صندوق النقد: مصر ستعالج تسهيلات السحب على المكشوف من المركزي    حماس تعلن تسلمها رد إسرائيل الرسمي حول مقترحات صفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    حماس تعلن تسلمها رد إسرائيل بشأن محادثات وقف النار في غزة    حسام حسن يحتفل بخطبة ابنته يارا على رجل الأعمال أحمد على راشد (صور)    اسكواش - تكرارا للموسم الماضي.. علي فرج ونوران جوهر يتوجان بلقب الجونة    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كانت ماشية بالصدفة، حبس 4 أشخاص تسببوا في مقتل ربة منزل أثناء مشاجرة بينهم بأسيوط    أول رد من أحمد السقا على شائعة انفصاله عن زوجته مها الصغير    استشهاد شابين فلسطينيين في اشتباكات مع الاحتلال بمحيط حاجز سالم قرب جنين    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    ننشر نتيجة انتخابات نادى القضاة بالمنيا.. «عبد الجابر» رئيسا    حالة خوف وقلق في مدينة رفح الفلسطينية مع تهديد الجيش الإسرائيلي.. تفاصيل    هجوم صاروخي حوثي على ناقلة نفط بريطانية في البحر الأحمر    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    دينا فؤاد : تكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    بعد التخفيضات.. تعرف على أرخص سيارة تقدمها جيتور في مصر    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    نظر محاكمة 14 متهما في قضية "خلية المرج".. السبت    اليوم.. مرتضى منصور أمام المحكمة بسبب عمرو أديب    الشركة الصينية الأم لمنصة تيك توك: لن نبيع التطبيق    عز يسجل مفاجأة.. سعر الحديد والأسمنت اليوم السبت 27 إبريل في المصانع والأسواق    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    حمزة عبد الكريم أفضل لاعب في بطولة شمال أفريقيا الودية    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية هوليوود... من كوخ طيني إلى إمبراطورية تحكم العالم
نشر في صوت البلد يوم 28 - 03 - 2020

لأن هوليوود أشبه ما تكون بعصا تلقي علينا بأعمال السحر كما حلا لها، فالصورة التي تتبادر إلى الذهن أنها خُلقت كذا... مملكة سحرية هبطت علينا فجأة مكتملة النمو من مكان لا ندرك كنهه في هذا الكوكب.
لكن هوليوود - والسحر جانبًا – بدأت بكوخ طيني وحيد بُني في 1853 وسط حقل زراعي خارج لوس انجليس، كاليفورنيا، وكما تحدثنا كتب التاريخ فقد كانت أرضًا من الخصوبة بحيث أنها صارت، بحلول 1870، منطقة زراعية واسعة الحدود، وكان أحد أوائل المزارعين الذين وصلوا إلى المنطقة وأقاموا فيها هارفي هندرسون ويلكوكس وزوجته دييدا التي أطلقت اسم "هوليوود" على مزرعتهما، فصارت شيئًا فشيئًا اسمًا للمنطقة أيضًا.
هوليوود... مولد نجم
أما كيف تحولت إلى ما صارت عليه من قلعة للسينما، فهي قصة تبدأ في بدايات القرن العشرين في نيو جيرسي التي كانت كانت صناعاتها البصرية والصوتية حكرًا على شركة توماس أديسون (العبقري الشهير مخترع المصباح الكهربائي والفونوغراف والكاميرا السينمائية وغيرها العديد). وبما أن كل وسائل الانتاج السنيمائي كانت حكرًا قانونيًّا لأديسون فقد اضطر السينمائيون المستقلون للهرب من الولاية تفاديًّا لدعاواه المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية. وكانت كاليفورنيا هي مكانهم المفضل بفضل طقسها المشمس وتضاريسها الدرامية وأيضًا سهولة الهروب منها إلى المكسيك في حال لاحقتهم يد أديسون هناك.
