تقاس قدرات الاقتصاديات العملاقة والشركات الناجحة بمدى قدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة ، والالتزام بخططها طويلة المدى، والتى تنعكس بصورة مباشرة على مواطنيها مهما تغيرت الوجود التى تقوم على تنفيذ تلك الخطط والاستراتيجيات، وتمثل الإدارة في تلك الحالة سواء كانت سياسية أو إدارة لشركة كبرى مجرد أداة للتنفيذ وللحفاظ على "الخط المرسوم مسبقًا" لتنفيذ الخطة. مع وفاة ستيف جوبز أحد أيقونات صناعة تكنولوجيا المعلومات حول العالم، لم تتأثر مكانة آبل بالمرة وحافظت على تربعها على قمة شركات التكنولوجيا بحجم سيولة أكثر من 200 مليار دولار ومستمر في النمو مع بيع كل وحدة جديدة من منتجات آبل في العالم، سهم أبل لم يفقد سوى 0.23 % من قيمته مع بدء التعاملات المالية بعد مرور ساعات قليلة على وفاة جوبز، ومن جهة أخرى سجلت حركة المبيعات لسوق أسهم أبل في المطلق، زيادة قدرها 5.1%، وتعكس هذه الأرقام أن جوبز قبل رحيله قد رسم ملامح سياسة مستقبلية واضحة المعالم، يمكن من خلالها لأبل أن تضمن الريادة في سوق الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية لأجل ليس بالقريب. الصورة المعكوسة آفة الاقتصاديات الصغرى تتعلق بأن المتحكم الوحيد في أي قرار اقتصادي أو خطة استثمارية هو فقط الوزير الجديد، ومدير الشركة، لتتحول كل القرارات الاقتصادية والتوجهات المسبقة للكيان إلى "هباء" مع تكليف أي شخص جديد بمهام المسئولية في أي منصب. ظهر ذلك بوضوح في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال السنوات القليلة الماضية وبالتحديد منذ رحيل الوزير الأسبق طارق كامل ضمن حكومة أحمد نظيف وتتابع 5 وزراء على حقيبة الاتصالات منذ ذلك الوقت لتفقد الاتصالات في مصر البوصلة المحددة للاتجاه وتتفرق بها السبل وفق كل عصر ومع كل وزير. وزارة التعهيد في فترة تولي الدكتور طارق كامل لحقيبة الاتصالات، ركزت معظم العناصر العاملة في الصناعة على دعم توجه مصر نحو تصدير تكنولوجيا المعلومات، خاصة في مجالات التعهيد والكول سنتر، على شتى صوره، بداية من تصدير خدمات الصوت وتوفير مراكز الاتصال لشركات أجنبية محليًا، ومرورًا بخدمات الدعم الفني، وحتى خدمات القيمة المضافة، ونجحت الدولة في الوصول للمربع الذهبي لتصدير تكنولوجيا المعلومات لتأتي في المرتبة الرابعة ضمن الدول المصدرة للتكنولوجيا تالية لدول مثل الهند والفلبين والمكسيك بما تمثله من قلاع لتصدير التكنولوجيا ومحققة أكثر من 1.1 مليار دولار حجم صادرات. ولعبت الثورة في تلك الفترة دورًا تسبب في احجام بعض الشركات عن دخول السوق المصرية، ومع اختفاء المحرك الأساسي لجلب صناعة التعهيد لمصر ممثلاً في "طارق كامل" تراجعت مصر للمرتبة ال10 وفق مؤسسة ايه تي كيرني في خدمات تكنولوجيا المعلومات المصدرة للخارج، ولم تعد الشركات المصرية مصنفة في التصنيفات العالمية لأقوى الشركات بعد أن احتلت شركة اكسيد التابعة للمصرية للاتصالات واحدة ضمن أقوى 100 شركة في خدمات الكول سنتر. تجميل وجه الاتصالات خلال ثورة 25 يناير وبالتحديد يوم الجمعة 