ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. أوقاف الإسماعيلية تنظم فعاليات توعوية بالمدارس    حادث المنشية.. والذاكرة الوطنية    الحد الأقصى للسحب والإيداع اليومي من البنوك وماكينات الصراف الآلي بعد قرارات البنك الأهلي والمركزي    عاجل| تعطيل خدمات البنوك الرقمية يومي الخميس والجمعة    اتصال هاتفي بين وزيري خارجية مصر وبولندا لبحث تعزيز التعاون الثنائي وتطورات الأوضاع في غزة    سفير الصين: الخطة الخمسية ترسخ مصر كنموذج يُحتذى للحزام والطريق بقيادة السيسي وشي    ذا أثليتك: ألونسو يفرض النظام في مدريد.. واللاعبون بين الإعجاب والغضب    السجن سنة وغرامة 100 ألف جنية ضد سوزي الأردنية    حكم رادع ضد طفل المرور و2 آخرين فى اتهامهم بالتعدى على طالب بالمقطم    حالة الطقس في الكويت.. أجواء حارة ورياح شمالية غربية    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    أمن الجيزة يكشف لغز العثور على جثة شاب غرق في نهر النيل بإمبابة    اللمسات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير تكشف كواليس الاستعدادات النهائية    رئيس التعبئة والإحصاء: المتحف المصرى الكبير يجسد عبقرية المصريين عبر العصور    ب4 آلاف جنيه.. فيلم درويش يتذيل قائمة المنافسة على شباك التذاكر    عالم ياباني يحتفي بدعوة حضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير: يا له من شرف عظيم    هيئة الدواء تحذر من مضاد حيوي مغشوش بالسوق    صحة المنيا: قافلة حياة كريمة تقدم خدماتها الطبية ل957 مواطنًا بقرية منبال بمركز مطاي    10 مشروبات طبيعية لعلاج الأرق وصعوبة النوم    شوبير يكشف حقيقة استقالة حسين لبيب من رئاسة نادي الزمالك    «قوة اقتصادية للأهلي».. رسالة عبد الحفيظ للخطيب وياسين منصور    محافظ الدقهلية يتابع محاكاة سيناريوهات التعامل مع مياه الأمطار بالمنصورة    فلسطين حاضرة في الدورة 26 من مهرجان روتردام للفيلم العربي مع "سيدة الأرض"    المشدد 15سنة لمتهم للاتجار بالمخدرات في السلام    خايفة ومتوترة.. وصول سوزي الأردنية إلى الاقتصادية لمحاكمتها بخدش الحياء    محافظ الشرقية يتفقد أعمال رصف ورفع كفاءة طريق النكارية القنايات    هل فلوس الزوجة ملكها وحدها؟ دار الإفتاء تحسم الجدل حول الذمة المالية بين الزوجين    جيش الاحتلال الإسرائيلي يزعم اغتيال مسئول بحزب الله في لبنان    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    كييزا: أشعر بتحسن كبير هذا الموسم.. وأريد البقاء مع ليفربول    القنوات الناقلة لمباراة مصر ضد إسبانيا في كأس العالم لليد تحت 17 سنة.. والموعد    اللجنة الأولمبية تعتمد عقوبات صارمة ضد عمر عصر ومحمود أشرف بعد أحداث بطولة إفريقيا لتنس الطاولة    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    الأونروا: المساعدات لغزة تضاعفت لكنها نقطة في بحر الاحتياجات    وزير الخارجية المصري يبحث مع نظيره السوداني الأوضاع في الفاشر    ملفات ساخنة على طاولة أول لقاء يجمع المستشار الألمانى ورئيس تركيا    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    مصر تشارك في اجتماع لجنة مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي    تحليل: 21% من السيارات الجديدة في العالم كهربائية بالكامل    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الأقصر تزين ميادينها وتجهز شاشات عرض لمتابعة افتتاح المتحف المصري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    وزير الشئون النيابية: الرئيس السيسي أولى ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى    إعصار ميليسا يصل الساحل الجنوبي لشرقى كوبا كعاصفة من الفئة الثالثة    حركة المحليات بالأسماء.. تفاصيل تعيين ونقل 164 قيادة محلية في 11 محافظة    إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين ملاكي وربع نقل بسيدي حنيش    الأمين العام للإنتوساي تشيد بدور مصر في تعزيز التعاون الدولي ومواجهة الأزمات    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    رعم الفوز على النصر.. مدرب اتحاد جدة: الحكم لم يوفق في إدارة اللقاء    نقابة الزراعيين بالدقهلية تختتم دورة "صناع القرار" بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية    اسعار اللحوم اليوم الأربعاء 29اكتوبر 2025 بمحلات الجزارة فى المنيا    طريقة عمل طاجن البطاطا بالمكسرات.. تحلية سريعة في 20 دقيقة    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!    دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نسق العلاقات الثلاثية وتأثيراتها الدرامية في «اللون العاشق »
نشر في صوت البلد يوم 27 - 07 - 2019

لا شك في وجود أرضية مشتركة بين الأدب والفن التشكيلي تسمح بتداخل وتثاقف المفاهيم والأدوات بينهما، لأن الفنين شريكين في التاريخ الذي يحملانه، ويربط بينهما العديد من الروابط ذات العلاقات النوعية. سنجد دوما حالة من التبادل النصي بين الفن التشكيلي والأدب.