كانت البداية على يد شركة "بيوغراف" التي قررت الاستقرار في لوس انجليس وتحديدًا في تلك المنطقة الجديدة الرخيّة المسماة هوليوود. وهنا أنتجت أول أفلامها باسم "في كاليفورنيا القديمة". وعندما سمع بقية السينمائيين بالمدح الذي أغدقه أصحاب "بيوغراف" على المكان، بدأوا يتقاطرون عليه ويقيمون استديوهاتهم فيه، بمن فيهم سيسيل بي ديميل (1913) وتشارلي تشابلن (1917). وكانت هذه هي اللبنات الأولى في بنيان الفن السابع وإمبراطوريته التي دام عصرها الذهبي حتى منتصف القرن العشرين.
العصر الذهبي
على مدى قرابة نصف القرن استطاعت هوليوود في عصرها الكلاسيكي (المسمى أيضًا "عصر هوليوود الذهبي"، أو - تبعًا للتسمية الشعبية السائدة الآن - "الأفلام القديمة") أن تخلق بالكاميرا عالمًا افتراضيًّا سحريًّا يصعب تصور عالمنا الواقعي بدونه، وهذا بدون ذكر المساهمة الجبارة التي قدمتها إلى الفنون البصرية والسمعية كافة. وهي بلا شك السبب في وجود الصناعات السينمائية في مختلف أنحاء الدنيا، سواء كانت بريطانية أو فرنسية أو هندية أو مصرية أو غيرها، والمعيار الذي تقاس عليه هذه السينمات.
وشهدت هوليوود في عصرها ذاك فترتين أولاهما الأفلام الصامتة (من قبيل الحرب العالمية الأولى إلى 1926)، وثانيتهما الناطقة (بدأت بفيلم "مغني الجاز" في 1927 وبدأ انحسارها من منتصف الخمسينات ثم أتت إلى نهاية مع حلول عقد الستينات).
ومعظم الإنتاج السينمائي الأمريكي الذهبي يقع في واحدة من فئات تقليدية أكبرها ما يسمي "الغربية" Western، في إشارة إلى الغرب الأمريكي ومغامرات رعاة البقر، والدراما الرومانسية، وكوميديا الحركة، والدراما الموسيقية، وسير حياة الشخصيات التاريخية النافذة، والرعب، والكارتون، إضافة إلى فئات أخرى على شاكلة البوليسية والكوارث.
منظومة الأستديوهات
بعد بدايات أنجزت إما على مستوى فردي أو ضيق (1919 إلى منتصف العشرينات)، بدأت صناعة السينما الأمريكية تنظم نفسها مستندة إلى أكبر دعاماتها على الإطلاق وهي "منظومة الأستديوهات" الأساسية التي صارت تعرف ب"الخمسة الكبيرة" وشكلت مجتمعة "المؤسسة السينمائية الأمريكية". وهذه هي: "مترو غولدوين ماير" (المعروفة اختصار بأحرفها الأولى MGM)، وفوكس، ويونيفيرسال، و(الأخوان) وارنر، و"بي كيه أوه" (PKO ). وصارت هذه الأخيرة في أواخر الثلاثينات جزءًا من راديو كوربوريشن اوف أميريكا "آر سي ايه" (RCA).
وفي فترة العصر الذهبي أيضًا تأسس عدد كبير من الأستديوهات الأخرى النافذة (أبرزها "كولومبيا" و"باراماونت" و"يونايتد آرتيستس") التي ابتلعت ما هو أصغر منها أو ابتُلعت هي نفسها بما هو أكبر. وبغض النظر عن مَن استحوذ أو اندمج مع مَن، فقد كانت هذه الأستديوهات هي الأولى في العالم التي تمكنت من تحويل الفن السينمائي (العالي التكلفة) إلى إحدى أكبر الصناعات على مستوى الكوكب بفضل وإمكاناتها الهائلة التي تضع التطور التكنولوجي في مجال البصريات طوع بنانها، واحتكارها قنوات التوزيع، وقدرتها على التسويق بالإعلان وغيره من ضروب الترويج، وأيضًا بفضل ريادتها لأنها كانت الأولى التي طرقت هذه الآفاق ونقّبت في مخزونها الفني الجماهيري الهائل وعادت بأموال طائلة على هذه الماكينة الفريدة وجيوب المشتغلين بها.
