القاهرة من عبد الغني محمد تبدو القمامة وفق نظر البعض عبئا لا قيمة لها في الشوارع المصرية، غير أن شابتين تقطنان القاهرة كانتا لهما رؤية مختلفة منذ نحو عامين، عبر تحويل الأكياس المستخرجة منها إلى حقائب تتماشي مع الموضة يقتنيها الأغنياء، في مشروع يستهدف بجانب الربح خدمة المجتمع ودعم الفقراء. وولدت فكرة المشروع في آخر سنوات الدراسة بكلية للفنون التطبيقية بالقاهرة، حيث كانت الطالبتان يارا ياسين، ورانيا رفيع مكلفتين بعمل مشروع تخرج، وتوصلتا لاختيار فكرة عن إعادة تدوير بعض منتجات القمامة، إلا أنهما بعد البحث والإطلاع على تجارب مماثلة في بعض البلدان الأوروبية وجنوب إفريقيا، استقرتا على عمل مشروع استخلاص منتج من المخلفات. وتقول يارا ياسين (26عاما) إن الأمر حسم لاختيار الأكياس البلاستيكية في عمل حقائب للسيدات، على اختلاف أنواعها، لما تمثله الحقيبة من أهمية لكل النساء على اختلاف طبقتهن الاجتماعية، ومن ثم بدأنا التنفيذ. و"لاقت الفكرة في الجامعة استحسان كل من شاهدها"، هكذا تصف يارا لاللحظات الأولى لمشروعهما، ما دفعهما إلى التفكير في تحويل مشروعهما لمؤسسة ربحية. وفي 2014، تقدمت صاحبتا المشروع القائم على إعادة تدوير أحد منتجات القمامة بالضغط، للحصول على دورة تأهيلية بإحدى المؤسسات الأهلية الألمانية، وسافرتا في المنحة وحصلتا على بعض الدعم المعنوي والمادي، مما جعلهما تعودان بأفكار أكثر قابلية للتنفيذ. كان الهدف الأول لمشروع المصريتين هو خدمة المجتمع ومكافحة ظاهرة القمامة التي تؤرق سكان القاهرة البالغ عددهم قرابة 22 مليون نسمة، ومؤخرا بات التفكير في مشروع ربحي وخدمي في ذات الوقت، كما تقول يارا. وفي أغسطس/ أب عام 2015، كانت أولى منتجات الحقائب البلاستيكية المصنوعة من القمامة جاهزة للعرض، بعدما مرت برحلة طويلة من العمل، تبدأ بالنزول لمصانع تدوير القمامة، أو أماكن تجميعها بحي "الزبالين" (متعهدي جمع القمامة) بمنشأة ناصر جنوبي القاهرة، وهو حي يعمل قسم من سكانه بفصل المخلفات وإعادة ترتيبها بعد جمعها. وتقوم يارا ورانيا، بعمل جولة كل عدة أيام على بعض المناطق بالحي، للحصول على المواد الخام، ومؤخرا اتفقتا مع جمعية أهلية هناك تعمل على دعم النساء العاملات في القمامة ومحاربة الأمراض المنتشرة بالمنطقة، على توفير المنتج، بعد تعليم النسوة كيفية استخلاص الأكياس المطلوبة وتنقيتها وتجهيزها للدخول ضمن المشروع مقابل مبلغ نقدي يدفع للجمعية شهريا. وتحتاج كل حقيبة من منتجات هذا المشروع الذي يعرف تجاريا باسم "أب فيوز′′ إلى حوالي 30 كيسًا بلاستيكيا، ويدخل معها مشتقات أخري صديقة للبيئة، كالقطن المصري وبعض خامات الجلود الصناعية. وتقول يارا إن المشروع يعمل به حوالي 22 فردًا ما بين رجل وامرأة، حتى أن كل مستلزمات المنتج يتم عملها في إحدى ورش المشروع المصري ولا يلجأن لبعض المصانع إلا في أضيق الحدود توفيرا للنفقات. جزء من عوائد المشروع يدخل ضمن المساهمة في تعليم بعض الطلاب ومحو أميتهم، بسبب انتشار التسرب من التعليم في منطقة منشأة ناصر، وبحسب يارا فإن ذلك هو الهدف الأسمى لمشروعهما. وتتطرق يارا لواقع بعض السيدات العاملات في فصل القمامة