فى تطور مفاجئ وقبل يوم واحد من إجراء الانتخابات التشريعية، تم إخطار منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية المتقدمة بطلب إستخراج "الكارنيهات" لمراقبيها إلى اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات برفض طلباتها لأسباب أمنية بإستثناء ثلاث منظمات. وكانت دار الخدمات قد تقدمت مع غيرها من منظمات حقوق الإنسان للمواعيد التى حددتها اللجنة للتقدم بطلباتها لاستخراج كارنيهات مراقبيها إلى اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات فى المقر المعين لذلك وفقاً لقرار اللجنة، وعدم قيام القائمين على استخراج الكارنيهات بلإدلاء بآية معلومات عن موعد تسليم الكارنيهات، أو الإجراءات اللاحقة مؤكدين عدم توافر أية معلومات لديهم بهذا الشأن. ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات دون الحصول على كارنيهات المراقبين وإعلان اللجنة العليا المزيد من التصريحات التى تشى بتوجهها إلى إحاطة عمليات المراقبة بالكثير من القيود، شرعت منظمات حقوق الإنسان وبينها دار الخدمات فى إبداء قلقها البالغ بشأن المسار الذى تتخذه اللجنة العامة والأجهزة التنفيذية فى هذا الشأن، مُحذرة من تكرار الوقائع التى شهدتها انتخابات مجلس الشورى فيما تضمنته من حرمان الغالبية العظمى من منظمات حقوق الإنسان من حقها فى رقابة العمليات الانتخابية. إن هذا الإعلان الصريح وغير المتوقع عن الرفض الأمنى لاشتراك الغالبية العظمى من منظمات حقوق الإنسان فى أعمال المراقبة- بدلاً مما دأبت عليه الأجهزة التنفيذية والأمنية خلال العمليات الانتخابية السابقة من القبول الظاهرى مع التسويف والمماطلة ووضع العراقيل على أعمال المراقبة- إنما يمثل تصعيداً حكوميا مثيراً للقلق والدهشة فى مواجهة منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنى المصرى، وبادرة جديدة غير طيبة فى سياق متصل من الإجراءات ذات الطابع المتعسف التى تم اتخاذها خلال الشهور الأخيرة، كما أنه- فضلاً عن ذلك – يثير الملاحظات الآتية: ازاء الرفض القاطع للحكومة المصرية فى مواجهة المطالبات برقابة دولية على الانتخابات التشريعية ا تأسيساً على الاكتفاء برقابة المجتمع المدنى المصرى- وفقاً لممثلى الحكومة - تجعله قادراً على الاضطلاع بهذا العمل منفرداً دون شريك دولى.. مما حدا ببعض الدوائر إلى الاعتقاد فى اتجاه نية الأجهزة الحكومية إلى إفساح الطريق أمام المجتمع المدنى المصرى لمراقبة العمليات الانتخابية.. غير أن السلطات المصرية فاجأت الجميع بهذا الإعلان الصريح عن الرفض الأمنى لغالبية المنظمات غير الحكومية دون تكلف عناء البحث عن ذرائع قانونية أو عملية كدأبها السابق.. وكأنها قد اتخذت قرارها فى اللحظات الأخيرة بضرب عرض الحائط بكل ما يتعلق بالحرص على إضفاء بعض الشرعية على الانتخابات التشريعية القادمة التى لم يعد هناك مجال للشك فيما يمكن أن تشهده من تجاوزات غير مسبوقة طوال العقود الثلاثة الأخيرة. أن الإجراءات التى كانت اللجنة المشرفة على الانتخابات كانت قد عمدت إلى اتخاذها- إبان انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى التى أجريت فبل بضعة شهور- لتحجيم أعمال الرقابة الوطنية على الانتخابات عن طريق ربطها بآليات المجلس القومى لحقوق الإنسان دون أن يكون للمنظمات حق التقدم بطلباتها خارجها، والتى كانت اضطرت إلى التراجع عنها هذه المرة إزاء الانتقادات الواسعة التى نالتها، وتبرم المجلس ذاته منها لتحميله أعباء القيود والعراقيل التى أحيطت بها أعمال المراقبة.. بل وإزاء المخالفة القانونية الصريحة التى انطوت عليها هذه الإجراءات- حيث قررت اللجنة فتح الباب أمام حق المنظمات فى التقدم لها مباشرة دون المجلس متى أرادت ذلك.. هذه الإجراءات- التى تم التراجع عنها ظاهرياً قد تم الإبقاء على مضمونها والاحتفاظ بجوهرها من الناحية الفعلية.. حيث رفضت جميع المنظمات التى تقدمت بطلباتها إلى اللجنة مباشرة- فيما عدا ثلاثة منظمات فقط- لتنحصر أعمال المراقبة فى بعض المنظمات المتقدمة من خلال آليات المجلس القومى لحقوق الإنسان "والتى يتحمل المجلس عبء ضبطها".. أو بالأحرى ليتم استبعاد غالبية المنظمات التى تصدر تقاريرها دون مراعاة "الاعتبارات الحكومية السياسية والأمنية".. والتى تتمسك بالمعايير الصارمة لمنظومة حقوق الإنسان. إن الموافقة على رقابة المجتمع المدنى المصرى على الانتخابات للتنصل من المطالبات بالرقابة الدولية عليها لم تكن فى واقع الحال سوى مناورة حكومية تراهن على القيود القانونية والتنفيذية المفروضة على المنظمات المصرية والعراقيل والعقبات العملية التى يمكن أن تثار فى مواجهتها.. غير أن قراراً أخيراً تم اتخاذه- فيما يبدو- بالتخلى عن كل مناورة والإعلان الصريح عن رفض رقابة منظمات حقوق الإنسان غير المنضبطة "بالاعتبارات الحكومية". إن دار الخدمات إذ تدين الرفض الأمنى لرقابتها –وغيرها من منظمات حقوق الإنسان- على الانتخابات التشريعية.. لا يسعها سوى استنكار هذا الإعلان الصريح عن مخالفة القانون من قبل اللجنة العامة للإشراف على الانتخابات والاعتداد بأسباب ومبررات لا علاقة لها بالضوابط والقواعد القانونية والاشتراطات التى استنتها هى ذاتها فى قراراتها.. وهى إذ تعلن تمسكها بحقها فى ممارسة دورها وفاعلياتها الكاملة كمنظمة حقوقية مدافعة عن حقوق الإنسان.. إنما تؤكد على خطورة التوجه الحكومى الذى يتصاعد إلى الأسوأ فى مواجهة المنظمات غير الحكومية، وعلى المنحى بالغ الخطورة فى تحدى كافة المواثيق القانونية والقواعد الدستورية بل والقانونية.. على النحو الذى لا ينال من شرعية الانتخابات التشريعية الحالية فقط.. بل كل شرعية أخرى. وتطالب كافة القوى الحية والديمقراطية والفاعلة فى مجتمعنا بالتضامن معها ومع المنظمات غير الحكومية الأخرى فى معركتها من أجل فرض الرقابة المجتمعية الحقيقية على الانتخابات التشريعية التى لا تتوفر لها أية رقابة أخرى "دولية أو قضائية حقيقية".