إن الذي يحدُثُ اليومَ في اليمن وفي البلاد العربية عُمُوماً مخططٌ إلهي لا ريب فيه ، ولا يمكن لأحد أن يقف أمامه ، إنه مخطط سيصلُ اللَّه به إلى غايته وأهدافه التي يريدُها هو ، ولا يستطيع أحدٌ أن يقفَ أمام هذا المخطط ؛ لأنه من صُنع اللَّه ولا رادَّ لقضائه عز وَجل ولا معقب لحُكمه . إنه ( خارطة الطريق ) الإلهية ليست من صُنع أمريكا ولا من صُنع العرب ولا من صُنع إيران ، إنها من صنع اللَّه وحده لا شريك اللَّه . وَربما سيحدث وسيحدث سفكُ دماء وذهاب أنفس وغير ذلك أثناء مرور هذا المخطط الإلهي وسيُحشَرون على نياتهم . نسألُ اللَّهَ أن يتقبلَ الشهداء ، وأن يلطف بالمؤمنين ، وأن يهديَ الضالين ، وأن يعفوَ عن أفراد أمة محمد الصالحين أجمعين ، وأن يوحد كلمة المسلمين على ما يُرضي اللَّه رب العالمين . إنه مخطط إلهي لا ريب فيه ، إنما كيف يجب أن نتعامل معه؟ ، والذي يجب كما يخطر على بالي في هذه اللحظة هو الآتي ، وإلاَّ ضيعنا الافادة وَالاستفادة منه ، وكنا عند اللَّه والعياذ باللَّه من الممقوتين: أولاً : يجبُ أن نعرفَ ونؤمن أن هذا المخطط سيمضي إلى غايته لشيئ يعلمه اللَّهُ العالم بكل شَيئ والقادر على كُلّ شيئ . ثانياً: يجب أن يكونَ ما يحدث عبرةً لنا وطريقاً إلى تمسكنا بديننا ، وأن نصدُقَ مع اللَّه ونلجأ ونتضرع إليه ونتوبَ إلى اللَّه ونعزمَ على حُسن التصرف والسلوك ، وأن نعرفَ أن أمر الدنيا قليل والآخرة خيرٌ وأبقى ، وأن نعتبر بما يحدث ، فكم تولى حسني مبارك وكم نهى وأمر ، ثلاثون عاماً أو أكثر وهو الحاكم الذي لا يُرَدُّ له قول ، وكم كسب من أموال؟!! ، أربعين ملياراً أو سبعين ، ثم خرج من الحكم وكأن لم يكن هناك أمر ولا نهي ، ولا أموال ولا غنى ، وسيخرج من الدنيا عما قريب طريداً شريداً ، فقيراً ولو حتى بقي معه من الأموال قليل أو كثير لكنه سيمضي إلى ربه فقيراً عارياً . وكم كسب بن علي وكم حكم وكم بارز اللَّه ونهى عما يرضي اللَّه وأمر بما لا يرضيه ونهى عن الصلاة واعتبر نفسه خالداً مخلداً ومنع الأحزاب الاسلامية؟! ، وقد عاد التونسيون يصلون كما أمرهم ربهم شباباً وشيباناً ، وصغاراً وكباراً ويذكرون اللَّه على رغم أنف بن علي ، وعادت الأَحزاب الاسلامية وغيرها دون حسيب ولا رقيب ، وسيذهب بن علي إلى ربه طريداً ذليلاً لعيناً ملعوناً في الدنيا والآخرة ليصليه ربه نارَ جهنمَ بما قدمت يداه ، وإن ربك لبالمرصاد. وكم تكتك علي عبداللَّه صالح ورتَّب الأمورَ؟ ، وكم صلى وترحم على مَن تنقلب به سيارة الحكومة وشيع جنازته وعزى أهله تظاهراً و"تكتكةً" وزوراً وبهتاناً ولم يخف اللَّه ولم يتقه ، وها هو يريد أن يمثل نفسَ الدور جماعياً ، فيعلن الحداد على مَن قتلهم عتاولته بتخطيطه وحسب أمره؟ ، وكم قتل من المواطنين في صعدةَ والجنوب وغيرهما؟ . وكم جمع من الأموال حتى أصبح من أثرى الأثرياء؟ ، وسيمضي إلى ربه فقيراً عارياً كما مضى ويمضي غيره من الظلمة والجبَّارين الذين كانوا يعتقدون أنهم أذكياءٌ لا يغلبهم أحدٌ بذكائهم وقدرتهم على التخطيط و"التكتكة". والعبرة مما يحدُثُ اليومَ في بلادنا أن مَن يعتمد على التخطيط وذكائه وحظه مهما كان ذكاؤه وقدرته على التخطيط و"التكتكة" ، وأنه محظوظ ولا يعتمد على اللَّه عز وجل العالم بكل شَيئ والقادر على كُلّ شَيئ فإنه يكون هو الجاني في الأخير على نفسه ويكون تدميرُه في تدبيره وتدبيره في تدميره ويبوءُ في الأخير بالخُسران المبين . هذه عبَرٌ يجب أن نعرفها لتجعلنا نؤمن باللَّه عز وجل نعبده ونحمده ونشكره ونذكره ، ونخافه ونخشاه ونرهَبُه ونلجأ إليه ، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آل محمد ، اللَّهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آل