يقول بيكاسو: «بعد كل شيء، والفنون كلها واحدة، يمكن أن نكتب لوحة بالكلمات كما يمكن أن نرسم المشاعر في قصيدة »
ولم يقتصر إلهام الفن التشكيلي على الشعراء بل امتد للروائيين بفضل أعمال ليوناردو دافينشي حيث ترتكز إحدى أكثر الروايات مبيعاً وشهرة للكاتب دان براون "شيفرة دافنشي" على لوحة « العشاء الأخير» واحدة من أكثر اللوحات إثارة للجدل في تاريخ الفن التشكيلي، كما تتعرض الرواية لكثير من الأعمال الفنية للرسام الشهير؛ فالرواية تعد علامة في تاريخ الأدب الحديث جسدت لعملية التأثير المباشر للفن التشكيلي على الأدب من خلال الحدث الدرامي الذي اتبعه الكاتب محللاً الرموز والإسقاطات التى تبنتها الأعمال الفنية، وهي إحدى الروايات التي تتناص معها في غير جانب رواية «اللون العاشق» التي ترتكز بدورها على لوحة «بنات بحري» للعبقري «محمود سعيد».
وتتناص الرواية في جانب من جوانبها البنائية مع تكنيك الروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي لم يكتف بجعل أجواء رواية "أصابع لوليتا" تدور حول الرسم والفن التشكيلي، بل بدا أكثر استعداداً للتجريب حيث أدخل صورة للوحة فنية في داخل مطبوعه الروائي في الصفحة 394، وهنا تظهر الصورة داخل الرواية وهو الأمر الذي يعد سابقة، حيث اقتصرت الصور والرسومات المصاحبة للروايات العربية عادة على كونها حدثاً مرافقاً للعمل الإبداعي لا جزءاً منه، كعادة أغلفة الكتب التى كانت ولا زالت عبارة عن لوحات فنية مشهورة. وعلى غراره ألحق الأديب أحمد فضل شبلول ملحقاً كاملاً ينطوي على مجموعة من اللوحات التي ورد ذكرها داخل المتن الروائي ليمنح روايته بذلك بعداً جمالياً وإثرائياً بالاضافة لجماليات البعد السردي.
فبعدما برع في كتابة السيرة الذاتية في روايته الأولى «رئيس التحرير» يمارس الأديب الشاعر أحمد فضل شبلول تجربة جديدة لكتابة السيرة الغيرية هذه المرة من خلال روايته «اللون العاشق» آخر رواية من ثلاثية العشق «الحجر العاشق، الماء العاشق، اللون العاشق» الصادرة في طبعتها المصرية الفاخرة عن دار نشر حسناء والتي تبلغ 254 صفحة.
يوظف الكاتب شغفه ودرايته بالفن التشكيلي في روايته التشكيلية الفريدة من نوعها إن جاز التعبير، حيث يحتل الفن التشكيلي هوامشها من غلاف وعنوان وإهداء سيق على لسان البطل، وتنبني في الأساس على قصة حياة فنان تشكيلي مصري سكندري هو «محمود سعيد» الذي يعد البطل الرئيس لها، وتنطوي على مجموعة من المعلومات الإثرائية، والآراء النقدية، والتفسيرية لمدارس الفن الأوروبي والمصري الحديث، كما تتعرض إلى قضايا ومؤرقات تشكيلية كتعريفها للموديل على أنه شريك في اللوحة ذلك التعريف الذي يبرر لنا علاقة البطل المتشعبة بالجميلات الثلاث فيما بعد، وكذا شرحه لمدرسة «محمود سعيد» ومذهبه الفني. والتحديات التي تواجه الفنان كاشكالية تجسيد الصوت داخل اللوحة على سبيل المثال، وصعوبة رسم الأضداد، وتصوير الحركة وعكسها ببراعة كما صورها بيت الشعر القائل: “مكر مفر مقبل مدبر معا”.
