عاد السلفيون المتشددون فى تونس إلى التحرك بقوة بينما يسعى رئيس الوزراء الجديد على العريض إلى كبح جماحهم والالتزام بتعهده بتطبيق القانون وضبط الاستقرار الأمنى فى البلاد. ورسمت التحركات المتكررة للسلفيين فى عدد من المناطق بالبلاد مؤخرا حجم التحديات الأمنية التى سيواجهها رئيس الوزراء الجديد خلال مسعاه لوضع تونس على سكة الاستقرار الأمنى. وخلال أسبوع واحد تنوعت تحركات المتشددين بين النشاط المسلح وترهيب المواطنين. وتناولت وسائل إعلام محلية أمس الجمعة اعتداء سلفيين على مركز شرطة بمحافظة سليانة بعدما احتمى أحد المطاردين من قبلهم بأعوان الأمن، وتصدوا لتدخل الجيش مما أثار حالة من الرعب بين المواطنين. وفى نفس اليوم منع سلفيون تقديم عرض مسرحى فى محافظة سيدى بوزيد موجهين اتهامات بالكفر الى الممثلين. والثلاثاء الماضى، اشتبكت قوات من الحرس الوطنى والجيش مع مجموعة مسلحة إرهابية تتكون من ستة أفراد فى مدينة تاجروين التابعة لمحافظة الكاف غرب البلاد على مقربة من الحدود الجزائرية. ودفعت الأجهزة الأمنية بتعزيزات عبر فرق خاصة لمكافحة الإرهاب لتمشيط المنطقة وتعقب الأفراد المسلحين بعد أن تحصنوا بالفرار فى الغابات منطقة قرن الحلفاية بالجهة. وقادت أيضا قوات الأمن ووحدات من الحرس والجيش والوطنيين عمليات مطاردة لجماعات مسلحة فى محافظتى سيدى بوزيد وقفصة. ويسود توافق عام فى تونس اليوم بين المراقبين والأحزاب المعارضة من أن تحقيق أى انتعاش اقتصادى واستقرار سياسى خلال الأشهر التسعة المتوقعة لعمل الحكومة يتوقف على مدى ضمان الاستقرار الأمنى بدرجة أولى. ويبدو أن السلطة السياسية فى تونس على وعى تام بهذه الأولوية الملحة خلال هذه المرحلة. وقد حدد رئيس الحكومة على العريض الأمن على رأس الأولويات الأربع، لدى عرضه لبرنامج الحكومة، إلى جانب التشغيل والتنمية وارتفاع الأسعار، لكن الأنظار الآن ستكون مسلطة على رئيس الوزراء بشأن مدى التزامه بمواصفات "رجل الدولة" وما إذا كان سيبادر إلى التصدى بفاعلية ل"رابطات حماية الثورة" مرهوبة الجانب والمقربة من حركة النهضة الإسلامية، وتوصف بذراعها المليشوى على الأرض. وقال حسين العباسى الأمين العام للاتحاد العام التونسى للشغل، المنظمة النقابية الأكبر فى تونس، للصحفيين عقب لقائه رئيس الوزراء أمس الجمعة "إن الأمن هو الشرط الأول لمعالجة كل المشاكل المطروحة وإعادة النمو الاقتصادى للبلاد"، مؤكدا "ضرورة بسط الدولة لسلطتها الأمنية دون تدخل أى جهة أو رابطة أو جمعية"، فى إشارة إلى نشاط رابطات حماية الثورة والجماعات السلفية. وقال أيضا المعارض البارز أحمد نجيب الشابى رئيس الهيئة التأسيسية للحزب الجمهورى "المطلوب من رئيس الحكومة الجديدة توفير الأمن للجميع دون استثناء وتمييز لأن حرية بدون أمن تصبح غير موجودة وتضمحل". وأضاف "نحتاج الأمن كذلك حتى نتقدم إلى الانتخابات فى كنف الحرية والطمأنينة"، إلا أن إحدى المعضلات التى تواجه حكومة العريض لإدامة الاستقرار الأمنى المنشود هو الالتزام بخارطة سياسية واضحة للمرحلة المقبلة. ويتعلق الأمر بضبط تواريخ محددة للانتهاء من صياغة الدستور داخل المجلس الوطنى التأسيسى وإجراء الانتخابات المقبلة. وهذه النقطة بالذات كانت من بين النقاط الخلافية التى أدت إلى استقالة وزير الدفاع فى الحكومة المستقيلة عبد الكريم الزبيدى الذى ندد بالضبابية التامة للوضع السياسى فى تونس وباستنزاف المؤسسة العسكرية. وأوضح الزبيدى أن الجيش منتشر فى البلاد منذ أكثر من عامين، منذ ثورة 14 يناير عام 2011، وهو ما أدى الى إجهاده والتأثير على جهوزيته وتكوينه المستمر فى ظل المخاطر الأمنية التى تحدق بالبلاد، أساسا على المناطق الحدودية. وتحمل الجيش التونسى الذى لا يتجاوز تعداده 35 ألف عنصر لكنه يحظى بتدريب عالى وأعباء كبرى تجاوزت مهامه الأصلية خلال فترة الانفلات الأمنى فى البلاد والذى أعقب الثورة. وتنوعت مهامه بين حراسة المنشآت العامة وإسناد قوات الأمن وتأمين الانتخابات ومراكز الامتحانات الوطنية والمحاصيل الزراعية وغيرها. ويخشى الآن من أن يؤدى الاستمرار فى تشتيت جهود المؤسسة العسكرية إلى تعدد الثغرات الأمنية وسط انتشار واسع للسلاح والتهريب والاختراق المتكرر للعناصر الإرهابية. وكان رئيس أركان الجيوش الثلاثة الجنرال رشيد عمار قد حذر قبل إعلان التشكيل الحكومى برئاسة على العريض من أن الأوضاع الأمنية فى البلاد "خطيرة جدا". وفى كل الأحوال يتوقف الوضع برمته الآن على الانطباع الأول إزاء أداء الحكومة الجديدة لعلى العريض للخروج من المرحلة الحرجة، مع أن هذه الحكومة قد حافظت بنسبة كبيرة فى تركيبتها وائتلافها على حكومة حمادى الجبالى المستقيلة والتى فشلت فى مهامها.