إزاء خطوة الملك التاريخية، خاصة أن اللحيدان هو أصلا يعارض انتخابات مجلس الشوري، بدعوي أنها انتقاص من أهلية ولي الأمر للولاية ويقول إن الشوري هي من صلاحيات الملك ولا تكون بترشيح من الناس، ويفسر منهجه بأن الأصل أن ولي الأمر لا يفرض عليه أناس يستشيرهم ولا يحل ذلك، فإذا كان وضع ولي الأمر أنه يحتاج إلي من يفرض عليه،فمعني ذلك أنه ليس أهلا للولاية . وفي تفسير " الخلاف المكتوم " بين المؤسستين السياسية والدينية، يتردد أن ثمة علاقة جديدة بين الجانبين يجري تدشينها في وقت قريب . ويلاحظ المتابع للمشهد السعودي راهنا تصعيدا في قضية المرأة وحولها، حتي ليبدو الأمر وكأن قضية المرأة تجسد جوهر مشكلة الإصلاح الجذري في السعودية، فالانتصار لقضية المرأة ( وهي منطقة التوتر والحساسية الشديدة في الثقافة السعودية ) لهو انتصار وفتح جديد لمناحي الإصلاح الأخري سياسيا واجتماعيا في المملكة، مما يعني بكلمات بسيطة أن تغيير وضع المرأة في المجتمع السعودي، سيفتح الباب لتغييرات إيجابية في طريق انفتاح السعودية وتقدمها . هذا المعني هو تحديدا ما يجعل لقضية المرأة السعودية أهميتها، فما يجري حاليا لا يعدو أن يكون صراعا حول المستقبل، أي الصراع بين التيار الانفتاحي الإصلاحي الذي يتبني أفكارا ليبرالية تتوخي فك طلاسم الماضي والحاضر المكبل بقيود الإرث والعادات والتقاليد، والتيار المتشدد والمنغلق علي معتقداته الجامدة التي عفا عليها الزمن، وهو التيار الذي ينصب نفسه مالكا وحده للحقيقة والكمال والأصالة، وحق تقرير مصير البشر، ورسم معالم وتفاصيل الحياة كما يراها هو وحده باعتباره صاحب الصولجان المقدس، والحامي لحمي العقل ( الإسلامي ) من الدنس والعمي والخراب الديني والمشروع التغريبي . وهكذا، نجد أن قضية المرأة السعودية تعد من القضايا " الكاشفة " في مسار، ليس فقط خفايا عملية الإصلاح العسيرة في السعودية، ولكن أيضا قضية الصراع بين التيارات الدينية والليبرالية في الثقافة العربية والإسلامية في الوقت الحاضر . كما لن يتسني تفعيل قرار العاهل السعودي بمنح المرأة حقوقها السياسية بدون أن يكون في البلاد أصلا المؤسسات السياسية الفاعلة التي تستوعب المطالب السياسية للمجتمع برجاله ونسائه، فالمجالس البلدية محدودة الصلاحيات، كما أن مجلس الشوري هو في النهاية مجلس استشاري في حاجة إلي صلاحيات حقيقية في التشريع والرقابة السياسية، كما أنه مجلس معين . أما الدعوة " الإصلاحية " التي تطالب بالتحول إلي ملكية دستورية، فإنها لاتزال تواجه بالرفض، ويتعرض المطالبون بها للاعتقال، وذكر بيان أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» التي تعني بالدفاع عن حقوق الإنسان أن ناشطين سعوديين اعتقلوا بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية تطالب بالإصلاح السياسي في المملكة، كما وجهت جمعية الحقوق المدنية والسياسية " حسم " في السعودية رسالة حادة إلي المدير العام للمباحث السعودية لتحميله المسئولية القانونية لحالات الاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون السعودية، واتهمت الرسالة المباحث العامة بأنها لا تحترم سلطة القضاء في المملكة، خاصة عندما يتم توجيه الاتهامات التعسفية ومنها عصيان ولي الأمر، والتحدث إلي قنوات إعلامية أجنبية، والتحريض علي التظاهر، و " المطالبة بملكية دستورية " . الحراك النسوي ليس طريق المرأة مفروشا بالورد في أي مكان في العالم، ودائما ما تكتنفه الصعوبات والمتاعب والتضييق في البلدان المتقدمة