يقول الكاتب على لسان البطل الراوي ص 17: «... كيف أعالج الأشكال والأجساد في دورانها صعوداً وهبوطاً، وماذا عن حركة الجسم والأيدي والأوجه والأرجل والأكتاف... »
تنساب الأفكار مع ذلك التداعي الحر داخل السرد لتناقش نقاط فنية مهمة: كيف تُخلق الفكرة ، وكيف تتشكل وكيف تتحقق وتصبح واقعاً يعكس رؤية ومنظور وفلسفة ووجهة نظر الفنان في الحياة ، متى يكون الفن محفزا مثل فن "محمود مختار"، وكيف يكون مثمناً ومدوناً مثل فن "محمود سعيد" الذي عرف أن سر عظمة الأرض يكمن في (الإنسان) الذي يسكنها من بشر؛ فعمد إلى بنائهم في لوحاته كما كان يبني المهندس الفرعوني المعابد المقدسة، كان ينحتهم نحتاً ويجعل من السيقات أعمدة غليظة ومن الأكتاف عوارض متينة ومن الرؤوس قباب، ومن العيون شموس وأقمار ومجرات، كانت الأكف والأقدام كبيرة دلالة على التأثير البالغ لأفعالهم على هذه الأرض ويتضح ذلك جلياً في لوحة «بنات بحري، ذات الجدائل الذهبية»، أو كان يجعل منهم زوارق ومراكب صغيرة إذا اتخذ البحر والنيل خلفية للوحته كأنهم يبحرون في هذه الحياة وأشرعتهم الياقات والأكمام، وغطاء الرأس والعمائم كما في لوحات« راكب الحمار، رجل من أسوان»، أو أن يصبحوا هم بدورهم كما الأشرعة للمركب كما هو الحال في لوحة «السابحات».
لم يغفل الكاتب أن يستحضر في روايته (القطة) التي ظهرت في لوحة بنات بحري وابتكر لها دوراً في الرواية ومنحها اسماً هو (بوسي)، ليؤكد على اهتمام (محمود سعيد) بالواقعية التي تمثلت في حرصه على رسم (الحمار) المصري في غير لوحة تأكيداً على أهميته وعلى كونه رمزاً من موجودات الريف والشارع المصري القديم.
يسرد الكاتب روايته على لسان الراوي العليم، وبضمير الغائب في البداية الذي ينتقل في ملمح بوليفوني إلى المتكلم ليحكي لنا بعض الحقائق عن حياة الفنان التشكيلي العظيم «محمود سعيد» الذي ولد في مدينة الإسكندرية فكان بحرها بزرقته هو ذلك اللون الساحر العاشق الذي سكن نفسه واستوطنه فظهر وتجسد بطريقة أو بأخرى داخل لوحاته.
بروية يبدأ الكاتب تجواله السردي واصفاً المكان والأثاث في فيلا محمود سعيد بجناكليس الذي ينم عن رغد عيش ساكنه ويعكس طبقته الاجتماعية، ولحظة ميلاد فكرة لوحته الشهيرة «جميلات بحري» أو «بنات بحري» المستوحاة من أيقونة «ربات الحسن الثلاث» للفنان الايطالي «جيمس برادييه » التي أراد أن يخلد بها الجمال المصري عامة والسكندري بصفة خاصة، ولأن اللقطة الأولى سكونية تأملية خالية من الحركة تظهر القطة المنزلية «بوسي» لتولد الحركة بملاعبة ومشاغبة صاحبها المتأمل الغارق في أفكاره لحظة شروق فكرة اللوحة في ذهنه.
