بعد صدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين و التحفظ على أموال قادتها من خلال قرار محكمة الأمور المستعجلة ينضح على تاريخ الوطن و سجله العديد من أزمنة الإسترجاع لتاريخ تلك الجماعة التي بدأت على المقاهي من قِبل الإمام حسن البنا و انتهت بقرار المحكمة الأخير كلعبة بانورامية لتلك الجماعة التي وجدت مصيرها كأمواج البحر المتلاطمة ما بين الصعود و الهبوط و العنف و السكون. أصبحت كلمة (الحل) هي الثالثة في تاريخ الإخوان حيث الإقصاء من الساحة السياسية المصرية حيث كانت المرة الأولى في العام 1948 بقرار من وزير الداخلية و رئيس الوزراء محمود فهمي باشا النقراشي و الذي جاء بعد مقتل شهيد القضاء أحمد الخازندار و إذ بلهيب الجماعة يطول بألسنته محمود النقراشي في نفس العام بقتله حيث دخول الجماعة للمرحلة الثالثة في تاريخها من النشاط الأهلي ثم السياسي ثم محو كل من يقف في وجه الجماعة. جاءت المرة الثانية العام 1954 من خلال قرار البكباشي جمال عبد الناصر أثناء توليه منصب وزير الداخلية وقت أن كان محمد نجيب رئيسًا لمصر بعد تصادم طموح الجماعة مع طموح مجلس قيادة الثورة لنرى الصراع دائرًا بين فاشيتين الفاشية الدينية و العسكرية لتنضح الفاشية العسكرية على السطح بالقبض على كل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على رأسهم مرشدهم الثاني الإمام حسن الهضيبي الذي كان قاضيًا و إستغنى بمنصب المرشد العام عن لقب المستشار القضائي و يتم تنفيذ حكم الإعدام على العديد من قيادات الجماعة و يتأكد الحل بعد تعرض جمال عبد الناصر لمحاولة إغتيال شهيرة في نفس العام بميدان المنشية بالأسكندرية ليكون الحل أمرًا مؤكدًا حيث إجهاض بذور المقاومة للجيتو الإخواني. ظلت المحاولات مستمرة للجيتو الإخواني في العودة مرة أخرى للساحة السياسية إلى أن جاء العام 1965 ليدخل على الجيتو الإخواني الفكر القطبي الذي سأم المنهج البناوي الإصلاحي و كان المنهج القطبي يدعو للإنقلاب على الحاكم ما دام لا يطبق شرع الله و هذا ما كانت تراه الجماعة في حكم عبد الناصر و هنا كانت المحاولة الإنقلابية بالمحلة و التي أُجهضت بالقبض على سيد قطب مرشد الجماعة الفكري و تنفيذ حكم الإعدام عليه العام 1966 يوم 29 أغسطس لتكتمل سيمفونية الحل في الحقبة الناصرية. بدأت الحقبة الساداتية تمحو الحقبة الناصرية بإعادة الجماعة للحياة مرةً أخرى لضرب الكتلة الناصرية و اليسارية و إذ بالأمواج المتصارعة تلتحم في بوتقة واحدة لضرب السادات و دخول أطرافًا يسارية للتيار الإسلامي و للجماعات الجهادية ليكون المصير حادث المنصة الشهير العام 1981 يوم السادس من أكتوبر يوم عُرس السادات بنصره الوحيد للعرب على إسرائيل. جاء مبارك ليجعل من التيار السلفي شوكة في حلق الجماعة كما فعل السادات و لكن لعبة مبارك كانت لضرب التيار الإسلامي بعضه ببعض و إذ به يكرر ما فعله السادات بدخول الجماعة للانتخابات البرلمانية العام 2005 ليحصدوا فوق الثمانين مقعدًا داخل أروقة البرلمان لتبدأ لعبة الكراسي الموسيقية بين الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم و جماعة الإخوان المسلمين على إحتلال نبض الشعب لينعكس ذلك على الساحة السياسية و يصبح الإخوان ملء الأفواه على حساب الحزب الحاكم ليتم تزوير الانتخابات البرلمانية العام 2010 و سقوط الإخوان بالإكراه. تلك هي بداية النهاية لمبارك ببزوغ ثورة 25 يناير 2011 و احتلال الإخوان تلابيب هذه الثورة بجعلها إخوانية بصعود البرلمان و الرئاسة كما فعل لينين ببلشفة الثورة الروسية العام 1917 و إذ بالإخوان يحاولون الثأر و الإنتقام من إضطهاد خمسة و ثمانون عامًا ليتأكد أن الإخوان ما هم إلا جيتو يسعى لذوبان المجتمع في كنفه في كافة المجالات منذ خطاب مرسي في التحرير يوم 29 يونيه 2012 و حتى خطابه الأخير يوم 2 يوليه 2013. جاء يوم الثالث من يوليه العام 2013 ليتم عزل الإخوان عن المشهد السياسي ليكون الحل مبدئيًا كتمهيد للحل القضائي و إزدياد لهيب الصراع بين الجيش و الإخوان المستمر حتى الآن ليطرح السؤال نفسه بإلحاح شديد كناية على إستشراق المجهول: هل الحل الثالث للجماعة هو الأخير و النهائي؟ أم هناك محاولات للبحث عن قبلة الحياة كما حدث في المرات السابقة حيث صراع البقاء و الإستمرار؟! لا بد من الإنتباه لما تُسره الأيام بأن الحل لن يكون النهائي للجماعة و لنا في العام 1965 جرس إنذار للعودة مرة أخرى حيث لملمت الجماعة أوراقها و تخلت عن الفكر الإصلاحي البناوي و لجأت للفكر القطبي الصدامي من أجل عودة الحياة للتيار الإسلامي و الآن هل من الممكن تكرار هذا السيناريو؟! من الممكن تكرار السيناريو بعودة الجماعة بشكل خفي بإرتدائها ثوبي الليبرالية و العلمانية كما فعلوا مع التيار الشيوعي و الإشتراكي للحفاظ على البقاء و هذا ما قد يحدث مستقبلاً بعودتهم على نطاقي الليبرالية و العلمانية و الذي ينذر بقدوم نوعًا جديدًا من التطرف بدمج المتناقضين في بوتقة واحدة تجعل الأجيال القادمة تسير على المبدأ الميكيافيللي دون أن يشعر أحد بأن الخطر قادم كما حدث من القس جيم جونز الذي دمج بين الشيوعية و المسيحية تحت لواء السمع و الطاعة مما أوجد مجتمعًا مشوهًا أصيب بهذا التشوه لضعف جانبه الروحي و هذا ما نخاف منه في المستقبل أن نصير لمصير جيم جونز صاحب معبد الشعوب الذي وجد فكره يحتضر أمام قوة الدولة ليأمر الجميع بالإنتحار الجماعي يوم 18 نوفمبر العام 1978. هنا قد يصاب الجيل القادم بالإنتحار الجماعي على المستوى السياسي و الاجتماعي لو لم نقوي الناحية الروحية لنفوسهم لنرى جيلاً قادرًا على الحفاظ على الوطن روحيًا و سياسيًا و فكريًا.