الدستورية تلزم الشركات السياحية بزيادة رؤوس أموالها خلال مدة محددة    مجلس النواب يناقش اتفاق تمويلى للتعاون عبر حدود حوض البحر المتوسط.. غدا    متحفا الحضارة والمصرى يشاركان للمرة الأولى فى مؤتمر التراخيص الآسيوى الدولى بهونج كونج    صوامع وشون الشرقية تستقبل 342 ألف طن قمح من المزارعين    الأمم المتحدة: 70% من فلسطيني قطاع غزة داخل مناطق تتواجد فيها قوات إسرائيلية أو تحت أوامر تهجير    الزمالك يعلن انتهاء جلسة التحقيق مع زيزو    أمن قنا يكثف جهوده لكشف ملابسات حريق نشب فى عصارة قصب بنجع حمادى    خلال شهر.. تحرير 2054 محضرا خلال حملات تموينية بسوهاج    الكشف عن لجنة تحكيم الدورة الثانية لمهرجان SITFY-POLAND للمونودراما    توقيع عقد اتفاق بين التأمين الصحي الشامل وجامعة قناة السويس لتوفير خدمات الرعاية الأولية للمستفيدين    «المشاط»: اللجنة المصرية السويسرية منصة لدفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين    تحرير العقود بعد 3 سنوات.. 4 مطالب للملاك بشأن الإيجار القديم    الدستورية العليا: إجراءات تأديب القضاة ليست اتهامًا ولا تعوق المحاكمة    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    زلزال بقوة 5.3 درجة يهز عدة مناطق في باكستان (تفاصيل)    هندسة الإسماعيلية الجديدة تشارك في مؤتمر المرأة العربية    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    الآن.. جدول امتحانات الشهادة الإبتدائية الأزهرية 2025 آخر العام    في احتفالية يوم الطبيب المصري.. تكريم 31 طبيبًا وطبيبة من الأطباء المثاليين    الحرارة 40 على القاهرة.. الأرصاد تعلن تفاصيل الموجة الحارة وموعد انكسارها    كشف غموض مصرع شاب بطلق ناري أعلى سطح منزل بقنا    أنشأ محطة بث تليفزيوني.. سقوط عصابة القنوات المشفرة في المنوفية    أسعار البلح السيوي بمحلات وأسواق مطروح اليوم السبت 10- 5-2025.. تبدأ من 25 جنيها    المتحف المصري بالتحرير ومتحف الحضارة يشاركان في مؤتمر التراخيص الآسيوي    المتحف المصري الكبير يستقبل فخامة رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    بعد صراع مع المرض .. وفاة زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي والجنازة بعد ظهر اليوم    فيلم سيكو سيكو يقترب من حصد 166 مليون جنيه إيرادات    جامعة القاهرة تُرقي 1160 موظفًا ومحاميًا وتُعين 188 طبيبًا مقيمًا بمستشفياتها    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    الإحصاء :معدل التضخم الشهري 1.3% لشهر إبريل 2025    رئيس الوزراء يتفقد مشروعي «رووتس» و«سكاي للموانيء» بمنطقة شرق بورسعيد    عاجل - لماذا استدعى العراق قواته من بكستان؟    القناة 12 العبرية: شركة ITA الإيطالية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل حتى 19 مايو    وفاه زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد صراع مع المرض    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    حريق هائل في 5 منازل ببني سويف    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    «رئيس الرعاية الصحية»: منصة وطنية للتشخيص عن بعد باستخدام الذكاء الاصطناعي قريبا    صرف مكافأة استثنائية للعاملين بمستشفيات جامعة القاهرة    بخطوات سهلة واقتصادية.. طريقة تحضير الناجتس    «الثقافة» تنظم زيارة تثقيفية لأطفال المناطق الجديدة الآمنة بمركز الحضارة والإبداع    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر    مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية: غزة تحت حصار تام للشهر الثالث على التوالي    صحيفة عبرية: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    ثلاثية بصرية.. معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    الصحة: تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير الخدمات    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    حبس لص المساكن بالخليفة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    صراعات الشرق الأوسط تقطع أوصال التعاون التنموي المشترك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملكة المتحدة تنفرط
نشر في أموال الغد يوم 08 - 03 - 2012

إسكتلنده، بلاد غريبة فى طبيعتها الجغرافية والبشرية والمناخية، وغريبة أيضا فى تطورها السياسى خاصة علاقتها بالجارة الكبيرة انجلترا، التى اتحدت معها وانفصلت مرات يصعب على ذاكرة غير المتخصص حصرها. زرت كثيرا من البلاد الشمالية والباردة التى تجمع بينها خطوط عرض متقاربة ولكنى لم أعرف بلدا مثل اسكتلنده صيفها أبرد من شتائها، وشتاؤها أدفأ من شتاء كندا ودول فى أقصى شمال أوروبا. لا أعرف طبيعة أشد توحشا فى جمالها من طبيعة اسكتلنده. عشت، أو مررت ببلاد تقع على خط الاستواء، لم تكن أمطارها أكثر من الأمطار التى تكاد لا يتوقف هطولها على اسكتلنده.