ينبني السرد على تقنية المصاحبة إذ يفعّل في الغالب ظهور شخص أو رؤية لوحة أو الذهاب إلى مكان أو تأمل فكرة أو سماع كلمة ما تقنية التذكر والاسترجاع؛ وكأن الشئ بالشئ يذكر وهو ما يخلق نوعاً من أنواع التعالق والارتباط والتشابه أو التكامل أحياناً بين السالف والآني مثل ارتباط حلاوتهم بنت بحري بمدام بومبادور الفرنسية عبر لوحة بوشيه حيث تتماهى رغبتها في أن تصبح مثل مدام بومبادور مع رغبة (دوريان جراي) في رائعة الكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد الذي قال:
إذا استطعت أن أبقى شاباً وهذه الصورة تشيخ، سأبذل كل شيء، سأمنح روحي من أجل ذلك » ، نجد (حلاوتهم) تقول أيضاً حين رأت اللوحة: «كيف أكون مثل دي بومبادور؟» ، وكأنه عقد فاوستي عقده البطلان «حلاوتهم، ودوريان جراي» وأمنية مشتركة تمناها كل منهما أمام لوحة إحدها رأت فيها البطلة ما ترغب أن تصبح عليه والآخر رأى فيه البطل ما يتمنى ألا يتحول عنه ولا يزول، ويتولد عن تلك التقنية رشاقة سردية قائمة على القفز الزمكاني المتكرر داخل النص.
ولعل ملامح تأثير العلاقات الثلاثية داخل رواية (اللون العاشق) تظهر وتبدأ سيرورتها من تلك اللحظة التي يستعرض فيها النص ما قدمه تمثال (ربات الحسن الثلاث) من عرض لتوجه مثالي طوباوي جسده الفنان الفرنسي (جيمس برادييه) حين جعل ربة الوسط تنظر للسماء بترفع وتضع قدمها بزهد على صندوق المجوهرات بينما تختصه احدى الربات بالنظر، وتتغافل الربة الثالثة عن المنظورين (السماوي، الروحي)، (الأرضي/ المادي)، ربما يكون محمود سعيد قد شغف بذلك التمثال وما يحمله من رموز ولكنه في قرارة نفسه تيقن من أنها نظرة غير واقعية فقدمه بمنظوره الخاص في علاقة ثلاثية أخرى نشأت فنياً داخل لوحة (بنات بحري) وسردياً من خلال أحداث الرواية التي دعمتها، واضعاً (حلاوتهم) المادية الأرضية بشهادة السرد في منتصف لوحته، وعلى جانبيها (ست الحسن) الروحية المحبة ، وجميلة غير المبالية بشئ سوى نفسها. وعلى صعيد آخر شكلت شخصيات اللوحة الثلاث تمثيلاً نموذجياً للمجتمع السكندري الكوزموبوليتاني بشرائحة المختلفة التي تنتمي إليها الجميلات في ذلك العصر؛ فحلاوتهم من بحري، وست الحسن من الصعيد، أما جميلة فمن حارة اليهود لتمثل العرق المختلف.
.....
لن يستطيع قارئ تلك الرواية أن يغفل أهمية الصراع الناشئ عن تلك علاقة ثلاثية مغايرة قامت بين ( حلاوتهم، وهمام، ومحمود سعيد) والتي أجّجت شعوراً خفياً وأشّرت إلى احتمالية أن يكون (محمود سعيد) هو قاتل (حلاوتهم) غيرة وانتقاماً من علاقتها بهمام وخطبته لها من بعد علاقته الحميمية معها.
فضلاً عن العلاقة الفنية الثلاثية التي خلقت بعداً آخر بما تمثله أطرافها في المجمل؛ فشخصيات «توفيق الحكيم، محمود سعيد، ومحمد كريم » هي رموز لحركة الفن من نص مكتوب إلى لوحة ساكنة إلى فيلم متحرك يشمل كل ما يبقه من إبداع مكتوب ومرئي ومسموع، ويعبر عنه بفاعلية وتكثيف. ويوضح حضور تلك الشخصيات بصفة عامة استلهامات الفن من الأدب والأدب من الفن.
يظهر في السرد بعض الفنانين المشخصين الذين يتحاورون مع البطل في غير مشهد مثل«بيكاسو، وسلفادور دالي» الذي يكه البطل مدرسته الفنية، أما عن المعلومات والأحداث الفنية والثقافية فتمرر من خلال الحوار مع السينمائيين والكتاب المشخصنين داخل الرواية مثل «المخرج محمد كريم، محمد عبد الوهاب، ليلى مراد، منير مراد، توفيق الحكيم»، وفي عالم القضاء والقانون شخصية «محمود عبد الوهاب ».
تناقش الرواية قضايا ضمنية مثل «العنصرية» الضاربة بجذورعا في ألمانيا من خلال رد فعلهم على أول فيلم مصري «زينب»، أيضاً تنظر بين مذاهب دينية ثلاثة في علاقة ثلاثية من نوع آخر أطرافها «الشيعة، الصوفية، والأزهر».
