ما بين معترك الدعوة والسلطة، انقسمت الوحدة إلى شطرين متصارعين، القناعات التنظيمية تصادمت مع الواقع، وغاب التوافق. جوهر الصراع يكمن فى فلسفة التنظيم وطبيعته، كل فرقة يقودها هوى السياسة فى تكييف خواص وطبيعة دعوتها، الجسم الإخوانى الذى وضع لبنته الأولى الإمام حسن البنا عام 1928 بعد تحدٍّ وصراع مع عقبات مختلفة الأشكال والألوان انتهى تشييده إلى صورة لم يُرِدها صاحب «النبتة الإخوانية».. وعلى أيدى أبناء وإخوة لا ينصرف ولاؤهم خالصاً إليه.. تنظيم الإخوان أسسه «البنا» وناضل فيه أبناؤه، وحصد ثماره إخوة وتلاميذ الشيخ سيد قطب. «عقيدة السمع والطاعة»، التى يقوم عليها التنظيم، كانت أحد بود وثيقة الإمام «البنا»، لتأسيس الجماعة عام 1928، تكون الكلمة العليا للمرشد والقائد الأعلى، ظلت سائدة حتى سطوع نجم القيادى البارز سيد قطب، بعد اغتيال «البنا»، ليبدأ الصف الإخوانى فى التأثر والتحول الفكرى والتنظيمى بإعدام «قطب» عام 1966 بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم فى الحقبة الناصرية. «إخوان البنا» و«إخوان قطب»، فرقتان داخل الجماعة ظهرتا، ويصعُب التمييز بينهما إلا بالانغماس فى العمق، والتعرُّف على محاور الفكر، «البناوية» يهبون مسامعهم وأذهانهم لتلقى تعاليم ووصايا مؤسس الجماعة حرفياً. تعمل على تحقيق «الدعوة والخلافة الإسلامية والإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى»، أما تلاميذ المدرسة «القطبية» فيضعون الوصول إلى الحكم وبهرجة السلطة نصب أعينهم ويسعون إليها بشكل علنى يبرر كل الوسائل. الانقسام «الولائى» يبرز فى القيادات والكوادر الإخوانية أكثر منه فى القاعدة التنظيمية، فمرشدو «الإخوان» أوائلهم يتبعون منهج «الإمام البنا»، وصولاً إلى «مصطفى مشهور» المرشد الأسبق وأحد المؤمنين بالفكر القطبى. المدرسة القطبية التى يصفها الإخوان بالمستنيرة، تختلف عن «البنّاوى» بميلها إلى العنف والتقويم القهرى. كوادرها تعاقبت مؤخراً حتى جاء الدكتور محمد بديع، المرشد الحالى، ونائبه وبعض الأعضاء القطبيين بمكتب الإرشاد مثل: محمود عزت ورشاد بيومى، فى الفترة الأخيرة قبل اندلاع ثورة يناير. قويت شوكة القطبيين وناطحوا أبناء «البنا» ومضوا فى إخراجهم عن ملة التنظيم، وتصفيتهم تنظيمياً. ومن الكوادر «البناوية» التى طارت مع المشيئة الإخوانية القطبية: الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور محمد حبيب ومختار نوح، ومعهم الدكتور عصام العريان الذى عاد لتوفيق أوضاعه مع الإدارة مجموعة «قطب». الاختلاف بين البنا وقطب يتعلق بالأهداف العليا للجماعة، البنا يطمع فى بناء دولة إسلامية، بديلة لانهيار الدولة العثمانية بعد سقوط القسطنطينية، مقدماً إصلاح المجتمع وتقويم سلوكياته وأفكاره وأحواله، قبل تطبيق حدود دولته المخطّط لها. «المكاسب السياسية والوصول إلى الحكم» هدف لا يختلف كثيراً عند «قطب»، ولكن الميل إلى العنف فى التغيير قامة فكرهم. وصل الإخوان إلى الحكم، ممثلين فى الرئيس محمد مرسى أحد رجال «قطب» والدكتور «بديع» الذى كان مسئول القسم التربوى بالجماعة بالتناوب مع «محمود عزت»، أهم الملفات لدى القطبيين. مؤلفات «قطب» التى تميل إلى الراديكالية والتشدُّد، مثل كتابى «معالم على الطريق» و«من هنا نبدأ» لا تزال ممنوعة من التداول، نظرة تاريخية يلقيها الدكتور نبيل عبدالفتاح، الكاتب والخبير فى شئون الإخوان المسلمين، موضحاً أن العديد من العناصر المتشدِّدة الأكثر ميلاً إلى استخدام العنف ظهرت مع ظهور التنظيم الخاص وعمليات الاغتيال فى محنة 1965، ووصفهم الإمام البنا وقتها ب«إخوان غير مسلمين». الدكتور «عبدالفتاح» يفسر عملية إقصاء كوادر وتلاميذ الإمام «البنا» فى الجماعة بأنه «صراع طبيعى داخل التنظيمات، نتيجة التنافس السياسى على المكانة وعلى الهرم القيادى بين المتعارضين». يسيطر الآن على صناعة القرار، فى الجماعة المجموعة القطبية «تنظيماً وتمويلاً»، حسب «عبدالفتاح»، قائلاً إن هذا الاتجاه يوحى بأن الجماعة مهدَّدة بالخطر، رغم وجودها فى السلطة، وأصبح يتلاعب بالإخوان بفكرة الخطر على التنظيم وضرورة التماسُك. يصف الدكتور «نبيل» الجماعة القطبية من الإخوان بأن «أبناء التسلطية السياسية والدينية فى المجتمع والجماعة سواء»، موضحاً أن الرئيس يعد أحد كوادرهم ومن ورائه المرشد العام ونائبه ومكتب الإرشاد. أعمال العنف وتجنيد التيار السلفى فى تعطيل بعض الأعمال القضائية وتنفيذ مخططات الإخوان، ليست ببعيدة عن الفكر القطبى، فخبير الملف الإخوانى يرى أن بوادر استخدام العنف والغلبة السياسية بدأت بتجنيد أنصار «أبوإسماعيل» لمحاصرة مجلس الدولة و«الدستورية العليا»، وظهور مجموعات من الإخوان والسلفيين فى محيط «الاتحادية»، مضيفاً «العنف اللفظى والخطابى بدأ يطلع على الوش»، ورغم الصراع الداخلى بين جبهتى الجماعة «القطبيين وأبناء البنا».. يقول «عبدالفتاح» إن هناك تماسكاً نسبياً داخلياً فيها، تأييداً لمبدأ «الطاعة»، خشية الخلافات وتصدُّع مستويات الموضوع، ف«الجماعة أثمن حاجة عندهم وأهم من الدولة والسلطة وكل حاجة». قراءة صراع أبناء «قطب- البنا» فى التنظيم تنذر بانفجاره، حسب قوله، ودلائله أن الأسلاب والغنائم السياسية بدأت الظهور بين الجماعة، كما حدث فى أمريكا من قبل، ف«الصراع الداخلى قادم لا محالة.. شاءت القيادات الإخوانية أم أبت». أخبار متعلقة: حسن البنا الحاضر الغائب ميراث "البنا" فى المحمودية: قرية انتخبت "شفيق" ومنزل غارق فى القمامة.. وسيرة لايعلمها أحد 64 عاما على "فناء الجسد.. وبقاء الأفكار" من قال إنهم "أحفاد البنا" فقد أفتى