لقي المخرج المسرحي الكبير أحمد عبدالحليم وجه ربه فجر أمس في احد مستشفيات العاصمة الالمانية برلين الذي دخله بعد تدهور حالته الصحية نتيجة اصابته باضطرابات شديدة في المعدة وكانت ترافقه خلال رحلة علاجه زوجته الفنانة عايدة عبدالعزيز، وقد تكفل الشيخ سلطان القاسمي حكم الشارقة بعلاجه كاملا على نفقته الخاصة في بادرة انسانية تعكس اياديه البيضاء مع المثقفين والفنانين ومن المقرر ان يصل جثمان الراحل للقاهرة اليوم. والمخرج الراحل يعتبر من رواد المسرح المصري اذ اسهم في صنع ما سمي ب«نهضة المسرح» في الستينيات بصحبة مخرجين كبار امثال سعد اردش وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي، واسهم في اثراء الحركة الفنية المسرحية العربية وخاصة في الكويت التي عمل بها كأستاذ في معهد الفنون المسرحية لمدة ثلاثة وعشرين عاما من العام 1974 حتى العام 1997 شارك خلالها في دعم الحركة المسرحية الكويتية وتخرجت على يديه اكثر من 17 دفعة من طلبة المعهد. وقد اخرج الراحل العديد من المسرحيات لفرقة المسرح الشعبي وكان اقربها لقلبه مسرحية «رأس المملوك جابر» من بطولة جاسم النبهان واحمد الصالح واخرج ايضا مسرحيات «المتنبي يجد وظيفة» و«اربعة واحد»، كما اخرج مسرحية «عزومة سالمية» لعبدالحسين عبدالرضا وسعاد عبدالله ومحمد المنصور. وكان الراحل دائما يفتخر بتلاميذه في الكويت الذين اصبحوا نجوما الآن ويبدي سعادته باختياره ضيفا للعديد من المهرجانات الكويتية اذ تم تكريمه في العام 2005 في مهرجان المسرح الكويتي في بادرة اشعرته بالسعادة لانهم – على حد قوله – لم ينسوه في الكويت. يذكر ان الفنان الراحل من مواليد 19 سبتمبر 1934 وحاصل على بكالوريوس معهد الفنون المسرحية في العام 1956 ودرس الاخراج المسرحي في لندن العام 1962 وعمل استاذا في معهد التمثيل وهو متزوج من الفنانة عايدة عبدالعزيز. وقد شارك كممثل في بطولة فيلم «يوميات نائب في الارياف» المأخوذ عن رواية لتوفيق الحكيم وفي اكثر من مسلسل منها «ام كلثوم» و«قاتل بلا اجر» و«الامام الغزالي» و«سقوط الخلافة» و«يا ورد مين يشتريك» وغيرها من الاعمال، كما اخرج الكثير من الاعمال المسرحية منها على سبيل المثال لا الحصر «الملك لير» و«بلقيس» و«الاسكندر الاكبر» و«الشاطر حسن» و«جواز على ورقة طلاق» و«شمشون الجبار» وهي المسرحية التي كتبها سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم امارة الشارقة وتم عرضها في افتتاح مهرجان المسرح العربي. وقد تلقت الأوساط الفنية في الكويت خبر وفاة د عبد الحليم بالحزن والأسى لما تركه ذلك الفنان والانسان ذو القلب الرحيم من بصمة طيبة وخالدة، طوال محطات مشواره الفني الحافل، التي بدأت بعد ان أنهى دراسة الاخراج المسرحى في لندن العام 1962 ليسافر بعدها الى الكويت ويدرس بالمعهد العالي للفنون المسرحية فيها طيلة 23 عاماً، وكان أحد أعمدة الهيئة التدريسية، وأخرج الكثير من المسرحيات الكويتية، وتتلمذ على يديه نخبة من نجوم الوسط الفني أبرزهم أحمد جوهر، وعبدالعزيز المسلم، وجمال الردهان، وطارق العلي، وداود حسين، ومحمد رشيد، وغيرهم...«الوطن» هاتفت بعضا من تلاميذه النجوم، وكل من عاصر الفنان الراحل لتستعيد للقارئ ذكرياته، وتاريخه الحافل في الديرة فكانت السطور التالية.. قال عميد العهد العالي للفنون المسرحية د.فهدالسليم: «بكل الأسى تلقيت خبر وفاة والدي ومعلمي الدكتور أحمد عبد الحليم بعد صراع طويل مع المرض في ألمانيا، ولا أستطيع ان أصف حزني الشديد فقد كان يشجعني ويدعمني كثيراً أثناء فترة الدراسة، واليوم استطيع ان أقول انني فقدت والدي الثاني، وأتذكر مدى تقاربي معه خلال فترة الدراسة، وكنت حريصا على ان أتواصل معه خلال فترة العلاج، والسؤال عن صحته عن طريق زوجته، وقد التقيته خلال وجوده في الكويت أخيرا، وكان أيضاً ضيف شرف في مهرجاننا الأكاديمي، وحينها سألني مداعبا: متى ستطلق اسمي على احدى القاعات؟ فهو فنان وانسان ذو عطاء كبير، فقده الوسط الفني في الكويت والخليج، وكل من تتلمذ على يديه، فهو لدينا بمكانة زكي طليمات الثاني بعد ان استمر أستاذا بالمعهد طيلة 23 عاماً من الكفاح، وأحد أعمدة المعهد، وبالطبع سنقيم له حفل تأبين في المعهد يليق بمكانته في قلوبنا وقامته بالديرة». معلم فاضل الفنان القدير محمد جابر قال وقد غلبته دموعه: «أحمد عبد الحليم فنان له مكانة مميزة في قلوب الفنانين الكويتيين، وله باع طويل طوال وجوده كمعلم فاضل في المعهد العالي للفنون المسرحية، وأتشرف بأن أكون أحد تلامذته، وقد شاركني في اخراج ثلاث مسرحيات، أبرزها «محاكمة علي بابا»، وأتذكر منه حرصه الشديد والتزامه بمواعيده لأبعد الحدود حتى انه في احدى البروفات ظننا أنه لم يحضر، وقمنا بعمل البروفة، وكنا لا نعلم أنه موجود، وعقب انتهائنا ظهر لنا وقال: «عقاباً لكم عيدوا البروفة من أول». إنسان رائع مدير المراكز الثقافية في وزارة الاعلام والثقافة في الامارات د.حبيب غلوم: «الأعمار بيد الله، والمخرج أحمد عبد الحليم لم يمر بحياتي انسان وفنان ذو قلب رحيم مثله سواء في الكويت، أو مصر، أو بريطانيا بحكم دراستي فيها، فهو انسان قبل الفنان بكل المقاييس، وتشرفت بأنني تتلمذت على يديه، ومنذ تخرجي العام 1987، وبعد مرور 23 عاما مازلت أتذكر مسرحية «الحلاج» التي أخرجها، ويذكرها كبار فناني ومثقفي الكويت، وكان أيضاً قادرا على احتواء الطلبة وحل مشاكلنا الاجتماعية قبل الدراسية، ويقدر ظروفنا، وله مكانة خاصة عندي، وكنت دائم التواصل معه ومع زوجته، واستضفته لدينا في وزارة الثقافة بالامارات، وكنت دوماً أردد على طلبتي والمثقفين المسرحيين بأنهم سيلتقون هذا الفنان والمعلم الانسان المتواضع، فبالفعل افتقدنا انسانا رائعا». عطاء كبير الفنان عبدالعزيز المسلم قال عنه: «بكل الحزن تلقيت خبر وفاة أستاذي الجليل أحمد عبد الحليم، وبدوري أتقدم وكل فناني مجموعة السلام الاعلامية بخالص الحزن والأسى لأسرة المخرج الفنان الانسان، الذي مازلت أسير على خطاه الفنية، والأكاديمية، وتعلمت منه الكثير على مقاعد الدراسة مع زملائي حينها، فكان لنا صاحب القلب الكبير والرحيم، ولم يبخل يوماً علينا بالنصح والارشاد، فترك مكانة مميزة في الساحة الفنية الكويتية، ولا أحد ينكر دوره وعطاءه الكبيرين طيلة عمله في المعهد، ويكفي ان تتلمذ على يديه الكثير من نجوم الفن الآن لسنوات طويلة». فنان جميل وقال النجم طارق العلي: «أستاذي الراحل كان من الشخصيات الرائعة في المعهد، فكان يحتوينا بقلبه الكبير، وكان انسانا رحيما، وأخا لنا، ولم يقصر معنا يوما كطلبة على مقاعد الدراسة، وأتذكر أنني كنت طالبا مشاغب الطباع، وحينما كان يعصّب يقول لي: «يا طارق حرام عليك أنا عاوز أخلص»، كما كنت أترقب مجيء زوجته الفنانة عايدة عبدالعزيز، وأقف لأقول له وأنا على المسرح: «العمدة وصل»، فيقول لي: «مين؟»، فارد ضاحكا: «أقصد مراتك» فيضحك، ويرد علي: «يخرب بيتك» ويضحك من جديد، وأنا أطالب ادارة المعهد العالي للفنون المسرحية بأن يقيموا حفل تأبين له، وأن تكون هناك قاعة دراسية تحمل اسمه، لتخلد عطاءه، وما قدمه من أعمال جليلة لهذا المعهد، فنحن تلاميذه افتقدنا فنانا جميلا». أستاذ فاضل وأخيرا، قال د.علي العنزي: «لقد خسرنا جميعاً الفقيد الراحل أحمد عبد الحليم في الحركة الثقافية، والأدبية، والعربية ككل، فهو أستاذ فاضل قدم الكثير والكثير من العطاء الفني لأبناء معهد المسرح في الكويت، وكان يأسرنا بخلقه الطيب، وأذكر أنه حرص على استضافة الوفد الكويتي الى مصر أخيرا في بيته بكل حفاوة وترحاب منه، ومن زوجته، وأكد لنا يومها أنه لن ولم يتوان في تقديم النصح الصادق من خالص قلبه ليبقى المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت منارة فنية وثقافية كما كان في عهده، قائلا: «الكويت تسري في دمي».