عقد السيد محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، اليوم، سلسلة من اللقاءات الموسعة مع ما يقرب من 4 آلاف من مديري المرحلة الثانوية ومديري المدارس الرسمية والرسمية لغات للمرحلة الثانوية على مستوى الجمهورية، وذلك بالمدينة التعليمية في السادس من أكتوبر، بهدف متابعة تنفيذ السياسات التعليمية ومناقشة آليات الاستعداد للعام الدراسي الجديد ونظام شهادة البكالوريا المصرية..وحول تصريحاته لنظام البكالوريا المصرية .. أثرت عمل دراسة لمضمون تصريحاته وهى كالتالى: أولاً: على مستوى المضمون 1. إصرار الوزير على دمج البكالوريا مع الثانوية العامة: الوزير أوضح أن النظامين واحد تقريبًا مع فارق لا يتجاوز 20% في المواد المتقدمة. هذا التصريح يثير تساؤلات جوهرية: إذا كان الفارق ضئيلًا إلى هذا الحد، فما الداعي إذن لاستحداث مسمى جديد (بكالوريا) وما الجدوى من إدخال المجتمع في دوامة جدل وتخبط؟ 2. مصطلح "المستوى المتقدم": الوزير حاول طمأنة الطلاب بقوله إن المستوى المتقدم لا يعني صعوبة، بل دروس مركزة فقط. لكن هذا الطرح يبدو تبسيطياً ومراوغاً، لأن التجارب السابقة مع مصطلحات مثل "open book" أو "بابل شيت" أثبتت أن الوزارة تقدم الفكرة بصورة وردية بينما التطبيق العملي يكشف صعوبات وتعقيدات لم تكن في الحسبان. 3. فرص الالتحاق بالكليات: حديث الوزير عن "العديد من الكليات المشتركة بين المسارات الأربعة" قد يُفهم على أنه محاولة لتخفيف القلق، لكنه في الوقت نفسه يضع الطلاب أمام حالة من الغموض: هل ستظل كليات القمة خاضعة للتنسيق التقليدي نفسه؟ أم أن هناك مسارات قد تغلق أبوابها أمام بعض الطلاب بحجة "اختلاف التخصص"؟ 4. مخرجات التعلم ثابتة: القول بأن المخرجات واحدة في النظامين يتناقض مع فكرة أن البكالوريا "أفضل" و"أخف في المواد". إما أن يكون النظامان متساويين فعلاً وبالتالي لا جدوى من التغيير، أو أن النظام الجديد مختلف نوعياً وبالتالي فإن المخرجات ليست متماثلة كما يقول الوزير. 5. الاعتراف الدولي: الوزير أعلن أن الشهادة معترف بها دوليًا "مثل الثانوية العامة تمامًا". لكن الحقيقة أن أي شهادة جديدة تحتاج سنوات من التطبيق والاعتماد الدولي قبل أن تحظى باعتراف كامل. التصريح هنا يبدو استباقياً وضاغطاً على الرأي العام أكثر مما هو واقع علمي. ثانيًا: على مستوى الخطاب الوزاري الخطاب اتسم بنبرة طمأنة مبالغ فيها: كل شيء سهل، كل شيء متشابه، لا داعي للقلق. بينما التجربة العملية للتعليم في مصر تقول إن كل تغيير وزاري في المنظومة التعليمية يصاحبه ارتباك، تضارب قرارات، وعدم جاهزية البنية التحتية. الوزير ركز على دعوة أولياء الأمور للاعتماد فقط على المنصات الرسمية، وهو اعتراف ضمني بأن الثقة بين الوزارة والمجتمع ضعيفة وأن سيل الشائعات سببه غياب الشفافية وسوء التواصل المؤسسي. ثالثًا: على مستوى الواقع العملي البنية التحتية: هل المدارس مؤهلة فعلًا لتطبيق "نظام عالمي" مثل البكالوريا في ظل كثافات فصلية تتجاوز 70 طالبًا ونقص المعلمين؟ العدالة الاجتماعية: النظام يبدو مصممًا ليستفيد منه أبناء الطبقات الأكثر قدرة على مواكبة دروس "المستوى المتقدم" عبر الدروس الخصوصية أو المدارس الدولية، مما يعمق الفجوة التعليمية. غياب التجريب التدريجي: بدلاً من تجربة النظام في نطاق محدود ثم التعميم بعد تقييم النتائج، تعلن الوزارة مباشرة عن التطبيق العام، وهو ما قد يكرر سيناريوهات فشل سابقة. الخلاصة النقدية تصريحات الوزير اليوم تحمل قدرًا من التناقض والتهوين أكثر مما تحمل من وضوح وشفافية. فهو من جهة يقول إن النظام الجديد مجرد امتداد للثانوية العامة بفارق طفيف، ومن جهة أخرى يصفه بأنه أفضل، وأخف، ومعترف به دوليًا. وهو يؤكد أن "المستوى المتقدم" ليس أصعب بينما الواقع العملي يؤكد أن أي مسار جديد سيفتح بابًا واسعًا أمام القلق والاستغلال التجاري. بالتالي، فإن جوهر الأزمة ليس في مضمون البكالوريا نفسها بل في الافتقار إلى خطة واضحة للتطبيق، وغياب الثقة المجتمعية في الوزارة نتيجة تراكم تجارب إصلاحية غير مكتملة..والنتيجة كالعادة ؛ انه رمى الكرة فى ملعب مديرى المدارس !!