شهدت الاحتجاجات الأخيرة في مصر والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 840 قتيلاً خلال استخدام قوات الأمن القوة المفرطة في مسعى منها إلى تفريق المحتجين ، وقمع الاحتجاجات ضد الرئيس السابق حسني مبارك ، وبما يفضح مدى الاستهتار الصارخ بالحياة ، فالعديد من المحتجين فارقوا الحياة نتيجة إصابتهم بطلقات في القسم العلوي من أجسامهم ، بما في ذلك رؤوسهم و صدورهم ، ما يشير إلى تعمد قتل محتجين لم يشكلوا أبداً أي تهديد لهم ، أو يشير في أحسن الأحوال إلى استخدام متهور لامسؤول للأسلحة النارية . وإضافة إلى ذلك جرح ما يربو على 6000 مصري في الاحتجاجات ، وبعض هؤلاء أصيب بعاهة دائمة ، وأكد على ذلك منسق المستشفى الميداني في ميدان التحرير وأفاد بأنه عالج نحو 300 حالة لأشخاص أصيبوا بطلقات بنادق الخرطوش إصابة مباشرة في العيون أدت إلى فقدانهم البصر. ومن المؤسف غض النظر عن ضحايا الإصابات الخطيرة ، ولا سيما تسديد نفقات علاجهم ، خاصة وأن مسئولين حكوميين قالوا إنهم ينظرون في سبل مساعدة المحتجين الجرحى ، إلا أنه لم تتخذ أي تدابير في هذا الاتجاه. وكذلك الحالات الفردية للاعتقال التعسفي والتعذيب و غيره من صنوف المعاملة السيئة ، على أيدي العسكريين ، من حالات ضرب بالعصي و بالسياط وصعق بالكهرباء ، فيجب أن يتلقى ضحايا التعذيب تعويضاً كافياً ، ويتعين على السلطات أن تعلن التزاماً صريحاً باستئصال شأفة التعذيب. وقد حوكم العديد ممن اعتقلوا على خلفية الاضطرابات أمام محاكم عسكرية ، رغم كونهم مدنيين ، ومحاكمات المدنيين من قبل محاكم عسكرية تعتبر انتهاك للمقتضيات الأساسية للإجراءات الواجبة للمحاكمة العادلة وبينما بدأت السلطات بمحاسبة بعض الأشخاص المتهمين بالمسؤولية عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ، ما برح العديد من ضحايا وحشية قوات الأمن معرضين لخطر الاستثناء من الجهود التي تبذل للتعامل مع إرث أعمال العنف. إن محاكمة شخصيات بارزة من كبار الموظفين الذين يشتبه في أنهم كانوا مسئولين عن استخدام مفزع للقوة المفرطة ضد المحتجين السلميين خطوة أولى لا غنى عنها ، ولكن استجابة السلطات للضحايا يجب أن تذهب إلى أبعد من هذا بكثير فجميع ضحايا القمع العنيف الذي رافق الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة تستحق ضمان العدالة وعائلات من قتلوا، وكذلك من لحقت بهم إصابات خطيرة أو تعرضوا للاعتقال التعسفي أو التعذيب ، ينتظرون من السلطات أن تدرج احتياجاتهم ضمن سلم أولوياتها ، وهذا يعني إبلاغهم بحقيقة ما حدث ، وتقديم التعويض المناسب لهم ، وضمان تقديم جميع المسئولين عن محنتهم إلى ساحة العدالة ومستوى التعويض المالي المقدم للضحايا ينبغي أن يأخذ في الحسبان ظروف كل حالة على حدة ، بما في ذلك مدى جسامة الانتهاك والضرر الذي لحق بالضحية. إن مئات عديدة ممن عانوا انتهاكات فظيعة خلال هذه الفترة ما برحوا ينتظرون إقامة العدالة عما لحق بهم من جور ، وهذا يشمل أسر السجناء الذين قتلوا ظلماً ، ومن لحقت بهم إصابات خطيرة أثناء الاحتجاجات ، والمعتقلين الذين أخضعوا للتعذيب ، وضحايا القوة المفرطة التي استخدمتها قوات الأمن في مناطق لم تصلها تحقيقات اللجنة الحكومية. و أمام السلطات المصرية الكثير مما ينبغي أن تفعله لإعادة بناء ثقة الجمهور بالمؤسسات العامة ، التي رأت فيها أدوات للقمع وعقبات أمام إقامة العدالة ، ويتعين عليها البدء بإعادة نظر كاملة بالقوانين التي سمحت لهذه الانتهاكات بأن تقع ، وباتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أن لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات في يوم من الأيام