وأتاحت لها قدرتها على الإنتاج بالجملة أن تغامر - في أحايين ليست قليلة – بأعمال لا تلبي بالضرورة ما يطلبه أو يتوقعه الجمهور. فكانت النتيجة أفلاما بمستوى فني و/أو فكري لا يستهان به خاصة بالنظر إلى معطيات عصرها.
السرد البصري
"السرد البصري" في تعريفه البسيط هو القصة التي تصل إلى المتلقي في شكل لقطات فوتوغرافية متتابعة بسرعة معينة (24 صورة في الثانية) بحيث تبدو للعين وكأنها شخوص وأشياء تتحرك كما يحدث في الواقع الملموس. وتصبح النتيجة أقرب إلى مسرحية تدور أمامه، ولكن بدون القيدين الرئيسيين اللذين يكبلان هذه الأخيرة وهما الزمان والمكان. فالفيلم ليس رهينة لأي منهما ويتفسح كما حلا له فينتقل من مكان لآخر ومن زمن لآخر بدون حواجز تعيق حركته.
على أن هوليوود الكلاسيكية لم تستغل هذه الحرية لكسر قواعد السرد الخطّي المتتابع زمانيًّا ومكانيًّا، فاعتمدت أن يلتزم الفيلم بقصة ذات بداية ومنتصف ونهاية وكل حدث فيها امتداد لسابقه وأساس يقوم عليه تابعه، والاستثناء لهذه القاعدة هو "الاسترجاع" flashback وهو العودة إلى حدث في زمن سابق بغرض استكمال مشهد معين في الوقت الحاضر.
وتقع القصة الهوليوودية غالبًا في إطار الصراع بين الخير (يمثله "البطل" والشخصيات الفرعية الساندة له) والشر (يمثله الشرير والشخصيات الفرعية الساندة له) وانتصار الخير في نهاية الفيلم، أما أهم عناصر السرد البصري الأخرى فهو ما يعرف ب"المونتاج السلس".
المونتاج الخفي
يسمى أيضًا "المونتاج السلس"، وهو أحد أساسيات صناعة الفيلم التي قولبتها هوليوود في عصرها الكلاسيكي. والغرض منه، كما يشي الاسم، هو السلاسة في إلقاء القصة بحيث لا يشعر المشاهد بأنه يُقذف قذفًا من مشهد لآخر فيختل لديه تسلسل الأحداث، وهذا المونتاج السلس نفسه لا يتوفر إلا بحركة الكاميرا التي تخضع لما تسميان "قاعدة ال180 درجة" و"قاعدة ال30 درجة".
أما الأولى فتتعلق بمواضع واتجاهات ما يراه المشاهد على الشاشة عندما تكون الكاميرا في حالة ثبات، ومثلًا إذا رأي شخصًا في لقطة ما يخرج من منزله ثم يقود سيارته من يمين الشاشة إلى يسارها، توجب أن يُحتفظ باتجاه اليمين إلى اليسار في اللقطة التالية (تعني أن السيارة تبتعد من المنزل). أما إذا رآها المشاهد وهي تتجه من اليسار إلى اليمين، فهذا يعني أنها تعود إلى المنزل.
وهناك قاعدة ال30 درجة. فإذا استدعت ضرورة فنية أو أخرى أن تتحرك الكاميرا من موضع معين في لقطة ما إلى موضع آخر في تاليتها فيتعين أن يتم هذا "بما لا يقل عن 30° ". وأي درجة أقل من هذه ال30 السحرية تُسمى "قفزة" وينتج عنها إرباك المشاهد لأن ناتجها هو تغيير المنظور التي يتابع المشاهد الأحداث عبره (إلا إذا كان إرباك المشاهد مطلوبًا في حد ذاته، وهو مغامرة يجب أن تُحسب بدقة متناهية ويُفضل تلافيها في جميع الأحوال تقريبًا).
