«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عادل عامر يكتب عن : الأحزاب السياسية في ظل التجربة الناصرية
نشر في الزمان المصري يوم 21 - 07 - 2014

أن الظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت مصر ما قبل ثورة 1952، كانت قد وفرت الشروط الموضوعية للتغيير ، والمتمثلة فى السيطرة المطلقة لتحالف الاستعمار والإقطاع والرأسمالية على الشعب المصري وثرواته ، ولكنها لم تسمح باكتمال نضج شروطه الذاتية متمثله فى ان هذه الظروف لم تسمح للممارسة الديمقراطية بان تتعمق وتنمو إلى الحد الذي تستطيع فيه الجماهير امتلاك المقدرة الشعبية على فرض إرادتها . إن تلك الأسباب التاريخية هي التي تفسر قيام الثورة بتنظيم وتدبير وفعل مجموعة من ضباط القوات المسلحة تحت قيادة عبد الناصر ( تنظيم الضباط الأحرار ) وليس بتنظيم وتدبير وفعل حزب جماهيري . أن ثورة 23 يوليو قامت لتحقيق الأهداف التي ظلت تدعو إليها القوى الوطنية المصرية ،غير أن عجز الثورة عن الالتزام بمضمون محدد لهذه الأهداف، وعجز المثقفين عن توقع مضمون محدد لها إلى خلاف كبير وصل إلى حد المواجهة العدائية بين الثورة وبين كثير من المثقفين والقوى العقائدية ، فى ذات الوقت الذي كانت معارك التحرر الوطني القومي التي قادتها الثورة تسمح بالتقاء قوى مختلفة المنابع الفكرية والاتجاهات السياسية والمصالح الاقتصادية والوعي الفكري إذا التقت في موقف موحد ضد الاستعمار. أن المرحلة التاريخية التي قادها عبد الناصر كانت تتميز أساساً بأنها مرحلة تحرر قومي من الاستعمار. ومنها استمد جمال عبد الناصر أوضح مميزاته . كان فيها قائد معارك التحرر العربي ضد الاستعمار القديم والجديد والاستيطاني و التبعية بكل أنواعها .. ولقد أتى رحيل عبدالناصر والانقضاض على نظامه القائم على الشرعية القومية، يرفع حرجاً عن خطاب الديمقراطية في الفكر القومي، وخصوصاً بعد أن تبين أن الاستبداد لم يتناقص معدلاً بعد خروج النخب القومية من السلطة ومجيء أخرى نقيض لها، مرتبطة الولاءات والسياسات بدول الغرب (الديمقراطية)، وإنما هو تعاظم واستفحل بدرجات مخيفة: ولكن هذه المرة من دون تعويض بمكتسبات وطنية وقومية على نحو ما حصل في العهد القومي للنظام السياسي العربي . وقد صادف هذا التحول الابتدائي في الوعي القومي نحو التفكير الديمقراطي الانتعاش الجديد للثقافة الديمقراطية في العالم، وأثر ذلك في مجتمعات وثقافات خارج النطاق الجغرافي والثقافي الغربي (مجتمعات أمريكا اللاتينية وشرق آسيا والوطن العربي) . وهكذا شهدنا، منذ أواسط السبعينات من القرن العشرين، ازدهاراً لمفاهيم المواطنة، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية، والتداول الديمقراطي، والمجتمع المدني . . في الخطاب السياسي العربي والخطاب القومي منه بخاصة، مقترناً مع ميل صريح إلى تنزيل مسألة الاستبداد منزلة الإشكالية الأساس أو الإشكالية الأولى في التفكير والمناقشة والانتداء والتأليف، وفي صور مختلفة من ذلك التنزيل، تحت عنوان الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو المجتمع المدني، وهو ميل أخذ مداه أكثر منذ النصف الأول من عقد الثمانينات .
