لمدة 6 أشهر.. ترامب يحظر الطلاب الأجانب من الدراسة في جامعة هارفارد    الكرملين: بوتين أبلغ ترامب بأن المحادثات مع أوكرانيا في تركيا "كانت مفيدة"    اليوم، تشغيل 4 قطارات إضافية مكيفة على خط القاهرة - أسوان    تهنئة عيد الأضحى 2025 رسمية مكتوبة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في مصر لجميع المحافظات    ترامب يأمر بفتح تحقيق بشبهة التستر على الحالة العقلية ل بايدن    سعر الدولار أمام الجنيه الخميس 5-6-2025    وداعًا سيدة المسرح العربي| سميحة أيوب.. فصل الختام في سيرة لا تنتهي    حجاج بيت الله يواصلون التوافد إلى عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    كامل الوزير يكشف تفاصيل إنتاج ألبان أطفال (فيديو)    فرصة تعيين جديدة.. «التعليم» تفتح باب التقدم ل 9354 و ظيفة معلم مساعد في اللغة الإنجليزية بجميع المحافظات    زلزال العيد.. هزة أرضية تضرب دولة عربية بقوة    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    دعاء يوم عرفة مستجاب كما ورد في السنة النبوية    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    والدة شيكا ترفض 108 آلاف جنيه.. أبرز ما جاء فى بيان أرملة إبراهيم شيكا    حكايات العيد والحج.. إبداع بريشة المستشرقين    وول ستريت جورنال: ترامب نفد صبره من انتقادات ماسك للمشروع الضخم    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    له فضل عظيم.. دعاء يوم عرفة    «أضحى الخير» يرسم البسمة على وجوه 5 آلاف أسرة بالوادي الجديد.. صور    قاضٍ أمريكي يوقف ترحيل عائلة المصري المشتبه به في هجوم كولورادو    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    5 أبراج «مايعرفوش المستحيل».. أقوياء لا يُقهرون ويتخطون الصعاب كأنها لعبة مُسلية    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رباعيات الخيام كما عرّبها "شاعر الشباب" أحمد رامي
نشر في صوت البلد يوم 19 - 07 - 2020

نعرف ويعرف كثر من "السمّيعة" العرب ولا سيما الكلثوميين منهم، أن أحمد رامي، الملقب عادة بشاعر الشباب هو الذي كتب لكوكب الشرق بعض أجمل أغانيها وبخاصة في العامية المصرية التي تحولت على يديه وبصوت "الست" إلى لغة شفافة رائعة، وما "دليلي احتار" و"هجرتك" و"جدّدت حبك ليه" وصولاً إلى "يامسهّرني" وغيرها من الروائع التي لا تزال تُسمع إلى اليوم وكأنها لم تُكتب إلا في الأمس القريب، سوى البرهان على ذلك. ونعرف أيضاً أن رامي كان عاشق أم كلثوم الأبدي الذي وصل في هيامه بها إلى أنه كان يعطيها القصائد من دون مقابل وتستزيده هي من دون وجل. ويعرف قراء الفرنسية أن أحمد رامي هو "بطل" واحدة من أطرف الروايات التي كتبها مبدع عربي الأصل بلغة موليير بعنوان "أم" لتتحدث تحديداً عن حب أحمد رامي المستحيل لفاتنته الكبيرة. ولقد جاءت تلك الحكاية في الكتاب الذي أصدره الكاتب والصحافي اللبناني الأصل سليم نسيب بعنوان OUM، وفيه يروي على لسان أحمد رامي، وبطريقة روائية لا تمس الحقيقة، في نهاية الأمر، بعض الجوانب الأساسية للحكاية المشهورة عن غرام أحمد رامي الصامت بأم كلثوم وتكتمه على ذلك الغرام طوال سنوات حياته، مع الحرص على التعبير عنه تعبيراً صارخاً في الأغاني التي كان يكتبها ل "الست". ثم نعرف أن أحمد رامي الذي كانت العامية المصرية شغفه الكبير لم يفته أن يكتب بالفصحى قصائد رائعة ربما توازيها في القوة "رباعيات الخيام"، تلك القصيدة الرائعة بلغة الضاد التي غنتها أم كلثوم من ألحان رياض السنباطي واعتبرت دائماً واحدة من أجمل الأغنيات العربية على مرّ العصور.
