نشأت أغلبية مجتمعاتنا العربية علي ثقافة يسود فيها الاختلاف. الاختلاف بمعني مخالفة كل ما يعارض أفكارنا وتفكيرنا وميولاتنا. ويرجع سبب ثقافة الخلاف التي نعاني منها كشعوب عربية إلي الأنظمة القبلية التي سادت ولا تزال سائدة في بعض الدول العربية بالإضافة إلي الزعامة السياسية الأحادية والمهيمنة والديكتاتورية التي حكمت ولاتزال معظمها يحكم دولنا العربية. الشيء الذي جعل معظمنا يتبني ثقافة الخلاف ويرفض الإختلاف شكلا ومضمونا. وتعد ثقافة الاختلاف في الرأي من أهم الثقافات الغائبة عن مجتمعنا وحتي وإن توحد الهدف. فعندما تصادر الاراء والسبب هو اختلافها فهذا من أكبر المصائب التي أبتلينا بها وهو بعيد عما يقوله سبحانه "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". فكيف إذا كان الاختلاف في الطريقة فقط مع أن الهدف واحد والغاية واحدة وهي مطالب مشروعة للكل. فهل يعطي هذا الحق لمن يختلف في الطريقة ويتفق في الهدف بان يسقطني ويتهمني بالخيانة. فتستطيع الحكومة تدبير الأموال اللازمة لتمويل احتياجات الدولة خلال الفترة الحالية. وقد تنجح في تعديل وتنفيذ كل القوانين الخاصة بتصحيح مسار العمل السياسي. أو تتمكن من تحسين موقف مصر التفاوضي في مشكلة مياه النيل.. لكنها بالتأكيد لا تستطيع فرض قيم الديمقراطية علي المجتمع المصري. ونحن حتي هذه اللحظة لم نستطع اكتساب ثقافة الاختلاف وهي المدخل الأساسي للديمقراطية.. فبعض المرشحين المحتملين للرئاسة يتحدثون عن معارضيهم بنفس أسلوب حسني مبارك. وتوجيه الاتهامات لأصحاب الآراء المختلفة أصبح هو الأصل في أي حوار. إذا تحدثت عن محاكمات عادلة فأنت من فلول النظام السابق. وإذا سألت عن كاميليا تصبح سلفيا متطرفا. أو طالبت بدولة مدنية تكون علمانيا ملحدا. وإذا انتقدت المظاهرات وانتشار الفوضي تصبح من اعداء الثورة. وإذا اعتصمت في ميدان التحرير قد تجد نفسك في عداد البلطجية! لم نعد نري من الألوان سوي الابيض والاسود. ومن الحرية سوي معارضة أي شيء وكل شيء. ومن الحوار سوي الصراخ.. قد يكون ذلك وضعا طبيعيا بعد سنوات طويلة من الديكتاتورية. كان النظام هو أول من يتجاهل ثقافة الاختلاف. ويتعامل مع معارضيه بالقهر والعنف. لكننا بحاجة إلي تغيير هذا الوضع الآن والتفاعل مع المتغيرات الجديدة. والمساهمة في بناء مصر الديمقراطية. والبداية الحقيقية يجب أن تكون من القوي الفاعلة المستنيرة علي الساحة السياسية والفكرية. من اقصي اليمين إلي أقصي اليسار. لنتخلص جميعا من ثقافة الاقصاء ونتبني ثقافة الاختلاف. ونبث ذلك في السلوكيات والحوارات العامة والتجمعات والتظاهرات ووسائل الإعلام.. والمرحلة التالية ينبغي أن تكون من خلال مناهج التعليم في المدارس والجامعات. ووفقا لخطة علمية محددة تصنع أجيالا جديدة تربت علي الحوار وحق الخلاف في الرأي والموقف دون اتهام أو تخوين. وبغير ذلك لن تستمر الثورة.. فيا سادة ياكرام أرجو من الجميع التريث والتفكير الجدي بمعطيات الأمور وتحليلها بشكل صحيح. نحن جميعاً نريد إيصال مطالبنا وأصواتنا إلي المسئولين وبشكل سلمي لاغير ذلك ولكن قبل ذلك يجب علينا أن نثق ونحسن الظن في من حولنا وأن اختلفنا معهم في الرأي والطريقة ولكن نتفق معهم في الهدف المنشود ونشد علي أيدي الشباب ونحافظ عليهم وعلي طاقاتهم قبل أن نفقدهم في لحظة تفكير وقرار عاجلة.