نابلس من لبابة ذوقان على عكس طبيعة البشر الذين يفضلون البقاء في عمر الشباب، ينتظر فلسطينيون من الضفة الغربية مرور أعوام عمرهم لتصل الأربعين، ليصبحوا ممن تسمح لهم إسرائيل بزيارة القدسالشرقية، والصلاة بالأقصى، خلال شهر رمضان، بدون الحصول على تصريح مسبق. ومنذ مطلع شهر رمضان، سمحت الشرطة الإسرائيلية للفلسطينيين الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 40 عاماً، وجميع النساء من سكان الضفة الغربية، بالوصول إلى القدس، أيام الجمعة، دون الحاجة للحصول على تصاريح إسرائيلية. عبد السلام عواد، من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، تمكن، هذا العام، من زيارة الأقصى بعد أن أتم الأربعين عاماً من عمره، وذلك لأول مرة بعد 12 عاماً من الغياب القسري، بفعل التشديدات الإسرائيلية. يقول عواد: "لم أتمالك نفسي عندما وطأت قدامي عتبات الأقصى، بعد أكثر من 12 عاماً من الحرمان من زيارته، دمعت عيناي، وسجدت لله شكرا، أن مكنني من الصلاة فيه من جديد". ويضيف في حديثه للأناضول: "عند دخولي ساحات المسجد، شعرت أن كل حجر، وزاوية، وقُبة فيه تنظر إلينا نحن أهل الضفة، بنظرة حزن وعتاب، وكأنها تقول لا تتركوني وحدي، مسجدكم يتعرض للتهويد". ويصف عواد مشاعر من كان يرافقهم في رحلة الصلاة للأقصى، بقوله :" الفرحة كانت ترتسم على وجوه الناس، سعادتهم لا توصف، لأنهم تمكنوا من زيارة مسجدهم، كلهم يحمدون الله أن مكّنهم من الوصول إلى هذا المكان، ويتعاهدون على زيارته كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً". وعلى الرغم من إعلان الجانب الإسرائيلي، السماح لمن يتجاوزون الأربعين من دخول مدينة القدس، والصلاة بالأقصى، إلا أن تشديداته الأمنية التي يفرضها في محيط المدينة، تطال العديد من هؤلاء، وتحول دون عبورهم. وعن هذا الوضع، يذكر عواد أنه تمكن من دخول القدس في الجمعة الأولى من رمضان ،عندما كان ضمن مجموعة مكونة من عشرة أشخاص، تتجاوز أعمارهم الأربعين والخمسين عاماً، حيث سمح له ولشخص آخر بالعبور فقط، فيما مُنع ثمانية من الدخول، بحجة وجود منع أمني عليهم من الوصول للقدس. رائحة الماضي، وآثار من بنوا أسواق القدس وبيوتها، وعبق التاريخ الذي يفوح من كل سلعة معروضة بأسواق البلدة القديمة بالمدينة، تروي ظمأ أهالي الضفة الذين يتوافدون للأقصى في شهر الصيام، ويحرصون على التبضع من أسواقها، ويتبادلون أطراف الحديث مع تجارها. محمد سليمان (40 عاماً) من مخيم عسكر، بمدينة نابلس، انتظر شهر رمضان هذا العام، بكل شوق، فهي المرة الأولى التي سيتمكن من دخول الأقصى بعد أكثر من 15 عاماً على انقطاعه عنها، بسبب التشديدات الإسرائيلية. يقول سليمان للأناضول:"عندما أتممت الأربعين عاماً قبل عدة أشهر، كان الشيء الوحيد الذي يخطر ببالي هو أني سأتمكن من زيارة الأقصى في رمضان، والصلاة فيه، والتجول في أسواق البلدة القديمة التي يحكي كل حجر فيها قصص الماضي، وعذابات الحاضر الذي تواجهه القدس بفعل الاحتلال الإسرائيلي". ويضيف: "في الجمعة الأولى لرمضان كنت على موعد مع الزيارة الأولى للأقصى، وكأن الأرض