تعد عزبة العرب الصغرى وعزبة العرب الكبرى مثالاً نموذجياً على المأساة المستمرة التي يعايش فصولها فلاحى الإصلاح الزراعي في مصر منذ السبعينيات من القرن الماضي.. وبمكن تلخيص فصول تلك المأساة كالتالي من خلال سرد ما تتعرض له عزبة العرب الصغرى والكبرى من مخططات لإزالتها من الوجود وإحلال المجمعات السكنية الفاخرة (الكومباوند) محلها : فتقع عزبة العرب الصغرى والكبرى بمحاذاة أسوار "قصر المنتزة"الذي كان مملوكاً لأسرة محمد على التي حكمت مصر قبل ثورة يوليو 1952 وقد خضعت عزبة العرب كباقي القرى المجاورة لها لنظام"الوقف" المستمد أساساً من تشريعات الإمبراطوريات الإسلامية المتعاقبة لاسيما الإمبراطورية العثمانية ,إلا إن تلك القرى خضعت لنظام "الوقف الأهلي" والذي كان من خلاله يخصص إيراد الوقف لعائلة معينة وليس لعمارة المساجد,وقد كانت عزبة العرب ضمن وقف"الخديوي إسماعيل" الذي حكم مصر في القرن التاسع عشر, وقد خضع فلاحى تلك القرى لنظام يشبه الإقطاع إذ كان ناتج ما يزرعونه يذهب لأسرة الخديوي إسماعيل ولا يحصل الفلاح إلا على ما يسد رمقه بالكاد. ومع قيام ثورة يوليو 1952 وصدور تشريعات الإصلاح الزراعي وإلغاء نظام الوقف الأهلي أصبحت أراضى عزبة العرب مملوكة لهيئة الإصلاح الزراعي بموجب قرارات استيلاء مرفق بها خرائط مساحية قديمة للمنطقة ,وتم توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين بحيث يلتزم الفلاح بسداد قيمة إيجارية معينة كل سنة .وفي عام 1973 أصدر أنور السادات قراراً بعودة نظام الوقف وذلك من خلال إنشاء "هيئة الأوقاف المصرية" وبرغم أن القرار الجمهوري الذي أعاد هيئة الأوقاف إلى الوجود قد جعل من الأوقاف مجرد جهة إدارة وتحصيل إيجارات الأراضي من فلاحي عزبة العرب وليست مالكة لها إلا أن وزارة الأوقاف قامت متعمدة بإخفاء الأوراق والخرائط المساحية التي استلمتها من هيئة الإصلاح الزراعي عامدة متعمدة كتمهيد لطرد الفلاحين . وعندما صدرالقانون رقم 3 لسنة 1986 الذي تتعمد وزارة الأوقاف المصرية تجاهله وترفض تنفيذه والذي ينص على أحقية فلاحي الإصلاح الزراعي الحائزين للأراضي الزراعية في ملكيتها بعد سداد قيمة الأرض ,وقد ألغى هذا القانون كل قانون سابق عليه يتعارض مع أحكامه أي أنه ألغى ما قد يتعارض معه من القرار الجمهوري الصادر سنة 1973 والذي أعاد هيئة الأوقاف المصرية للوجود,وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت وزارة الأوقاف في إصدار نماذج عقود إيجار موحدة مع الفلاحين (عقود إذعان) وكأنها تملك الأرض مع أن الجهة التي تملك الأرض هي هيئة الإصلاح الزراعي وليست وزارة الأوقاف وبالتالي لا يجوز بيعها سوى لحائزيها من الفلاحين وذلك من خلال هيئة الإصلاح الزراعي بينما تصر وزارة الأوقاف على التصرف كجهة مالكة للأرض تمهيداً لبيعها للمستثمرين .