تعريب عن الفارسية
كل هذا نعرفه كما يعرفه كثر في العالم العربي. غير أن المعروف أقل من هذا هو أن "رباعيات الخيام" التي أبدعتها أم كلثوم لم تُكتب خصيصاً لها، بل هي مجرد جزء يسير، بضعة أبيات مختارة بعناية، من بين مئة وسبعين رباعية خيّامية هي الترجمة العربية التي قام بها أحمد رامي مباشرة عن الفارسية التي تعلمها في باريس موفداً من قبل الحكومة المصرية حيث يروي بنفسه كيف اكتشف عام 1922 نسخة من رباعيات الخيام قام بنشرها المستشرق الفرنسي "نيقولا" عن نسخة طهران عام 1867، "فانقطعت لقراءتها وتوفّرت على دراستها حتى إذا انتهيت منها دار في خلدي أن أنقلها عن الفارسية إلى الشعر العربي رباعيات كما نظمها الخيام، وشجعني على ذلك افتقار اللغة العربية، إلى ذلك العهد إلى هذه الرباعيات منقولة عن اللغة الفارسية". وبعد ذلك يحكي رامي كيف أنه قبل إقدامه على ذلك العمل راجع نسخ الرباعيات الخطية في دار الكتب الأهلية بباريس "وسافرت في مستهل عام 1923 إلى برلين حيث راجعت النسخ الخطية المحفوظة في مكتبتها الجامعة". بعد ذلك انصرف خلال العام 1924 إلى ترجمة مختارات من الرباعيات نشرت للمرة الأولى في صيف ذلك العام.
وتحوّل الخيّام إلى متصوّف ورع
ولا بد أن نذكر هنا أن إنشاد أم كلثوم لبعض أبيات "الرباعيات" من ترجمة رامي، لم يتم قبل العام 1949 وهي لم تخترْ سوى خمس عشرة رباعية أي أقل من عشرة في المئة من الرباعيات التي ترجمها رامي ونشرها وهذه لم تشكّل على أية حال سوى ربع الرباعيات المكتشفة في الفارسية. ولا بد أن نذكر هنا أن الاختيارات الكلثومية كانت دقيقة للغاية حيث أنها استبعدت كل تلك الرباعيات التي تحضّ صراحة على شرب الخمر وعيش المرء كما يحلو له، مكتفية برباعيات تدعو في أقصى "تهتّكها" إلى السهر ناهيك بالعديد من الرباعيات التي تخاطب العناية الإلهية مباشرة. في اختصار، بعد الرقابة الأولى التي كان أحمد رامي قد مارسها بنفسه على أشعار الخيام، مارست أم كلثوم رقابة ثانية بحيث تحولت الأشعار "الماجنة" و"المتهتكة" في بعض الأحيان، إلى قصيدة تصوّفية إلهية، لا تخلو في بعض الأحيان من تساؤلات قد يمكن وصفها ب"الوجودية"، لكنها تتسم بحياء لا يمكن للخيام نفسه أن يجد فيه مرآة لشعره.
غير أننا إذ نقول هذا، لا نرمي بالطبع إلى الانتقاص من الجهود التي بذلتها الفنانة الكبيرة في اختيار أبيات لا شك في روعتها على أية حال، وتتوافق تماماً مع متطلبات الرأي العام العربي والإسلامي في ذلك الحين. وهو أمر لا شك في أن أحمد رامي وافق عليه من فوره ولسان حاله يقول: "فلنقدمِ الجوهرَ إلى الجمهور الكلثومي، ولنتركه بعد ذلك يعود إلى الرباعيات المطولة نفسه فيكتشف المزيد، والأكثر جرأة إذا أحب". وهذا ما حدث بالفعل حيث أن مجموعة الرباعيات طبعت مرات ومرات كما صاغها أحمد رامي وأقبل عليها القراء يستزيدون من أشعار الخيام، بفضل استماعهم إلى القصيدة الكلثومية الرائعة وإعجابهم المدهش بها وصولاً إلى نسيانهم أحياناً أن صياغتها العربية هي من إنجاز أحمد رامي الذي كان يعيش في ذلك الحين عزّ مجده ككاتب للأغاني الرائعة التي كانت أم كلثوم تغنيها، وهو يستوحيها من حبه لها.
