مدينة ترومسو النرويجية الشمالية التي لا تبعد عن القطب المتجمد الشمالي سوى 350 كيلو متراً ، تشهد بعد أيام قليلة في الرابع عشر من الشهر الجاري يناير - كانون الثاني انطلاق أعمال النسخة الثالثة والعشرون من مهرجان ترومسو السينمائي العالمي. هذا المهرجان عالمي يحظى بشعبية كبيرة في عاصمة الشمال النرويجي. وتشارك فيه أفلام عالمية من جميع القارات. ويعتبر من أكبر الفعاليات الثقافية والفنية التي تشهدها البلاد. وهو من المهرجانات الهامة للسينما المحلية والعالمية. يقام المهرجان في مثل هذه الأيام من السنة حيث تكون المدينة الشمالية مظلمة بحكم طبيعتها الجغرافية ، فالشمس لا تشرق فيها لأكثر من ساعتين طوال اليوم. ويقول المنظمون أنهم اختاروا هذا التوقيت ليتسنى للمشاهدين مشاهدة عددا من الأفلام في العراء وليس فقط في الصالات المغلقة. وفي هذا الصدد وعن المهرجان كتب الناقد الفلسطيني نجوان درويش الذي شارك في إحدى دورات المهرجان :" يبدو مهرجان ترومسو مثالياً في توظيف البيئة المحلية والخصوصية الحضرية للمكان، لإنتاج شخصية للمهرجان السينمائي، والتخلص من ظاهرة مهرجان كان السينمائي (المهرجان/ العقدة) الذي تعاني منه مهرجانات السينما، التي صار من المألوف أن تتوقع منها الميديا والجمهور أيضاً شيئاً كانياً ، كأن كان هو النموذج وكأن الاقتراب من ظاهرته هو اقتراب من كمال مهرجان السينما.". بدأ مهرجان ترومسو مشواره في سنة 1991 وشهده في المرة الأولى 5200 زائر ومشاهد. وتطور خلال السنوات التالية بشكل كبير ليصل تعداد زواره في النسخة الأخيرة من المهرجان سنة 2012 الى نحو 54 ألفا من المشاهدين. وكما جرت العادة سوف تكون أيام المهرجان مليئة بالعروض وورشات العمل والندوات التي يلتقي خلالها الجمهور مع المخرجين والممثلين والنقاد. ومن الصعب على المشاركين متابعة كافة الأفلام والورش لكثرتها. هناك خمسة جوائز في هذا المهرجان والجائزة الأولى هي جائزة " أورورا" و تقدر قيمتها بمائة ألف كراونة نرويجية ، توزع الجوائز عند اختتام أيام المهرجان.وهناك هيئة او لجنة مختصة تشرف على ذلك. في دورة المهرجان العام الفائت 2012 فاز الفيلم الروسي " ألينا" للمخرج اندريه زفياغنيتسيف بجائزتين الأولى والثانية وهما : Auroraprisen "Elena" av Andrej Zvjagintsev, Russland FIPRESCI-prisen "Elena" av Andrej Zvjagintsev, Russland وجدير بالذكر ان فيلم المخرجة النرويجية لينا هلفرسون بعنوان " أمريكا ضد العريان" عن قصة البروفسور الفلسطيني العريان المعتقل في الولاياتالمتحدةالأمريكية كان في دورة سنة 2007 فاز بجائزة الجمهور في المهرجان. هذا العام هناك أفلاما عديدة من دول كثيرة منها : النرويج ، السويد، الولاياتالمتحدةالأمريكية ، روسيا ، فلسطين ، السعودية، ألمانيا ، فرنسا ، بلجيكا ، باراغواي ، كوريا الشمالية ، كوريا الجنوبية ، " إسرائيل" , الهند ، الصين ، تشيكيا ،فنلندا , استونيا ، الدنمارك ،هولندا، لاتفيا ،كوبا ، كولومبيا ، روسياالبيضاء ، المكسيك ، كندا ، بريطانيا ، النمسا ، تشيلي ، اليابان ، ايرلندا، استراليا ، بلجيكا ، لبنان ، مصر ، قطر ، البرازيل ، البرتغال . من الأفلام العربية هناك فيلم وجدة للمخرجة السعودية هيفاء المنصور والذي يعتبر أول فيلم سعودي يتم تصويره بالكامل داخل الأراضي السعودية و بطاقم سعودي كامل.