أوصت هيئة مفوضى الدولة الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى، بإصدار حكم قضائى بعدم قبول الدعوى التى تطالب بعزل ومنع رؤساء وأمناء وأعضاء أمانات الحزب الوطني ولجنة سياساته وممثليه في المجالس المحلية والبرلمانات من الترشح بالإنتخابات ومن الترشح للأحزاب والنقابات لمدة أقلها عشر سنوات,وحل المجالس القومية المتخصصة التي أنشئها الحزب الوطني المنحل, ولعدم رفعها بغير صفة قانونية. وقال التقرير الذى اعده المستشار وائل فرحات عبد العظيم تحت إشراف المستشار تامر يوسف طه نائب رئيس مجلس الدولة , إن جماهير الشعب المصري هي مصدر السلطات والتي تسمو على الدستور والقوانين ذاتها منحت المجلس الأعلى للقوات المسلحة شرعية إدارة شئون البلاد بصفة مؤقتة على إثر ثورة 25 يناير 2011 حتى يكتمل بناء المؤسسات الدستورية وهى الإرادة التي استند إليها المجلس الأعلى ذاته في إصدار الإعلانين الدستوريين المؤرخين 13/2/2011 ، 30/3/2011 والذي جاء متضمناً النص على تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد لحين إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ، واستمر هذا المجلس في إدارة شئون البلاد حتى تمام إجراء الانتخابات الرئاسية ، وإعلان نتيجتها بتاريخ 24/6/2012 ، واعتباراً من 30/6/2012 تسلم رئيس الجمهورية سلطة إدارة البلاد ، وبإقرار الدستور المعطل إعتباراً من 26/12/2012 حددت مهام ومدة الرئاسة على النحو المبين بهذا الدستور ، ثم وبإرادة شعبية جارفة عبرت عنها جماهير الشعب المصري التي خرجت في 30/6/2013 في كل حواضر مصر ومدنها وقراها أعلن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة خارطة المستقبل اشتملت على تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت مع إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية ويكون له سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الإنتقالية ، وبناء على هذه السلطة أصدر رئيس الجمهورية المؤقت الإعلان الدستوري المؤرخ 8/7/3013 متضمناً النص على رئيس الجمهورية كرئيس للدولة المصرية ورئيس للسلطة التنفيذية. ولما كان الثابت من أرواق الدعوى أن المدعي أقام دعواه الماثلة ضد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان الثابت أن المجلس المشار إليه لم يعد يتولى تلك المهمة ، والتي كان يمارسها بصفة مؤقتة ، وانتقلت إلى رئيس الجمهورية وفقاً للدستور المعطل ثم إنتقلت إلى رئيس الجمهورية (المؤقت) بموجب الإعلان الدستوري المؤرخ 8/7/2013 والصادر عقب ثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 ، ومن ثم يضحى إختصام المدعي لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته دون رئيس الجمهورية بصفته إختصاماً لغير ذي صفة . وذكرت الهيئة في تقريرها بخصوص طلب المدعي بمنع رؤساء وأمناء وأعضاء أمانات الحزب الوطني ولجنة سياساته وممثليه في المجالس المحلية والبرلمانات من الترشح في الإنتخابات لمدة عشر سنوات ، إن المادة رقم (1) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 8/7/2013 تنص على أن " جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة ".كما تنص المادة (2) منه على أن " السيادة للشعب يمارسها ويحميها ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر جميع السلطات ". و تنص المادة (14) منه على أن " العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون", والمادة (15) منه على أن " سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة ". واوضح التقرير إن ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية ، خاصة حقا الترشيح والانتخاب ، تُعد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة السيادة الشعبية ، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بالحق فى اختيار مرشحيهم ، على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التى تعنيهم ، أم كان بوصفهم مرشحين يناضلون وفق قواعد منصفة من أجل الفوز بالمقاعد التى يتنافسون للحصول عليها ، وهما