28 يناير شهدت مصر انقطاع كامل لخدمات الاتصالات والانترنت في محاولة لمنع التواصل بين الشباب محركي الثورة، وخلال فترة تولي الدكتور ماجد عثمان لحقيبة الاتصالات، انصب كامل اهتمام الوزارة على تجميل وجه قطاع الاتصالات ومحاولات للتأكيد على أن قطع الاتصالات لم يكن خيارًا متاح للشركات الأخذ والرد به، ومن ناحية أخرى لم يشهد القطاع أي نوع يذكر من الحراك. وزارة المعاهد التكنولوجية التغيير في أولويات وزارة الاتصالات لم يكن خيارًا استراتيجيًا يرجع إلى تعديل في الرؤية الاقتصادية للدولة ما بعد ثورة يناير 2011، بل كان اختيار للوزير القائم على الاتصالات في ذلك الحين، لتبدأ الوزارة في استراتيجية جديدة قائمة على التوسع في عدد بيوت التكنولوجيا ومراكز التدريب في المحافظات، وينصب معظم التركيز على إنشاء قاعدة عريضة من البيوت التكنولوجية التى وصلت لحوالي 2287 نادي للتكنولوجيا بجميع المحافظات منذ عام 2000 وحتى الآن في مختلف المؤسسات كمراكز الشباب والوحدات المحلية والجمعيات الأهلية وغيرها، وذلك مع إعطاء أولوية إلى المحافظات الاستراتيجية مثل شمال سيناء، والبحر الأحمر، وأسوان والوادي الجديد ومرسى مطروح. التركيز على نوادي التكنولوجيا لم تتمتع به أية قطاعات أخرى في ظل حقبة الدكتور محمد سالم خاصة مع اهتمامه الذي أنصب خلال العقود الثلاثة من فترة عمله "طوال 33 عامًا" على التدريب بقطاع تكنولوجيا المعلومات سواء في معهد تكنولوجيا المعلومات أو كليات الهندسة بالمعاهد والجامعات المصرية ، غير أن قطاع الاتصالات تحول نحو قفزة جديدة مع التعديل الوزاري. ومؤخرًا بدأت الاتصالات في فصل البيوت التكنولوجية كإدارة مختصة تبحث كيفية الاستفادة منها ومن الانتشار على مستوى الجمهورية الذي استطاعت تحقيقه، خاصة مع التأحر الواضح في مستوى تلك البيوت وتدني مستوى الخدمات المقدمة بها. بداية الرخصة في الخط الزمني لسلسة الوزراء المتولين لحقيبة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يلي محمد سالم المهندس هاني محمود والذي جاء بخلفية من القطاع الخاص، وكان محمود هو أول المؤسسين لفكرة الرخصة الموحدة لخدمات الاتصالات، بعد أن أطلق قبل أيام من رحليه مصطلح "الرخصة الموحدة للاتصالات" وتوقع قبل رحيله الانتهاء من وضع الدراسات النهائية للترخيص خلال أربعة أشهر. و خلال فترة تولي محمود وسالم للاتصالات لم تشهد صناعة التعهيد التى مثلت الأولوية الكبرى لقطاع الاتصالات خلال سنوات أي نوع من التركيز أو التطوير. وزارة الترخيص الموحد مع تولي المهندس عاطف حلمي وزارة الاتصالات والذي جاء خلفًا لمحمود، حاول وضع استراتيجية للقطاع لتغطية الفترة من 2013-2018 ، والاستراتيجية المعلنة لم تحقق أي نسبة تنفيذ على أرض الواقع. أهم ملامح تلك الاستراتيجية تمثل فيما عرف بقطاع الاتصالات بأنه "الرخصة الموحدة للاتصالات" والتى تمركز حولها وانصب عليها أكبر اهتمام القطاع من ناحية وتسبب في حالة اضطراب على مستوى كافة اللاعبين في القطاع، طوال الأعوام الثلاثة التى تولى فيها حلمي حقيبة الاتصالات استمرت كافة