"الاختلاف فى الرأى لا يُفسد للود قضية " عبارة تتردد على ألسنة العرب وللأسف لا يعملون بها، فقد نشأت الغالبية العظمى فى مجتمعنا العربي على ثقافة يسود فيها الخلاف، الخلاف بمعنى مخالفة كل ما يعارض أفكارنا وتفكيرنا وميولنا، و ثقافة الإختلاف تلك تأصلت بداخلنا من خلال بسبب الأنظمة القبلية التي سادت ولا تزال سائدة في بعض الدول العربية، بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية والمهيمنة والديكتاتورية التي حكمت ولا يزال معظمها يحكم دولنا العربية، الشيء الذي جعل معظمنا يتبنى ثقافة الخلاف ويرفض الإختلاف شكلاً ومضمونا،ً حتى داخل الأسر نجد هيمنة كبير العائلة على بقية أفراد الأسرة في اتخاد القرارات وإصدار الأحكام وحتى في فرض أفكاره، وجعلهم يتبنوها دون السماح بمناقشتها وإبداء الرأي فيها، وهكذا يقلد الأب الجد في السير على منوال والده، والإبن مع إبنه حتى انتشرت العدوى في المجتمع كانتشار النار في الهشيم، كما يرجع ذلك إلى عدم اتباع سيرة محمد عليه الصلاة والسلام والذي كان يؤمن بثقافة الإختلاف والتي هي مناقضة لثقافة الخلاف حيث أنه كان عليه الصلاة والسلام يشاور حاشيته ويستشيرهم ويأخذ بآرائهم ومقترحاتهم، وفي زمننا هذا لكبير العائلة ولمن هو أكثر منا منصباً وجاهاً الحق في قبول ورفض أي شيء، وكلامه مقدس ولا يصح مناقشته أو حتى إبداء ملاحظة على كلامه أو أعماله وقد يكون مصير الفرد السجن، وفي بعض البلاد العربية القتل إن تفوه برأي مخالف أو مناقض لكلام الزعيم، وهذا ما يجعل مجتمعاتنا أغلبها فاقدة لروح المبادرة وللإنتاج الفكري والثقافي والفني بالإضافة إلى استفحال مظاهر الإجرام والقتل والإرهاب ولذلك آثار سلبية على تنشئة أطفالنا ونموهم الفكري والقيمي نتيجة لترعرعهم في ثقافة خلافية تجرم وتكفر وتقصي كل من سولت له نفسه مناقشة كبيرنا من الأب إلى الحاكم، ونجد عكس ذلك في الدول المتقدمة والديمقراطية، حيث أن الطفل يغرس فيه ثقافة الإختلاف والنقاش والمساءلة، وتوفر له كل الإمكانيات لينشأ في بيئة سليمة تعترف به وبأفكاره وتشجعه على التميز والإختلاف، كما يتم تلقينه احترام الرأي الآخر واعتبار الإختلاف في الأراء والمعتقد والفكر من سنن الحياة ومن طبيعة الكائن البشري، فثقافة الإختلاف إذن تعني احترام كل وجهة نظر ورأي واختيار مخالف لأرائنا وأفكارنا واختياراتنا وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الإحترام والهدوء وسعة صدر وذلك بفسح المجال لصاحبها للتعبير عنها وشرحها، فكما هو معروف، فاختلاف الآراء والأذواق والأفكار رحمة وقد تكون سبب ازدهاز المجتمعات واغتنائها، أما الخلاف فهو يسبب في تحجر المجتمعات وتخلفها وجر الويلات عليها، الصورة - أي صورة - يجب أن ننظر إليها من عدة زوايا لا من زاوية واحدة، ولا يوجد إنسان واحد - مهما أوتي من علم وإدراك - يستطيع أن يدعى بأنه يمكن الإحاطة بصورة واحدة من كل زواياها، وإذا وجد من يدعى هذا فهو واهم، وإذا جاء من يفرض علينا الصورة من زاوية واحدة فأقل ما يوصف به أنه مجرم، ومن هنا عظم دور النخبة المثقفة في كل زمان وكذا دور صناع الفكر في كل مكان، إذ علي عاتقهم جميعا تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند العامة ، وعلي عاتقهم تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند بعضهم البعض، وكل من يسعى إلى تقديم اكبر قدر من الزوايا الجديدة للصورة الواحدة فهو قوة من قوى المجتمع الإيجابية التي يجب أن تقدر وتجل، أما المتلقي - أنا وأنت - فما علينا إلا السعي للإلمام بأكبر قدر من الزوايا والرؤى المختلفة للصورة الواحدة وحينما يدرك أي منا قصورا أو خللا عند صاحب رؤية أو صاحب فكر، فكل ما علينا أن نتحلى بالإيجابية ونعرض تصورنا ورؤيتنا لهذه الزاوية القلقة - من وجهة نظرنا - عند الآخر وليكن الهدف والقصد من وراء كل ذلك أن نكمل ما عنده من قصورأو لنضيف له زاوية غائبة، أو لنزوده ببعد كان عنه مطموساً على أن يتم كل ذلك في جو من التقدير والاحترام لكل صاحب رأي سواء اتفقنا معه أو اختلفنا إننا بذلك نعمل على نشر ثقافة الاختلاف في مجتمعاتنا وعلى القاعدة العريضة في المجتمع أن تنمي ثقافة الاختلاف فيما بينهما وعلينا جميعا ألا نصدر أحكاما إعدامية على الزوايا الجديدة، والرؤى المختلفة، والآراء المبتكرة بل نربي أنفسنا - ومن حولنا - على ثقافة الاختلاف فيما بيننا وفى الوقت نفسه نربي مجتمعاتنا على أن كل إنسان - مهما كان - يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم وليكن شعارنا: نتفق فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه وقبل كل ذلك نذكر ونتذكر قول العزيز الحكيم :" لا إكراه في الدين- وهكذا- وبهذه الروح، وبهذا الفكر تهرب السلبية والتبعية من حياتنا وتظلل الإيجابية مجتمعاتنا إيجابية يستفيد منها ويسعد بها المجتمع بأسره إيجابية ترقى بنا حتى نصل إلى أقرب درجات الكمال، وأفضل درجات التصور للأمور من حولنا وعندها نستطيع أن نصدر أحكامنا على أي من الأمور التي تهم مجتمعاتنا بكل شجاعة وأقدام وبعدها نستطيع أن ندلي بآرائنا، تصوراتنا واجتهاداتنا لنغير أو نعدل، لنبدع أو نطور كل جديد يفيد مجتمعاتنا في ظل ثوابتنا العظيمة وفي ظل ثقافة وأدب الاختلاف .