5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفحة التربوية في الفيلم الأمازيغي
نشر في صوت البلد يوم 08 - 06 - 2019

إن الدراما الأمازيغية دراما القضايا الاجتماعية ، ومنذ بداية الفيلم الأمازيغي وهو منكب على معالجة القيم الإنسانية النبيلة التي يتميز بها المجتمع الأمازيغي على مر التاريخ ،ولا نبالغ إذا قلنا إن الفيلم الأمازيغي في مجمله فيلم تربوي تصحيحي للمعتقدات والمعاملات السلبية ،ومنفر من السلوكات الخادشة لنبل الأخلاق والتواصل والتفاعل الإيجابيين أسريا واجتماعيا. ورغم بساطة المعالجة الجمالية والتقنية للفيلم الأمازيغي استنادا إلى مستوى الوسائل والدعم المعتمد عليه في الانتاج والإنجاز ،فإن هذا الفيلم كان وما يزال وسيلة هادفة وفعالة في توجيه الجمهور للتفكير في وجودهم وعلاقاتهم ومصائرهم.
وقد كانت محاور هاته الأفلام مطردة بين الدفاع عن القيم في علاقتها بالهوية في زمن هول العولمة الناسفة للقيم والثقافات. ورغم أن الوظيفة المثلى في الفيلم في رأي البعض هي المتعة والترفيه ،فإنه وسيلة ناجعة في التوعية عبر المتعة والتشويق وعبر رسم نظرة مائزة إزاء الحياة والمجتمع. فما نشاهده يؤثر علينا عبر تفاعلنا معه مما يجعله يحدث تغييرات في شخصياتنا وسلوكنا وأفكارنا، لذا ينبغي اختيار المضامين القيمة أخذا بعين الاعتبار ما ينتظر غرسه في نفوس المشاهدين من الفتيان والشباب بصفة خاصة.
ففي كل فيلم رسائل مستهدفة حتما تحاول أن تجعلنا أمام وقائع هي جزء من حياتنا اليومية بما تحمله من صراعات من أجل إعادة النظر في الممدوح وفي المذموم منها ،ومشاهدتنا للفيلم مشاهدة لبعض ما يعترينا ويعتري علاقاتنا كي نرسم الطريق لمصائر أكثر إنسانية وجمالية.
قصة الفيلم :
من هذا المنطلق جاء فيلم الطمع طاعون لمخرجه إبراهيم الليموني ، و يندرج في مجال الأفلام الدرامية الاجتماعية الموجهة إلى عموم الجماهير . وتتعلق قصته بطمع أخ في ميراث أخيه المتوفى مخلفا وراءه امرأته وبنته ، وقد حاول هذا الاخ الالتجاء إلى كل الحيل التي بإمكانها أن تحقق له مراده غير آبه بمشاعر الأرملة وبنتها ، وقد تبدى له أن المنزل القديم الذي تركه يحمل كنزا ، وحين يذهب إليه رفقة شخصين من ذوي تجربة في المجال تباغته الأرملة ، ويغضب وتسكت غضبه بتسليمه وثيقة تركها أخوه كدليل على مكان وجود الكنز ، وحين يفتحها يجد أن المقصود بالكنز هو نفسه، ويقتنع بذلك ، ويؤمن بحقيقته عازما على أن يؤدي ما عليه من مسؤوليات إزاء أسرة أخيه .
الفيلم يعالج مشكلة اجتماعية معروفة في كل المجتمعات البشرية قديما وحديثا معالجة درامية تحتد الصراعات فيها وتكاد تنتهي نهاية مأساوية لولا تفهم الأخ الطامع من ميراث أخيه ما له وما عليه.
عنوان الفيلم :
جاء العنوان جملة اسمية متكونة من مبتدأ وخبر وتحمل معنى تاما مفاده أن الطمع بمثابة الطاعون ويقصد به الوباء أو الموت من الوباء 1. و" الطمع عبارة عن رغبة جامحة لامتلاك الثروات أو السلع أو الأشياء ذات القيمة المطلقة بغرض الاحتفاظ بها للذات، بما يتجاوز احتياجات البقاء والراحة بكثير. وهو يسري على الرغبة الطاغية والبحث المستمر عن الثروة والمكانة والسلطة. والطمع هو الهوس بامتلاك جميع الثروات والسلع لإبهار المجتمع المحاط بنا.