محمد كما صليت وسلمت وباركت على عبدك ورسولك إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . هذا من جهة ومن جهة أخرى : يجب أن نستفيد مما يحدث ومن هذا المخطط الإلهي أموراً ضروريةً جداً : أولاً : الإيمان باللَّه وحدَه ، كما قدمنا والاعتماد عليه عز وجل ، والخوف منه ، واللجوء إليه . ثانياً: لتكن هذه الأحداث طريقاً لوَحدتنا واجتماع شملنا ، فلا يبقى بيننا من يفرِّقُ بين زيدي وشافعي ، أو زيدي وسلفي ، أو هاشمي وقحطاني ، أو جبلي وتهامي ، أو جنوبي وشمالي ، أو من الحوثيين أَوْ من الحراك الجنوبي المطالب بالاصلاح. لنكن كلنا أمة واحدة وجماعة واحدة أبناءَ وطن واحد يجمعنا السعي لخير بلادنا وخير أبناء بلدنا ، وأن اللَّه لا يرضى عن المتفرقين المتشتتين ، وهو القائل (إن الذين فرقوا دينَهم وكانوا شيَعاً لستَ منهم في شيئ). ثالثاً : يجب أن نتذكر أن اللَّه لا يرضى بالإكراه في شَيئ حتى في دينه كما قال عز وجل ( لا إكراه في الدين ). رابعاً : لا إقصاء ولا تهميش ولا إلغاء ، وربنا عز وَجل يقول ( قل كُلٌّ يعملُ على شاكلته فربُّكم أعلمُ بمَن هو أهدى سبيلاً ). خامساً: الديموقراطية الصحيحة ضرورةٌ لا بد منها ، وليكن الذي سيحكم البلاد كائناً من كان ما دام مؤمناً باللَّه مُحباً لأبناء بلده يعمل من أجل خيرهم ومصلحتهم وعز شعبه واستقرار بلده ، وما دام هو قوياً أميناً كما قال عز وجل: (إن خيرَ مَن استأجرت القويُّ الأمين ) ، ورئيسُ البلاد أجيرٌ عند شعبه ، والشعبُ صاحبُ الحق الأول ، والأجيرُ الجيد هو القوي الأمين . سادساً: ولا يُعفينا ذلك من مراقبة الحاكم بالمؤسسات الديموقراطية حتى نطمئن إلى أنه سيلتزم بالسعي لمصلحة الشعب والمواطنين ، والاستفادة من الوسائل الديموقراطية الحديثة لتفعيل مبدأ الشورى الذي ضيَّعَهُ المسلمون واجبٌ محتم تدعو إليه الضرورة ويُرضي اللَّهُ عز وجل ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . سابعاً: حقوقُ الإنسان وحقوق الفقراء والمساكين ، والمساواة بين أفراد الشعب ، والتساوي في إتاحة الفرصة أمام الجميع ، لا فرقَ بين مواطن وآخر ، وحق الفقراء والمساكين والمستضعفين مكفولٌ غيرُ معتدىً عليه. ثامناً: الحرية بكل أشكالها في حدود مواد الدستور وما أمر اللَّهُ تعالى به في كتابه العزيز ، وَحدود ما عُرِفَ من الدين بدليل من الكتاب والسُّنة قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، وما عُرف من الدين بالضرورة ، وفي ما عدا ذلك فحُرية الفرد والجماعة مكفولةٌ لا يستطيعُ أن يعتدي عليها أحد . تاسعاً : المالُ العام حق للشعب ، لا يستطيع أحدٌ أن يأخُذَ منه شيئاً قليلاً أو كثيراً ، ومَن أخذ منه شيئاً قُدِّمَ للمحاكَمَة العادلة بحسب قوانين تنُصُّ على ذلك . عاشراً: لا بد إن شاء اللَّهُ من وَضْع دستور جديد يكفلُ الحريات ويُلغي التسلط والحُكمَ بالمزاج ، ويحدد صلاحية رئيس الدولة ويمنعُه من التصرف في المال العام إلا في الحدود الدنيا التي سيبيِّنُها الدستورُ وتوضِّحُها القوانين. المحبةَ المحبةَ ، الأُخوَّةَ الأُخَّوة ، التعاوُنَ الذي أمر اللَّهُ تعالى به ( وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان واتقوا اللَّه ). واللَّهُ الهادي إلى سواء السبيل . وصل اللَّهُمَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آل محمد كما صليتَ وسلمتَ وباركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد . سُبحانَ ربك رَبِّ العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمدُ لله رَبِّ العالمين . حسبُنا اللَّهُ ونعم الوكيلُ ، نعم المولى ونعم النصير ، وعلى اللَّه توكلت.