فيما يخص المصالح القومية الأميركية تعني مصر ما هو أكثر من مجرد قناة السويس وعملية السلام ومكافحة الإرهاب. فسياسات مصر تجاه سوريا والسودان وإثيوبيا وليبيا والمغرب العربي الأوسع وإيران ودول "مجلس التعاون الخليجي" تحمل في طياتها قيمة كبيرة أيضاً. ويجب النظر إلى جميع هذه المصالح في ضوء الحفاظ على استقرار مصر وتحولها إلى الديمقراطية ونموها الاقتصادي. وعلينا أن نلفت الانتباه هنا إلى أن سياسة مصر الخارجية أثناء حكم جماعة «الإخوان المسلمين» كانت كارثية وهددت مصالح الأمن القومي الأكثر جوهرية للبلاد.كانت هذه مقدمة تحليل سياسي للباحث عادل العدوي في الموقع الأليكتروني لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى . واضاف التقرير أنه وفي هذا السياق، يجب أن نعود إلى فترة رئاسة أنور السادات، عندما بدأت وزارة الخارجية المصرية الانحراف بعيداً عن دورها البارز في صياغة السياسة الخارجية للبلاد. وقد حدثت المرحلة البارزة في هذا الميدان في عام 1977 عندما استقال إسماعيل فهمي من منصبه كوزير للخارجية احتجاجاً على مبادرة السلام التي أبرمها السادات مع إسرائيل. كما أن استقالة محمد إبراهيم كامل - الذي أعقب فهمي في منصب وزير الخارجية - أرغمت السادات في النهاية على الاعتماد بصورة أكثر على فروع أخرى من الحكومة، وخاصة المؤسسة الأمنية، في التعاطي مع قضايا السياسة الخارجية. وفي وقت لاحق، تمكن الرئيس حسني مبارك حتى من إبعاد وزير الخارجية السابق عمرو موسى - الذي يتمتع بشعبية واسعة - عن القرارات الحاسمة في السياسة الخارجية. وقد حدث انحراف بسيط في نهاية فترة حكم مبارك، عندما زاد وزير الخارجية أحمد أبوالغيط من وتيرة التعاون مع المؤسسة الأمنية بصورة بطيئة. بيد أن انتفاضة 2011 وضعت نهاية لعودة ظهور وزارة الخارجية كلاعبة رئيسية في صياغة سياسة مصر الخارجية في المحافظ الأكثر أهمية. وعقب الثورة مباشرة، تراجعت الشؤون الخارجية إلى الوراء وأفسحت المجال للمخاوف الداخلية العاجلة. فعلى سبيل المثال، تحدث وزير الخارجية السابق والأمين العام لجامعة الدول العربية حالياً نبيل العربي في مارس 2011 عن تطبيع العلاقات مع إيران، التي كانت قد قطعت علاقاتها مع مصر عام 1979، لكن سرعان ما خبت هذا الحديث. وفي ظل حكم «الإخوان المسلمين»، ظهرت اتجاهات كارثية في السياسة الخارجية لمصر. ففي حين لم يتخذ الرئيس محمد مرسي أي خطوات كبرى كانت قد أثرت بشكل مباشر على العلاقات مع الولاياتالمتحدة أو إسرائيل على المدى القريب، إلا أنه كان يزرع بذور التحوّل الجذري في توجهات وطرق إدارة السياسة الخارجية للبلاد. فعلاقة «الإخوان» الوثيقة مع «حماس»، وخاصة حول أنفاق التهريب غير المشروعة إلى غزة، كانت ستتبعها عواقب سلبية على المدى الطويل لكلاً من الأمن القومي المصري والعلاقات مع إسرائيل. وفي الواقع، أن المؤشرات على أن مرسي كان يعطي الأولوية بوضوح لمصالح «الجماعة» التنظيمية على مصالح الدولة، بما في ذلك من خلال إعادة تحديد أولويات الأمن القومي، أثارت مصادمات مع جهاز أمن الدولة، والجهاز البيروقراطي للدولة المسؤول عن تنفيذ السياسة الخارجية. وكانت وزارة الخارجية مجردة من صلاحياتها تماماً أثناء إدارة مرسي. فقد كان وزير خارجية مرسي، محمد كامل عمرو، مجرد دمية في يد النظام. ووفقاً للعديد من كبار الدبلوماسيين، يبدو أنه قبِل الدور المتواضع الذي لعبته وزارته. فعلى سبيل المثال، عندما اتخذ مرسي خطوة غير مسبوقة باستدعائه سفير مصر لدى روما وقنصلها بدرجة سفير في نيويورك دون سبب أو دون اتباع القوانين والإجراءات المؤسسية الإلزامية، دقت أجراس الخطر. بيد أنه رغم غضب كبار المسؤولين، لم يشكك عمرو في تلك