والمتخلفة علي حد سواء، كل علي حسب درجة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك مستوي التطور القانوني والتشريعات التي تعبر عن مستوي الاحترام الحضاري لحقوق الإنسان . ولا يختلف الموقف بالنسبة لظروف المرأة في دولة مثل السعودية، اللهم إلا فيما يتعلق بالبيئة المجتمعية والتي تتستر بغطاء الدين بخصوصية كونها مركز ومهبط كل ماهو مقدس في الدين الإسلامي . ولكن، هذه البيئة المجتمعية بدأت في السنوات الأخيرة تشهد مظاهر تغيير تتناول ثوابت المجتمع وتقاليده في اتجاه أكثر عصرية وحضارية، فهناك هامش للحريات بدأ يتسع تدريجيا مع تنوع في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، مما ساعد علي نوع من تقليص مساحة المحرمات فكريا وسياسيا، وقد أدي ذلك إلي خلخلة الأرض نسبيا تحت صروح القوي المحافظة، خاصة وقد بدأت مؤشرات تدل علي الانصراف عنها مجتمعيا حيث بدأت تتبلور تيارات محافظة أكثر اعتدالا وتكيفا مع ظروف العصر . كذلك نشهد في سياق الحياة المتجددة سعوديا انتشار حلقات الحوار المجتمعي والملتقيات الفكرية وحلقات التفاهم الوطني والتي تقلص المساحات الفكرية بين المتحاورين بمختلف ألوانهم سياسيا وفكريا، هذا، فضلا عن تشكل العديد من منظمات حقوق الإنسان، مما يؤدي إلي جعل الانتهاكات لحقوق الإنسان بعيدة عن السرية، كذلك تشكل جمعيات وروابط مهنية تقترب من صورة النقابات التي تدافع عن مصالح منتسبيها . وحتي علي المستوي الشكلي، يلاحظ أن شباب السعودية بدأوا في الظهور بملابس عصرية واستخدام الجينز والتي شيرت بدلا من " الثوب والشماغ والعقال " والذي تفرضه الحكومة كزي رسمي في أجهزتها وعلي من يتعامل مع هذه الأجهزة، حيث بدأت بواعث تحول الزي إلي عنصر إرادي فردي بدلا من الإلزام الجماعي المفروض من أعلي. هذا التغيير في بيئة المجتمع السعودي تواكبه درجة مناسبة من " الحراك النسوي " الذي يهدف إلي تغيير المصير المحتوم للمرأة في " مملكة الصمت "، فالمرأة السعودية ناضلت ضد ذهنية التحريم التي تحوطها من كل جانب، وسعت للمشاركة في المؤتمرات والندوات وورش العمل خارج السعودية أكثر مما كان في داخل المملكة، ومع اتساع هذه المشاركة اتسع أفق
المرأة وتضاعفت خبراتها سياسيا وحقوقيا وتدربت علي كثير من أساليب وأدوات العمل الجماعي ومهارات الدفاع واكتسبت مؤهلات للمنافسة والوعي بحقوقها، وظهرت ناشطات سعوديات علي أرفع مستوي من المهارة الحوارية والفهم العصري لمقتضيات التطور السياسي والاجتماعي، مما يجعل تفعيل عمل ونشاط هؤلاء الناشطات مكسبا وطنيا للجهد الوطني السعودي من أجل التقدم والنهضة . وفي السياق، نظمت المرأة السعودية حملات داخلية للدفاع عن حقوقها، فهناك حملة لمنح المرأة حق قيادة السيارة، وحملة لزيادة مشاركة المرأة في الانتخابات، وتقول باحثة سياسية مميزة إن المرأة السعودية ليست هينة ولا ضعيفة ولا صامتة ولامستكينة، وقد دخلت المرأة السعودية عالم الإعلام الاجتماعي بقوة، وتشارك في المناقشات في الموضوعات السياسية والاقتصادية والدينية وفي الأدب والفن والشأن العام المجتمعي عموما، وقد عبرت المرأة عن نفسها وأحلامها ومشاكلها بشجاعة تتحدي كل المعوقات . ويعود هذا الزخم في حراك المرأة السعودية إلي حجم الظلم الاجتماعي الضخم الذي تعرضت له، ويكفي أن نذكر واقعة مشينة في هذا الصدد، ففي عام 2002، شعر المجتمع السعودي بغضب شديد عندما شب حريق في إحدي البنايات المدرسية، ومنعت شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التلميذات من الخروج والفرار من النيران المشتعلة بحجة أنهن لا يرتدين الحجاب، مما أدي إلي مقتل 15 منهن . ويتساءل كاتب سعودي متعجبا " ماذا لونظمت المرأة السعودية مليونية من أجل حقوقها ؟ " وطبعا هو تساؤل له مغزاه، وربما جاء في معرض تذكر الكاتب لأحداث جديدة شهدت غضبا نسويا واضحا، فقد تجمهرت مئات الطالبات مؤخرا أمام أربع جامعات، واقتحمن إحداها احتجاجا علي اجراءات القبول والتسجيل متهمين إدارة الجامعة بالمحاباة والمحسوبية، وهكذا دافعت الطالبات عن مستقبلهن دفاعا عمليا، بدلا من الصمت الذي كان رد فعلهن الوحيد في الماضي، وفي واقعة أخري تجمهرت مئات من الطالبات في مبني جامعة ام القري واعتدين علي الموظفات وحطمن النوافذ والأبواب غضبا، وربما يدفع ذلك إلي التساؤل : هل تسبق غضبة النساء غضب الرجال في السعودية ؟ مستقبل الدولة الدينية يمثل قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز فتح الباب لحصول المرأة السعودية علي حقوقها السياسية " انقطاعا " في التيار السعودي العام فيما يتعلق بقضايا المرأة، ويكفي للتدليل علي صحة ذلك مراجعة أحد تصريحات مسؤل سعودي كبير منذ عدة أشهر أكد فيه آنذاك أن المرأة السعودية لن تدخل إلي المجالس البلدية ولا مجلس الشوري طالما هو علي قيد الحياة، وكان هذا التصريح بالطبع امتدادا للقواعد المعتادة في معالجة السعودية لكل ما يتعلق بالمرأة، ويفسر ذلك مثلا أن السعودية تحفظت علي المعاهدة الخاصة بمكافحة التمييز ضد المرأة بدعوي تعارض بنودها مع الشريعة الإسلامية، وعندما صادقت السعودية علي معاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة في عام 2000، فقد امتنعت عن المصادقة علي البرتوكول الإضافي، وتحفظت علي مواد الاتفاقية الأصلية التي تشمل مكافحة جميع أنواع التمييز ضد حقوق النساء، وضمان حقوقهن السياسية والشخصية، وطبعا ظلت حقوق المرأة السعودية منتقصة و بلا تغيير فيما يتعلق بالولاية (الوصاية) عليها، وحقوق الاختيار للزواج، وحقوقها بعد الطلاق، وحقها في التنقل وقيادة السيارة، وشبه انعدام وجودها في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية . ومع أنه من غير الممكن تجاهل التغيير النسبي الذي شهدته المملكة في السنوات الأخيرة، فإن الطابع العام الغالب علي الحياة في السعودية يتمحور حول " منظومة القيم الدينية " وفرض الالتزام الديني قسريا عن طريق النظام الإداري والقانوني وتوظيف أنظمة التعليم والثقافة والإعلام لخدمة هذا الغرض بالدرجة الأولي، حفاظا علي " النسق الأخلاقي " الذي يتفق وطابع الدولة الدينية . ويبقي السؤال : هل ضمن النسق الديني / الأخلاقي الملزم للمجتمع السعودي حقوق المرأة بصورة مثلي ؟ وهل حقق هذا النموذج الديني / الأخلاقي الملزم الصورة المثلي للتنمية البشرية للرجل والمرأة؟ يري الباحث حمزة القزاز أن نموذج الدولة الدينية في السعودية، والقائم أساسا علي الفصل بين الجنسين وعدم الاختلاط الطبيعي بين المرأة والرجل في الحياة العامة والمناسبات الخاصة، يؤدي إلي نتائج سلبية عديدة منها : تعويق العلاقة الطبيعية بين الجنسين في حالة اختيار شريك الحياة ومن ثمة زيادة نسبة العنوسة والطلاق في المجتمع السعودي، حيث يقدر بعض الباحثين عدد العوانس في السعودية بحوالي 4 ملايين علي مدي السنوات الخمس القادمة، كما تعتبر السعودية الثالثة عربيا والأولي خليجيا في نسبة حالات الطلاق ( وهو أبغض الحلال ) الذي يصل إلي 60% من معدلات الزواج . كذلك من نتائج الفصل بين الجنسين حرمان المرأة من دراسة العديد من التخصصات العلمية وبالتالي حرمانها من الالتحاق بسوق العمل فلا تتجاوز نسبة المرأة به 5 % من قوة العمل البالغة 7 . 