يقول الكاتب على لسان السارد ص 18 في حديثه عن لوحة “الدراويش”:
“كنت أتساءل أيضا لماذا القلعة وليس الأزهر؟ هل لأن علماء الأزهر لا يعترفون بالدراويش والصوفية؟ تساءلت أيضا لماذا القلعة وليس مسجد الامام الحسين؟ وحاولت عدم البحث عن إجابة..”
تتعدد الأماكن بين فيلا جناكليس، المرسم في محطة الرمل، ديليس، شيكوريل، بنزيون، بحري، ميدان المساجد، غربال، حلقة السمك، باريس، لندن، الصعيد، حارة اليهود.
أما عن زمن الرواية الذي توقف عند عام 1935 نهاية المرحلة الحيوية النابضة عند محمود سعيد ، فهو متخلخل بتقنيات الفلاش باك والتذكر والاسترجاع، ومعطل بالوصف، والمنولوج.
احتوت الرواية على مجموعة من التضمينات المختلفة حيث نجد فيها: جزء من مقال، صفحات من رواية توفيق الحكيم عصفور من الشرق، أخبار إذاعية، بطاقات تعريفية للوحات في المعارض، مقولات، أشعار عالمية لوركا وغيره، مواويل وأغنيات لسيد درويش. وبهذا يكون الكاتب قد جمع رموز تلك الحقبة المائزين في شتى المجالات.
أما عن التناص فالرواية برمتها تتناص تناص اختلاف مع مسرحية برانديلو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" حيث وجدت شخصيات هذه اللوحة من رسمها وتفاعلت معه، أيضا كما أسلفنا الذكر حول تناصها مع رواية "صورة دوريان جراي" لأوسكار وايلد، و"شيفرة دافينشي" لدان براون، و"أصابع لوليتا" لواسيني الأعرج.
تنتهي الرواية نهاية مفتوحة على مجموعة من الاحتمالات حول شخصية قاتل (حلاوتهم) مما يمنح الكاتب البارع أحمد فضل شبلول لكتابة جزءاً تاليا لها و الذي أعتقد أنه سيكون مغايراً ومشوقاً في آن.
وإضافة إلى كل ما شرحناه من فنيات وتقنيات أدبية وفنية تعود قيمة تلك الرواية إلى أنها تقدم (محمود سعيد) من جانب إنساني لا يعرفه الكثيرون، كما أنها تخاطب شريحة جديدة هي شريحة القراء أصحاب الميول الفنية، فضلاً عن احتوائها على مجموعة من المعلومات الإثرائية المائزة، وتقديمها لملامح مرحلة تتسم بالنهضة الخلاقة في شتى المجالات.
لا شك في وجود أرضية مشتركة بين الأدب والفن التشكيلي تسمح بتداخل وتثاقف المفاهيم والأدوات بينهما، لأن الفنين شريكين في التاريخ الذي يحملانه، ويربط بينهما العديد من الروابط ذات العلاقات النوعية. سنجد دوما حالة من التبادل النصي بين الفن التشكيلي والأدب.
يقول بيكاسو: «بعد كل شيء، والفنون كلها واحدة، يمكن أن نكتب لوحة بالكلمات كما يمكن أن نرسم المشاعر في قصيدة »
ولم يقتصر إلهام الفن التشكيلي على الشعراء بل امتد للروائيين بفضل أعمال ليوناردو دافينشي حيث ترتكز إحدى أكثر الروايات مبيعاً وشهرة للكاتب دان براون "شيفرة دافنشي" على لوحة « العشاء الأخير» واحدة من أكثر اللوحات إثارة للجدل في تاريخ الفن التشكيلي، كما تتعرض الرواية لكثير من الأعمال الفنية للرسام الشهير؛ فالرواية تعد علامة في تاريخ الأدب الحديث جسدت لعملية التأثير المباشر للفن التشكيلي على الأدب من خلال الحدث الدرامي الذي اتبعه الكاتب محللاً الرموز والإسقاطات التى تبنتها الأعمال الفنية، وهي إحدى الروايات التي تتناص معها في غير جانب رواية «اللون العاشق» التي ترتكز بدورها على لوحة «بنات بحري» للعبقري «محمود سعيد».