لقاء مع بدوية اسمها أم كلثوم
غير أن اختصار أحمد رامي إلى مجرد كاتب للأغاني الكلثومية بل حتى إلى مجرد عاشق لأم كلثوم، فيه ظلم كبير لذلك الشاعر المرهف. فأحمد رامي الذي عرف ب "شاعر الشباب"، كان واحداً من كبار المثقفين الذين عرفتهم الساحة الثقافية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهو كان بدأ حياته الشعرية منذ الخامسة عشرة من عمره، مركزاً على القصائد الوطنية، ثم بعد دراسته الثانوية توجه إلى فرنسا حيث حصل على دبلوم دراسات عليا من جامعة السوربون، وعلى دبلوم آخر من معهد اللغات الشرقية، وهو ما أهله عند عودته إلى مصر، إلى شغل العديد من الوظائف، ومنها منصب مدير في دار الكتب. بيد أن أحمد رامي عرف كيف يجعل من مناصبه الإدارية وسيلة لتمكينه من وسائل العيش المادي، حتى يمكنه الانصراف إلى الإبداع في المجال الفني، وفي مجال الشعر على وجه الخصوص. وهو، إذ بدأ حياته كاتباً للشعر باللغة الفصحى على طريقة أصحاب الديوان، ثم على طريقة جماعة أبولو، فإنه عاد بعد ذلك و"اكتشف" العامية المصرية، لا سيما بعد أن التقى بتلك المغنية الفتية ذات الثياب البدوية والصوت العجيب، والتي كان من قدرها أن تصبح بعد ذلك سيدة للغناء العربي.
يوم استبعده العملاقان!
منذ التقى رامي بأم كلثوم كان غرامه بها، الغرام الذي أكد لديه سمات الشجن التي طبعته على الدوام. فهو كان، في نهاية الأمر، غراماً يائساً لم ينقذه من يأسه فيه سوى اكتشافه عدمية عمر الخيام وإقباله على الحياة. وهو منذ اكتشف عمر الخيام وقرأه بالفارسية، جعل من الاهتمام به واجباً يومياً في حياته، وما ترجمته لرباعياته التي غنت أم كلثوم بعضها، سوى جزء يسير من ذلك الاهتمام. اهتمام آخر شغل أحمد رامي طويلاً، هو ضرورة اللقاء بين محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، فهو بوصفه صديق الطرفين عمل كثيراً من أجل تحقيق ذلك اللقاء. ولكن كان من سوء حظ رامي أن اللقاء تم، ولكن طرفه الثالث (ككاتب للأغنية) كان أحمد شفيق كامل. وكانت أغنية "أنت عمري" التي لا يزال الكثيرون يعتقدون أنها من كتابة أحمد رامي.
بعد رحيل أم كلثوم زادت حدة كآبة أحمد رامي وقلّ إنتاجه، وهو حين غاب عن عالمنا في يونيو (حزيران) 1981، وودّعته مصر يوم 5 من ذلك الشهر، كان يعيش في شبه عزلة، بعيداً عن حياة فنية ظلت تنظر إليه على الدوام على أنه واحد من أقطابها ومن الذين ظلمهم الفن أكثر من غيرهم.
