مرة أخرى التصويت فى جولة الإعادة يتحدد على معيار واحد: ثورة أو لا ثورة، وكل الكلام الأنيق عن مدنية الدولة، مع خالص الاحترام لأصحابه، ليس إلا عملية بحث عن ذرائع ومبررات وغسيل أيدى من خطيئة ترتكب الآن بإعادة دولة مبارك. الاختيار الآن بوضوح بين دولة 25 يناير، وبين ما كان قائما قبلها ويراد له أن يعود، ومن ثم قبل أن تضع صوتك فى الصندوق عليك أن تجيب عن أسئلة أساسية: هل تعتقد حقا أن مصر شهدت ثورة لإسقاط النظام؟ وهل تصدق أن أكثر من ألف شهيد سقطوا فى ميادين معركة الكرامة والحرية؟ وهل أنت مستعد لتساهم بصوتك أو صمتك فى إفساح الطريق لعودة مبارك بماكينته الجبارة؟ وهل تطمئن على نفسك وعلى مستقبل أبنائك وأنت تضعهم مجددا تحت حكم نظام عائد ممتلئا بالرغبة فى الانتقام ممن جرحوا غروره وكبرياءه؟ هذه أسئلة لا ينبغى أن تهرب من مواجهتها وأنت بصدد اتخاذ قرارك بالتصويت أو الصمت، وتذكر أنه ليس صحيحا أنك على مسافة واحدة من الطرفين، فهناك فريق يعلن دون مواربة أنه خصم للثورة، وعدو لها، ويتباهى بالاحتشاد من أجل إعادة ماضى مبارك.. وفريق محسوب على جبهة الثورة، ومشارك فيها لكنه أخطأ وتجاوز فى حقها، ويريد العودة. ومن حقك أن تصدق تعهدات مرشح الإخوان، أو لا تصدقها، ولك أن تطلب أدلة وإجراءات عملية تبرهن على جدية الضمانات والعهود، لكنك مطالب بأن تقرأ معطيات المشهد بشكل سليم، ذلك أنك أمام خصم صريح وواضح فى عدائه اللدود للثورة، ولديك جار أو صديق أو قريب بينك وبينه خلافات عميقة، وليس من سبيل أمامك لمواجهة هذا الخطر الداهم سوى أن تستعين بالصديق أو الجار. وفى هذه المحنة أو الفتنة المصنوعة بمهارة فائقة، تبرز المبادرة أو المحاولة التى يتبناها الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح كمخرج محترم من هذه الورطة، ويبقى أن على كل الأطراف أن تتعامل معها بشىء من التجرد، وإعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية، مع الوضع فى الاعتبار أن الجانب الأكبر من المسئولية الآن يقع على جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، فالمطلوب منهما تقديم الدليل العملى على الجدية فى حماية الثورة من الفناء والمحو. إن الخيول والبعير التى انقضت على ميدان التحرير يوم 2 فبراير، لم تكن تفرق بين الملتحى وحليق الذقن، بين ذات العباءة وذات البنطلون، بين عماد عفت ومينا دانيال، وكذلك لن تفرق الدبابة الواقفة على أبواب الرئاسة، بين مسلم ومسيحى، أو بين ليبرالى وإسلامى، فهى قادمة لدهس الثورة وإحالتها إلى التاريخ الذى لن يسامح أحدا على توجيه صوته إلى المرشح الخطأ، ولن يغفر له صمته الذى يستوى مع التصويت العكسى. المصدر الشروق