و"كمفهوم علماني نفسي، يعتبر الطمع، بنفس الطريقة، رغبة جامحة للحصول على أكثر مما يحتاجه الشخص وامتلاكه. وهو يستخدم بشكل نموذجي من أجل انتقاد أولئك الذين يسعون خلف الحصول على الثروة المادية الزائدة عن الحد، رغم أنه يسري على الحاجة إلى الشعور بالأخلاقيات الزائدة عن الحد أو الاجتماعية أو الشعور بأن الفرد أفضل من الآخرين" )انظر موسوعة ويكيبيديا( .
.
وقد أخرج الإمام الطبراني ،عن جابر رضي الله عنه ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال، يا رسول الله أوصني، قال :إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وإياك وما يعتذر منه ) صححه الألباني. و الطمع مصدر الكثير من السلوكات السلبية والمؤذية ومنها الكذب والسرقة والاحتيال والوصولية والانتهازية والانتقام والأنانية والارتشاء .
والعنوان مَثل مغربي معروف يحيل على نفور المغاربة من الطمع والجشع باعتباره وباء قاتلا يدفع بصاحبه إلى تمني نيل ما ليس له من غيره فيستبد به الحقد الذي يجعله كالمصاب بالطاعون ، ولأنه ينتشر بسرعة بعيدا عن القيم الأخلاقية والدينية فهو أشبه بالطاعون الذي يبدأ وسرعان ما تتوسع الرقعة المصابة به.
كل هذه المعطيات التي يوحي بها العنوان واردة في سلوكات بطل الفيلم الحاج مبارك الذي جسده الممثل المقتدر والشهير في الفيلم الأمازيغي منذ بدايته محمد برداوز .
شخصيات يحركها الطمع :
يبدأ الفيلم بمشهد سيكون الشرارة التي ستؤجج الطمع في نفسية الحاج مبارك وهو يرى أخاه يفارق الحياة قبل أن يهمس له بكونه قد ترك له الكنز الذي لا يفنى ، وربما فهم الحاج قوله خطأ حين فكر في السطو على كل ممتلكاته غير آبه بحقوق زوجة وبنت أخيه الهالك.
إلى جانب الحاج نجد أماغوس الحريص على معرفة كل تحركات الحاج الذي تغير سلوكه منذ أن فارق أخوه الحياة مما أثار شكوكه وشكوك المحيطين به ،ولكل تغير أو إسداء معروف سبب.
وسيتصارع أماغوس مع الحاج منذ بداية الفيلم حتى النهاية باعتبار أرملة المتوفى خالته و بنتها عائشة امرأته مستقبلا ،وبذلك صار يحركه الطمع بدوره في أخذ حق خالته من الميراث متحديا الحاج الذي يحاول السطو على كل شيء.
الحاج مبارك حاول الحصول على مراده بطريقة غير شرعية من خلال :
استمالة فقيه وإمام الدوار للإفتاء لصالحه بصدد تفويت ثروة أخيه إليه.وقد دفع به ذلك إلى حد دفع رشوة (سمن وعسل)
اتخاذ "فظمة" وسيطة ومتجسسة على الأرملة مع محاولة إخضاعها بشتى الطرق كي تستجيب لمطالب الحاج.
محاولة إرضاء "أماغوس" بتحقيق رغباته بهدف الإيقاع به بطريقة أو بأخرى.
اتخاذ خادمه البشير كمتجسس على تحركات وكلام الأرملة.
التفكير في تزويج البشير بتلايتماس وأماغوس بعائشة كي يخلو له المجال من أجل تحقيق مراده.
كل هذه المحاولات منحت الفيلم بعدا دراميا مشوقا لا يخلو من مواقف كوميدية ممتعة. ومنها ما يصدر من "عدي" المتقاعد الذي كان يشتغل منجميا فصار شبه مجنون يتحدث عن عمله وكأنه يتحدث عن بطولته في ذلك.وإلى جانبه ابنته التي تبدو ساذجة جدا تتحدث عن رغباتها وسط قريناتها بشكل فكاهي يثير ضحكهن وسخريتهن.
