بعد إنتظار دام لأكثر من نصف قرن.. أصبح الحلم النووى حقيقة بعد أن طرحه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1962، وفشل بعده الرئيس محمد أنور السادات فى تنفيذه بسبب الضغوط الأمريكية وظل حبيس الأدراج فى عهد الرئيس الأسبق مبارك خوفاً على شعبه، كما أدعى وقتها، وتحول الى حظيرة خرفان فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى وهو ماتناولته "أموال الغد" فى أعداد سابقة بعد اقتحام أرض المشروع والقضاء على كافة المبانى وتفجير السور المحيط به. وجاء قرار رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى بالبدء فى تنفيذ أول محطة نووية على أرض الضبعة بمثابة قبلة الحياة للعديد من خبراء المجال النووى المصريين بعد أن أصابهم الإحباط واليأس فى العقود الماضية بسبب توقف الفكرة وعدم الخوض فى المجال النووى وهو ما دفع بعضهم إلى العمل والهجرة خارج البلاد. وتستعد مصر حالياً لطرح مناقصة إنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء يناير الجارى على الدول الرائدة فى هذا المجال وعلى راسها الولاياتالمتحدةالامريكية والصين وروسيا وكوريا وفرنسا وبريطانيا. كشف الدكتور إبراهيم العسيرى، مستشار رئيس هيئة المحطات النووية ومفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، عن طرح مناقصة إنشاء أول محطة نووية على الشركات والدول الأجنبية خلال يناير الجارى، على أن يتم تنفيذ المشروع فور التعاقد مع الشركة الفائزة بالمناقصة. وأشار العسيرى، إلى أن هيئة المحطات النووية اشترطت فى المناقصة بالنسبة للمحطة الأولي أن تحتوي علي 20% من الصناعة المحلية، والمحطة الثانية علي 35%، مؤكداً على أن مصر لديها مصانع تريد أن ترفع جودة صناعتها المحلية، كما أن هناك مصانع أخري تحتاج إلى خط إنتاج إضافي وبذلك ستشهد مصر صناعات جديدة توفر فرص عمل للشباب . وقال أن أرض الضبعة تستوعب إنشاء عدد يتراوح ما بين 4 إلى 8 محطات نووية، مشيراً إلى أنه لن يتم إصدار تراخيص الأرض حتى الآن لعدم الحصول على موافقة البيئة ولا يوجد موانع من إقامة المحطات النووية على أرض الضبعة لقربها من ساحل البحر المتوسط إضافة إلى توافر الشروط الجيولوجية بها . وأضاف مستشار رئيس هيئة المحطات النووية ومفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، أن مخطط الهيئة يشمل إنتاج 8 آلاف ميجا وات من الكهرباء حتى عام 2030، وأنه سيتم العمل على إنشاء محطة ثانية بعد مرور عام على بدء تنفيذ المحطة الأولى التى ستستغرق حوالى 48 شهراً فور صب الخرسانة . وأشار إلى أن هناك عدد من الدول الأجنبية التى ترغب مشاركة مصر فى إنشاء أول محطة نووية وهى كل من "فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية وكوريا واليابان والصين وروسيا"، مؤكداً فى ذات الوقت على أن المناقصة ستتم بشفافية كاملة، لإختيار العرض الأفضل فنياً ومالياً. ونوه العسيرى إلى أن مراعاة البعد الاجتماعى لإنشاء أول محطة نووية يعتبراً مهماً، خاصة وأن عدد العمالة التى ستشارك فى العمليات الانشائية سيتجاوز ألفى عامل وسيتم تدريب اهالى الضبعه وتأهيلهم للمشاركة فى هذا المشروع القومى الهام، مؤكداً أن المحطات النووية لن تؤثر علي الشبكات الكهربائية فى حال توقفها، لأن كل محطة تنفرد بخط خاص بالشبكة الكهربائية دون التأثير علي الشبكة. وحول خطوات العمليات الإنشائية، قال إنه سيتم التعاقد علي المعدات المحلية بالأمر المباشر، وغالباً سوف يتم إسنادها إلى القوات المسلحة، أما فيما يتعلق بالمعدات المستوردة من الخارج سيكون عن طريق إجراء مناقصات. وأشار العسيرى، إلى أنه لا مفر من