الفريق الواحد
تتصف أفلام العصر الذهبي جميعًا بأنها من إنتاج فريق معين من أصحاب المواهب الفنية (من المخرجين والممثلين إلى المصورين وفنيي الإضاءة والمونتاج... إلى آخره) يعمل حصريًّا لأحد الأستديوهات الكبيرة بموجب عقود طويلة الأمد.
وخذ، على سبيل المثال، سيسيل بي ديميل، المعتبر "أبو السينما الأمريكية" كونه أنجز - بين 1914 (منذ أيام السينما الصامتة) و1958 – سبعين فيلمًا تعتبر معالم مهمة على الطريق، على شاكلة "الوصايا العشر" و"أعظم عرض في التاريخ" و"كليوباترا"، كان يعمل حصريًّا لأستوديو "باراماونت". وخذ أيضًا ألفريد نيومان (فاز بأوسكار الموسيقى التصويرية تسع مرات ورُشح للهذه الجائزة 45 مرة) الذي عمل حصريًّا لأستوديو "فوكس" فترة عشرين سنة.
معالم وأسماء مهمة
ثمة شبه إجماع بين المؤرخين على أن العام 1939 كان هو قمة القمم التي وصلت اليها هوليوود في عصرها الذهبي، إذ أُكملت أو عُرضت فيه أفلام تعتبر محطات مهمة في تاريخ الصناعة. ومن هذه "ذهب مع الريح"، و"ساحر أوز"، و"أحدب نوتردام"، و"لينكون شابّاً"، و"مرتفعات ويذرينغ"، و"وداعًا مستر تشيبس"، و"العشرينات الصاخبة".
ورغم أن الانتاج السينمائي الهوليوودي لا يمكن ان يتم بدون فريق هائل من أصحاب المواهب الإبداعية والتقنية على رأسه مخرجون مبدعون أمثال جون فورد وفرانك كابرا وايليا كازان، فهو بالنسبة للمشاهد العادي الوجوه التي يراها على الشاشة، وبكلمة واحدة: الممثلون. ومن الأسماء التي "صارت هي هوليوود" في عصرها الذهبي – من الرجال الأمراء: تشارلي تشابلن، ولوريل وهاردي، وكلارك غيبل، وهمفري بوغارد، واورسون ويلز، وهنري فوندا، وكيرك دوغلاس، وبيرت لانكاستر، واورسون ويلز، وجاك ليمون، وجيمس كاغني، وسيدني بواتيير (أول أسود يغزو هوليوود ويفوز بالأوسكار) وتوني كيرتس... على سبيل المثال. ومن النساء: بيتي ديفيز، وكاثرين هيبورن، وباربرا ستانويك، وايفا غاردنر، وريتا هايويرث، ودوريس داي، ومارلين مونرو، وهاتي مكدانيال (أول سوداء تفوز بالأوسكار) وجودي غارلاند وغيرهن من أميرات العصر. بل إن هوليوود جعلت من إحدى ممثلاتها (غريس كيلي) أميرة حقيقية عندما هام بها أمير موناكو رينر الثالث وتزوجها في 1956.
ويكفي للتدليل على مكانة هوليوود أنها اجتذبت مواهب أجنبية (من الممثلين والمخرجين) أضافوا إليها ثقلًا ما كانت لتجده بدونهم وإن كان صحيحًا أن هؤلاء ما كان لهم أن يسطعوا في سماوات الثراء والشهرة والمجد بدونها. ومن هؤلاء الألمانية مارلينا ديتريتش والسويديتان غريتا غاربو وإنغريد بيرغمان، والبريطانيون كاري غرانت واودري هيبورن ولورنس اوليفييه وجولي اندروز، والإيطاليتان صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا. ومن المخرجين النمساوي بيلي وايلدر ("الشقة و"البعض يفضلها ساخنة")، والنمساوي – الألماني فريتس لانغ (متروبوليس)، والبريطاني ألفريد هتشكوك ("سايكو" و"الطيور") وغيرهم.