الخطوة وقام بتنفيذ أوامر مرسي دون التصدي لها بموجب اللوائح المعمول بها في مؤسسات الدولة. ولم يكن غضب الدبلوماسيين المصريين موجهاً نحو سلبية عمرو فحسب، بل نحو المؤسسة الموازية الصاعدة برئاسة مستشار مرسي لشؤون السياسة الخارجية عصام حداد، الذي كان يؤدي مهام وزير الخارجية من الناحية الفعلية. إن قيام «الإخوان» بإقصاء مؤسسات الدولة القائمة وصناع السياسة من ذوي الخبرة، قد نجم عنه سياسة خارجية مندفعة ومتناقضة داخلياً وغير مفهومة تقريباً. وقد كانت هذه الإخفاقات واضحة بشكل خاص في محاولة «الجماعة» التقارب مع إيران، والتي بدأت مع زيارة مرسي إلى طهران في أغسطس 2012، وأعقبتها زيارة مماثلة إلى مصر في فبراير 2013 قام بها الرئيس في ذلك الحين محمود أحمدي نجاد واستمرت ثلاثة ايام. وفي أواخر الشهر التالي، أقلعت الرحلة التجارية الأولى منذ ثلاثة عقود بين القاهرةوطهران. ومع ذلك، جاءت هذه التلميحات بنتائج عكسية كما اتضح من الانتقادات القوية من المؤسسة السياسية، الأمر الذي أدى إلى تعليق الرحلات الجوية. وفي 31 مايو، دعا مرسي إلى استئناف الرحلات، وبعدها وصل 132 سائحاً إيرانياً إلى أسوان كجزء من اتفاقية للسياحة الثنائية. وهذه المرة انضم السلفيون إلى اعتراضات الجهاز الأمني عن طريق تنظيم احتجاجات في الشوارع. إن تحسن علاقات مصر مع إيران أضر بشكل طبيعي بعلاقاتها مع دول الخليج الأخرى والممالك العربية، باستثناء قطر. فالعلاقات بين مصر والإمارات العربية المتحدة عانت من انتكاسة كبيرة أبرزها اعتقال نحو أحد عشر عضواً من أعضاء «الإخوان» المصريين اتُهموا بالإرهاب. كما أن العلاقات السعودية المصرية قد تدهورت هي الأخرى، حيث تم استدعاء السفير السعودي أكثر من مرة. بل إن ملك الأردن نفسه وصف مرسي بأنه لا يحظى بأي "عمق" في فهم القضايا المعقدة في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، وخلال يونيو 2013 وحده، أعلن الرئيس مرسي فعلياً الحرب على دولتين. أولاً، قام بقطع العلاقات مع سوريا وأشار إلى رغبته في إرسال الجيش المصري والمقاتلين المتطوعين لمساعدة الثوار على الإطاحة ببشار الأسد - وهو موقف تعارض مع آراء مرسي كما تم الإعراب عنها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع دول "بريكس" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، أفريقيا) في جنوب أفريقيا في الشهر السابق. والأهم من ذلك، أن ذلك الموقف انتهك مبدأ مصر الراسخ - الذي يعود تاريخه إلى مشاركتها المكلفة سابقاً في الحرب الأهلية في اليمن قبل عقود من الزمن - والمتمثل بعدم التدخل العسكري مطلقاً ضد أي دولة عربية أخرى. كما أن الإعلان الفعلي الثاني للحرب جاء أثناء اجتماع للأمن القومي تم نقله من على شاشات التلفزيون كان برئاسة مرسي، وأثيرت خلاله احتمالية شن هجمات عسكرية أو القيام بأعمال تخريب مخابراتية ضد "سد النهضة الإثيوبي" لحل تهديد أزمة المياه. ومرة أخرى، ومثلما كان الحال مع هذين الإخفاقين، قوضت «الجماعة» الأمن القومي المصري بسياستها الخارجية التي تصادمت مع مصالح البلاد القومية الراسخة. وقد فصل مرسي مصر عن المجتمع الدولي بقيامه بتحركات أخرى أيضاً، مثل موقفه ضد التدخل العسكري عقب استيلاء المقاتلين الإسلاميين على أجزاء عديدة من مالي، وهو موقف أبعد مصر عن الاتحاد الأفريقي؛ وكذلك اعترافه بكوسوفو ضد مشورة جهاز الأمن؛ ومطالبته بالإفراج عن الإرهابي المدان الشيخ عمر عبد الرحمن من السجن في الولاياتالمتحدة. بالإضافة إلى ذلك، إن تواصل مرسي مع بكين وموسكو ربما كانت له آثار سلبية أطول أجلاً على علاقات مصر الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، الأمر الذي أدى