الدخول في المجال النووي فى الوقت الذى تشهده مصر حالياً من أزمة في مياة حوض النيل وإقامة سدود جديدة مما يؤثر علي العملية الانتاجية للسد العالي والتي تمثل 10% من إنتاج الكهرباء ونعمل علي توفير الطاقة المتجددة من المصادر الاخري مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حتي نعمل علي توفير العجز. وأكد على أن هناك ضغوط سياسية منذ الستينيات تسببت في تاخير المشروع للوقت الحالي ولكن علي كل دولة ان تنظر وتحمي مصالحها فالدولة التي حدث بها مشكلة فى مفاعل شورنبل اقامت 9 محطات نووية بعد ذلك ولديها الآن 15 محطة تعمل بكفاءة مرتفعه ولديها ايضا محطتان تحت الانشاء، مشيراً إلى أنه ستكون هناك ضغوط سياسية ولكن سنكمل المشوار رغم أي ضغوط خارجية، ومصر مصدقة علي اتفاقية عدم انتشار الاسلحة النووية كما انها ايضا من الدولة المؤسسة لتلك الاتفاقية وصدقت عليها عام 1981 والتى تتيح لمصر استخدام التكنولوجيا النووية عن أي دولة بالعالم بشرط أن تقوم الوكالة الدولية بالتفتيش علي مشروعاتها. ومن جانبه، أكد الدكتور مصطفى عزيز، رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، على أن قرار مجلس الوزراء لاحياء المشروع النووى هام للغاية، كما أن موقع الضبعة من أفضل المواقع لإنشاء محطة نووية. وقال عزيز، إن الخطة الموضوعه تتمثل فى إنشاء محطة واحدة ضمن الخطة التى تشمل بناء أربع محطات حتى عام 2030 بقدرة 800 ميجا وات، مضيفاً بأن مصر تنتج حوالى 27 ألف ميجا وات، أى أن المجال النووى سيستحوذ على 25 % من اجمالى الكهرباء على مستوى مصر، كما ان استخدام الطاقة النووية يوفر لنا كميات مهولة من الوقود مثل المازوت والغاز الطبيعى التى تمثل عبئ كبير على الاقتصاد المصرى، يجب توفير الوقود لمهمته الاساسية" . وأضاف أنه من المخطط أن يكون لدينا محطة نووية داخل الخدمة فى عام 2019، ويمكن أن تقوم ببناء 8 محطات قدرة كل محطة 1000 ميجا وات الكتريك أو بناء 4 محطات عملاقة قدرة كل محطة 1750 ميجا وات الكتريك، وأنه من الأفضل أن تكون البداية محطات صغيرة بقدرة 1000 ميجا وات أو 1200 ميجا وات لأن المحطات العملاقة تحتاج الى خبرات عالية ومستوى أمان مرتفع. وقال رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، إن دور الهيئة يتمثل فى وضع المعايير بداية من معايير التصمييم واختيار الموقع والتشغيل، مشيراً إلى أن موقع الضبعة لم يحصل حتى الان على رخصة من هيئة الرقابة النووية ، كما تقوم بمراجعة كافة الوثائق للمحطة النووية وتشمل تحليل الامان للمفاعل، كما تقوم الهيئة بالتفتيش على المحطة فى جميع مراحلها إبتداءاً من الموقع وفترة التشيد والتى تستغرق 5 سنوات تقريبا واثناء فترة ما قبل التشغيل والاختبارات واثناء التشغيل وحتى مرحلة تفكيك المحطة بعد 60 عاماً. كما تقوم هيئة الرقابة النووية باصدار التراخيص مثل تراخيص الموقع وترخيص التشييد وترخيص ماقبل التشغيل وترخيص التشغيل ، وتكون الرقابة بصفة دورية اثناء توقف المحطة للصيانة كل عام ونصف تقريبا كما يوجد تفتيش مفاجئ ، اما بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية فتقوم بمراقبة المواد النووية داخل المحطة مثل التفتيش على كمية اليورانيوم المستخدمة والكمية المخزونة ، كما يوجد بهيئة الرقابة النووية والاشعاعية قطاع يسمى الضمانات وهو المسئول عن مخزون المواد النووية ويتم ارسال مندوب من الهيئة لمرافقة مندوب الوكالة الدولية للطاقة الذرية . وعن سبب تأخر حصول موقع الضبعه على الترخيص قال عزيز : "نحن لا نستبق الاحداث وننتظر الوثائق التى سوف ترسلها هيئة المحطات النووية للهيئة وسوف يتم دراستها