لماذا؟
لماذا صارت هوليوود إحدى أكبر الصناعات التي تجاوزت حدودها الأمريكية إلى كل ركن في العالم، تؤثر عليه بأشكال يدركها وأخرى لا يشعر حتى بها؟ لماذا صمدت هوليوود حتى في وجه "الكساد الكبير" في الثلاثينات عندما كان بين 60 و80 مليون أميركي يرتادون دور العرض اسبوعيا رغم انهم كانوا يلعقون جراح العوز؟
اليقين أن الباحث إذا اجتهد في كوامن هذه الظاهرة سيجد أسبابًا عدة، من الفنية والثقافية والاجتماعية إلى الاقتصادية والسياسية، ربما عدنا إليها مستقبلًا. ولكن، في هذه العجالة، فلنذكر ان هوليوود ظلت تستحوذ على اهتمام الإنسان منذ طفولته عبر أفلام الكارتون بفضل عبقرية رواد أمثال والت ديزني وتيكس افري ووليام هانا وجوزيف باربيرا. وظلت أيضًا تتابعه في كبره وتغنيه عن قراءة رواية كاملة فتقدمها وجبة شهية لعينيه في ما يقل عن ساعتين. هذا هو عمل الساحر.
لأن هوليوود أشبه ما تكون بعصا تلقي علينا بأعمال السحر كما حلا لها، فالصورة التي تتبادر إلى الذهن أنها خُلقت كذا... مملكة سحرية هبطت علينا فجأة مكتملة النمو من مكان لا ندرك كنهه في هذا الكوكب.
لكن هوليوود - والسحر جانبًا – بدأت بكوخ طيني وحيد بُني في 1853 وسط حقل زراعي خارج لوس انجليس، كاليفورنيا، وكما تحدثنا كتب التاريخ فقد كانت أرضًا من الخصوبة بحيث أنها صارت، بحلول 1870، منطقة زراعية واسعة الحدود، وكان أحد أوائل المزارعين الذين وصلوا إلى المنطقة وأقاموا فيها هارفي هندرسون ويلكوكس وزوجته دييدا التي أطلقت اسم "هوليوود" على مزرعتهما، فصارت شيئًا فشيئًا اسمًا للمنطقة أيضًا.
هوليوود... مولد نجم
أما كيف تحولت إلى ما صارت عليه من قلعة للسينما، فهي قصة تبدأ في بدايات القرن العشرين في نيو جيرسي التي كانت كانت صناعاتها البصرية والصوتية حكرًا على شركة توماس أديسون (العبقري الشهير مخترع المصباح الكهربائي والفونوغراف والكاميرا السينمائية وغيرها العديد). وبما أن كل وسائل الانتاج السنيمائي كانت حكرًا قانونيًّا لأديسون فقد اضطر السينمائيون المستقلون للهرب من الولاية تفاديًّا لدعاواه المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية. وكانت كاليفورنيا هي مكانهم المفضل بفضل طقسها المشمس وتضاريسها الدرامية وأيضًا سهولة الهروب منها إلى المكسيك في حال لاحقتهم يد أديسون هناك.
كانت البداية على يد شركة "بيوغراف" التي قررت الاستقرار في لوس انجليس وتحديدًا في تلك المنطقة الجديدة الرخيّة المسماة هوليوود. وهنا أنتجت أول أفلامها باسم "في كاليفورنيا القديمة". وعندما سمع بقية السينمائيين بالمدح الذي أغدقه أصحاب "بيوغراف" على المكان، بدأوا يتقاطرون عليه ويقيمون استديوهاتهم فيه، بمن فيهم سيسيل بي ديميل (1913) وتشارلي تشابلن (1917). وكانت هذه هي اللبنات الأولى في بنيان الفن السابع وإمبراطوريته التي دام عصرها الذهبي حتى منتصف القرن العشرين.
العصر الذهبي
على مدى قرابة نصف القرن استطاعت هوليوود في عصرها الكلاسيكي (المسمى أيضًا "عصر هوليوود الذهبي"، أو - تبعًا للتسمية الشعبية السائدة الآن - "الأفلام القديمة") أن تخلق بالكاميرا عالمًا افتراضيًّا سحريًّا يصعب تصور عالمنا الواقعي بدونه، وهذا بدون ذكر المساهمة الجبارة التي قدمتها إلى الفنون البصرية والسمعية كافة. وهي بلا شك السبب في وجود الصناعات السينمائية في مختلف أنحاء الدنيا، سواء كانت بريطانية أو فرنسية أو هندية أو مصرية أو غيرها، والمعيار الذي تقاس عليه هذه السينمات.