قابلت فى الهند وفى دول إفريقية كثيرة نساء ورجالا يمارسون السحر بكافة أنواعه، وبين كافة طبقات المجتمع. وقرأت عن دور هؤلاء السحرة فى التطور الاجتماعى والثقافى والسياسى لشعوبهم، ولكن ما قرأته فى تاريخ اسكتلنده عن الساحرات ودورهن فى تطور المجتمع الاسكتلندى وعلاقته بالخارج وبخاصة انجلترا لم أجد مثيلا له فى أى مكان آخر، بل لقد رسخت فى الذهن الاسكتلندى روايات تخطت عالم الخيال إلى عالم السياسة والقانون، حتى إن قوانين عديدة شرعت من أجل معاقبة الساحرات وإعدامهن حرقا. قيل فى الأساطير كما فى سجلات المحاكم إنهن كن يجتمعن مع الشيطان كل يوم سبت. يطرن إليه ممتطيات مقشات الكنس الشهيرة. وتسجل الوثائق التاريخية إن إحداهن نجحت فى اغتيال ملك انجلترا، عدو اسكتلنده اللدود، دون أن تتحرك من بيتها. إذ ذاعت سيرتها فى أنحاء الدولة إلى حد دفع الملك إلى إرسال كبير حراسه إليها ليتعرف عليها ويسلبها سر قوتها ويسمع منها رؤاها ونصائحها عن المستقبل، مستقبل الملك والمملكة. سألها كبير الحراس عن مستقبل الملك فأجابت بعد تردد أن الملك سوف يقتل قريبا. وبعد قليل من الضغط والتعذيب لكشف اسم القاتل، قالت إنه الرجل الواقف أمامها، أى مبعوث الملك ورئيس حرسه. غضب المبعوث فقتلها، وعاد سريعا إلى القصر ودخل على الملك فى غرفته فقتله خوفا من أن تكون نبوءة الساحرة قد سبقته إليه.
•••
هذه البلاد غريبة الأطوار كانت الأفقر فى كل الأراضى التى تشكلت منها المملكة المتحدة قلب الامبراطورية البريطانية. قال عن شعبها روبرت بيرنز الشاعر الإسكتلندى المعروف تعليقا على قيام الوحدة بين انجلترا وإسكتلنده فى عام 1707، «نحن جماعة من الصعاليك نباع ونشترى بذهب انجلترا». ولم تمض سنوات معدودة على إقرار هذه الوحدة إلا وكان الاسكتلنديون يشاركون فى بناء الامبراطورية البريطانية أهم أمبراطوريات التاريخ وأوسعها انتشارا. كان منهم كبار تجار القطن والدخان والسكر وممولو الحروب. وهم الذين أقاموا أكبر مزارع العبيد فى الأمريكتين، حتى إن مؤرخا بريطانيا معروفا كتب يقول إن عصر التنوير الاسكتلندى مدين لتجارة العبيد، وإن هؤلاء الاسكتلنديين وعددهم لم يزد على سدس سكان بريطانيا شكلوا النسبة الأعظم من المهاجرين البريطانيين إلى أمريكا الشمالية وخرج منهم فلاسفة وعلماء اقتصاد وسياسة وكتاب رفعوا شأن الامبراطورية وسمعتها فى العالم، وكانوا المنظرين والمبررين لمبدأ مسئولية ورسالة الرجل الأبيض فى عالم الشعوب «الملونة والمتخلفة».
تسجل الكتابات الأمريكية أن ثلث المندوبين الذين وقعوا على وثيقة الاستقلال الأمريكى من الاستعمار البريطانى كانوا من المهاجرين الاسكتلنديين، وتعترف بأن أكثر من 75% من رؤساء الجمهورية الأمريكية أصولهم اسكتلندية.