وهو إنتاج سعودي ألماني مشترك ، حيث اشتركت في إنتاجه شركة ريزر فيلم الألمانية . شاركت في الفيلم الممثلة السعودية المشهورة ريم عبد الله، الى جانب الطفلة وعد محمد .يقدم الفيلم حكاية بسيطة عن فتاة صغيرة اسمها وجدة تطمح بركوب دراجة هوائية فتصطدم بمحظورات المجتمع التقليدي المعروف في السعودية. هذا الفيلم " وجدة" حاولت عبره المخرجة هيفاء المنصور تناول موضوعة المرأة وإعطاءها بعدا إنسانيا . إذا لا بد لمشاهدي الفيلم أن يتعاطفوا مع هذه الفتاة وأن يحسوا بأحلامها وطموحاتها . ومعروف ان الفيلم فاز في مهرجان البندقية السينمائي بايطاليا في دورته ال69 بثلاث جوائز عالمية. هي جائزة سينما فناير CinemAvvenire Award، وجائزة الاتحاد الدولي لفن السينما CICAE Art Cinema Award، وجائزة انترفيلم Interfilm Award هناك أيضا عدد من الأفلام العربية الأخرى المشاركة في مهرجان ترومسو، منها بعض الأفلام الفلسطينية القصيرة والوثائقية لمخرجين شباب. مع ملاحظة غياب للأفلام الأخرى عن هذه الدورة. إذ أن الأفلام التسجيلية والروائية الفلسطينية كانت تشارك دائما في المهرجان. يشارك أيضا فيلم "الصدمة" المثير للجدل ، للمخرج اللبناني زياد دويري. الفيلم يتحدث عن التعايش الصهيوني العربي في فلسطينالمحتلة.وهو قصة جراح فلسطيني ناجح يعمل في مستشفى "إسرائيلي" كان يعتقد انه بإمكانه التعايش مع المجتمع هناك بعكس زوجته التي لا ترى ما نفس يراه. وتقوم بعد مذبحة مخيم جنين بتنفيذ عملية استشهادية. يبدأ الفيلم بمشهد تكريم بطل الفيلم في عمله في احتفال يلقى فيه كلمة عن التعايش العربي - اليهودي. وفي اليوم التالي يجد نفسه معتقلا من قبل الأمن "الإسرائيلي" للاشتباه في أنه زوج "إرهابية". نفذت عملية انتحارية في حفل عيد ميلاد أسفرت عن قتل عدد كبير من الأطفال اليهود. في معرض حديثه عن الفيلم يقول المخرج دويري"أدركت حساسية الفيلم وكنت أعرف من البداية أن الطريق أمامه مليء بالألغام، كنا نعلم أنه سيكون هناك من يعارضونه من الجانب العربي ومن الجانب اليهودي". جدير بالذكر أن معظم الحوار في الفيلم يتم باللغة العبرية وليس العربية. الكيان "الإسرائيلي" يشارك بخمسة أفلام في المهرجان منها ثلاثة أفلام تسجيلية واثنان روائيان. وقد تحدث عن ذلك سكرتير البرامج في المهرجان هيننغ روزنلوند وقال انه في ترومسو هناك اهتمام كبير بما يحدث في الشرق الأوسط. وأضاف "روزنلوند" اعتقد أن الناس المهتمين بما يحدث في فلسطين وغزة سيهمهم التعرف بشكل أفضل على ديناميكية ما يحدث في الجارة " إسرائيل". الأفلام اختيرت بعناية عن الواقع "الإسرائيلي" لكي يتعرف الجمهور على "إسرائيل" من الداخل. والقصد هو أن يتم التعرف أكثر على كيان إسرائيل". ولهذا اختيرت هذه الأفلام الخمسة ومنها فيلم يتحدث عن الجنود بعد انتهاء الخدمة العسكرية ,وآخر عن الزواج الأرثوذوكسي اليهودي. وبمناسبة عرض الأفلام الخمسة" سوف يكون هناك ورشات سياسية وندوات سيتم فيها الحديث عن الصراع في الشرق الأوسط ، فيما دعت إدارة المهرجان جيف هلبر من منظمة "إسرائيلية" معادية لسياسة هدم البيوت في فلسطينالمحتلة وآخرين للتحدث في الورش بعد عرض تلك الأفلام. ومعروف ان هلبر كان شارك في أساطيل سفن فك الحصار عن غزة. وجدير بالذكر أن مدينة ترومسو التي يقام فيها المهرجان ويحمل اسمها هي مدينة توأم لمدينة غزة في فلسطين.