وشهدت هوليوود في عصرها ذاك فترتين أولاهما الأفلام الصامتة (من قبيل الحرب العالمية الأولى إلى 1926)، وثانيتهما الناطقة (بدأت بفيلم "مغني الجاز" في 1927 وبدأ انحسارها من منتصف الخمسينات ثم أتت إلى نهاية مع حلول عقد الستينات).
ومعظم الإنتاج السينمائي الأمريكي الذهبي يقع في واحدة من فئات تقليدية أكبرها ما يسمي "الغربية" Western، في إشارة إلى الغرب الأمريكي ومغامرات رعاة البقر، والدراما الرومانسية، وكوميديا الحركة، والدراما الموسيقية، وسير حياة الشخصيات التاريخية النافذة، والرعب، والكارتون، إضافة إلى فئات أخرى على شاكلة البوليسية والكوارث.
منظومة الأستديوهات
بعد بدايات أنجزت إما على مستوى فردي أو ضيق (1919 إلى منتصف العشرينات)، بدأت صناعة السينما الأمريكية تنظم نفسها مستندة إلى أكبر دعاماتها على الإطلاق وهي "منظومة الأستديوهات" الأساسية التي صارت تعرف ب"الخمسة الكبيرة" وشكلت مجتمعة "المؤسسة السينمائية الأمريكية". وهذه هي: "مترو غولدوين ماير" (المعروفة اختصار بأحرفها الأولى MGM)، وفوكس، ويونيفيرسال، و(الأخوان) وارنر، و"بي كيه أوه" (PKO ). وصارت هذه الأخيرة في أواخر الثلاثينات جزءًا من راديو كوربوريشن اوف أميريكا "آر سي ايه" (RCA).
وفي فترة العصر الذهبي أيضًا تأسس عدد كبير من الأستديوهات الأخرى النافذة (أبرزها "كولومبيا" و"باراماونت" و"يونايتد آرتيستس") التي ابتلعت ما هو أصغر منها أو ابتُلعت هي نفسها بما هو أكبر. وبغض النظر عن مَن استحوذ أو اندمج مع مَن، فقد كانت هذه الأستديوهات هي الأولى في العالم التي تمكنت من تحويل الفن السينمائي (العالي التكلفة) إلى إحدى أكبر الصناعات على مستوى الكوكب بفضل وإمكاناتها الهائلة التي تضع التطور التكنولوجي في مجال البصريات طوع بنانها، واحتكارها قنوات التوزيع، وقدرتها على التسويق بالإعلان وغيره من ضروب الترويج، وأيضًا بفضل ريادتها لأنها كانت الأولى التي طرقت هذه الآفاق ونقّبت في مخزونها الفني الجماهيري الهائل وعادت بأموال طائلة على هذه الماكينة الفريدة وجيوب المشتغلين بها.
وأتاحت لها قدرتها على الإنتاج بالجملة أن تغامر - في أحايين ليست قليلة – بأعمال لا تلبي بالضرورة ما يطلبه أو يتوقعه الجمهور. فكانت النتيجة أفلاما بمستوى فني و/أو فكري لا يستهان به خاصة بالنظر إلى معطيات عصرها.
السرد البصري
"السرد البصري" في تعريفه البسيط هو القصة التي تصل إلى المتلقي في شكل لقطات فوتوغرافية متتابعة بسرعة معينة (24 صورة في الثانية) بحيث تبدو للعين وكأنها شخوص وأشياء تتحرك كما يحدث في الواقع الملموس. وتصبح النتيجة أقرب إلى مسرحية تدور أمامه، ولكن بدون القيدين الرئيسيين اللذين يكبلان هذه الأخيرة وهما الزمان والمكان. فالفيلم ليس رهينة لأي منهما ويتفسح كما حلا له فينتقل من مكان لآخر ومن زمن لآخر بدون حواجز تعيق حركته.
