التنمية المحلية: انطلاق البرنامج الثاني من مبادرة الحزم التدريبية لكوادر الإدارة الحكومية    لدعم حماية الطفل وتعزيز الخدمات الأسرية.. افتتاح فرع المجلس القومي للطفولة والأمومة ببني سويف    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    سيمنس العالمية عن قطار فيلارو بمصر: نموذج للتميز الهندسي بفضل تجهيزاته الحديثة    9 نوفمبر 2025.. البورصة تقفز وتحقق مستوى تاريخي جديد    إيثيدكو تتعاقد مع SES لإنشاء محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    ديوان نتنياهو: قواتنا تسلمت من الصليب الأحمر جثة مختطف وهي الآن في طريقها لإسرائيل    شراكة متكاملة، تفاصيل اجتماع وزير الخارجية بسفراء دول أمريكا اللاتينية والوسطى والكاريبي    إعادة إعمار سوريا ورفع ما تبقى من عقوبات اقتصادية.. ملفات يحملها الشرع إلى واشنطن    السوبر المصري.. ملعب محمد بن زايد يتزين لقمة الأهلي والزمالك    إصابة 3 أشخاص في حادث إنقلاب سيارة ملاكي بالفيوم    تحرير 204 محضر وضبط طن مواد غذائية متنوعة في حملات بالدقهلية    "الست بسيمة" يشارك بمهرجان Youth empowerment بلبنان    وصول سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة للمشاركة بمنتدى إعلام مصر 2030    صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية    انطلاق فعاليات اختبارات الائمه لمرافقة بعثة الحج بمديرية أوقاف المنوفية    البابا تواضروس يترأس صلوات تدشين كنيسة العذراء في أكتوبر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    بمشاركة نخبة من الخبراء.. منتدى مصر للإعلام يناقش تحديات ومستقبل الإعلام في يومه الثاني    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    حفل أسطوري .. أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" بألمانيا    مهرجان القاهرة يعلن عن القائمة النهائية للبانوراما المصرية خارج المسابقة    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و151 ألف فرد منذ بداية الحرب    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استخرج تصاريح العمل خلال 60 دقيقة عبر "VIP إكسبريس".. انفوجراف    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    عاجل- مئات المتظاهرين العرب يحتجون أمام مكتب نتنياهو بسبب موجة العنف في المجتمع العربي    «صرف الإسكندرية»: فرق طوارئ ومتابعة ميدانية استعدادًا لانتخابات مجلس النواب    تعليم القليوبية تحيل واقعة تعدي عاملة على معلمة بالخصوص لتحقيق    «أكبر خيانة».. ما هي الأبراج التي تكره الكذب بشدة؟    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    «سكك حديد مصر» تشارك في نقل القضاة المشرفين على انتخابات النواب    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    برلماني يدعو المصريين للنزول بكثافة إلى صناديق الاقتراع    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    الذكاء الاصطناعى أخطر على الدين من الإلحاد    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    بعد مسلسل كارثة طبيعية، ما مدى أمان الحمل بسبعة توائم على الأم والأجنة؟    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يودي بنا حب سورية إلى الموت؟
نشر في صوت البلد يوم 05 - 05 - 2011

كانت فتنة الشاب السوري هي التي تُملي عليه هتافهُ. يحدس أنهُ يموت، سائراً في التظاهرة، مقدماً نفسهُ تحت أنظار العالم، لوابل الرصاص المنهمر على المتظاهرين، لا لكي يؤلف صورة للبسالة لأجل الساعة الأخيرة، وإنما لأن جمالهُ الجسدي المتكبّر جعلهُ يشمخ برأسه عالياً، يشّد جذعهُ ويهتف لحرية سورية، أيضاً يرمي حجراً بإعتباره رصاصة، ويسحق فتيلاً حارقاً تحت كعبه.
حركات تنسجم مع تحديقه الى كاميرا جوّال لأحدهم، ومع القالب المتناغم لمجمل جسده وقسمات وجهه. بطولته لم تكن مجرد وقفة متكلّفة، ولا منتحلة. كان جميلاً ويهتف من أجل سورية جميلة، لكي يكون جديراً بجماله، ليُضاعفهُ، ليتجلى جمالهُ أكثر في هتافه لها، يُغذّيها، يملأها.
تحت الرصاص كغيمة حديد من السماء، حاجة الشاب الى الرقة والحماية، دفعتهُ الى التراص مع ناس المظاهرة، بعد أن كان يسبقهم قليلاً. إنه يحمل روح سورية. ومن الطبيعي لمن أُهين، إهانة تفوق الجنون، ان يُثير الحزن في الناس المهذبين، لكنه أثار إعجابي العميق وتعاطفي. تحت غيمة الحديد تلك، ترّاصت الأكتاف وعلت الحناجر
واختلطت الجموع، يهزّها خطابها العاطفي، وتختبر رجع أصواتها التي كانت نسيتها تماماً.