درجات تطوره ولذلك سميت هذه المرحلة بالامبريالية كما عرفها لينين بأنها أعلى مرحلة من الرأسمالية حيث يقول
تتميز هذه المرحلة بالتقسيم الدولي للعمل وتصدير رؤوس الأموال والبحث عن أسواق خارجية وبالتالي غزو واستعمار الشعوب والأمم الضعيفة . ولعل التوجه السائد الآن في عصر العولمة هو التوجه النيو ليبرالي من اجل الربح الأقصى وإعادة إنتاجه حيث تصبح القاعدة هي أن المال يولد المال ولاشيء غير المال على حساب حقوق الشعوب والأمم .
جئنا فيما سبق على طبيعة الليبرالية وانعكاساتها الاقتصادية فماهي تأثيراتها السياسية؟
إن ابرز ما في التوجه السياسي للفلسفة الليبرالية هو إعطاء الحريات الأساسية للمواطن والجمعيات والأحزاب كحرية التعبير والصحافة والتنظيم والتظاهر وكل هذه الحريات تسمى في النظام الليبرالي بالحريات الديمقراطية . وهنا لابد من طرح السؤال التالي هل هذه الحريات هي منة من النظام الرأسمالي أم هي شروط يستجيب لها قانون الاستثمار والسوق من اجل مناخ اجتماعي يسود فيه السلم والوفاق الطبقي والاستقرار ؟ من الطبيعي أن يبحث رأس المال عن مناخ ملائم ينتعش فيه وينمو وبالتالي لابد من توفير الظروف السياسية والاجتماعية التي تؤمن الاستقرار وهذا لا يتأتى إلا بتوفير الحريات الديمقراطية . وتأسيسا على ذلك نقول إن الحملة الدعائية التي تروج لها أمريكا والدول الغربية في رفع شعار الديمقراطية هي في النهاية من اجل توفير مناخ للربح الرأسمالي لا أكثر ولا اقل بعيدا عن حالة الفوضى والتوتر الاجتماعي .
وعلى النقيض من ذلك يفهم الفكر الناصري الديمقراطية على أنها انتصار لقوى الشعب العامل المتكونة من عمال وفلاحين ومزارعين صغار وجنود ومثقفين . الديمقراطية في فكر عبد الناصر هي انحياز موضوعي تلقائي لأصحاب المصلحة الحقيقية في المجتمع والأمة في التغيير الاجتماعي التقدمي إلا وهو الشعب .فإذا كانت الديمقراطية في الفكر الليبرالي هي تبرير لواقع الاستغلال الطبقي وتأكيد لطابع الربح الأقصى لفائدة الطبقة البورجوازية وكبار المالكين والفلاحين كما يقول جمال عبد الناصر في خطاب يوم 16سبتمبر 1953 لقد حكمتم زهاء ربع قرن في ظل دستور يضارع أرقى الدساتير وفي برلمانات متعددة جاءت وليدة انتخابات متتالية. حكمتم باسم الديمقراطية ولكنكم باسم الديمقراطية المزيفة لم تنالوا حقوقكم ولم تنالوا استقلالكم. ولم تنعموا يوما واحدا بالحرية والكرامة التي لم يكفلها الدستور في عهودهم إلا لهم من دون الشعب. فخسرتم كل شيء وكسبوا كل شيء حتى ثرتم على هذه الأوضاع فحطمتموها فمن منا يمكن أن يقبل أن تسلم الثورة أمر الشعب باسم الديمقراطية الزائفة باسم الدستور الخلاب وباسم البرلمان المزيف إلى تلك الفئة من المخادعين ؟.ومن هنا نفهم أن الديمقراطية في فكر عبد الناصر هي على طرفي نقيض من الفكر الليبرالي فإذا كانت الديمقراطية في الفكر الليبرالي هي تخدم في الأساس الطبقة البورجوازية وحلفائها وذلك بإيجاد الظروف السياسية والاجتماعية الملائمة لذلك كما سبق ذكره فان الديمقراطية في فكر عبد الناصر هي خدمة قوى الشعب العامل صاحبة المصلحة الحقيقية في الديمقراطية. فليس من قبيل الصدفة أن يقوم عبد الناصر بتحديد الملكية للفلاحين ويسن قوانين لفائدة الفلاحين الصغار تشجعهم على استصلاح الأراضي وملكيتها بعد أن كانوا تحت رحمة الإقطاعيين واستبدادهم .إن هذا التوجه هو الذي يعطي مضمونا اجتماعيا للديمقراطية في فكر عبد الناصر.
