في فيلم «الست اللي بتتخانق مع الدبان اللي في وشها» – أو هكذا يبدو – قررت منى زكي أن تخوض مغامرة تمثيلية جديدة: معركة وجودية بين الإنسان والحشرة، حيث تصبح الذبابة رمزًا، والوش ساحة صراع، والتمثيل تمرينًا مطولًا على "الانفعال من أجل الانفعال". منى زكي، الممثلة التي نعرف قدرتها على الأداء الطبيعي حين تريد، اختارت هنا طريقًا آخر: طريق التمثيل المشغول بزيادة، حيث كل نفس محسوب، وكل نظرة "مقصودة"، وكل صمت يصرخ: شايفيني؟ أنا بمثّل أهو. أداء يُفسِّر كل شيء... حتى ما لا يحتاج تفسيرًا المشكلة الأساسية ليست في الفكرة، بل في الإصرار على شرحها لنا بالمعلقة. الشخصية لا تعيش... بل تشرح نفسها. الحزن لا يُحَسّ... بل يُقدَّم في نشرة تعليمات. والألم لا يتسرّب... بل يُعلن عن نفسه بمكبر صوت. وكأن منى زكي تخشى أن يفهم المشاهد وحده، فتقرر أن تمسك بيده، وتقول له: خد بالك، أنا دلوقتي متأثرة... لا، استنى، أكتر شوية... كده، شُفت؟ "الست اللي صعب تتقري" ... ولا الفيلم اللي صعب يتشاف؟ الفيلم يقدّم نفسه على أنه عمل "ثقيل"، "نفسي"، "عميق"، لكن الحقيقة أن العمق لا يُقاس بكمية العبوس، ولا بعدد المشاهد التي تنظر فيها البطلة للفراغ كأن الفراغ مدين لها باعتذار. الشخصية "صعبة القراءة" ليس لأنها معقدة، بل لأن السيناريو قرر أن يمنع عنها الحياة الطبيعية، ويجعلها مجرد وعاء لانفعالات متتالية بلا تصاعد حقيقي. حين تصبح الذبابة أكثر حيوية من الأداء الطريف — وربما المؤلم — أن الذبابة (الحقيقية أو المتخيلة) كانت أكثر تلقائية من البطلة. تدخل وتخرج بلا ادّعاء، بينما الأداء الإنساني غارق في وعيه بذاته، مشغول بفكرة "المشهد المهم" أكثر من كونه مشهدًا صادقًا. منى زكي ليست المشكلة... الاختيار هو منى زكي ممثلة موهوبة، وهذا تحديدًا ما يجعل السقوط هنا أكثر وضوحًا. المشكلة ليست في قدرتها، بل في اختيارها لفيلم يخلط بين العمق والادّعاء، وبين النفسية الثقيلة والدراما الحقيقية. الفيلم يريد أن يكون مهمًا، يريد أن يقول شيئًا، لكن في النهاية لا يقول سوى: نقدر نزعّق بهدوء، ونبقى متوترين ساعتين، من غير ما نحكي حكاية. «الست اللي بتتخانق مع دبان وشها» ليس فيلمًا سيئًا بقدر ما هو فيلم مُجهِد، يطلب من المشاهد تعاطفًا لم يبنِ أسبابه، ويطلب من منى زكي أن تحمل العمل وحدها... فحملته زيادة عن اللزوم. والنتيجة؟ ذبابة تطير، وفيلم يظل واقفًا مكانه، وأداء يولّع في نفسه من كتر ما هو واعي