الاستيقاظ في الصباح معاناة علي خلفية ما نعلم انه ينتظرنا خلال اليوم. من أول خطوة خارج المنزل تلوح نذر الحرب التي نوشك علي خوضها في شوارع سيطر عليها العنف و الغل و التحدي و الكراهية، و سادتها الغوغائية و دهس القوانين و الأعراف الإنسانية. إلي غياهب النسيان و ذمة التاريخ تراجعت اي قيم كانت في يوم من الأيام تسود شوارعنا، و بالتالي تعاملاتنا، و لم يعد احد يتذكر تلك القيم و لو من قبيل الترحم عليها. القله التي تحاول التشبث بذيول الانضباط لا تجد أمامها بدائل سوي إتباع القطيع و التخلي عن مبادئها، أو مواجهة الموت تحت أقدام هذا القطيع المتدافع. حتى لا نخدع أنفسنا، هذه الكارثة موجودة من قبل "الثورة" و بلغت أوجها (او هكذا ظننا) في قمة عنفوان الجهاز الأمني. إلا ان تفرغ هذا الأخير للأمن السياسي و عدم الاكتراث بالأمن العام سمح باستشراء و استقواء تلك المظاهر" الشوارعية ". كل ما حدث بعد الثورة هو سقوط ورقة التوت بعد ان اختفي حتى النذر اليسير من التواجد الأمني بالشارع و أضحي الأمر برمته في يد الشعب الذي انطلق لا يلوي علي شئ محطما ما تبقي من إية اثأر في شوارعنا للمدنية و التحضر. المعارك اليومية التي يخوضها المصريون في شوارع المحروسة قد تكون قمة المعاناة إلا أنها ليست كلها. فمع معاناة الشارع تبرز معاناة لقمة العيش - و المقصود بها هنا طلب الرزق إذ أن "العيش" بمعني الخبز له معاناته الخاصة في بند الطوابير- و قضاء المصالح و استخراج أوراق أو مستندات رسميه و علاج و تعليم و غيره و غيره و غيره. المحصلة النهائية لكل هذه المعارك هي ان تاخذ حياة المواطن المصري شكل حرب حقيقة مكتملة المعالم و الأركان. لا غرابة إذن ان يسود نفاذ الصبر و عدم القدرة علي النقاش و الحوار. و ليس لغزا كذلك عدم قدرتنا علي النهوض ببلدنا و بذل الجهد لرفعها الي مصاف الدول المتقدمة، إذ من يتوقع من شعب بهذه النفسية أن يؤدي هذا الدور؟ الامر إذن خطير اذ ان تداعياته تصل الي جذور المشكلة التي تعاني منها مصر و تقف عقبة أمام تقدمها. و لكن العجيب ان معاناتنا من صنع أيدينا. فمع التسليم بالدور المدمر الذي لعبه النظام الحاكم و الحكومات المتعاقبة، فان جانب كبير من الخطأ يقع علي عاتق الشعب. لماذا يجب ان يكون النظام و احترام القانون و الالتزام مفروضا بالقوة؟ ما الذي يمنعنا من البدء بأنفسنا فنحجم عن الأعمال السيئة التي تحيل حياتنا جحيما لا يطاق؟ السنا نحن المستفيد الاكبر من عدم السير عكس الاتجاه و الوقوف صف ثان و ثالث و إهمال العمل و تعطيل مصالح الناس و عشرات بل مئات الموبقات الأخرى؟ لماذا إذن لا نمتنع عن فعل الخطأ و نقبل علي كل ما هو ايجابي؟ و نعود لما استهللنا به: لماذا لا يوجد شئ في حياة المصري لا يرتبط بالمعاناة؟ اذا كان بيننا من يظن ان هذا قدرنا فلندع الله ان يغيره. عندها سنستلهم الآية الكريمة : "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، و سنقبل علي تغيير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا. عدا ذلك، نكون قد اخترنا المعاناة، و بئس ما اخترنا و لا نلومن سوي أنفسنا.