بحي "الزبالين"، وعدم وعيهن بمخاطر عملهن حتى أنهن لا يرتدين قفازات في أيديهن أثناء العمل، ويستقبلن النصائح في هذا الشأن بتهكم، إضافة للعمل في مخالفات في غاية الخطورة، كتلك الواردة من المستشفيات. وتطمح الفتاة العشرينية بعمل مؤسسة تنموية لتوعية هؤلاء النسوة بمخاطر عملهن وكيفية تفادي انتشار الأمراض الخطرة بينهن. وبعد نحو عامين من الانطلاق الفعلي للمشروع وصلت منتجاته – بحسب يارا- ليس فقط لأحياء راقية بالقاهرة، بل أيضا لبعض المحال بدولة الإمارات العربية، والكويت، وألمانيا، والسعودية، والولايات المتحدةالأمريكية، ويتم تسويقها عبر الإنترنت من خلال موقع خاص بالمشروع، وبعض صفحات التواصل الاجتماعي. لكن منتجات ذلك المشروع المستمر منذ عامين ربما لا تكون في متناول يد الجميع رغم تصنيعها من أكياس القمامة، فيبلغ سعر الحقائب من 50 إلى 400 جنيه بمصر (3 دولارات أمريكية إلى نحو 25 دولارا) ، وفي الخارج من 6 إلى 70 دولارا، لذا فهي مرتفعة السعر إلى حد ما كما تقول ياسمين الدسوقي، وهي مصورة اشترت بعض من منتجات المشروع. وتضيف ياسمين أن منتجات هذا المشروع جيدة جدا، وتتماشى مع أهم صيحات الموضة، لما في تصميمها من إبداع واختلاف، كما أنها ملفتة جدا، لكنها غالية جدا وليست في متناول الفقراء. وتعود يارا للحديث مرة ثانية قائلة إن فكرة تدوير المخلفات مكلفة جدا، خصوصا وهم لا يتلقون دعما من قبل الحكومة المصرية كمشروع تنموي، ولا يجدون رعاية مناسبة لفكرتهم، ويقوم العمل على الجهود الذاتية فقط، لذا هم يستهدفون الطبقة الغنية بمنتجهم حاليا. وتضيف أن تفهم المجتمع ككل لشراء حقيبة مصنوعة من القمامة يحتاج لوقت ومزيد من الوعي، لأن فكرة تدوير المخلفات ليست موجودة بمصر بشكل واسع ولا أحد يعرفها. وتطمح يارا وصديقتها إلى أن يتحول مشروعهما لمؤسسة كبيرة، يكون لها أفرع كثيرة داخل مصر وخارجها، ويدخل الجزء الأكبر من عوائدها في تنمية المجتمع ومساعدة الفقراء. ومؤخرا أقدمت الحكومة المصرية على افتتاح منافذ لشراء القمامة من المواطنين بحي مصر الجديدة شرق القاهرة، وبدأ منفذان فعليا في شراء علب المشروبات الغازية، والعبوات الزجاجية وأنواع من البلاستيك والورق، من الجمهور بمقابل مادي. عن ذلك تقول يارا، إنه أمر جيد، لكن يجب الانتباه إلى أن ذلك من الوارد أن يؤثر على العاملين في مجال جمع القمامة لذا يجب الاستعانة بهم في هذا الأمر. وتصف يارا أوضاع العاملين في جمع القمامة بالصعبة، فالمهنة يسيطر عليها بحسبها بعض كبار رجال الأعمال بينما صغار "الزبالين" يعانون الفقر والمرض. ومؤخرا دعت نقابة متعهدي جمع القمامة (الزبالين) في مصر، لتنظيم إضراب جزئي عن العمل بخمس أحياء شرقي العاصمة اعتراضا على وجود أكشاك لجمع القمامة وهو ما سيؤثر على عملهم بحسب تصريحات صحفية لنقيب الزبالين، شحاته المقدس. وتنتج القاهرة وحدها حوالي 2.7 مليون طن من القمامة سنويا من أصل 12مليون طن من عموم البلاد، بحسب تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات (حكومي)، صادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ويعمل في جمع القمامة 3 ملايين عامل، بحسب نقيب الزبالين.(الأناضول)