تمر مصر الآن بمرحلة حاسمة في تاريخها المعاصر ، تفرض علينا أن نستشرف إسلامنا الحنيف ، فلا يخفى على أحد أن هناك قوى خارجية تتربص بالشعب المصري وثورته العظيمة ، تستهدف تاريخه وحضارته ، عقيدته ووحدته ، وهو ما لم يعد خافيا على أحد ، بعد ما نشر في الصحف والفضائيات ما نشر من تلقى البعض لأموال من جهات خارجية ، ولم ينكر البعض تلقى أموالا من جهات خارجية ، وهؤلاء الذين تلقوا هذه الأموال للأسف مصريون وينتسبون إلى الإسلام ، يحملون لواءه ، ويرفعون شعاره ، ضل فهمهم ، وانحرف فكرهم وسلوكهم ، وأصدروا من الآراء والفتاوى ما أعطى خصوم الإسلام من الذرائع والحجج والبراهين ، ما اتخذوه سبيلا لتشويه صورة الإسلام النقية الناصعة ، وهى قضية اختلت فها المعايير ، واضطربت فيها الموازين ، وتصدر الصغار للفتوى ، وغدا الشعب المصري يعيش تحديا بين تيارين متقابلين ، تيار التكفير والتفجير ، والتدمير والتخريب ، وهو ما يقوض أمن المجتمع ، ويحيله إلى بؤر من الاحتقان والتوتر ، يقابله على الطرف الآخر تيار التخدير والتبعية ، يريد أن ينسلخ الشعب المصري عن هويته الحضارية ، وخصوصيته الثقافية ، وضاع الشعب المصري بين التيارين ، تيار التفجير ، وتيار التخدير ، بين الإفراط والتفريط ، بين الغلو والتقصير ، نريد أن نلتمس التدبير والتعقل ، نريد أن نلتمس الفكر الذي يجمع بين الوسطية والاعتدال ، الذي يرتبط بالأصل ويتصل بالعصر ، الفكر الذي يجمع بين الدين والحياة والآخرة ، بين أصالة الفكر وروح العصر ، ييسر ولا يعسر ، يبشر ولا ينفر ، لا يكُفر ولا يفًسق ولا يخوُن ، ولا يرجم بالغيب ولا يتهم بالظن ، ولا يجعل من الخطأ خطراٌ ، ولا من الخطيئة كفراُ ، فباب التوبة مفتوح ، والرحمة تسبق الغضب ، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب ، ولأن يخطئ القاضي في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ، وادرؤوا الحدود بالشبهات ، ولنا فقه ثابت وفقه متحرك ، ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم ، والمشقة تجلب التيسير ، والضرورات تبيح المحظورات ، والضرورة تقدر بقدرها ، ولا ضرر ولا ضرار ، واختيار أخف الضررين ، و ” رأى صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب ” ، ” ، ، وفى الحديث الشريف ” إن الله لم يبعثني معنتاً أو متعنتاً ، ولكن معلما ميسراً ” ، ” والفتنة أشد من القتل ” (البقرة 191) ” فاتقوا الله ما استطعتم ” (التغابن 16) إن التنوع في الآراء ،وتعدد الأفكار ، واختلاف المذاهب ، هو عامل إثراء وخصوبة ، وليس سببا للتنافر والتشاحن والتشاجر ، والاختلاف بين بني البشر في أديانهم وعقائدهم ولغاتهم وأعراقهم وأجناسهم واقع بمشيئة الله تعالى ، وأن أمر الكفر والإيمان يعاقب عليه الله في الدار الآخرة ، وأن ثمرة هذا الاختلاف هو التعارف وليس التنافر والتباغض ، وكان أئمتنا من السلف الصالح يقولون : ” إن إجماع العلماء حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة ، وهذه السعة وهذه الرحمة تجعلنا لا نضيق ذرعا بمذهب من المذاهب ، ولا برأي من الآراء ، فقد وضع لنا العلامة المجدد محمد رشيد رضا قاعدة هامة حين قال : ” نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاُ فيما اختلفنا فيه ” ، نتعاون فيما اتفقنا عليه وهو كثير ، ويعذر بعضنا بعضاٌ فيما اختلفنا فيه وهو قليل . إن من يجعل باب الإسلام ضيقا حرجا ، فقد دفع إلى التكفير والتضليل ، وانتهى إلى إهدار الدماء والحقوق ، الذي أوجب الشارع حمايتها وصيانتها ، ” وليكن أمركم بالمعروف معروفاٌ ، وليكن نهيكم عن المنكر ليس فيه منكر ” كما قال سفيان بن سعيد الثوري ، وكما قال الله تعالى : ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم ” (الأنعام 108 ) . نائب رئيس محكمة النقض