كانت تطوى من تحت أقدامنا ونحن نسير نحو القدس، مشاعر لا توصف لدى وصولي لباب العامود، ومروري بأسواق البلدة القديمة، أعادت لي ذكريات الماضي". ويحرص أهالي الضفة على التبضع من أسواق القدس بسلع وحلويات طالما ارتبطت نكهتها بعراقة القدس، وعن ذلك يقول عبد السلام عواد: "قد لا يكون هناك فرق بمذاق حلوى القدس وأية مدينة أخرى، لكن ما يميز حلوى القدس وبضائعها، هو ارتباطها التاريخي بالمكان، ونكهة الماضي، وأصالته التي تنعكس على كل شيء فيها حتى بمذاق الخبز أو الحلوى". ولطبيعة الشروط التي تضعها إسرائيل، والتي تحرم الآلاف ممن تقل أعمارهم عن الأربعين عاماً من دخول القدس، يسلك الكثير من الفلسطينيين الذين لا يتمكنون من الحصول على التصاريح، طرقاً التفافية، ووعرة قد تلحق بهم الأذى، بغية الصلاة في الأقصى، حيث يضطرون لتسلق الجدار الفاصل، ويقفزون من ارتفاعات عالية. وداخل ساحات المسجد الأقصى، يرى المصلون عدداً من الشبان ممن كُسرت أطرافهم من شبان الضفة الغربية، وهم في طريقهم للقدس عبر التهريب. هذا الحماس، والتعبير عن المشاعر القوية بزيارة الأقصى، يكتمها الشاب براء غسان (20 عاماً)، الذي يتحدث عن "الغصة" التي يعيشها في كل رمضان، لعدم السماح لمن هم في جيله من زيارة المسجد والصلاة فيه. ويقول براء للأناضول: "في كل عام تكون أمنيتي أن أذهب وأصدقائي للمسجد الأقصى والصلاة فيه، إلا أن إجراءات الاحتلال وشروطه تحول دون ذلك، وهذا يشكل حالة من القهر داخل نفسي، فالصلاة بالأقصى أمنية أعيشها يومياً". ورغم هذه الشروط والتعقيدات، إلا أن براء وعدداً من رفاقه عازمون هذا العام على خوض مغامرة الوصول للأقصى بأية وسيلة يمكن أن تتاح لهم، كما يقول. تلك الروح التي تربط الفلسطينيين بالمسجد الأقصى تنبع من كونه هو ركن أساسي مقدس يمثل ارتباطهم بدينهم بشكل قوي، وأرضهم، إضافة إلى أنه جزء من مقاومة الاحتلال.. تلك العوامل الثلاثة التي تدفع الفلسطينيين للذهاب إلى الأقصى، كما يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية (خاصة)، بنابلس، ماهر أبو زنط. ويقول أبو زنط للأناضول: "الرفض والمنع الإسرائيلي، يعطي الفلسطينيين دافعاً أكبر للإصرار على الذهاب والوصول للمسجد الأقصى للصلاة فيه، عدا عن الثواب والأجر الذي يبغي المسلمون الحصول عليه من خلال الصلاة فيه، والذي يدفعهم لتحدي كل التشديدات والعوائق التي تفرضها إسرائيل ". وقدّر عزام الخطيب، مدير عام إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس (تابعة للحكومة الأردنية)، في حديث مع الأناضول، أن 200 ألف من سكان الضفة الغربية شاركوا في صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان في المسجد الأقصى من أصل أكثر من 350 ألفا شاركوا في الصلاة حيث أتى المتبقون من القدسالشرقية، والداخل الفلسطيني. ولا تسمح السلطات الإسرائيلية سوى ل500 من سكان قطاع غزة بالوصول إلى المسجد الأقصى للصلاة أيام الجمعة، في رمضان ، علماً بأنها حرمتهم الجمعة الماضية من الصلاة رداً على قيام مجهولين بإطلاق قذيفة صاروخية من القطاع على جنوبي إسرائيل.(الاناضول)