نعرف ويعرف كثر من "السمّيعة" العرب ولا سيما الكلثوميين منهم، أن أحمد رامي، الملقب عادة بشاعر الشباب هو الذي كتب لكوكب الشرق بعض أجمل أغانيها وبخاصة في العامية المصرية التي تحولت على يديه وبصوت "الست" إلى لغة شفافة رائعة، وما "دليلي احتار" و"هجرتك" و"جدّدت حبك ليه" وصولاً إلى "يامسهّرني" وغيرها من الروائع التي لا تزال تُسمع إلى اليوم وكأنها لم تُكتب إلا في الأمس القريب، سوى البرهان على ذلك. ونعرف أيضاً أن رامي كان عاشق أم كلثوم الأبدي الذي وصل في هيامه بها إلى أنه كان يعطيها القصائد من دون مقابل وتستزيده هي من دون وجل. ويعرف قراء الفرنسية أن أحمد رامي هو "بطل" واحدة من أطرف الروايات التي كتبها مبدع عربي الأصل بلغة موليير بعنوان "أم" لتتحدث تحديداً عن حب أحمد رامي المستحيل لفاتنته الكبيرة. ولقد جاءت تلك الحكاية في الكتاب الذي أصدره الكاتب والصحافي اللبناني الأصل سليم نسيب بعنوان OUM، وفيه يروي على لسان أحمد رامي، وبطريقة روائية لا تمس الحقيقة، في نهاية الأمر، بعض الجوانب الأساسية للحكاية المشهورة عن غرام أحمد رامي الصامت بأم كلثوم وتكتمه على ذلك الغرام طوال سنوات حياته، مع الحرص على التعبير عنه تعبيراً صارخاً في الأغاني التي كان يكتبها ل "الست". ثم نعرف أن أحمد رامي الذي كانت العامية المصرية شغفه الكبير لم يفته أن يكتب بالفصحى قصائد رائعة ربما توازيها في القوة "رباعيات الخيام"، تلك القصيدة الرائعة بلغة الضاد التي غنتها أم كلثوم من ألحان رياض السنباطي واعتبرت دائماً واحدة من أجمل الأغنيات العربية على مرّ العصور.
تعريب عن الفارسية
كل هذا نعرفه كما يعرفه كثر في العالم العربي. غير أن المعروف أقل من هذا هو أن "رباعيات الخيام" التي أبدعتها أم كلثوم لم تُكتب خصيصاً لها، بل هي مجرد جزء يسير، بضعة أبيات مختارة بعناية، من بين مئة وسبعين رباعية خيّامية هي الترجمة العربية التي قام بها أحمد رامي مباشرة عن الفارسية التي تعلمها في باريس موفداً من قبل الحكومة المصرية حيث يروي بنفسه كيف اكتشف عام 1922 نسخة من رباعيات الخيام قام بنشرها المستشرق الفرنسي "نيقولا" عن نسخة طهران عام 1867، "فانقطعت لقراءتها وتوفّرت على دراستها حتى إذا انتهيت منها دار في خلدي أن أنقلها عن الفارسية إلى الشعر العربي رباعيات كما نظمها الخيام، وشجعني على ذلك افتقار اللغة العربية، إلى ذلك العهد إلى هذه الرباعيات منقولة عن اللغة الفارسية". وبعد ذلك يحكي رامي كيف أنه قبل إقدامه على ذلك العمل راجع نسخ الرباعيات الخطية في دار الكتب الأهلية بباريس "وسافرت في مستهل عام 1923 إلى برلين حيث راجعت النسخ الخطية المحفوظة في مكتبتها الجامعة". بعد ذلك انصرف خلال العام 1924 إلى ترجمة مختارات من الرباعيات نشرت للمرة الأولى في صيف ذلك العام.
وتحوّل الخيّام إلى متصوّف ورع
ولا بد أن نذكر هنا أن إنشاد أم كلثوم لبعض أبيات "الرباعيات" من ترجمة رامي، لم يتم قبل العام 1949 وهي لم تخترْ سوى خمس عشرة رباعية أي أقل من عشرة في المئة من الرباعيات التي ترجمها رامي ونشرها وهذه لم تشكّل على أية حال سوى ربع الرباعيات المكتشفة في الفارسية. ولا بد أن نذكر هنا أن الاختيارات الكلثومية كانت دقيقة للغاية حيث أنها استبعدت كل تلك الرباعيات التي تحضّ صراحة على شرب الخمر وعيش المرء كما يحلو له، مكتفية برباعيات تدعو في أقصى "تهتّكها" إلى السهر ناهيك بالعديد من الرباعيات التي تخاطب العناية الإلهية مباشرة. في اختصار، بعد الرقابة الأولى التي كان أحمد رامي قد مارسها بنفسه على أشعار الخيام، مارست أم كلثوم رقابة ثانية بحيث تحولت الأشعار "الماجنة" و"المتهتكة" في بعض الأحيان، إلى قصيدة تصوّفية إلهية، لا تخلو في بعض الأحيان من تساؤلات قد يمكن وصفها ب"الوجودية"، لكنها تتسم بحياء لا يمكن للخيام نفسه أن يجد فيه مرآة لشعره.
