خلال الفترة الماضية تحولت الطاقة النووية إلى جزءً أساسيا من حياة معظم دول الشرق الأوسط، حيث أصبحت بعض دول الشرق الأوسط مثل مصر، والإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية وتركيا، تمتلك اليوم برنامجاً نووياً واضحاً، ومن المتوقع لدول مثل تونس والجزائر والمغرب أن تحذوا حذوهم في المستقبل القريب. وأكدت مؤسسة روس أتوم الروسية للطاقة النووية، أن وكالة الطاقة النووية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حددت في تقرير لها صدر عام 2012، الحاجة للتوسع في تدريب الموظفين المؤهلين للعمل في مجال الطاقة النووية، خاصة مع تطور هذا المجال بسرعة كبيرة حول العالم، وفي المستقبل، سيزداد هذا التوجه، لأن الطاقة النووية واحدة من أكثر المجال الصديقة للبيئة والمهتمة بسلامتها. وتبذل كل دولة تمتلك برنامجا نووياً عناية قصوى في مراعاة سلامة الانشاءات والتشغيل التجريبي للمفاعلات النووية، وعلى المدى الطويل، في إغلاق البنية التحتية النووية، لذلك وفي حال تنفيذ البرنامج النووي، فإن النقطة الأساسية هي تدريب الموظفين المؤهلين. وبالنسبة للبلدان حديثة العهد بالطاقة النووية، كما هو الحال في معظم دول الشرق الأوسط، فإنّ هذا الأمر يعني زيادة الطلب على المعرفة النووية المتخصصة وتدريب الموظفين على المشروعات النووية، فالمحطة الواحدة للطاقة النووية تحتاج على الأقل إلى 750 من المتخصصين بمختلف المستويات والتخصصات: مهندسين في مجال الطاقة النووية، فيزيائيين نوويين، ومشغلين للمفاعل النووي، وطاقم للتدخل السريع في حالات الطوارئ، هذا بالإضافة للمديرين وموظفي المكاتب الخلفية وغيرهم. ومما هو متعارف عليه، فإنّ البلدان حديثة العهد بمشروعات الطاقة النووية لا تمتلك بنية تحتية لتلبية الاحتياجات من هؤلاء الموظفين، لذلك وخلال المراحل الأولى على الأقل، تلجأ تلك الدول لطلب المساعدة من شركاء أجانب مثل إيران التي طلبت من روسيا تدريب مختصين لمحطة المفاعل النووي(NPP) في مدينة بوشهر، وتم تدريب هؤلاء المختصين في محطة المفاعل النووي في كالينين (Kalinin) ومحطة المفاعل النووي في بالاكوفو (Balakovo)، إضافة لمعهد "أوبنينسك( Obninsk ) للطاقة الذرية، ومن الواضح أن إنشاء نظام التدريب المتخصص للطاقة النووية ضروري لكل بلد يرغب في تنويع مصادر الطاقة وتطوير برنامجه النووي للأغراض السلمية. محددات نجاح المشروعات النووية لقد حددت وكالة الطاقة النووية في تقريرها عددًا من العوامل والتوصيات الضرورية لنجاح تطوير البرامج التدريبية لمشروعات الطاقة النووية، وتتمثل النقطة الجوهرية في حصولها على البنية التحتية للمعرفة، والاستعمال الفعال لقدراتها في الأبحاث والتنمية، والقضية الأٌخرى هي إتاحة الدورات الجامعية التي يمكن لها أن تغطي النواحي النظرية والعملية في المجالات النووية وأخيرا تُعد مشاركة الدولة من الأمور الهامة جدا في بناء وصيانة البنية التحتية لتدريب المختصين بالطاقة النووية، ومن الضروري المتابعة الدائمة لحاجات الكوادر، وأيضا تخصيص الموارد المالية لبرامج المعارف الذرية. وتلعب البرامج والمبادرات الدولية أيضاً دوراً هاما في تطوير المعارف الخاصة بالطاقة النووية، وفي تقرير الطاقة الذرية السابق ذكره، تمت الإشارة لدور الحكومات في تشجيع التعاون الدولي في مجالات تدريب كوادر المشروعات النووية. ومن الناحية التاريخية، احتل التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية مكانة هامة لدى الدول الشرق الأوسط، ومنها مصر التي أطلقت برنامجها النووي عام 1954، وفي عام 1961 استلمت مصر من الاتحاد السوفيتي المفاعل الأول (ETRR-1 ) المخصص للأبحاث، وأتاح المفاعل على مدى عقود لمصر إعداد القوى العاملة الماهرة واكتساب الخبرة في مجال الطاقة النووية، وفي زمن الاتحاد السوفيتي، تدرب آلاف الطلاب من الشرق الأوسط في الجامعات السوفيتية، ولا زال هذا التعاون مستمرا إلى يومنا هذا، حيث وقعت جامعتا تومسك بولي تكنيك (Tomsk Polytechnic) والجامعة الروسية المصرية في شهر أغسطس من عام 2015، اتفاقية تتعلق ببرنامج مشترك لتدريب المحترفين فيمجال هندسة وتشغيل محطات الطاقة النووية، ومن المفترض أن يدرس الطلاب في مصر لمدة ثلاثة أعوام، ثم لمدة عامين ونصف في تومسك (Tomsk) حيث يوجد المفاعل النووي التعليمي الفريد في