على أن هوليوود الكلاسيكية لم تستغل هذه الحرية لكسر قواعد السرد الخطّي المتتابع زمانيًّا ومكانيًّا، فاعتمدت أن يلتزم الفيلم بقصة ذات بداية ومنتصف ونهاية وكل حدث فيها امتداد لسابقه وأساس يقوم عليه تابعه، والاستثناء لهذه القاعدة هو "الاسترجاع" flashback وهو العودة إلى حدث في زمن سابق بغرض استكمال مشهد معين في الوقت الحاضر.
وتقع القصة الهوليوودية غالبًا في إطار الصراع بين الخير (يمثله "البطل" والشخصيات الفرعية الساندة له) والشر (يمثله الشرير والشخصيات الفرعية الساندة له) وانتصار الخير في نهاية الفيلم، أما أهم عناصر السرد البصري الأخرى فهو ما يعرف ب"المونتاج السلس".
المونتاج الخفي
يسمى أيضًا "المونتاج السلس"، وهو أحد أساسيات صناعة الفيلم التي قولبتها هوليوود في عصرها الكلاسيكي. والغرض منه، كما يشي الاسم، هو السلاسة في إلقاء القصة بحيث لا يشعر المشاهد بأنه يُقذف قذفًا من مشهد لآخر فيختل لديه تسلسل الأحداث، وهذا المونتاج السلس نفسه لا يتوفر إلا بحركة الكاميرا التي تخضع لما تسميان "قاعدة ال180 درجة" و"قاعدة ال30 درجة".
أما الأولى فتتعلق بمواضع واتجاهات ما يراه المشاهد على الشاشة عندما تكون الكاميرا في حالة ثبات، ومثلًا إذا رأي شخصًا في لقطة ما يخرج من منزله ثم يقود سيارته من يمين الشاشة إلى يسارها، توجب أن يُحتفظ باتجاه اليمين إلى اليسار في اللقطة التالية (تعني أن السيارة تبتعد من المنزل). أما إذا رآها المشاهد وهي تتجه من اليسار إلى اليمين، فهذا يعني أنها تعود إلى المنزل.
وهناك قاعدة ال30 درجة. فإذا استدعت ضرورة فنية أو أخرى أن تتحرك الكاميرا من موضع معين في لقطة ما إلى موضع آخر في تاليتها فيتعين أن يتم هذا "بما لا يقل عن 30° ". وأي درجة أقل من هذه ال30 السحرية تُسمى "قفزة" وينتج عنها إرباك المشاهد لأن ناتجها هو تغيير المنظور التي يتابع المشاهد الأحداث عبره (إلا إذا كان إرباك المشاهد مطلوبًا في حد ذاته، وهو مغامرة يجب أن تُحسب بدقة متناهية ويُفضل تلافيها في جميع الأحوال تقريبًا).
الفريق الواحد
تتصف أفلام العصر الذهبي جميعًا بأنها من إنتاج فريق معين من أصحاب المواهب الفنية (من المخرجين والممثلين إلى المصورين وفنيي الإضاءة والمونتاج... إلى آخره) يعمل حصريًّا لأحد الأستديوهات الكبيرة بموجب عقود طويلة الأمد.
وخذ، على سبيل المثال، سيسيل بي ديميل، المعتبر "أبو السينما الأمريكية" كونه أنجز - بين 1914 (منذ أيام السينما الصامتة) و1958 – سبعين فيلمًا تعتبر معالم مهمة على الطريق، على شاكلة "الوصايا العشر" و"أعظم عرض في التاريخ" و"كليوباترا"، كان يعمل حصريًّا لأستوديو "باراماونت". وخذ أيضًا ألفريد نيومان (فاز بأوسكار الموسيقى التصويرية تسع مرات ورُشح للهذه الجائزة 45 مرة) الذي عمل حصريًّا لأستوديو "فوكس" فترة عشرين سنة.