غير أننا إذ نقول هذا، لا نرمي بالطبع إلى الانتقاص من الجهود التي بذلتها الفنانة الكبيرة في اختيار أبيات لا شك في روعتها على أية حال، وتتوافق تماماً مع متطلبات الرأي العام العربي والإسلامي في ذلك الحين. وهو أمر لا شك في أن أحمد رامي وافق عليه من فوره ولسان حاله يقول: "فلنقدمِ الجوهرَ إلى الجمهور الكلثومي، ولنتركه بعد ذلك يعود إلى الرباعيات المطولة نفسه فيكتشف المزيد، والأكثر جرأة إذا أحب". وهذا ما حدث بالفعل حيث أن مجموعة الرباعيات طبعت مرات ومرات كما صاغها أحمد رامي وأقبل عليها القراء يستزيدون من أشعار الخيام، بفضل استماعهم إلى القصيدة الكلثومية الرائعة وإعجابهم المدهش بها وصولاً إلى نسيانهم أحياناً أن صياغتها العربية هي من إنجاز أحمد رامي الذي كان يعيش في ذلك الحين عزّ مجده ككاتب للأغاني الرائعة التي كانت أم كلثوم تغنيها، وهو يستوحيها من حبه لها.
لقاء مع بدوية اسمها أم كلثوم
غير أن اختصار أحمد رامي إلى مجرد كاتب للأغاني الكلثومية بل حتى إلى مجرد عاشق لأم كلثوم، فيه ظلم كبير لذلك الشاعر المرهف. فأحمد رامي الذي عرف ب "شاعر الشباب"، كان واحداً من كبار المثقفين الذين عرفتهم الساحة الثقافية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهو كان بدأ حياته الشعرية منذ الخامسة عشرة من عمره، مركزاً على القصائد الوطنية، ثم بعد دراسته الثانوية توجه إلى فرنسا حيث حصل على دبلوم دراسات عليا من جامعة السوربون، وعلى دبلوم آخر من معهد اللغات الشرقية، وهو ما أهله عند عودته إلى مصر، إلى شغل العديد من الوظائف، ومنها منصب مدير في دار الكتب. بيد أن أحمد رامي عرف كيف يجعل من مناصبه الإدارية وسيلة لتمكينه من وسائل العيش المادي، حتى يمكنه الانصراف إلى الإبداع في المجال الفني، وفي مجال الشعر على وجه الخصوص. وهو، إذ بدأ حياته كاتباً للشعر باللغة الفصحى على طريقة أصحاب الديوان، ثم على طريقة جماعة أبولو، فإنه عاد بعد ذلك و"اكتشف" العامية المصرية، لا سيما بعد أن التقى بتلك المغنية الفتية ذات الثياب البدوية والصوت العجيب، والتي كان من قدرها أن تصبح بعد ذلك سيدة للغناء العربي.
يوم استبعده العملاقان!
منذ التقى رامي بأم كلثوم كان غرامه بها، الغرام الذي أكد لديه سمات الشجن التي طبعته على الدوام. فهو كان، في نهاية الأمر، غراماً يائساً لم ينقذه من يأسه فيه سوى اكتشافه عدمية عمر الخيام وإقباله على الحياة. وهو منذ اكتشف عمر الخيام وقرأه بالفارسية، جعل من الاهتمام به واجباً يومياً في حياته، وما ترجمته لرباعياته التي غنت أم كلثوم بعضها، سوى جزء يسير من ذلك الاهتمام. اهتمام آخر شغل أحمد رامي طويلاً، هو ضرورة اللقاء بين محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، فهو بوصفه صديق الطرفين عمل كثيراً من أجل تحقيق ذلك اللقاء. ولكن كان من سوء حظ رامي أن اللقاء تم، ولكن طرفه الثالث (ككاتب للأغنية) كان أحمد شفيق كامل. وكانت أغنية "أنت عمري" التي لا يزال الكثيرون يعتقدون أنها من كتابة أحمد رامي.
بعد رحيل أم كلثوم زادت حدة كآبة أحمد رامي وقلّ إنتاجه، وهو حين غاب عن عالمنا في يونيو (حزيران) 1981، وودّعته مصر يوم 5 من ذلك الشهر، كان يعيش في شبه عزلة، بعيداً عن حياة فنية ظلت تنظر إليه على الدوام على أنه واحد من أقطابها ومن الذين ظلمهم الفن أكثر من غيرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.