إلى تقويض المصالح الفضلى لمصر. وأخيراً، قام مرسي بأحد أسوأ تحركاته في أبريل 2013 خلال زيارة قام بها للسودان، عندما تجاوز خطاً أحمر لجهاز الأمن ومؤسسة السياسة الخارجية، بالإشارة إلى رغبته في التنازل عن منطقة حلايب وشلاتين المصرية - المتنازع عليها منذ فترة طويلة - للسودان. وبعدها قام صدقي صبحي، رئيس أركان الجيش المصري، بزيارة إلى السودان لكي يوضح أن الدولة المصرية لم تكن تتفاوض على التنازل عن أي جزء من أراضيها. وبالنسبة للجيش، أبرز هذا الحادث أن جماعة «الإخوان» كانت تعمل بشكل مباشر ضد مصالح الأمن القومي المصري. السياسة الخارجية بعد ثورة 30 يونيو في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، تعمل مصر على إعادة بناء علاقاتها القوية مع دول "مجلس التعاون الخليجي"، التي أظهرت دعماً سياسياً ومالياً قوياً لمصر في أعقاب الإطاحة بمرسي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. كما أن القيادة المصرية الجديدة أوقفت كذلك زيارات السياح الإيرانيين، وعارضت توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، وتواصلت بجهد مع الدول الأفريقية لاستعادة مقعد مصر في "الاتحاد الأفريقي". وعلاوة على ذلك، فإن المصريين عازمون على حل نزاعهم مع إثيوبيا بشأن مياه النيل سلمياً، وهي نقطة ألمح إليها وزير الخارجية نبيل فهمي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أعلن عن إقامة "الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية" لتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية. وقد جعلت دائرة السياسة الخارجية لمصر من ضمن أولوياتها أيضاً شرح ثورة 30 يونيو والانتقال إلى برلمان ورئيس منتخبان ديمقراطياً - بما في ذلك من خلال جهود دبلوماسية شعبية عامة مكثفة لمواجهة الحملة العدوانية السلبية من قبل أنصار «الإخوان». وبتحدثه في الأممالمتحدة، سعى فهمي إلى طمأنة المستمعين بأن "خارطة الطريق تتضمن جدول أعمال وطني لبناء مؤسسات دولة ديمقراطية في إطار زمني محدد". وتابع يقول، "سياسة مصر الخارجية هي الآن انعكاس لإرادة شعبنا، وتمت صياغتها وفقاً لمصالحنا وأمننا الوطني، دون مراعاة أية اعتبارات أخرى". الخاتمة من خلال تجاوز البيروقراطية المصرية القائمة وتطوير بيروقراطية خاصة به، شكل نظام «الإخوان» تهديداً لأسس السياسة الخارجية المصرية، بتقويضه المصالح الأمنية الوطنية خلال سير العملية. لكن مصر صمدت في وجه تلك المحاولات الرامية لإعادة توجيه سياستها الخارجية، كما أن فترة ما بعد ثورة 30 يونيو شهدت محاولات لإصلاح ما أصاب سياستها الخارجية من أضرار. ومن وجهة نظر العلاقات بين الولاياتالمتحدة ومصر، فإن أحد مقاييس النجاح هو إعادة بناء روابط مدنية بين واشنطنوالقاهرة. ولا يزال السؤال القائم يتعلق فيما إذا كان القادة المدنيون قادرين على المشاركة البنّاءة في عملية إعادة البناء هذه، أو ما إذا كانوا سيبتعدون عن المشهد، ويتركون عبء المسؤولية على كاهل الجيش، مثلما فعلوا بعد مبادرة السلام التي قام بها السادات منذ عقود. وفي الواقع، يتعيّن على الجهود المدنية أن ترتقي إلى المستوى الذي حققه الجيش. وفي غضون ذلك، كما يلمح التحليل السابق، سوف يسعى صُناع السياسة المصريون بهدوء أن يثبتوا لواشنطن أن سياسة مصر الخارجية، وأهميتها إلى الولاياتالمتحدة، تشمل ما هو أكثر من العلاقات الثنائية أو القضايا العربية الإسرائيلية. وبالأحرى، إن المصالح المشتركة تشمل مجموعة من المخاوف المرتبطة بالعرب والأفارقة وحتى إيران. وقد أصبح الآن أمام الولاياتالمتحدة ومصر نافذة لبناء إطار عمل أفضل من أجل تعاون طويل الأجل - في هذه القضايا، وفي قضايا أخرى أيضاً.