جيدا وابداء رأى هيئة الرقابة بها"، موضحاً أن السبب الرئيسي وراء تأخير الحصول على ترخيص الموقع يرجع الى فترة توقف المشروع بسبب اعتراض الاهالى على اقامته واتلاف أجهزة الرصد والتحليل بالكامل، كما أنه تم سرقتها. وبسؤاله حول كيف يتم اجراء مناقصة قبل حصول هيئة المحطات النووية على الترخيص الازم للموقع ، أشار إلى أن القانون النووى يؤكد ان هناك وسيلتين لعملية التراخيص، يمكن ان يصدر تراخيص الموقع ثم تراخيص الإنشاء أو نقوم باعطاء تراخيص الموقع والانشاء معاً وهو موجود بالفعل فى اللائحة التنفيذية للمشروع، كما ان هيئة المحطات النووية هى التى تحدد الطريقة التى تفضلها، وعلى من قام باختيار الاتجاه الذى يفضله يتحمل آثره، والولاياتالمتحدةالامريكية تعمل بنفس النظام الذى سلكته هيئة المحطات النووية. واكد رئيس هيئة الرقابة النووية ان الغرض الرئيسي من انشاء اول محطة نووية مصرية بالضبعة يتمثل فى توليد الكهرباء الى جانب تحلية المياه ، اما بالنسبة للابحاث ، اشار الى ان مصر تمتلك مفاعل إنشاص، والعالم حاليا يقيس مدى رفاهية المواطن ليس بمدى دخله ولكن بمدى استهلاكه للكهرباء ، كما ان توفير الكهرباء يؤدى الى انشاء مصانع جديدة وحل الازمة بالنسبة للمصانع التى لا تستطيع الحصول على الكهرباء وتوفير الوقود سواء المازوت والغاز الطبيعى للاستخدامات الاخرى مثل البتروكيماويات وبعض الصناعات الأخرى . وعن كيفية تمويل المشروع ، قال عزيز يتم ذلك من خلال القروض أو التمويل الذاتي أو مثلما حدث فى تركيا والتى تعاقدت مع شركة روسية لبناء أربع محطات على ان تقوم روسيا ببيع الكهرباء المولدة لمدة عشرة سنوات مثل حق الامتياز، وهذا القرار يرجع الى الدولة وهيئة المحطات النووية لتتبع الطريقة التى تناسبها. وقال الدكتور عاطف عبد الحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية، أن مصر حققت تقدماً ملحوظاً في مجال التطبيقات السلمية للطاقة الذرية والتي من شأنها مواصلة عمليات التوسيع فى هذا المجال خلال الفترة المقبلة اعتماداً على البنية التحتية الراسخة والعمال المؤهلين . وبالنسبة لمحطة الضبعة النووية، اضاف انه لا شك من انه مشروع قومى ضخم يحتاج إلى جميع أصحاب المصلحة على ألا تدخر جهدا لتحقيق ذلك، كما ان المشروع يدعم بشكل كامل وقوى من قبل الشعب والحكومة. واشار الى انه من المهم البدء في اتخاذ خطوات جادة وإجراءات ملموسة نحو بدء هذا المشروع، خاصة وانه تأخر أكثر من مرة بسبب الظروف الوطنية والدولية مثل الذعر بسبب حادث فوكوشيما ، منوها ان المحطة النووية الاولى ستساهم فى ارتفاع عدد الابحاث التى يقوم بها علماء هيئة الطاقة الذرية كما ان بناء المحطة النووية يحفز لإعداد الموارد البشرية المؤهلة تأهيلاً عالياً من ذوي الخبرة في مجال المفاعلات النووية. ومن جانبه، رحب الدكتور حافظ السلماوى، رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، بقرار مجلس الوزراء بالبدء فى بناء أول محطة نووية مصرية بالضبعة، مشيراً إلى أن دخول المحطة النوويه للخدمة يحتاج إلى 7 سنوات تقريباً. وقال السلماوى ان قدرة المحطه النووية تتراوح ما بين 1000 الى 1650 ميجا وات ، مبديا تخوفه من انشاء محطه بقدرة 1750 خاصة وان خروجها من الخدمه يؤدى الى حدوث توقف بالشبكة ولن تستطيع وزارة الكهرباء تعويض الفقد المفاجئ للوحدة. وأضاف أن المشروع النووى لا يستطيع حتى عام 2028 توفير أكثر من 5000 أو 6000 ميجا وات وعندها سيكون اقل من 10% من إجمالى الشبكة، لافتاً إلى أن المشروع النووى لن يسد العجز ولن يحل أزمة الوقود، إنما هو ادخال تكنولوجيا جديدة لتنويع مصادر الطاقة.