وتتناص الرواية في جانب من جوانبها البنائية مع تكنيك الروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي لم يكتف بجعل أجواء رواية "أصابع لوليتا" تدور حول الرسم والفن التشكيلي، بل بدا أكثر استعداداً للتجريب حيث أدخل صورة للوحة فنية في داخل مطبوعه الروائي في الصفحة 394، وهنا تظهر الصورة داخل الرواية وهو الأمر الذي يعد سابقة، حيث اقتصرت الصور والرسومات المصاحبة للروايات العربية عادة على كونها حدثاً مرافقاً للعمل الإبداعي لا جزءاً منه، كعادة أغلفة الكتب التى كانت ولا زالت عبارة عن لوحات فنية مشهورة. وعلى غراره ألحق الأديب أحمد فضل شبلول ملحقاً كاملاً ينطوي على مجموعة من اللوحات التي ورد ذكرها داخل المتن الروائي ليمنح روايته بذلك بعداً جمالياً وإثرائياً بالاضافة لجماليات البعد السردي.
فبعدما برع في كتابة السيرة الذاتية في روايته الأولى «رئيس التحرير» يمارس الأديب الشاعر أحمد فضل شبلول تجربة جديدة لكتابة السيرة الغيرية هذه المرة من خلال روايته «اللون العاشق» آخر رواية من ثلاثية العشق «الحجر العاشق، الماء العاشق، اللون العاشق» الصادرة في طبعتها المصرية الفاخرة عن دار نشر حسناء والتي تبلغ 254 صفحة.
يوظف الكاتب شغفه ودرايته بالفن التشكيلي في روايته التشكيلية الفريدة من نوعها إن جاز التعبير، حيث يحتل الفن التشكيلي هوامشها من غلاف وعنوان وإهداء سيق على لسان البطل، وتنبني في الأساس على قصة حياة فنان تشكيلي مصري سكندري هو «محمود سعيد» الذي يعد البطل الرئيس لها، وتنطوي على مجموعة من المعلومات الإثرائية، والآراء النقدية، والتفسيرية لمدارس الفن الأوروبي والمصري الحديث، كما تتعرض إلى قضايا ومؤرقات تشكيلية كتعريفها للموديل على أنه شريك في اللوحة ذلك التعريف الذي يبرر لنا علاقة البطل المتشعبة بالجميلات الثلاث فيما بعد، وكذا شرحه لمدرسة «محمود سعيد» ومذهبه الفني. والتحديات التي تواجه الفنان كاشكالية تجسيد الصوت داخل اللوحة على سبيل المثال، وصعوبة رسم الأضداد، وتصوير الحركة وعكسها ببراعة كما صورها بيت الشعر القائل: “مكر مفر مقبل مدبر معا”.
يقول الكاتب على لسان البطل الراوي ص 17: «... كيف أعالج الأشكال والأجساد في دورانها صعوداً وهبوطاً، وماذا عن حركة الجسم والأيدي والأوجه والأرجل والأكتاف... »
تنساب الأفكار مع ذلك التداعي الحر داخل السرد لتناقش نقاط فنية مهمة: كيف تُخلق الفكرة ، وكيف تتشكل وكيف تتحقق وتصبح واقعاً يعكس رؤية ومنظور وفلسفة ووجهة نظر الفنان في الحياة ، متى يكون الفن محفزا مثل فن "محمود مختار"، وكيف يكون مثمناً ومدوناً مثل فن "محمود سعيد" الذي عرف أن سر عظمة الأرض يكمن في (الإنسان) الذي يسكنها من بشر؛ فعمد إلى بنائهم في لوحاته كما كان يبني المهندس الفرعوني المعابد المقدسة، كان ينحتهم نحتاً ويجعل من السيقات أعمدة غليظة ومن الأكتاف عوارض متينة ومن الرؤوس قباب، ومن العيون شموس وأقمار ومجرات، كانت الأكف والأقدام كبيرة دلالة على التأثير البالغ لأفعالهم على هذه الأرض ويتضح ذلك جلياً في لوحة «بنات بحري، ذات الجدائل الذهبية»، أو كان يجعل منهم زوارق ومراكب صغيرة إذا اتخذ البحر والنيل خلفية للوحته كأنهم يبحرون في هذه الحياة وأشرعتهم الياقات والأكمام، وغطاء الرأس والعمائم كما في لوحات« راكب الحمار، رجل من أسوان»، أو أن يصبحوا هم بدورهم كما الأشرعة للمركب كما هو الحال في لوحة «السابحات».
لم يغفل الكاتب أن يستحضر في روايته (القطة) التي ظهرت في لوحة بنات بحري وابتكر لها دوراً في الرواية ومنحها اسماً هو (بوسي)، ليؤكد على اهتمام (محمود سعيد) بالواقعية التي تمثلت في حرصه على رسم (الحمار) المصري في غير لوحة تأكيداً على أهميته وعلى كونه رمزاً من موجودات الريف والشارع المصري القديم.