شخصيات الفيلم تحركها التناقضات والمتعارضات الدرامية المتفاوتة من حيث درجة حدته وفق قيمة وقدر مصالحها ، وإذا كان الطمع هو المحرك الرئيسي في أحداث الفيلم فإن درجته غير العادية أسندت إلى بطل الفيلم مما حولها إلى الجشع (الدرجة القصوى من الطمع).
ختاما
الموسيقى التصويرية المحلية منسجمة مع الأجواء التي اتخذها الفيلم كفضاء للأحداث وبساطة عيش أهل القرية وهم يحملون همومهم اليومية متحاورين حولها باحثين عن حلول لها.
ولقد تمكن المخرج من المحافظة على التوازن في إرساء المشاهد المفعمة بالتوتر والانفعال وفي وثيرة تحريكها إلى النهاية حيث سيكتشف البطل تفاهة وخطورة ما أقدم عليه وهو الغني الذي له أملاك كثيرة تعفيه عن طلب المزيد ، على أن هذه النهاية تبدو وكأنها تمَّت بسرعة، وكان من الممكن التريث لجعل البطل ينزوي ويجلس دارفا دموعه ،وهو يظهر الندم عما فات بدل أن يقتنع بمجرد قراءة وصية أخيه الذي يؤكد له فيها بأنه هو الكنز الذي لن يفنى ، وعليه مسؤولية إعالة أسرته بدل الطمع سلب ممتلكاتها.
أما أحداث الفيلم والفضاءات والملابس وتحركات وحوارات الشخصيات فقد جاءت متوافقة مع القرية الأمازيغية المتخيلة وفق العادات والقيم والملامح المميزة للمجتمع الأمازيغي .
ويبقى الفيلم ملمحا إبداعيا يحمل قيما ويحمل مشاهد تجعلنا نعتز بتراثنا الأمازيغي الجميل الذي نخشى أن نفارقه وفي ذلك مفارقة لهويتنا الفريدة.
هامش:
+ فيلم الطمع طاعون : من إخراج إبراهيم الليموني ، وسيناريو : الطيب بلوش إبراهيم الليموني.
1 المنجد في اللغة والإعلام دار المشرق بيروت الطبعة الأربعون ص 466.
إن الدراما الأمازيغية دراما القضايا الاجتماعية ، ومنذ بداية الفيلم الأمازيغي وهو منكب على معالجة القيم الإنسانية النبيلة التي يتميز بها المجتمع الأمازيغي على مر التاريخ ،ولا نبالغ إذا قلنا إن الفيلم الأمازيغي في مجمله فيلم تربوي تصحيحي للمعتقدات والمعاملات السلبية ،ومنفر من السلوكات الخادشة لنبل الأخلاق والتواصل والتفاعل الإيجابيين أسريا واجتماعيا. ورغم بساطة المعالجة الجمالية والتقنية للفيلم الأمازيغي استنادا إلى مستوى الوسائل والدعم المعتمد عليه في الانتاج والإنجاز ،فإن هذا الفيلم كان وما يزال وسيلة هادفة وفعالة في توجيه الجمهور للتفكير في وجودهم وعلاقاتهم ومصائرهم.
وقد كانت محاور هاته الأفلام مطردة بين الدفاع عن القيم في علاقتها بالهوية في زمن هول العولمة الناسفة للقيم والثقافات. ورغم أن الوظيفة المثلى في الفيلم في رأي البعض هي المتعة والترفيه ،فإنه وسيلة ناجعة في التوعية عبر المتعة والتشويق وعبر رسم نظرة مائزة إزاء الحياة والمجتمع. فما نشاهده يؤثر علينا عبر تفاعلنا معه مما يجعله يحدث تغييرات في شخصياتنا وسلوكنا وأفكارنا، لذا ينبغي اختيار المضامين القيمة أخذا بعين الاعتبار ما ينتظر غرسه في نفوس المشاهدين من الفتيان والشباب بصفة خاصة.
ففي كل فيلم رسائل مستهدفة حتما تحاول أن تجعلنا أمام وقائع هي جزء من حياتنا اليومية بما تحمله من صراعات من أجل إعادة النظر في الممدوح وفي المذموم منها ،ومشاهدتنا للفيلم مشاهدة لبعض ما يعترينا ويعتري علاقاتنا كي نرسم الطريق لمصائر أكثر إنسانية وجمالية.