إن الاجرآت الثورية التي جاءت في ميثاق 1961 والتي تؤكد وقوف الثورة إلى جانب العمال برفضها القطعي لرأس المال المستغل و بتدعيم الرأس المال الوطني وتذويب الفوارق الاجتماعية خدمة للطبقات الشعبية يدل مرة أخرى على أن الديمقراطية في فكر عبد الناصر محتواها اجتماعي وقاعدتها الجماهير الشعبية وفي هذا الخصوص يقول عبد الناصر أن الديمقراطية هي الحرية السياسية والاشتراكية هي الحرية الاجتماعية ولا يمكن الفصل بين الاثنين . إنهما جناحا الحرية الحقيقية وبدونهما أو بدون أي منهما لا تستطيع الحرية أن تحلق إلى آفاق الغد المرتقب ويؤكد على معنى الديمقراطية فيقول انه لا معنى للديمقراطية السياسية أو للحرية في صورتها السياسية من غير الديمقراطية الاقتصادية أو الحرية في صورتها الاجتماعية.
فإذا كانت الديمقراطية في الفكر الليبرالي تعني تزييف إرادة الشعب عبر شراء الأصوات حيث باستطاعة الطبقات الرجعية المستغلة والمتحكمة في رأس المال استعمال النفوذ المادي والسياسي لجلب الأصوات فان الديمقراطية في فكر عبد الناصر هي تعبير صادق عن ضمير الشعب وترجمة حقيقية لكل طموحاته في التحرر من هيمنة الاقطاع ورأس المال المستغل وفي ا الإطار يقول عبد الناصر أن حق التصويت فقد قيمته حين فقد اتصاله المؤكد بالحق في لقمة العيش .إن حرية التصويت من غير لقمة العيش وضمانها فقدت كل قيمة وأصبحت مضللة للشعب فإذا كانت الديمقراطية في الفكر الليبرالي هي صمام الأمان لرأس المال والإقطاع فان الديمقراطية في فكر عبد الناصر تعني تجسيد فعلي للعدالة الاجتماعية في مضمونها الاشتراكي وبالتالي تامين قوت الشعب وحمايته من الاستغلال الطبقي وتأكيد سيادته الوطنية . فيقول عبد الناصر في هذا الباب أن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية الاجتماعية وان المواطن لا تكون له حرية التصويت في الانتخابات إلا إذا توفرت له ضمانات ثلاثة أن يتحرر الإنسان من الاستغلال في جميع صوره. وان تكون له الفرصة المتكافئة في نصيب عادل من الثروة الوطنية. إن يتخلص من كل قلق يهدد امن المستقبل في حياته. بهذه الضمانات الثلاثة يملك المواطن حريته السياسية ويقدر أن يشارك بصوته في تشكيل سلطة الدولة التي يرتضي حكمها . إن الديمقراطية ليست قالبا محددا، وانما هي معني شامل عميق، وأي نظام من الأنظمة الديمقراطية لابد أن يتصل اتصالا مباشرا بمرحلة التطور الاجتماعي الي العدل. ولو كانت المسألة مسألة الشكل الخارجي فلقد أخذنا في مصر مثلا بنظام الديمقراطية الغربي منذ سنة 1923 في ذلك الوقت كانت هناك انتخابات وكان هناك برلمان وكانت هناك حكومة برلمانية، كانت هناك الديمقراطية التي نص عليها الدستور وكانت هناك المساواة التي تحدث عنها الدستور، وكانت هناك الحريات التي وردت بالدستور وفي مقدمتها حرية الرأي.. لكن تلك كلها نصوص مكتوبة، ذلك أن الاقطاع وسيطرة رأس المال علي الحكم استطاعا أن يمحوا ما جاء في الدستور… كانت لنا إذن في ذلك الوقت تجربة مشابهة في الشكل للديمقراطيات الغربية، ولكن هذه التجربة لم تكن ناجحة لأنها لم تكن تضع السلطة في يد الشعب، وانما كانت في يد الأغلبية: أغلبية تمثلها أحزاب الاقطاعيين وكبار الملاك ويسندها رأس المال الذي كان يريد عن هذا الطريق أن يسيطر علي موارد البلاد، وفي عمليات الانتخاب كان كبار الملاك يجمعون الفلاحين في لوريات تحملهم الي مراكز التصويت ليعطوا أصواتهم لا وفق إرادتهم الحرة، ولكن وفق إرادة هؤلاء الملاك الكبار وكان الذي يجرؤ علي التردد عن اعطاء صوته للمالك الكبير يواجه المصير المظلم ويطرد من قريته بل ومن بيته دون أن تكون له الفرصة للحصول علي عمل أو أية فرصة للحياة.
