إن أسوأ ما قد يحدث لأب وأم فى هذه الدنيا هو أن يفقدا أبنهما على حياتهما، وهو فى ريعان شبابه، ربما حزن هذه الدنيا كلها لا يصف ما يشعران به، بل قد يفقدهما الرغبة فى الحياة نفسها، فما معنى الحياة بالنسبة لهما إذا ما فقدا ما يعيشان من أجله. فقد فقدت هذه الأسرة ولدها حسن جمال السيد "24 سنة – عامل بمنطقة الحرفيين"، فى قسم الشرطة على يد زميله فى الحجز، والمحبوس في قضية اتجار بالحبوب المخدرة والهيروين، والذى استطاع، فى غفلة أمنية، أن يدخل سلاح أبيض "مطواة"، ليغدر بضحيته فى منتصف الليل بطريقة وحشية، ربما لا ترتضيها بعض الذئاب لفرائسها، ليستنجد زملاؤه فى الحجز بالأمن لقرابة 5 ساعات، والمجنى عليه غارقا فى دمائه، ولا من مجيب لتلك الاستغاثة، حتى صباح اليوم التالى. ذهبت "بوابة الأهرام" للقاء عائلة المجنى عليه، وإجراء حوار فى أجواء يخيم عليها الحزن مع أفراد عائلته. بدأ الأب جمال السيد حسن، حديثه بصوت متقطع، ووجه يكسوه الحزن على فراق أكبر أولاده، وبنبرة تدل على كم الأسى لفراق أغلى ما يملك فى هذه الدنيا قال: "حسن الله يرحمه ابني البكرى، كان هو سندى فى الدنيا، هو اللى كان شايل همى وهم أمه العيانة وأخواته، وأنا راجل مبيض محارة يوم باشتغل وعشرة لأ، كان هو اللى بيجيب علاج أمه وبيصرف على تعليم أخواته الصغيرين". ويحكى الأب بعدها كيف أن ابنه قتل غدرا على يد مجرمين لا يعرفون معنى الرحمة، فيروى أن ابنه كان محكوما عليه ب3 سنوات، ومحجوز فى قسم السلام فى انتظار ترحيله لسجن طرة، لتنفيذ عقوبة حبسه، الإثنين المقبل، لتقوم مشاجرة بينه و2 من تجار المخدرات والهيروين، قاما خلالها بفصل رقبته عن جسده، باستخدام "مطواة قرن غزال" وطعنه فى عدة أنحاء من جسده باستخدام ملعقة حادة الطرف، وكل هذا حدث داخل حجز قسم الشرطة. ويستكمل الأب حديثه، قائلا: "الحكومة اللى مدخلة الحاجات دي.. 4 ساعات وابنى ميت فى القسم ومحدش عايز ينجده لحد ما هربوه على التلاجة فى مستشفى السلام، والمفروض أن النيابة كانت جت تشوفه فى مكانه". ويتابع، أن أم القاتل أدخلت المطواة للحجز من خلال وضعها فى الأكل، مضيفا: "وتلاقى الأمين قبض عشان يعدى الحاجة دى، والضابط فى القسم قال لنا: هاديكوا عنوان القاتل وخدوا حقكم منه، عشان تبقى مشاجرة وحق ابني يضيع". ربما استجمعت أمه آخر ما تملكه من قوة فى جسدها الضئيل، لتبدأ بكلمات قوية تحارب بها هذا الحزن الذى يملأ وجدانها، وتقاوم بها تلك الدموع التى تتساقط من عينيها شديدة الحمرة، والتى تصف مقدار همها بعد فقدانها ابنها، فتقول: "عايزة أخد حق ابني من الواد اللى قتله ومن المأمور ومن أم القاتل اللى دخلتله المطواة، ومن الأمن اللى سابوها تدخلها، ابنى مات وهو فى حضن الحكومة ولازم حقه يرجع، وهما قالولى إنهم هيشرحوه ويفتحوا بطنه عشان يجيبولى حقه". ثم تتابع الأم، وقد غلب حزنها تلك القوة المصطنعة، ودموعها تفضح ذلك الكم من الحزن والألم والمعاناة، فتقول: "كلمنى فى التليفون قبل الحادثة 3 مرات بيقولى لازم أشوفك، وأما روحتله يوم الحادثة الصبح قال للظابط والنبى خلينى اسلم على أمى عشان هترحل ومش هشوفها تانى خالص، وقعد يحضنى ويبوسنى أنا وأخوه الصغير". وتستكمل الأم حديثها: "هما العيال دول كانوا ضربينه فى كتفه قبلها بيومين، وكنت هروح للمأمور وأقوله يجيبله حقه، لكن حسن قاللى إنهم صالحوه قبل الزيارة، وبلاش يا أمى أنا كلها يومين وماشى، مكانش يعرف أنه هيمشى من الدنيا كلها". ويشرح رجب أبو العلا، أخ القتيل من والدته، حالة أخوه والإصابات التى تلقاها، فيقول: "أخويا مدبوح من "الودن للودن"، كأنهم بيدبحوا خروف، وجسمه كله مليان طعنات فى القلب والبطن، ورجله متشرحة، حتى كتفه قاطعين منه حتة". ويضيف: "زمايله فى السجن قالولنا إن العيال دول كانوا مستقصدينه، وكان كل ما نوديله زيارات كانوا بيأخدوها منه بالعافية، وإحنا هنمشي فى سكة القانون للآخر بس يرب ينصفنا ويجبلنا حقه". أما إسلام نور، ابن أخت المتوفى، فقال إنهم سيحرصون على رجوع حق المتوفى مهما تكلف الأمر، ويوضح أنه حينما ذهبت الأسرة إلى مستشفى السلام لرؤية المتوفى استوقفها الأمن ورفض دخولها، وعند إصرارها على الدخول "شدوا أجزاء أسلحتهم الآلية ووجهوها نحوها".