يسرد الكاتب روايته على لسان الراوي العليم، وبضمير الغائب في البداية الذي ينتقل في ملمح بوليفوني إلى المتكلم ليحكي لنا بعض الحقائق عن حياة الفنان التشكيلي العظيم «محمود سعيد» الذي ولد في مدينة الإسكندرية فكان بحرها بزرقته هو ذلك اللون الساحر العاشق الذي سكن نفسه واستوطنه فظهر وتجسد بطريقة أو بأخرى داخل لوحاته.
بروية يبدأ الكاتب تجواله السردي واصفاً المكان والأثاث في فيلا محمود سعيد بجناكليس الذي ينم عن رغد عيش ساكنه ويعكس طبقته الاجتماعية، ولحظة ميلاد فكرة لوحته الشهيرة «جميلات بحري» أو «بنات بحري» المستوحاة من أيقونة «ربات الحسن الثلاث» للفنان الايطالي «جيمس برادييه » التي أراد أن يخلد بها الجمال المصري عامة والسكندري بصفة خاصة، ولأن اللقطة الأولى سكونية تأملية خالية من الحركة تظهر القطة المنزلية «بوسي» لتولد الحركة بملاعبة ومشاغبة صاحبها المتأمل الغارق في أفكاره لحظة شروق فكرة اللوحة في ذهنه.
ينبني السرد على تقنية المصاحبة إذ يفعّل في الغالب ظهور شخص أو رؤية لوحة أو الذهاب إلى مكان أو تأمل فكرة أو سماع كلمة ما تقنية التذكر والاسترجاع؛ وكأن الشئ بالشئ يذكر وهو ما يخلق نوعاً من أنواع التعالق والارتباط والتشابه أو التكامل أحياناً بين السالف والآني مثل ارتباط حلاوتهم بنت بحري بمدام بومبادور الفرنسية عبر لوحة بوشيه حيث تتماهى رغبتها في أن تصبح مثل مدام بومبادور مع رغبة (دوريان جراي) في رائعة الكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد الذي قال:
إذا استطعت أن أبقى شاباً وهذه الصورة تشيخ، سأبذل كل شيء، سأمنح روحي من أجل ذلك » ، نجد (حلاوتهم) تقول أيضاً حين رأت اللوحة: «كيف أكون مثل دي بومبادور؟» ، وكأنه عقد فاوستي عقده البطلان «حلاوتهم، ودوريان جراي» وأمنية مشتركة تمناها كل منهما أمام لوحة إحدها رأت فيها البطلة ما ترغب أن تصبح عليه والآخر رأى فيه البطل ما يتمنى ألا يتحول عنه ولا يزول، ويتولد عن تلك التقنية رشاقة سردية قائمة على القفز الزمكاني المتكرر داخل النص.
ولعل ملامح تأثير العلاقات الثلاثية داخل رواية (اللون العاشق) تظهر وتبدأ سيرورتها من تلك اللحظة التي يستعرض فيها النص ما قدمه تمثال (ربات الحسن الثلاث) من عرض لتوجه مثالي طوباوي جسده الفنان الفرنسي (جيمس برادييه) حين جعل ربة الوسط تنظر للسماء بترفع وتضع قدمها بزهد على صندوق المجوهرات بينما تختصه احدى الربات بالنظر، وتتغافل الربة الثالثة عن المنظورين (السماوي، الروحي)، (الأرضي/ المادي)، ربما يكون محمود سعيد قد شغف بذلك التمثال وما يحمله من رموز ولكنه في قرارة نفسه تيقن من أنها نظرة غير واقعية فقدمه بمنظوره الخاص في علاقة ثلاثية أخرى نشأت فنياً داخل لوحة (بنات بحري) وسردياً من خلال أحداث الرواية التي دعمتها، واضعاً (حلاوتهم) المادية الأرضية بشهادة السرد في منتصف لوحته، وعلى جانبيها (ست الحسن) الروحية المحبة ، وجميلة غير المبالية بشئ سوى نفسها. وعلى صعيد آخر شكلت شخصيات اللوحة الثلاث تمثيلاً نموذجياً للمجتمع السكندري الكوزموبوليتاني بشرائحة المختلفة التي تنتمي إليها الجميلات في ذلك العصر؛ فحلاوتهم من بحري، وست الحسن من الصعيد، أما جميلة فمن حارة اليهود لتمثل العرق المختلف.
.....