7 مليون نسمة بالرغم من أن المرأة تشكل 60 % من خريجي الجامعات، ولايزيد عدد العاملات السعوديات علي حوالي 5 آلاف سعودية من إجمالي الإناث البالغ 4 . 8 مليون نسمة، ما يعني إهدار نسبة لا تقل عن 50% من الموارد البشرية . من ناحية ثانية، لم تؤد البيئة الدينية التي تفرض نسقا أخلاقيا إلزاميا علي المواطنين إلي تقليص أو اختفاء الجريمة في المجتمع السعودي، سواء جرائم القتل أو الاغتصاب أو غيرها، وفي عام 2005 بلغ عدد الجرائم 90 ألف جريمة، بمعدل جريمة لكل 252 فردا، وبما في ذلك الجرائم التي تمس الدين والأسرة، والعنف ضد المرأة والطفل . أما الظاهرة المقلقة حقا، وفقا للقزاز،فتتمثل فيما يسمي بظاهرة " الزواج السياحي " بمعني سفر الرجال السعوديين إلي بلدان عربية وخليجية وأجنبية، بهدف الزواج المؤقت الذي لا يستمر سوي أسابيع، ويعقبه طلاق سريع، مع إنفاق مليارات الريالات السعودية التي قد تصل في بعض السنوات إلي 100 مليون ريال، بمعدل 15 ألفا لكل زيجة، وتكثر ظاهرة الزواج السياحي للسعوديين في مصر والمغرب واليمن وسوريا والهند والفلبين بسبب ظروف الفقر التي تدفع الأسر للقبول بهذا النوع من الزواج، الذي تترتب عليه الكثير من المآسي للمرأة والطفل معا، ويفسر البعض ظاهرة "الزواج السياحي " بأنها محاولة للخروج عن إسار التقاليد الصعبة في المجتمع السعودي . ثم نصل إلي نتيجة أخري لنموذج الدولة الدينية التي تفرض فرضا نسقا أخلاقيا مصطنعا يضيق من نطاق الحياة العامة، فمن المعروف أن السعودية تفرض رقابة صارمة علي المطبوعات الثقافية والفكرية، الأمر الذي يضيق من نطاق الإبداع والتنوع الفكري والثقافي، ويقلص من فرصة الاطلاع علي ثقافات وأفكار الآخرين، كما أنه لاتوجد صالات للسينما وتقل فرصة العروض المسرحية أو معارض الكتب، وأماكن الترفيه العادية الموجودة في المجتمعات الطبيعية، الأمر الذي يدفع السعوديين لتفضيل السفر إلي الخارج، وتحديدا إلي دبي وأبو ظبي والكويت والبحرين، والدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، سواء بهدف السياحة وقضاء أوقات للترفيه ومشاهدة الأفلام او المسرحيات،وإنفاق ملايين الريالات، أو السفر بهدف العمل في بيئات تتيح مساحات أكبر من الحرية والانفتاح، وبالطبع، فإن هذه الظاهرة تؤثر سلبا علي الموارد البشرية والانتاجية في السعودية، وبينما كان الغالب علي هذه السفرات والهجرات أنها تتم أساسا من جانب الرجال، فإن الجديد أنها بدأت تنتشر بين النساء السعوديات اللاتي يفضلن السفر أو الهجرة إلي الكويت والبحرين بهدف العمل في الطب والمحاماة والصحافة والإعلام، وهي الفرص التي لا تتاح لهن في وطنهن . وأيا كان الأمر، فالشواهد تؤكد أن النموذج السعودي يشهد تغييرات نسبية، قد تزيد عمقا وتنوعا في السنوات القادمة، ومن الارهاصات في هذا الصدد ما تؤكده الباحثة الألمانية أولريكة فرايتاج مديرة مركز الشرق الحديث في العاصمة برلين والتي ألفت كتابا عن التغيير في السعودية، والتطور الذي شهدته وتشهده المملكة، وأكدت من خلاله أن التغيير في السعودية يجري ولكنه يجري بطيئا، وأن أصعب أنواع التغيير هو التغيير الثقافي، وأن لدي الملك عبدالله بن عبد العزيز رؤية شاملة للتغيير، ولكنه يراعي توجهات المجتمع، وآراء العائلة الحاكمة، واتجاهات العلماء ورجال الأعمال.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.