بالرغم من المآسي والأحزان التي لازمت ثورات الشعوب العربية التي انتفضت وثارت ضد طغيان حكامها، بسبب ما أصاب الثوار المتظاهرين من رصاص حي ومطاطي وحجارة وسنج وسيوف من الأمن وبلطجية الأنظمة إلا أن هذه الثورات - وللحق- تخللتها موجات من الكوميديا العبثية أو السوداء أو البيضاء، قل عنها ما شئت، سحبت الابتسامات وربما الضحكات من الجميع سواء التي صدرت من الثوار أنفسهم أو من أفعال وكلام الحكام ومن حولهم، وصدق المثل القائل: "شر البلية ما يضحك". هذه الثورات تعرض أصحابها للقمع بكل الأشكال والألوان هددتهم في حياتهم وأرواحهم، وهددت المتابعين علي شاشات الفضائيات بارتفاع ضغط الدم والسكر أو أي وعكة صحية مفاجئة ربما تقضي عليه حزنا وكمدا بما يفعله هؤلاء الحكام المؤتمنون علي شعوبهم والذين في سبيل ذلك حلفوا بالله العظيم واليمين الدستورية للحفاظ علي أمنهم وحياتهم وممتلكاتهم، ولم يسلموا كذلك من ألسنة هؤلاء الحكام ومن ألسنة أبنائهم والمقربين منهم والمنافقين المنتشرين في كل مكان، كما لم يسلموا من قبل ثورتهم من عبقريتهم وكتبهم الخضراء والحمراء ونظرياتهم التي أفقرتهم وهمشتهم في سبيل ظهور القائد والزعيم والرئيس وأولادهم الملهمين، وقديما كانوا يقولون "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وبما أنه لا معركة ولا يحزنون فإن المقولة الجديدة تقول "لا صوت يعلو فوق صوت الزعيم". إلا أن الزعماء ما لبثوا ان تخلوا عن زعامتهم ووعودهم بالحرية وسلطات الشعب والنمو والزحف الأخضر، واكتشفنا خفة دمهم من خطاباتهم وتصريحاتهم علي الهواء مباشرة تنقلها فضائيات الدنيا كلها باللغة العربية ومترجمة إلي جميع لغات العالم فتبتسم وجوه وتضحك وجوه وتبتئس وجوه أخري، ورأينا واحدا منهم وهو الرئيس علي عبد الله صالح في خطاب علني يتهم تل أبيب والبيت الأبيض - مرة واحدة- بأنهم يديرون الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن من غرفة بتل أبيب - طبعا لأنها قريبة من الدول العربية- وحتي يحبك الكلام؛ فوجد تصفيقا حادا ممن حضر خطابه، إلا أنه وبعد اتصال من أوباما شخصيا قال له فيه إنه يعرف جيدا أنه لا تل أبيب يا حج علي ولا البيت الأبيض يدير هذه الثورات، ولكنهم مثله فوجئوا باندلاع الثورات بدون إحم ولا دستور، وعندها قالت الصحف ووكالات الأنباء في اليوم التالي أن الرئيس اليمني وبسرعة اعتذر للبيت الأبيض وفسر ما حدث علي أنه سوء فهم لحديثه. ومن يستمع إلي العقيد معمر القذافي ونجله سيف في تصريحاتهم يري عجبا عجابا، رغم أننا لسنا في شهر رجب، فالعقيد يتوعد بتطهير البلد من شعبه وأبناء شعبه ويدعو العائلات لتسليم أبنائها له ولأمنه كي يقوموا بتربيتهم التربية الصالحة وإعادة تأهيلهم ليكونوا مواطنين صالحين ويرجعهم لهم مرة أخري بعد أن رماهم بتهمة تعاطي الكبسولات علي أيدي المصريين والتوانسة، وابنه في حواراته يشتم الثوار ويصفهم بالزبالة وضربهم "بالجزمة"، مما جعل أحد مذيعي قناة الإخبارية السعودية يردد مع كل جملة من كلام سيف القذافي ويقول: "أعزكم الله، أعزكم الله". وبعد كل هذه الكلمات والحوارات يأتي الرد سريعا من الشعب الليبي الذي أنهي نظرية الزحف الأخضر بتدمير نصب تذكارية للكتاب الأخضر في بنغازي والمدن الشرقية، وجمع أعداد من الكتاب وشروحاته في ميدان وحرقها مع هتافات عالية، وعندما سئل أحد الشباب الليبيين عن سبب الثورة قال للمذيع لقد جعل القذافي العلم أخضر وجواز سفرنا اخضر والكتب خضراء حتي زهقنا وكرهنا اللون الأخضر.