قصة الفيلم :
من هذا المنطلق جاء فيلم الطمع طاعون لمخرجه إبراهيم الليموني ، و يندرج في مجال الأفلام الدرامية الاجتماعية الموجهة إلى عموم الجماهير . وتتعلق قصته بطمع أخ في ميراث أخيه المتوفى مخلفا وراءه امرأته وبنته ، وقد حاول هذا الاخ الالتجاء إلى كل الحيل التي بإمكانها أن تحقق له مراده غير آبه بمشاعر الأرملة وبنتها ، وقد تبدى له أن المنزل القديم الذي تركه يحمل كنزا ، وحين يذهب إليه رفقة شخصين من ذوي تجربة في المجال تباغته الأرملة ، ويغضب وتسكت غضبه بتسليمه وثيقة تركها أخوه كدليل على مكان وجود الكنز ، وحين يفتحها يجد أن المقصود بالكنز هو نفسه، ويقتنع بذلك ، ويؤمن بحقيقته عازما على أن يؤدي ما عليه من مسؤوليات إزاء أسرة أخيه .
الفيلم يعالج مشكلة اجتماعية معروفة في كل المجتمعات البشرية قديما وحديثا معالجة درامية تحتد الصراعات فيها وتكاد تنتهي نهاية مأساوية لولا تفهم الأخ الطامع من ميراث أخيه ما له وما عليه.
عنوان الفيلم :
جاء العنوان جملة اسمية متكونة من مبتدأ وخبر وتحمل معنى تاما مفاده أن الطمع بمثابة الطاعون ويقصد به الوباء أو الموت من الوباء 1. و" الطمع عبارة عن رغبة جامحة لامتلاك الثروات أو السلع أو الأشياء ذات القيمة المطلقة بغرض الاحتفاظ بها للذات، بما يتجاوز احتياجات البقاء والراحة بكثير. وهو يسري على الرغبة الطاغية والبحث المستمر عن الثروة والمكانة والسلطة. والطمع هو الهوس بامتلاك جميع الثروات والسلع لإبهار المجتمع المحاط بنا.
و"كمفهوم علماني نفسي، يعتبر الطمع، بنفس الطريقة، رغبة جامحة للحصول على أكثر مما يحتاجه الشخص وامتلاكه. وهو يستخدم بشكل نموذجي من أجل انتقاد أولئك الذين يسعون خلف الحصول على الثروة المادية الزائدة عن الحد، رغم أنه يسري على الحاجة إلى الشعور بالأخلاقيات الزائدة عن الحد أو الاجتماعية أو الشعور بأن الفرد أفضل من الآخرين" )انظر موسوعة ويكيبيديا( .
.
وقد أخرج الإمام الطبراني ،عن جابر رضي الله عنه ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال، يا رسول الله أوصني، قال :إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وإياك وما يعتذر منه ) صححه الألباني. و الطمع مصدر الكثير من السلوكات السلبية والمؤذية ومنها الكذب والسرقة والاحتيال والوصولية والانتهازية والانتقام والأنانية والارتشاء .
والعنوان مَثل مغربي معروف يحيل على نفور المغاربة من الطمع والجشع باعتباره وباء قاتلا يدفع بصاحبه إلى تمني نيل ما ليس له من غيره فيستبد به الحقد الذي يجعله كالمصاب بالطاعون ، ولأنه ينتشر بسرعة بعيدا عن القيم الأخلاقية والدينية فهو أشبه بالطاعون الذي يبدأ وسرعان ما تتوسع الرقعة المصابة به.
كل هذه المعطيات التي يوحي بها العنوان واردة في سلوكات بطل الفيلم الحاج مبارك الذي جسده الممثل المقتدر والشهير في الفيلم الأمازيغي منذ بدايته محمد برداوز .
شخصيات يحركها الطمع :
يبدأ الفيلم بمشهد سيكون الشرارة التي ستؤجج الطمع في نفسية الحاج مبارك وهو يرى أخاه يفارق الحياة قبل أن يهمس له بكونه قد ترك له الكنز الذي لا يفنى ، وربما فهم الحاج قوله خطأ حين فكر في السطو على كل ممتلكاته غير آبه بحقوق زوجة وبنت أخيه الهالك.