انهمر الرصاص على الحشد من أعلى السطوح. شعرت بالخجل لأني لست على مقربة، خلف نافذة أو أقف على رصيف، أدعم هتافي المحبوس بغناء من القلب، لسورية نفسها، سورية فيروز والجمعة العظيمة واليوم عُلًق على خشبة. سورية الملاذ، وسورية التي في البال، وسورية التنّهد المطمئن.
رؤية الشاب الجميل ممدّدا على الأرض في اهتزاز الكاميرا، ويُحرّك الإهتزاز بركة الدم التي تحضن رقادهُ، أجمل وأخطر صورة شهوانية للكرامة الإنسانية. صورة طلعت من المهرجان الداخلي لأحلام شاب أعزل وجميل. لماذا لهذا الدم تحديداً كل هذه الحُمرة القانية؟ ولماذا مُخضّباً هذا الميت أكثر من كل الموتى الذين رأيت؟
علاقة الدم بالهتاف، علاقة نافرة تجعل من الأجساد المطروحة في الشوارع، أشبه بالدمى، علاقة هوليوودية مغالية في هوليووديتها، إذ ما علاقة الهتاف ببحر الدماء هذا؟
ما علاقة القبضات المرفوعة بكل هذا الموت؟ يبدو التحسّر على فكرة سورية أكثر من التحسّر على سورية نفسها، ثم.. وبعدين؟ أريد حصتي من هذه الفكرة وهذا الحنين!
هل من المؤكد تماماً أن الحزن يكون أعظم إذا كان الإنسان أشدّ وعياً به؟ الوطن يكون أجمل حين نحبُهُ حقاً؟ إننا نعي الحزن، ونحب وطننا حين تكون أذهاننا مركزّة عليه، حين نتفحص الوطن بروح متوترة لا تهن. الحزن يُذبلك كشمس تنظر في وجهك، وتنهشك نارها حتى أني وقد رأيت الى موت الشاب، بقيت زمناً طويلاً أشعر بإلتهاب في جفنّي.
اننا نعاني لأننا غير قادرين على النظر الى أسانا بثبات. ناس المظاهرة السورية يظنون أن تغيراً بسيطاً يُدّمر عدم الإرتياح، ويجعل كل سورية تلتئم كقبضة مشدودة. بدون التغيير ما من شيء بعد له معنى.
إن اشمئزازي وحزني العميقين، جاثمان من قبل أن أرى جثة الشاب الهامدة. أليس ذلك لأني أُقرّبُ وضعي من وضعه، لأن كل شيء في داخلي مقفر؟ حتى أن عزلته وموته أقلّ فداحة. عزلة مع فُجاءة الموت، تُجمّد قلب الميت! هذا العالم العربي الخالي من المرح، ومن الحرية، وأستلّها الآن ببطء من ذاتي نفسها، أنظمها كقصيدة وأهديها للشاب المطروح غدراً. موتهُ أتاح لمرارتي فرصة التدّفق، ولكلماتي هذه أن تتحدّث عنه.
منذ أن بدأت الكتابة عن الشاب الجميل الذي تهاوى تحت وابل رصاصاتهم، الكتابة المكرّسة بأكملها لتحية شخص ميت أقيم معه صلة حميمة، وأنا مغمورة بإثارة إستعارة موته، متدّثرّة بحجة غيابه الذي هو غيابي. حين يُقتل شاب لأنه يحّب بلده، فالعالم يزداد ثقلاً ويأساً. موتهيدفعني نحو جرأة اعظم، ولديّ من القوة ليس فقط لأقوم بإرتكابات بائسة، وإنما أيضاً لأهين دون وجل الإنسانية كلها، أهينها وأدمرّها. انني ثملة بالحقد، بالعنف، باليأس.
الهتاف هو الكلام العالي، والكلام يقتلُ، يُسمّم، يبتر، يشوّه ويقوّض عروشاً راسخة. وفي عالم عربي تنقصه الإستقامة والرأفة، يطلقون النار على من يهتف، يتكلّم ويرفع الصوت. الأنظمة الطاغية متآلفة مع العار كتآلف السمك مع الماء، وكل ما على الهتيفة فعلهُ لبلوغ نصرهم، هو أن يتزيّنوا بفضائل الصوت، فضائل الصوت العالي لكي يزيلوا سوء الطالع هذا، فلا تبقى بعد هذه المذلّة، هذه الدموع والغضب.
من عدسة تليفوني المحمول، كنت أرى كلماتي التي كتبتها للتوّ، تحوّم في حضور جثة الشاب المقدّسة.الموت أوصد بابه على الميت، وساءلتهُ من خلف الباب الموصد محملّة صوتي كافة أنواع الحيطة الممكنة : لماذا أودى بك حب سورية الى الموت؟ لكن الباب العملاق حال دون أن أسمع إجابة ما. بقي الميت يحتفظ بسّر لا يسمح إلإ لرائحة خفيفة بالتسرب إليّ. رائحة ذات رهافة مدهشة حتى أنني تساءلت عن الألعاب التي تُمارس في قبور الموتى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.