معروف عن أهل اسكتلنده أنهم محافظون جدا، ومع ذلك تمسك سياسيوها، على عكس حكام انجلترا، بمبادئ دولة الرفاه والدولة القوية، أى يثقون فى الدولة التى تتدخل لرعايتهم، لذلك رفضت حكومتهم المحلية ضغوط حكومة السيدة مارجريت تاتشر المحافظة وحكومة طونى بلير العمالية لتنفيذ برنامج لتفكيك القطاع العام وخصخصة الشركات الحكومية.
•••
هذه البلاد ذات الطبيعة الغريبة والأطوار الأشد غرابة تنوى السعى لإعلان استقلالها عن المملكة المتحدة. فقد دعا ألكس سالموند رئيس الحكومة المحلية فى إدنبره ورئيس الحزب القومى الاسكتلندى، فى «وثيقة تشاورية» بإجراء استفتاء فى عام 2014 يجيب فيه المواطن الاسكتلندى عن سؤال نصه كالتالى «هل توافق على أنه يجب أن تكون اسكتلنده دولة مستقلة». غضبت حكومة لندن رغم أن موضوع الانفصال مطروح منذ اليوم التالى لتوقيع اتفاق الوحدة عندما دخلت اسكتلنده فى «اتحاد تشاركى» تنازلت فيه عن استقلالها «مقابل فتح أسواق انجلترا الامبراطورية لها». ومنذ ذلك الحين لم يتوصل الطرفان إلى فهم مشترك لطبيعة اتحادهما. يقول الانجليز عنه إنه اتفاق أبدى ويقول الاسكتلنديون إنه مجرد معاهدة تحتمل التعديل والالغاء.
يعتمد اللورد كاميرون، رئيس وزراء المملكة المتحدة على تقارير سياسية وحزبية تفيد بأن غالبية السكان فى اسكتلنده لا تبدو بعد متحمسة للانفصال، تريد استقلالا ذاتيا على أن يترك الدفاع والسياسة الخارجية لتتولاهما حكومة لندن. لذلك، لا يريد كاميرون الانتظار حتى 2014 لإجراء الاستفتاء ويطالب بموعد مبكر خوفا من أن يتسع نطاق حمى الاستقلال فيزداد عدد المطالبين به.. يطالب أيضا بتعديل سؤال الاستفتاء لأن صياغته على النحو الذى يقترحه سالموند غير منصفة، ويحذر كاميرون شعب اسكتلنده من عواقب الانفصال وأهمها الانعزال والانحدار الاقتصادى.
أما سالمون رئيس حكومة إدنبره فيؤكد إصراره على موعد 2014 لأنه يوافق ذكرى مرور 700 عاما على هزيمة الانجليز فى معركة Bannockburn الشهيرة، فضلا عن أنه العام الذى تقرر أن تستضيف فيه اسكتلنده دورة ألعاب منظمة الكومنولث وهو الدليل الإضافى على أن الاستقلال عن المملكة المتحدة لن يكون كاملا أو مطلقا، فالقول المسبق بالتبعية للكومنولث تعنى تبعية وإن رمزية للتاج البريطانى، فضلا عن التعهد بعدم إقامة حدود رسمية بين البلدين والالتزام بالجنيه الاسترلينى عملة وطنية. ويتردد أن سالموند نفسه صاحب تعبير «استقلال لايت»، نسبة إلى المشروبات الغازية منخفضة السعر الحرارى.
مع ذلك يجب عدم التهوين من شأن الاتجاه المتزايد لدى الاسكتدلنديين للانفصال عن المملكة المتحدة وإقامة دولة مستقلة لهم. فالاستقلال إن حدث سيكون تطورا له مغزى كبير فى الغرب كله. عشنا مرحلة كنا نعرف أن لندن عاصمة «بريطانيا العظمى»، وعشنا مرحلة كانت لندن عاصمة بريطانيا بعد حذف صفة «العظمى»، وعشنا مرحلة ثالثة انحدرت فيها مكانة بريطانيا كدولة عظمى إلى دولة كبرى تقع على هامش مشروع كيان أوروبى واعد وقوى، ويبدو الآن أننا ندخل مرحلة تتقلص فيها مساحة أراضى المملكة المتحدة بنسبة الثلث بكل ما يحتويه باطنها وقيعان بحارها من ثروات. أتوقع أن تكون مرحلة شديدة الوطأة على الغرب بأسره وعلى المهتمين بالعلاقات الدولية بشكل عام. من الآن فصاعدا سيكون لانجلترا معنى مختلفا عن معنى عهدناه وتعاملنا معه عندما كانت انجلترا وبريطانيا والمملكة المتحدة شيئا واحدا.
المصدر الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.