استقالة المرشد، فجّر قضية مهمة تتمثل في كشف العوار، الذي يعتري العمل التنظيمي والإداري للجماعة بما يهدد توصيل رسالتها أو لعب دور مهم في المجتمع، فحين اتهم القرضاوي جماعة الإخوان بالخيانة والتفكك والانقسام، لم يكن يقصد الطعن فيها بقدر ما أراد أن يكشف العديد من مفاسد مكتب الإرشاد في مصر، وينتقد الصراعات التي تدور في المكتب، وفي مجلس شورى الجماعة بسبب وجود جبهات متعارضة يحمل كل منها فكرا مختلفا، ويتنازع على المواقع القيادية، لتتحول رسالة الإخوان من الحيز الاجتماعي إلى الحيز السلطوي، وهي بذلك تقع في الأخطاء نفسها، التي يقع فيها النظام الحاكم، الذي تنتقده. جاء هجوم القرضاوي متزامنا مع الأزمة، التي وقعت في مكتب الإرشاد بسبب محاولة المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف تصعيد الدكتور عصام العريان في منصب قيادي بالمكتب، الأمر الذي أدى إلى أزمة بين جبهتين داخل الجماعة إحداهما تقف في صف المرشد، وتؤيد رأيه، والأخرى تجد في هذا التصعيد إبرازا لنجم العريان، وتفوقا واضحا له قد يجعله المرشح الأول لخلافة المرشد، ما يهدم طموحات آخرين يطمعون في هذا المكان، وتكمن خطورة الانتقادات، التي وجهها القرضاوي للجماعة في كونه أحد منظريها الكبار، وأحد قياداتها السابقة، وكان يحضر اجتماعات التنظيم الدولي للجماعة بصفته ممثلا عن الإخوان في قطر قبل أن يعتزل العام بالجماعة، كما أن أحدا لا ينسى تاريخه في الجماعة وتعرضه للسجن أكثر من مرة في الخمسينيات والستينيات بسبب انتمائه للجماعة، وأن منصب المرشد العام عرض عليه أكثر من مرة إلا أنه اعتذر عنه، وبهذه الانتقادات، التي وجهها للجماعة في مصر، يكون قد أعاد الحياة بشكل كبير إلى تنظيم الإخوان في الخارج، وأوضح مدى قوة هذا التنظيم، وأنه موجود، وعلى مستوى الأحداث، ويمكن أن يتدخل ويؤثر فيها في أي لحظة، فانتقاداته التي أوضح، فيما بعد للمرشد أنها لم تخرج بهذه القسوة التي نقلتها وسائل الإعلام، وأنها لم تصل إلى درجة اتهامهم بالخيانة، كانت موجهة بالأساس لصالح جبهة المرشد ولصالح د. عصام العريان، الذي سبق، وأن ذكر أكثر من مصدر تابع للجماعة أنه كان أساس الخلاف في الاجتماع الأزمة، الذي كاد يودي بالمرشد، لتبدو المسألة في النهاية، وكأنها صراع على مناصب ومراكز قيادية داخل الجماعة لأسباب شخصية، وليست لصالح الجماعة، وانطلقت الاتهامات في اتجاه الجبهة الأخرى بأنها تحيد بالجماعة عن الدور المنوط بها، وتستهدف إغراقها في الروتين والإجراءات المعقدة التي تحول دون تنفيذ أهدافها. كان القرضاوي من أكثر الأصوات وضوحا، التي خرجت لتعلن أن الجماعة تمثل الإسلام الوسطي، ولا تشجع العنف والتطرف، وأنها مؤهلة لتولي الحكم في مصر، بناء على تصوره بأن الجماعة تضم شبابا مثقفا واعيا يريد خدمة المجتمع ويعمل على ذلك، ومن ثم كانت الأزمة الأخيرة بمثابة صدمة للشيخ، فالتصور القديم عنها كاد يزوي ويموت بسبب التناحر والتنازع على المناصب القيادية واختفى الدور والرسالة في خضم تلك المعركة، ولذلك جاءت انتقاداته لاذعة وتحمل الكثير من الانفعالية، وباعتباره ناشطا في المؤتمرات الدولية بصفته رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فمن الممكن أن تكون انتقاداته هذه تعبر عن وجهة نظر جماعة الإخوان في الخارج أيضا، سواء "إخوان المهجر"، أو الإخوان في الدول العربية، ما يبرر الانفعال لكونه يرى نموذج الجماعة، التي يرى فيها وسطية الإسلام والجانب الخدمي للمجتمع، و نبذ العنف واستبعاد التنظيمات السرية، ينهار أمام عينه، وتختفي كل هذه المميزات التي تمنح وجودها القوة الحقيقية لصالح مقومات أخرى سلبية تحجم دورها، وتلغي طموحها الرئيسي. لا أحد ينكر قوة الإخوان في الخارج "إخوان المهجر"، إذ يمثلون شقا تمويليا مهما لأنشطة الجماعة، ومن ثم يمكن أن تكون قوتهم هذه مدخلا للعب دور في إدارة الأزمات الداخلية في تنظيم الجماعة الأم، وربما يأتي الوقت الذي يتدخل فيه إخوان المهجر للفصل في الخلافات، التي تنشب داخل مكتب الإرشاد أو تحديد المرشد القادم، وقد تكون انتقادات القرضاوي، التي كشفت عن طبيعة الانقسامات الداخلية والصراعات داخل الجماعة مؤشرا على اقتراب موعد هذا التدخل، خاصة وأن حالة عدم الرضا والتطاحن تسود في الجماعة، وهناك ما يشبه المناظرات والتصريحات الهجومية والدفاعية يتبادلها أعضاؤها، مع قرب موعد انتخاب المرشد، ووصلت هذه التصريحات في بعض الأحيان إلى اتهام الجماعة من داخلها بتزوير الانتخابات، وفساد الهيكل الإداري والتنظيمي، ما يجعلها تدور في دائرة مغلقة في خط متواز مع النظام السياسي، الذي تعلن دائما عدم رضاها عنه لنفس العوامل، التي تعاني منها حاليا، وبذلك فهي لا تقدم بديلا، وإنما تقدم نموذجا موازيا غير قادر على إدارة شؤونه الداخلية فضلا عن إدارة حركة مجتمع أو دولة.