فاز الدكتور محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية ؛ وبذلك يصبح أول رئيس مدني منتخب وأول رئيس للجمهورية الثانية التي لا تكسوها سمة العسكر ومنطقها، وفي هذه الصفحة طالما وجهت انتقادات لرئيس مرسي في أثناء تدشينه لحملته الانتخابية ولكن لم يكن الانتقاد لشخصه بقدر ما كان لفكر ومنهج وطريقة عمل الجماعة التي ينتمي إليها ، أقصد جماعة الإخوان المسلمين التي عانت عقوداً طويلة من الحظر وربما يواجهها نفس المصير التاريخي لها الشهر بعد المقبل . وثمة فرق بين نقد شخص في ذاته وبين انتقد منهج لفصيل سياسي بات شبه مرفوض في الواقع المجتمعي ، فنقد الشخص لا يعد مطلباً رئيساً يسعى إليه الصحفي أو السياسي لاسيما وأنه صار رئيساً للوطن الذي لا نعيش فيه فقط بل نتمرمغ في ترابه أيضاً من العشق والهوس بمحبته ، أما انتقاد فصيل سياسي فهذا لا يعد من باب الهجوم الشخصي بقدر ما هو تنبيه إن جاز لي التعبير لرئيس الجمهورية الثانية الدكتور محمد مرسي لأولئك المهمومين بالتصوير بجانبه أو من حفنة السياسيين الذين احترفوا إصدار التصريحات السياسية المرتبطة باسم الرئيس وأنا ربما أدعي العلم بأن الرئيس محمد مرسي لا يعلم عن مثل هذه التصريحات التي تضر بالوطن أكثر مما تفيده. ولقد استفزني ما سمعته من تصريحات وتنبيهات وأوامر من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بشأن ما سيفعله الرئيس محمد مرسي بعد فوزه رغم أن الرئيس نفسه لم تصدر عنه أية تصريحات تقلل من رصيده لدى المصريين الذين انتخبوه وتمحو رصيده السياسي لدى الملايين التي لم تصوت له من الأساس ، وعجب هذه التصريحات أنها لا تتعلق بالشأن المصري الداخلي كالاقتصاد الذي سينهار عما قريب والبورصة التي بدأت في ترنحها النهائي قبيل السقوط ، ولا عن رصيد مصر من القمح الذي سيكفينا حتى يناير القادم ، أو حتى عن مصائب وأزمات التعليم الجامعي وما قبله ، بل وجدت هذه التصريحات تتعلق مثلاً بمكان وزمان حلف الرئيس المصري المنتخب لليمين الدستورية حتى سمعت بأذني أن يقوم الرئيس محمد مرسي بحلف اليمين أمام شاشة التلفاز، وكأن هذا هو الذي سيضمن مصر أمنها الغذائي في الأيام والشهور المقبلة . وثمة تصريحات أخرى عن حرب وشيكة مع الكيان الصهيوني في الوقت الذي يعاني الوطن من حروب داخلية بالفعل أبرزها الأمن المفقود والانفلات الأخلاقي والغذاء وأزماته والبنزين الذي أصبح كالعفريت المنتظر خروجه من مصباح علاء الدين . ولكن المشهد السياسي يحتاج لمثل هذه التصريحات التي تعرقل الحياة السياسية نفسها في مصر بدلاً من تسيير الأعمال بصورة طبيعية . ليس هذا فحسب بل وجدنا من يظهر علانية في الفضائيات الفراغية التي زادت من أوجاعنا وهمومنا ليؤكد أن الرئيس محمد مرسي سيفعل كذا ، وأنه سيحاسب هذا ، ولن يقبل مصالحة مع هؤلاء ، أو أنه سيعقد صفقة أخرى مع هؤلاء ، وغير ذلك من الترهات السياسية التي تودي بالبلاد نحو فتنة محمومة. وكم هو غريب أن يظن أولئك المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أن بفوز الدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة هو فوز لهم ، لأن الدكتور مرسي أعلنها صراحة بأنه رئيس لكل المصريين وليس لفصيل لم ندرك كنهه بعد هل هو سياسي أم ديني أم كلاهما معاً . وهؤلاء ظنوا عبثاً أن الوطن أصبح في قبضتهم ، وأنا تربطني صداقات عميقة مع شخصيات أكثر تعصباً للجماعة وفكرها وتقريباً نجلس سوياً كل ليلة بصحبة أصدقاء ينتمون لتيارات سياسية متباينة إلا أن هؤلاء المنتمين للجماعة يصرون على اقتناص الحديث وحدهم عن الوطن وعن مستقبله ، وهم في ذلك لا يسعون فقط إلى مصادرة المستقبل فحسب بل هم أيضاً يعلنون قتل الماضي صراحة ؛ وحينما يحدثونك عن التغيير الذي سيحدث على أيدي الدكتور محمد مرسي فهم يحدثونك بصيغة الآمر الناهي ، أو يتقمصون بدورهم شخص رئيس الجمهورية الذي بدا في الحقيقة من خلال تصريحاته أنه متحمس فعلاً لإعمار وإصلاح الوطن وأنه لم يجئ لخصومة مع فصيل أو طائفة بل هو خادم للشعب وهذا بدوره كفيل لأن يصمت ويكف هؤلاء المتخرصون عن تصريحاتهم وادعاءاتهم . أما الشئ الفريد في نزيف تصريحاتهم التي لا تنقطع ليل نهار هو أنهم يتلوكون بخطاب استعلائي لم نجده عند الرئيس محمد مرسي ، بل تمثل فيهم فقط دون غيرهم ، فهم يرون أنهم سيفعلون كذا حين توليهم أمر وزارة الداخلية ، وسيقررون مغادرة السفير الإسرائيلي حينما سيتسلمون حقيبة الخارجية ، أما التعليم فهذا المسئول سيغادر الوزارة فوراً وهذه المديرة لا ينبغي أن تمكث طويلاً بمقعدها ؛ ليس هذا فقط بل تجد معظم إخواننا الأعزاء من الجماعة يلهبون حديثهم السياسي بالعودة الحتمية لمجلس الشعب وإلغاء قرار حله وكذلك بطلان الإعلان الدستوري المكمل وضرورة أن يتولى الحكومة رئيس إخواني وكذلك جميع الوزراء حتى يتحقق للجماعة حلم حكم البلاد وتحقيق مشروعهم هم وحدهم دون بقية العباد ، وكأنهم فعلاً في حالة خصام طويل مع الوطن وأبنائه وكم هو واجب علي وعلى غيري أن يلفت انتباه الرئيس المصري المنتخب بإرادة شعبية بأمر هؤلاء الذين يضرون عن غير قصد بسمعة ومكانة الرجل ومنصبه الرسمي الرفيع . إن الذين يعتقدون ظناً وخطأً بأن مصر لانت لفصيل سياسي بعينه لهو متوهم لأن مصر أمة تسع الجميع ولا يستطيع فصيل أو طائفة تدعي أحقيتها بامتلاك الوطن أو الحديث باسمه ، أولاً لأن مصر الوطن تختلف كثيراً عن مجلس لنواب الوطن ، ومصر البلاد العريقة الضاربة في القدم متباينة شديدة التباين مع مقر يجمع بعض المنتمين لفكر أو رؤية محددة مقصورة وملزمة لأعضائها فقط .. مصر كبيرة..