حقان مترابطان ومتكاملان ، يتبادلان التأثير فيما بينهما ، ومن ثم يتعين التقيد في تنظيمها بالقيود والضوابط التي نصت عليها الوثيقة الدستورية ، وتضحى كفالتها وضمان حق كل مواطن في ممارستها وفق قواعد موضوعية لا تنال من جوهرها أو تنتقص منها أو تؤثر في بقائها أو تتضمن عصفاً بها أو إهداراً ومصادرة لها إلتزاماً دستورياً وقانونياً لا فكاك له . ومن ثم فلا يجوز أن يحرم أحد بعد أن ثبتت له صفة المواطن من أن يتمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة طالما لم يثبت فى حقه إتيان فعل أو انتهاج سلوك يستأهل هذا الجزاء، أو أن توقع عليه عقوبة ، أياً كانت؛ جنائية أو تأديبية أو ذات طبيعة مدنية بأثر رجعي ، من خلال تطبيقها على أفعال لم تكن حين إتيانها تشكل إثماً جنائياً ، أو ذنباً إدارياً أو إخلالاً مدنياً يستوجب التعويض ، وإلا فإنه يكون قد ابتنى على افتراض لا يستقيم مع طبائع الأشياء وتأباه العدالة ، ويخالف من ثم مفهوم الدولة القانونية . ومن ناحية أخيرة ، فإن المشرع الدستوري اعتنق منذ بداية تاريخ مصر الدستوري مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ودل من خلاله على عدم تجريم أي فعل إلا بقانون ، وعدم جواز توقيع عقوبة بغير حكم قضائي ، ولا يقتصر هذا الأمر على العقوبة الجنائية فقط ، وإنما يشمل كذلك العقوبات الأخرى التي تأخذ حكمها ، وإن لم تكن من جنسها ، كالحرمان من حقوق أو حريات بعينها ، إذ ليس بشرط أن يكون الجزاء المقرر من طبيعة عقابية أو تقويمية ، وإنما يكفي أن يكون وقائياً وهي جميعها لا بد أن يكون منصوص عليها تشريعياً كعقوبات لأفعال محددة ، ولا يجوز توقيعها إلا بحكم قضائي ، وبالتالي فإن قيام جهة الإدارة بتوقيع هذه العقوبات دون أن يحدد القانون الجرائم التي توقع من أجلها هذه العقوبات ، ودون صدور حكم قضائي بها إلا اعتبر ذلك افتئاتاً على عمل السلطتين التشريعية والقضائية كلاً في إطار إختصاصها ، ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات . وقررت الهيئة أن أن منع هذه الفئات من الترشح في الإنتخابات لمدة عشر سنوات ينطوي على حرمانها من مباشرة حقها في الترشح والإنتخاب وهو ما يعد إهدار لأصل هذه الحقوق وإعتداء عليها وهي الحقوق المحمية دستورياً والتي لا يجوز الحرمان منها بغير مقتض أو مبرر يتفق وأحكام الإعلان الدستوري ، ومن ناحية أخرى فإن حرمان هذه الفئات من ممارسة حقوقهم السياسية لمجرد تقلد مناصب محددة ، ودون أن يتطلب لهذا الحرمان أن يثبت في حق من تولى أي من هذه المناصب إتيان فعل يستأهل هذا الجزاء ، يكون قد بني على إفتراض لا يستقيم وطبائع الأشياء وتأباه العدالة ويخالف مفهوم الدولة القانونية ، ومن ناحية ثالثة فإن رصد هذا الجزاء لكل من عمل بأي من تلك المنصب دون أن يكون مقرراً قانوناً ومسبقاً أن شغل هذه المناصب يشكل إثماً جنائياً أو إدارياً أو مدنياً يستأهل العقاب يعتبر تجريماً لفعل بغير نص تشريعي وتوقيعاً لعقوبة بأثر رجعي، هذا فضلاً عن أن توقيع هذا الجزاء يتعين أن يكون بحكم قضائي وكل ذلك تطبيقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات . وانتهى التقرير " بخصوص هذا الطلب " ان طلب المدعي الماثل مخالفاً لأحكام الدستور والقانون ، والحقوق الطبيعية ، والحريات الشخصية التي كفلتها سائر المواثيق والوثائق الدولية والوطنية على السواء ، ومبادئ المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص التي تقوم عليها الدولة الحديثة ، ومنتهكاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الأمر الذي لا يقع معه أي إلتزام على جهة الإدارة باتخاذ قرار بحظر ومنع أعضاء الحزب الوطني المشار إليهم من الترشح في الإنتخابات ؛ ومن ثم ينتفى وجود الإمتناع الذى يصلح أن يكون قراراً إدارياً سلبياً يقبل الطعن عليه أمام هذه المحكمة ؛ الأمر الذى يصبح معه الطلب الماثلة فاقداً لركن المحل ، ويتعين - من ثم – التقرير بعدم قبوله لإنتفاء القرار الإدارى السلبي. أما بالنسبة لطلب حل المجالس القومية المتخصصة ، فقد اسست الهيئة تقريرها على ان المادة (164) من الدستور المصري الملغي الصادر عام 1971 والواردة في الباب الخامس الخاص بنظام الحكم في الفصل الثالث منه والمعنون السلطة التنفيذية والمقسم إلى عدة فروع الفرع الرابع منها هو المجالس الشعبية المتخصصة كانت تنص على أن " تنشأ مجالس متخصصة على المستوى القومى تعاون فى رسم السياسة العامة للدولة فى جميع مجالات النشاط القومى، وتكون هذه المجالس تابعة لرئيس الجمهورية، ويحدد تشكيل كل منها واختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية ". وبناء على ذلك أصدر رئيس الجمهورية عدة قرارات بإنشاء وتنظيم المجالس القومية المتخصصة أولها القرار رقم 2418 لسنة 1971 ، ثم صدر القرار رقم 615 لسنة 1974 ، وأخيراً القرار رقم 4 لسنة 1996 والذي نصت مادته الأولى على أن " تتبع المجالس القومية المتخصصة رئيس الجمهورية مباشرة ، وتتولى المعاونة في رسم السياسة العامة للدولة في جميع مجالات النشاط القومي ، وفي وضع الخطط المستقرة طويلة المدى عن طريق حصر الإمكانيات الذاتية وإستغلال الطاقات المتاحة بالدولة وترشيدها ، لتحقيق الأهداف القومية في كافة مجالات العمل الوطني ". وضاف التقرير ان دستور 2012 المعطل جاء خالياً من النص على المجالس القومية المتخصصة سواء بإعتبارها جزء من السلطة التنفيذية كما هو الحال بالنسبة لدستور 1971 أو باعتبارها جهازاً استرشادياً للحكومة. وذكرت الهيئة أن الدولة القانونية هي التي تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها وأيا كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلوها، وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، وأضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترناً بمبدأ مشروعية السلطة ، ويأتي على رأس هذه القواعد القانونية الدستور بإعتباره هو الذي ينشأ سلطات الدولة المختلفة وهو الذي يحدد اختصاصاتها وكذلك طبيعة العلاقة بين كل سلطة والسلطات الأخرى في الدولة، وهو ما يُعرف في فقه القانون الدستوري بمبدأ سمو الدستور، فوثيقة الدستور تحدد لأشكال متعددة من العلائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية مقوماتها ، ولحقوق المواطنين وحرياتهم تلك الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، ومن ثم فلا يمكن أن تكون النصوص الدستورية مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما هي قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها، ويجب أن يعلو الدستور ولا يعلى عليه وأن يسمو ولا يسمى عليه وانتهت الهيئة إلى أنه ولما كان الثابت أن دستور مصر الملغي الصادر عام 1971 كان يتضمن النص في مادته رقم (164) على اعتبار المجالس القومية المتخصصة جزء من السلطة التنفيذية وأفرد لها فرع ضمن فروع هذه السلطة بالتوازي مع رئيس الدولة والحكومة والمجالس المحلية ، وبناء على ذلك صدرت قرارات رئيس الجمهورية بتنظيمها وتشكيلها ، إلى أن سقط دستور 1971 بقيام ثورة 25 يناير 2011 وصدر الإعلانين الدستوريين المؤرخين 13/2/2011 ، 30/3/2011 المشار إليهما فلم يتضمنا النص على هذه المجالس ، ثم جاء دستور 2012 المعطل خالياً أيضاً من النص على المجالس القومية المتخصصة سواء بإعتبارها جزء من السلطة التنفيذية كما هو الحال بالنسبة لدستور 1971 أو باعتبارها جهازاً استرشادياً للحكومة ، بل تضمنت المسودة الأولى لمشروع هذا الدستور النص في المادة (231) على أن " تلغى المجالس القومية المتخصصة ، وتؤول موجوداتها إلى المجلس الإقتصادي والإجتماعي ، وينقل إليه العاملون بالجهاز الإداري لهذه المجالس بذات أوضاعهم الوظيفية " وهذا النص وإن لم يظهر في المسودة النهائية التي استفتي عليها والتي أصبحت الدستور فيما بعد ، إلا إنه ينبئ بجلاء عن إتجاه المشرع الدستوري إلى إلغاء هذه المجالس بإعتبار أن الدستور وهو القانون الأسمى في الدولة وهو الذي ينشأ سلطات الدولة وهو الذي يحدد اختصاصاتها ، ومن ثم فإن مصلحة المدعي في الطلب الماثل تكون قد زالت أثناء نظر الدعوى ، الأمر الذي يتعين معه التقرير بعدم قبول الدعوى لزوال المصلحة فيها .