* ونؤمن الآن أن الديقمراطية هي انعكاس طبيعي للحالة الاجتماعية للشعب. ونحن الآن نريد أن تكون العدالة الاجتماعية ملك كل فرد، نريد أن يكون لهذا الفرد حقه في الحرية ليقول لا أو نعم وفق إرادته ودون أن يساوره الخوف علي رزقه اليومي أو علي عمله في الغد، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نطور ديمقراطيتنا مع تطور العدل الاجتماعي في بلادنا. * نحن نحاول الآن ازالة التناقض بين الطبقات بما يحقق المساواة ليكون لنا في النهاية وطن متحد، لهذا فإن الأحزاب في المستقبل كما أتصورها لن تكون أحزاب الاقطاعيين أو أحزاب الرأسماليين أو أحزاب العمال بل ستوجد أحزاب من نوع جديد أحزاب تسعي الي خلق المجتمع الذي ترفرف عليه الرفاهية وتطويره. *قالوا نريد عودة الديمقراطية بعد شهرين من الثورة، فهل كانت هناك ديمقراطية لتعود، هل يمكن أن نسمي حكومة الاقطاع أو حكومة الطبقة الاقطاعية أو الطبقة الرأسمالية المستقلة ديمقراطية، هل يمكن أن نسمي ملكية 5% من الناس لكل موارد البلاد ديمقراطية، هل يمكن أن نسمي سيادة طبقة قليلة علي الشعب كله تنهب موارده ديمقراطية؟ إن الاسم الوحيد لهذا هو دكتاتورية الاقطاع ورأس المال وهي التي استغلت كل الوسائل كي تبقي الطبقة السائدة، وهل يمكن وجود ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية، هل توجد ديمقراطية مع الظلم الاجتماعي. إن الديمقراطية أساسا هي إقامة عدالة إجتماعية وانصاف الطبقات المظلومة من الطبقة الظالمة، الديمقراطية ألا يكون الحكم احتكارا للاقطاع ورأس المال))) ولأن الشارع العربي بقي في السبعينات ناصريا، فقد تمت مداراته بعد انطفاء عبد الناصر ب «استيلاد» أنظمة سياسية ترفع شعاراته القومية، لكنها عاجزة عن تجاوز قطريتها المحلية الضيقة. وكان نظام البعث العراقي أحد هذه الأنظمة التي ولدت بقدرة قادر في الفترة بين 1968 و1971، وأخفقت في إنجاز أي مشروع وحدوي أو اتحادي. كان فشل المشروع القومي ومراهقته الماركسية في سورية ومصر صدمة محرجة للفكر القومي العربي. لكن مراكز الإشعاع الثقافي في مصر ولبنان ظلت ترفده بإنتاجها المتواصل بعد وفاة عبد الناصر، إلا أن هذا الفكر لم يمارس نقد تجربة النظام القومي الغائب بالعمق الكافي لتطعيم الثقافة القومية بثقافة الحرية والديمقراطية. ظل النقد عاما ومتكلفا وسطحيا، من دون توجيه اصبع الاتهام إلى بؤس الممارسة السياسية للأنظمة القطرية التي ظلت بلا أمل في التغيير، وبلا أمل في تبادل السلطة وتداولها مع القوى السياسية الأخرى عبر الاقتراع الشعبي الحر. بات الفكر القومي من خوف الذل في ذل. تسرب زيف النفاق الثقافي إلى صلب الفكر القومي. راحت المطابع تنتج أدبا قوميا