الأطراف في شد وجذب بين شروط الترخيص وموعد طرحه، حتى تم الطرح النهائي في إبريل 2014، دون تمثيل من الشركات العاملة بالقطاع والتى بدأت في التهديد باللجوء للتحكيم الدولي في حالة تمرير الترخيص دون الالتزام بقواعد المنافسة. ولم تمثل بيوت التكنولوجيا، وصناعة التعهيد حجم الأهمية التى اتخذاها من قبل أثناء فترة تولي الوزيرين الأسبقين. ملامح استراتيجية حلمي للاتصالات راعت كافة الجوانب المؤثرة في القطاع سواء من ناحية الاتصالات "ممثلة في الترخيص الموحد" أو التكنولوجيا ممثلة في تصنيع الالكترونيات وتطوير البرمجيات والتصدير، والتركيز على الشركات المتوسطة والصغيرة والإعلاء من مشاركة مؤسسات المجت مع المدني، غير أن الشغل الشاغل للقطاع لم يخرج من حيز الرخصة الموحدة للاتصالات التى لم تعد "من أولويات القطاع" مع التعديل الوزاري الأخير. وزارة الانترنت التعديل الوزاري الأخير والذي جاء قبل أيام من قمة مصر الاقتصادية في مارس الماضي، جاء بالمهندس خالد نجم وزيرًا للاتصالات، عقب توليه إدارة الهيئة القومية للبريد، وكانت أول تصريحات الوزير الجديد أنه يهتم فقط بصالح المواطن ويركز على تحسين خدمات الاتصالات والانترنت التى يحصل عليها المستخدم النهائي. وعلى الرغم من الحيز الذي اتخذته الرخصة فترة تولي حلمي حقيبة الاتصالات أكد الوزير الجديد أنها لم تعد "من أولويات القطاع" عقب توليه الوزارة بساعات مؤجلاً أي حديث عن الترخيص لحين انجاز تحسين في خدمات الاتصالات. أول الملفات التى قرر الوزير التركيز عليها تمثل في زيادة عدد المستفيدين من خدمات الانترنت الثابت خاصة وأن كل زيادة بنسبة 10% في عدد مشتركي الانترنت الثابت تنعكس بزيادة 1.8% في الناتج القومي الإجمالي، كما حاول الوزير التركيز على تخفيض أسعار الانترنت، لتتحول الوزارة إلى جهة مختصة في تحديد أسعار الانترنت، ولا يعلو صوت فوق صوت التخفيضات وتحسين خدمة الانترنت الثابت. وعلى الرغم من محاولات الوزارة الاستمرار على استراتيجية حلمي "المجمدة" أو تنظيم مؤتمرين أحدهما خاص بصناعة التعهيد والآخر يركز على دور بيوت التكنولوجيا، لم تستطع الاتصالات خلال الشهور الأربعة المنقضية التركيز على أي قضية سوى خفض أسعار الانترنت. غياب الرؤية في أثناء تلك التغييرات، وعدم تحديد بوصلة القطاع على المستوى الحكومي، استمر قطاع الاتصالات في النمو على نحو مطرد، حيث بلغت معدل الزيادة في مستخدمي الاتصالات والانترنت على المحمول بنسب تتخطى ال400% خلال الفترة من 2011 وحتى الآن، وبلغت ايرادات قطاع الاتصالات حوالي 40 مليار جنيه سنويًا، بينما بلغ حجم الاستثمارات السنوية أكثر من 8 مليارات جنيه بنسب تتخطى ال20% من ايرادات الشركات العاملة بالقطاع، غير أن المحرك الرئيسي في تلك المعدلات كان العامل التجاري، والتوجه الاستثماري الفردي لشركات الاتصالات غير مدفوع بهدف قومي ورؤية استراتيجية تتبناها الحكومة لاتخاذ قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كركيزة للتنمية والتى من شأنها أن تعلي من الدخل القومي، وتنعكس على التعاملات اليومية للفرد.