يعيدك فيلم «الفنان» للمخرج الفرنسى ميشيل هازانافيسيوس إلى أحاسيس إنسانية ذات مذاق إبداعى مختلف. لا تعتمد على إبهار القرن الواحد والعشرين من تكنيك وخدع بصرية ولكنها ترجع بك إلى العصر الذهبى للسينما الصامتة المعتمد أولاً وأخيراً على محاولات جادة للوصول إلى روحك بأفكار بمقدار بساطتها وأداء مبدعيها البدائى إلى أنها بها شيء مبهر سره هو الفنان نفسه لذلك لم يكن غريباً حصول الفيلم على العديد من الجوائز وعلى رأسها خمس من الأوسكار وثلاث من جوائز «جولدن جلوب» وجائزة أفضل تمثيل من رابطة المخرجين الأمريكيين، وسبع جوائز فى مهرجان (البانتا) السينمائى كأفضل فيلم وأفضل إخراج وسيناريو، رغم أن استقبال الجمهور للفيلم، لم يكن بمستوى الحفاوة التى لاقاها من عاشقى السينما ومبدعيها، خاصة أنه صامت وبالأبيض والأسود. وفى الغالب يعرض على شاشة أصغر من الحجم المتعارف عليه من باب التكريم لما كانت عليه الأفلام الصامتة فى أوائل القرن العشرين. وفيلم «الفنان» للنجم الفرنسى جان دوجاردان (أول ممثل فرنسى ينضم إلى نادى الفائزين الفرنسيين بجوائز تمثيل فى حفل الأوسكار الذى كان يقتصر حتى الآن على النساء مع كلوديت كولبير وسيموت سينيوريه وماريون كوتييار وجولييت بينوش) تلعب فيه الموسيقى دور الحوار، وتعود بالزمن إلى العام 1927، حيث الممثل والراقص الأكثر شهرة فى هوليوود مستعرضاً حياة النجم جورجى فالنتاين، نجم شباك فى ذلك الوقت واستطاع المخرج جعل المشاهد يشعر أنه فى تلك الفترة بالأزياء والديكورات والكاميرات، والروح التى تجعلك تتقبل بسعادة واستمتاع بفيلم صامت بالأسود والأبيض، مستخدماً أقصوصة معجبة تلتقى بالممثل المشهور، وقامت بدورها الممثلة «بيرنس بوجو» وبالمصادفة تحصل على فرصة الرقص معه فى أحد أفلامه، حيث يبدو إعجاب جورجى فالنتاين بها ويضع أول خطوة فى نجوميتها برسم (حسنة) على وجهها بقلم الحواجب، ثم تبدأ اللحظة الفاصلة فى عام السينما سنة 1929 عندما تبدأ السينما الناطقة التى يرفضها بقوة فالنتاين ويسخر منها فى مشاهد رائعة عبر فيها أنه حتى لا يتحمل يسمع صوت أى شيء، من الأدوات التى يرتبها وينزعج، ويجرى إلى الشارع وتلوح له المعجبات ويسمع الأصوات الطبيعية كلها، وأعتقد أنه فكرة مبهرة من المخرج لتنبيه المشاهد إلى دخول الصوت إلى السينما. وبالتالى الاستغناء عن الفرق الموسيقية الكبيرة المرافقة للعرض، حيث تعزف من داخل الصالة مقطوعات موسيقية مساعدة للصورة المعروضة على الشاشة. ويستكمل الفكرة بذهابه إلى الاستديوهات فيفاجأ أنها أغلقت وأن الاستديوهات الجديدة صاحبة تقنيات الصوت تعمل، وأن الفتاة التى أعطاها الفرصة الأولى أصبحت مشهورة وهو أصبح فقط مجرد نجم السينما الصامتة، ولكنه يقاوم لإثبات أن عصر السينما الصامتة مازال قائماً وينتج فيلماً يقوم ببطولته وإخراجه مراهناً على نجوميته ويفشل فشلاً كبيراً ولا يشاهده سوى الممثلة التى ساعدها. والتى حقق فيلمها الناطق نجاحاً مبهراً وركز المخرج على ذلك باستعراض الطوابير المنتظرة لمشاهدته، ويؤدى هذا إلى إفلاسه وبيع أثاثه بالمزاد العلنى والانتقال إلى شقة كبيرة ثم يشعل النار فى شقته بعد تدميره نيجاتيف أفلامه ثم ينقذه كلبه فى مشهد من أجمل مشاهد الفيلم والتى تؤكد مقدرة المخرج على السيطرة على أداء الكلب بحيث أصبح أحد ممثلى الفيلم المميزين. وتستمر الأحداث مؤكدة على عشق الممثلة لجورجى نجم السينما الصامتة، وتقنعه أنه يصلح للسينما الناطقة فينجح ويستعيد نجوميته فى المشهد الوحيد الناطق فى الفيلم. فى النهاية نحن أمام مقطوعة سينمائية تنحاز إلى عشق البحث عن رؤى الداعية خارج إطار المألوف يقف أمامها عاشقو السينما مبهورين محققة جوائز عالمية ولكن لا تعرف طريقاً إلى شباك التذاكر.