معالم وأسماء مهمة
ثمة شبه إجماع بين المؤرخين على أن العام 1939 كان هو قمة القمم التي وصلت اليها هوليوود في عصرها الذهبي، إذ أُكملت أو عُرضت فيه أفلام تعتبر محطات مهمة في تاريخ الصناعة. ومن هذه "ذهب مع الريح"، و"ساحر أوز"، و"أحدب نوتردام"، و"لينكون شابّاً"، و"مرتفعات ويذرينغ"، و"وداعًا مستر تشيبس"، و"العشرينات الصاخبة".
ورغم أن الانتاج السينمائي الهوليوودي لا يمكن ان يتم بدون فريق هائل من أصحاب المواهب الإبداعية والتقنية على رأسه مخرجون مبدعون أمثال جون فورد وفرانك كابرا وايليا كازان، فهو بالنسبة للمشاهد العادي الوجوه التي يراها على الشاشة، وبكلمة واحدة: الممثلون. ومن الأسماء التي "صارت هي هوليوود" في عصرها الذهبي – من الرجال الأمراء: تشارلي تشابلن، ولوريل وهاردي، وكلارك غيبل، وهمفري بوغارد، واورسون ويلز، وهنري فوندا، وكيرك دوغلاس، وبيرت لانكاستر، واورسون ويلز، وجاك ليمون، وجيمس كاغني، وسيدني بواتيير (أول أسود يغزو هوليوود ويفوز بالأوسكار) وتوني كيرتس... على سبيل المثال. ومن النساء: بيتي ديفيز، وكاثرين هيبورن، وباربرا ستانويك، وايفا غاردنر، وريتا هايويرث، ودوريس داي، ومارلين مونرو، وهاتي مكدانيال (أول سوداء تفوز بالأوسكار) وجودي غارلاند وغيرهن من أميرات العصر. بل إن هوليوود جعلت من إحدى ممثلاتها (غريس كيلي) أميرة حقيقية عندما هام بها أمير موناكو رينر الثالث وتزوجها في 1956.
ويكفي للتدليل على مكانة هوليوود أنها اجتذبت مواهب أجنبية (من الممثلين والمخرجين) أضافوا إليها ثقلًا ما كانت لتجده بدونهم وإن كان صحيحًا أن هؤلاء ما كان لهم أن يسطعوا في سماوات الثراء والشهرة والمجد بدونها. ومن هؤلاء الألمانية مارلينا ديتريتش والسويديتان غريتا غاربو وإنغريد بيرغمان، والبريطانيون كاري غرانت واودري هيبورن ولورنس اوليفييه وجولي اندروز، والإيطاليتان صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا. ومن المخرجين النمساوي بيلي وايلدر ("الشقة و"البعض يفضلها ساخنة")، والنمساوي – الألماني فريتس لانغ (متروبوليس)، والبريطاني ألفريد هتشكوك ("سايكو" و"الطيور") وغيرهم.
لماذا؟
لماذا صارت هوليوود إحدى أكبر الصناعات التي تجاوزت حدودها الأمريكية إلى كل ركن في العالم، تؤثر عليه بأشكال يدركها وأخرى لا يشعر حتى بها؟ لماذا صمدت هوليوود حتى في وجه "الكساد الكبير" في الثلاثينات عندما كان بين 60 و80 مليون أميركي يرتادون دور العرض اسبوعيا رغم انهم كانوا يلعقون جراح العوز؟
اليقين أن الباحث إذا اجتهد في كوامن هذه الظاهرة سيجد أسبابًا عدة، من الفنية والثقافية والاجتماعية إلى الاقتصادية والسياسية، ربما عدنا إليها مستقبلًا. ولكن، في هذه العجالة، فلنذكر ان هوليوود ظلت تستحوذ على اهتمام الإنسان منذ طفولته عبر أفلام الكارتون بفضل عبقرية رواد أمثال والت ديزني وتيكس افري ووليام هانا وجوزيف باربيرا. وظلت أيضًا تتابعه في كبره وتغنيه عن قراءة رواية كاملة فتقدمها وجبة شهية لعينيه في ما يقل عن ساعتين. هذا هو عمل الساحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.