إلى جانب الحاج نجد أماغوس الحريص على معرفة كل تحركات الحاج الذي تغير سلوكه منذ أن فارق أخوه الحياة مما أثار شكوكه وشكوك المحيطين به ،ولكل تغير أو إسداء معروف سبب.
وسيتصارع أماغوس مع الحاج منذ بداية الفيلم حتى النهاية باعتبار أرملة المتوفى خالته و بنتها عائشة امرأته مستقبلا ،وبذلك صار يحركه الطمع بدوره في أخذ حق خالته من الميراث متحديا الحاج الذي يحاول السطو على كل شيء.
الحاج مبارك حاول الحصول على مراده بطريقة غير شرعية من خلال :
استمالة فقيه وإمام الدوار للإفتاء لصالحه بصدد تفويت ثروة أخيه إليه.وقد دفع به ذلك إلى حد دفع رشوة (سمن وعسل)
اتخاذ "فظمة" وسيطة ومتجسسة على الأرملة مع محاولة إخضاعها بشتى الطرق كي تستجيب لمطالب الحاج.
محاولة إرضاء "أماغوس" بتحقيق رغباته بهدف الإيقاع به بطريقة أو بأخرى.
اتخاذ خادمه البشير كمتجسس على تحركات وكلام الأرملة.
التفكير في تزويج البشير بتلايتماس وأماغوس بعائشة كي يخلو له المجال من أجل تحقيق مراده.
كل هذه المحاولات منحت الفيلم بعدا دراميا مشوقا لا يخلو من مواقف كوميدية ممتعة. ومنها ما يصدر من "عدي" المتقاعد الذي كان يشتغل منجميا فصار شبه مجنون يتحدث عن عمله وكأنه يتحدث عن بطولته في ذلك.وإلى جانبه ابنته التي تبدو ساذجة جدا تتحدث عن رغباتها وسط قريناتها بشكل فكاهي يثير ضحكهن وسخريتهن.
شخصيات الفيلم تحركها التناقضات والمتعارضات الدرامية المتفاوتة من حيث درجة حدته وفق قيمة وقدر مصالحها ، وإذا كان الطمع هو المحرك الرئيسي في أحداث الفيلم فإن درجته غير العادية أسندت إلى بطل الفيلم مما حولها إلى الجشع (الدرجة القصوى من الطمع).
ختاما
الموسيقى التصويرية المحلية منسجمة مع الأجواء التي اتخذها الفيلم كفضاء للأحداث وبساطة عيش أهل القرية وهم يحملون همومهم اليومية متحاورين حولها باحثين عن حلول لها.
ولقد تمكن المخرج من المحافظة على التوازن في إرساء المشاهد المفعمة بالتوتر والانفعال وفي وثيرة تحريكها إلى النهاية حيث سيكتشف البطل تفاهة وخطورة ما أقدم عليه وهو الغني الذي له أملاك كثيرة تعفيه عن طلب المزيد ، على أن هذه النهاية تبدو وكأنها تمَّت بسرعة، وكان من الممكن التريث لجعل البطل ينزوي ويجلس دارفا دموعه ،وهو يظهر الندم عما فات بدل أن يقتنع بمجرد قراءة وصية أخيه الذي يؤكد له فيها بأنه هو الكنز الذي لن يفنى ، وعليه مسؤولية إعالة أسرته بدل الطمع سلب ممتلكاتها.
أما أحداث الفيلم والفضاءات والملابس وتحركات وحوارات الشخصيات فقد جاءت متوافقة مع القرية الأمازيغية المتخيلة وفق العادات والقيم والملامح المميزة للمجتمع الأمازيغي .
ويبقى الفيلم ملمحا إبداعيا يحمل قيما ويحمل مشاهد تجعلنا نعتز بتراثنا الأمازيغي الجميل الذي نخشى أن نفارقه وفي ذلك مفارقة لهويتنا الفريدة.
هامش:
+ فيلم الطمع طاعون : من إخراج إبراهيم الليموني ، وسيناريو : الطيب بلوش إبراهيم الليموني.
1 المنجد في اللغة والإعلام دار المشرق بيروت الطبعة الأربعون ص 466.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.