لن يستطيع قارئ تلك الرواية أن يغفل أهمية الصراع الناشئ عن تلك علاقة ثلاثية مغايرة قامت بين ( حلاوتهم، وهمام، ومحمود سعيد) والتي أجّجت شعوراً خفياً وأشّرت إلى احتمالية أن يكون (محمود سعيد) هو قاتل (حلاوتهم) غيرة وانتقاماً من علاقتها بهمام وخطبته لها من بعد علاقته الحميمية معها.
فضلاً عن العلاقة الفنية الثلاثية التي خلقت بعداً آخر بما تمثله أطرافها في المجمل؛ فشخصيات «توفيق الحكيم، محمود سعيد، ومحمد كريم » هي رموز لحركة الفن من نص مكتوب إلى لوحة ساكنة إلى فيلم متحرك يشمل كل ما يبقه من إبداع مكتوب ومرئي ومسموع، ويعبر عنه بفاعلية وتكثيف. ويوضح حضور تلك الشخصيات بصفة عامة استلهامات الفن من الأدب والأدب من الفن.
يظهر في السرد بعض الفنانين المشخصين الذين يتحاورون مع البطل في غير مشهد مثل«بيكاسو، وسلفادور دالي» الذي يكه البطل مدرسته الفنية، أما عن المعلومات والأحداث الفنية والثقافية فتمرر من خلال الحوار مع السينمائيين والكتاب المشخصنين داخل الرواية مثل «المخرج محمد كريم، محمد عبد الوهاب، ليلى مراد، منير مراد، توفيق الحكيم»، وفي عالم القضاء والقانون شخصية «محمود عبد الوهاب ».
تناقش الرواية قضايا ضمنية مثل «العنصرية» الضاربة بجذورعا في ألمانيا من خلال رد فعلهم على أول فيلم مصري «زينب»، أيضاً تنظر بين مذاهب دينية ثلاثة في علاقة ثلاثية من نوع آخر أطرافها «الشيعة، الصوفية، والأزهر».
يقول الكاتب على لسان السارد ص 18 في حديثه عن لوحة “الدراويش”:
“كنت أتساءل أيضا لماذا القلعة وليس الأزهر؟ هل لأن علماء الأزهر لا يعترفون بالدراويش والصوفية؟ تساءلت أيضا لماذا القلعة وليس مسجد الامام الحسين؟ وحاولت عدم البحث عن إجابة..”
تتعدد الأماكن بين فيلا جناكليس، المرسم في محطة الرمل، ديليس، شيكوريل، بنزيون، بحري، ميدان المساجد، غربال، حلقة السمك، باريس، لندن، الصعيد، حارة اليهود.
أما عن زمن الرواية الذي توقف عند عام 1935 نهاية المرحلة الحيوية النابضة عند محمود سعيد ، فهو متخلخل بتقنيات الفلاش باك والتذكر والاسترجاع، ومعطل بالوصف، والمنولوج.
احتوت الرواية على مجموعة من التضمينات المختلفة حيث نجد فيها: جزء من مقال، صفحات من رواية توفيق الحكيم عصفور من الشرق، أخبار إذاعية، بطاقات تعريفية للوحات في المعارض، مقولات، أشعار عالمية لوركا وغيره، مواويل وأغنيات لسيد درويش. وبهذا يكون الكاتب قد جمع رموز تلك الحقبة المائزين في شتى المجالات.
أما عن التناص فالرواية برمتها تتناص تناص اختلاف مع مسرحية برانديلو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" حيث وجدت شخصيات هذه اللوحة من رسمها وتفاعلت معه، أيضا كما أسلفنا الذكر حول تناصها مع رواية "صورة دوريان جراي" لأوسكار وايلد، و"شيفرة دافينشي" لدان براون، و"أصابع لوليتا" لواسيني الأعرج.
تنتهي الرواية نهاية مفتوحة على مجموعة من الاحتمالات حول شخصية قاتل (حلاوتهم) مما يمنح الكاتب البارع أحمد فضل شبلول لكتابة جزءاً تاليا لها و الذي أعتقد أنه سيكون مغايراً ومشوقاً في آن.
وإضافة إلى كل ما شرحناه من فنيات وتقنيات أدبية وفنية تعود قيمة تلك الرواية إلى أنها تقدم (محمود سعيد) من جانب إنساني لا يعرفه الكثيرون، كما أنها تخاطب شريحة جديدة هي شريحة القراء أصحاب الميول الفنية، فضلاً عن احتوائها على مجموعة من المعلومات الإثرائية المائزة، وتقديمها لملامح مرحلة تتسم بالنهضة الخلاقة في شتى المجالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.