وعندما صدر قانون الإيجارات الزراعية الصادر سنة 1992والذى يعد ضربة أخرى تلقاها صغار الفلاحين في مصر خلال السنوات الماضية ,إذ حدد هذا القانون مدة عقد إيجار الأرض الزراعية لمدة عام واحد يجوز بعدها لمالك الأرض أن ينهى العقد مع الفلاح المستأجر ,مما رفع من قيمة إيجار الأرض الزراعية وأثر على مورد رزق ملايين الفلاحين في مصر ,وفى عزبة العرب فإن وزارة الأوقاف تتصرف كجهة مالكة للأرض وتتعامل مع الفلاحين كمستأجرين وبالتالي فإنها لا تكف عن توجيه إنذارات قضائية بالطرد لفلاحي عزبة العرب وكافة فلاحي مثلث الريف بمجرد انتهاء مدة العقد تمهيداً لإخلائها وبيعها للمستثمرين لاسيما مع ارتفاع أسعار الأراضي نتيجة لوقوعها ضمن خطة لبناء مجمعات سكنية فاخرة بنظام الكومباوند وتصر وزارة الأوقاف على الانحياز لمصالح كبار المستثمرين العقاريين على حساب الفلاحين وعلى حساب أمن مصر الغذائي إذ تشتهر تلك المنطقة بإنتاج الفاكهة, حيث تبلغ مساحة المنطقة 314 فدان أي ما يوازى 131880متر مربع ويصل سعر وتتراوح التقديرات المتعلقة بسعر المتر بين 12000جنيه مصري(2400 دولار) و 30000جنيه مصري(6000 دولار) وحاولت وزارة الأوقاف بيع الأرض لكبار المستثمرين العقاريين بالمخالفة للقانون مراراً وتكراراً ,كانت أولى هذه المحاولات منذ عدة أشهر بتوقيع بروتوكول تعاون بين مديرية الأوقاف بالإسكندرية ومحافظة الإسكندرية وقد كان هذا البروتوكول أشبه بعقود المقاولات لا باتفاق بين جهتين حكوميتين تقوم من خلالها المحافظة بواسطة الذراع الأمني بإزالة ما يسمى "بالتعديات" مقابل حصولها على 100 فدان بينما تحصل وزارة الأوقاف على 200 فدان ,وقد بدأت الخطة من خلال قيام شركات أمن خاصة بإقامة أكشاك حراسة علي مداخل عزبة العرب بحيث تسيطر على حركة الدخول والخروج بطريقة تشبه الحواجز العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية إلا أن الأهالي حطموا تلك الأكشاك في دقائق وفشلت الخطة ,ولم تكتف وزارة الأوقاف بتلك المحاولة فطرحت أول دفعة من أراضى عزبة العرب الصغرى والكبرى للبيع بالمزاد العلني يومي 18و19 يوليو الماضي إلا أن فلاحي عزبة العرب الصغرى والكبرى نظموا مظاهرتين خلال يومي المزاد مما أثار القلق لدى المشترين الذين أصروا على عدم الشراء إلا في حالة خلو الأرض من الفلاحين ,مما حدا بوزارة الأوقاف للبدء في هدم بعض المنازل على أطراف العزبة خوفاً من بطش الفلاحين وفى أوقات يتوجه خلالها الرجال للعمل . وتعانى عزبة العرب الكبرى والصغرى كباقي قرى الإصلاح الزراعي بمثلث ريف المنتزة والقرى الأخرى بخط الطابية لمسلسل تهجير منظم وذلك من خلال تحويل حياة الأهالي لجحيم يومي من خلال: تعطيش الأرض بواسطة فرض نظام الري بالمناوبة بحيث تصل مياه الري لقطع الأرض الواحدة مرة كل ثلاث أسابيع مثلاً مما يؤدى لتعطيش الأرض,بالإضافة لتبوير الأرض من خلال سند قنوات الصرف الزراعي بحيث ترتد مياه الصرف الملوثة وشديدة الملوحة فتغرق الأرض وتلوثها وترفع نسبة الأملاح بها فتجعلها غير صالحة للزراعة . بالإضافة لقيام وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة الكهرباء بمنع مد خطوط الكهرباء للقرية بحيث يضطر الفلاحين لتوفير احتياجاتهم من الكهرباء بصورة غير شرعية مما يعرضهم لغرامات طائلة تدفع شهرياً