روسيا. الوعي المجتمعي والتدريب النووي وتولي المهندسة أسماء حنفي- الأستاذة بقسم الهندسة النووية التابع لكلية الهندسة- جامعة الإسكندرية، اهتماماً خاصاً بأهمية زيادة الوعي المجتمعي بالاستخدامات السليمة للطاقة النووية، حيث من الضروري القيام بذلك من خلال حملات توعوية، ونشر الوثائق الصادرة عن الجهات الحكومية والجامعات، واعداد الدورات التدريبية عبر الانترنت، بالإضافة للبرامج التعليمية والتوعوية المتنوعة والتدريب في المواقع النووية بالدول التي تتمتع بخبرات وكفاءات موثوق بها في استخدامات الطاقة النووية، إلى جانب ارسال البعثات العلمية وورش العمل المشتركة، وستساهم هذه المعايير وغيرها بشكل فعال في زيادة الوعي المجتمعي باستخدامات الطاقة النووية في الأغراض السلمية، مع اعطاء نظرة موضوعية لمزايا التكنولوجيا النووية للمجتمع. وأضافت أسماء أنّ المحاضرات المتخصصة في الأمان والسلامة النووية وورش العمل المتخصصة في استخدامات الطاقة النووية الصديقة للبيئة تُعد من الجهود الأخرى التي تسهم في تحقيق هذا الهدف التوعوي، كما ابرزت أيضاً أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أخبار ومعلومات عن الطاقة النووية والحماية من الاشعاع النووي، مع إصدار مجلة متخصصة في الطاقة النووية تعطي للقرّاء أحدث المعلومات والمستجدات والمعلومات التثقيفية حول الطاقة النووية في مصر. وتواصل شركة الطاقة النووية الحكومية الروسية (Rosatom) دورها المحوري قفي التعليم والتدريب النووي باعتبارها من أكبر المراكز الرئيسية الدولية في التدريب التعليمي الخاص بالمشاريع النووية، وهناك أكثر من عشرين جامعة روسية تواصل برامجها التعليمية في مجال الطاقة النووية، وتم تطوير البرنامج الروسي التعليمي للطلاب الأجانب بدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA ) وأساليبها، كما تم إنشاء مركز دولي لتدريب المختصين في البينة التحتية النووية في (Obnisk) بالتعاون مع (IAEA ). وفي الشرق الأوسط, تقدم (Rosatom ) بالتعاون مع وزارة التربية والعلوم في روسيا برامج تعليمية حول الطاقة النووية للطلاب القادمين من بلدان تمتلك فيها (Rosatom) مشاريع قائمة فعلا أو تخطط لبناء محطات الطاقة النووية أو مرافق نووية أخرى، وفي هذا العام، اغتنم طلاب من تونس والجزائر والإمارات العربية المتحدة فرصة الدراسة في روسيا، ويشتمل البرنامج على دورة تدريبية في جامعة البحوث النووية الوطنية (MEPI)- وهي جامعة قيادية للبحوث النووية، ويتوفر في الجامعة برامج المختصين، وبرامج لدرجتي الماجستير والبكالوريوس في المجالات الأكثر أهمية من العلوم التطبيقية والأساسية والتكنولوجيا الحديثة، ويمتد المقرر التعليمي التدريبي لمدة ثلاثة أعوام ويشمل سنة لدراسة اللغة الروسية وسنتين مخصصتين للبرنامج التعليمي بعنوان" فيزياء نووية وتكنولوجيا"، كما يعد النجاح في الامتحان يتسلم الطلاب درجة في "الفيزياء النووية والتكنولوجيا" هي بمثابة نقطة انطلاق مهنية في الصناعة النووية التي لا تقتصر على بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية، بل لها تطبيقات في مجالات الطب، والبيئة والزراعة. ويشكل تدريب الطلاب الأجانب في مجال الاختصاصات الذرية في المعاهد التعليمية الروسية العليا مساحة كبيرة من الأعمال التي تقوم بها (Rosatom)، ولأنه يشكل جزءا أساسيا من عرض الشركة الحكومية الكامل الذي تقدمه لشركائها الأجانب، فإنّ التدريب والتدريب المتقدم لجموع الموظفين المحليين يشكل المزايا الفريدة في السوق الدولية. ومنذ عام 2010، تتلقى شركة (Rosatom) سنويا من وزارة التربية والعلوم التابعة للاتحاد الروسي حصة من الطلاب الأجانب لقبولهم في تخصصات في مجالات الطاقة النووية في روسيا، ويأتي إلى روسيا كل عام ما بين 200-300 طالبا لإنجاز دوراتهم التدريبية، وفي هذا العام سيتجاوز مجموعهم 1300 طالبا، وهكذا يتواجد حاليا 1088 من الطلاب الأجانب من 28 دولة للدراسة في المعاهد التعليمة الروسية العليا في التخصصات الذرية، وفي نهاية 2016 سيصل 315 طالبا من 37 بلد كي ينجزوا دوراتهم التدريبية في الجامعات الروسية. ويعد التعاون الدولي في مجال إنشاء وتطوير البنية التحتية للعلوم النووية من الأمور الحيوية، ليس فقط لتشغيل البرنامج النووي في بلد منفرد، ولكن أيضا للتنمية الاقتصادية المستدامة.