يفلسف عبادة الشخصية، ويسبغ على القادة والزعماء «قداسة» الإلهام في توليد الفلسفات والنظريات. وغدا صدام ابن العشيرة شبه الأمي، وليس عفلق، منظِّراً للحزب القومي. وأصبح رفض «تحرير» العراق ذريعة وحجة لدى مثقفي الزيف القومي للدفاع الحار عن نظام الدفن والقهر الجماعي. راحت مراكز دراسات قومية، وبينها المركز الذي تم إغلاقه في أبو ظبي، تروج وتترجم كتبا صدرت على هامش الفكر الغربي لتقدس نظرية المؤامرة، وتشكك في أن يكون ابن لادن وراء نسف مركزي التجارة. كان كل ذلك تضليلا للحقيقة وللرأي العام العربي، وخدمة لأصولية غيبية مكفرة أصلا للفكر القومي، ولكل ثقافة إنسانية. النظام العربي التقليدي رد على خطأ عبد الناصر الجسيم في محاولة اختراق وتأليب المجتمعات العربية على أنظمتها، رد بالسماح في نشر وتمويل ثقافة الوعظ التلقيني، لتنافس وتزيح جانبا الفكر القومي. وقد تحقق نجاح باهر في هذا المجال، بحيث باتت الأجيال والمجتمعات العربية مسلوبة العقل والقلب، وبحيث راحت ثقافة التكفير تشكل خطرا جسديا على النظام التقليدي ذاته، وفيما كانت الأبواب مشرعة أمام دخول وخروج مؤلفات وتسجيلات «الفكر» الغيبي، بحجة أنها تستند إلى «قداسة» مزعومة لاجتهاد القرون الوسطى المنغلق، كان الكتاب الفكري والعلمي والقومي يسرقه الناشر والموزع وتعرقل وصوله الرقابة الرسمية والدينية. الرياء الأميركي لا يرحم النظام العربي التقليدي. أميركا التي شهرت سيف الجهادية الانتحارية وصليب البابوية الكاثوليكية في مواجهة «الكفر» السوفييتي، هي أميركا التي تحمِّل اليوم المال الخليجي مسؤولية تمويل ابن لادن، فيما تتغاضى عن دور مخابراتها في تجنيد وتدريب وتمويل هذه الجهادية. وكلا الجانبين يحصد اليوم ما زرع. فسيف ابن لادن ينغرز في صميم رموز الازدهار الرأسمالي، وأيضاً في صميم المجتمع العربي الذي آواه ورباه وعلمه وموله. وبعد، هل يمكن الخروج من هذا الضياع الفكري، ومن بؤس الممارسة السياسية؟ هل يمكن للنظام السبعيني والتقليدي العودة إلى استحضار وإنماء الهوية الثقافية العربية، وإنعاش فكرها القومي، دون تبني غلوه الآيديولوجي؟أحسب أن الوقت لم يفت بعد أمام النظام العربي للخروج من مأزقه الراهن، بتأكيد هويته القومية الأصيلة، حتى ولو استحال عليه تبني المشروع القومي في الوحدة. يمكن للإعلام الرسمي بسهولة إشاعة فضائل التواصل والتعاطف بين المجتمعات العربية وإشعارها بأنها تنتمي فقط إلى أمة واحدة، في مواجهة قوى التجزئة والبعثرة، وفي تحدي الرؤى الغربية والإسرائيلية المروجة للمشاريع المتوسطية وشرق الأوسطية، كبديل للهوية التضامنية العربية.
**كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.