طريقة التقديم في معهد معاوني الأمن 2024.. الموعد والشروط اللازمة ومزايا المقبولين    عمرو أديب ل عالم أزهري: هل ينفع نأخد ديننا من إبراهيم عيسى؟    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بتقلص الإمدادات    طقس اليوم.. حار نهارا مائل للبرودة ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 29    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    غرفة صناعة الدواء: نقص الأدوية بالسوق سينتهي خلال 3 أسابيع    شعبة الأدوية: نقص 1000 صنف بالسوق.. وطالبنا بتحريك الأسعار 25%    زاخاروفا ترد على تصريحات سوناك بشأن التصعيد النووي وقطع إمدادات الطاقة    مسؤول أمريكي: بايدن لا يرى أن إسرائيل ستحقق نصرا كاملا بغزة    شولتس يقلل من التوقعات بشأن مؤتمر السلام الأوكراني    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 14-5-2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    بديوي: إنشاء أول مصنع لإنتاج الإيثانول من البجاس صديق للبيئة    لهواة الغوص، سلطنة عمان تدشن متحفًا تحت الماء (فيديو)    عصابة التهريب تقتل شابا بالرصاص أثناء سفره بطريقة غير شرعية    ميتا تعترف باستخدام صور المستخدمين لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي    برج الأسد.. ماذا ينتظر مواليده في حظك اليوم؟ (توقعات الأبراج)    الأوبرا تختتم عروض «الجمال النائم» على المسرح الكبير    وزير الإسكان العماني يلتقى هشام طلعت مصطفى    هل يجوز للزوجة الحج حتى لو زوجها رافض؟ الإفتاء تجيب    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    ارتفاع تكلفة الواردات في كوريا الجنوبية وسط ارتفاع أسعار النفط    جوتيريش يعرب عن حزنه العميق لمقتل موظف أممي بغزة    طريقة عمل عيش الشوفان، في البيت بأقل التكاليف    هيئة الدواء تحذر من منتجات مغشوشة وغير مطابقة: لا تشتروا هذه الأدوية    رئيس شعبة الأدوية: احنا بنخسر في تصنيع الدواء.. والإنتاج قل لهذا السبب    سيات ليون تنطلق بتجهيزات إضافية ومنظومة هجينة جديدة    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    "الناس مرعوبة".. عمرو أديب عن محاولة إعتداء سائق أوبر على سيدة التجمع    في عيد استشهادهم .. تعرف علي سيرة الأم دولاجي وأولادها الأربعة    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    بينهم أطفال.. سقوط 14 شهيدا في مجزرة مخيم النصيرات وسط غزة    تفحم 4 سيارات فى حريق جراج محرم بك وسط الإسكندرية    عاجل.. حسام حسن يفجر مفاجأة ل "الشناوي" ويورط صلاح أمام الجماهير    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    ميدو: هذا الشخص يستطيع حل أزمة الشحات والشيبي    «محبطة وغير مقبولة».. نجم الأهلي السابق ينتقد تصريحات حسام حسن    فريدة سيف النصر تكشف قصة بدلة الرقص وسر طلاقها (فيديو)    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    فريدة سيف النصر: «جوزي خاني مع صاحبتي وتعرضت للإهانة بسبب بدلة رقص» (فيديو)    «يحتاج لجراحة عاجلة».. مدحت شلبي يفجر مفاجأة مدوية بشأن لاعب كبير بالمنتخب والمحترفين    فرج عامر: الحكام تعاني من الضغوط النفسية.. وتصريحات حسام حسن صحيحة    سعر البصل والطماطم والخضروات في الأسواق اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024    عيار 21 يفاجئ الجميع.. انخفاض كبير في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 14 مايو بالصاغة    مقتل وإصابة 10 جنود عراقيين في هجوم لداعش على موقع للجيش    أحمد موسى: مشروع مستقبل مصر سيحقق الاكتفاء الذاتي من السكر    برشلونة يسترد المركز الثاني بالفوز على سوسيداد.. ورقم تاريخي ل تير شتيجن    أول تعليق من " أوبر " على تعدي أحد سائقيها على سيدة بالقاهرة    الحماية القانونية والجنائية للأشخاص "ذوي الهمم"    "يأس".. واشنطن تعلق على تغيير وزير الدفاع الروسي    الحرس الوطني التونسي يحبط 11 عملية اجتياز للحدود البحرية    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: نقوم باختبار البرامج الدراسية التي يحتاجها سوق العمل    وصل ل50 جنيهًا.. نقيب الفلاحين يكشف أسباب ارتفاع أسعار التفاح البلدي    أطفال مستشفى المقاطعة المركزى يستغيثون برئيس الوزراء باستثناء المستشفى من انقطاع الكهرباء    فرنسا: الادعاء يطالب بتوقيع عقوبات بالسجن في حادث سكة حديد مميت عام 2015    «أخي جاوز الظالمون المدى».. غنوا من أجل فلسطين وساندوا القضية    عاجل: مناظرة نارية مرتقبة بين عبدالله رشدي وإسلام البحيري.. موعدها على قناة MBC مصر (فيديو)    إبراهيم عيسى: الدولة بأكملها تتفق على حياة سعيدة للمواطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة التحرش .. وضمير المجتمع
نشر في الزمان المصري يوم 16 - 06 - 2014

ازدادت في الآونة الأخيرة حوادث التحرش في مصر، ووصلت إلى وقوع تحرش بشكل جماعي عدة مرات، وهي ظاهرة جديدة على المجتمع المصري، وتختلف في جوهرها عن حوادث المعاكسات الفردية.
وبات التحرش في مصر مشكلة أمن قومي تهدد سمعه البلاد واستقرارها ما لم تتخذ السلطات و الخبراء و المختصون خطوات حاسمة للحيلولة دون انتشارها و استفحالها بين طبقات المجتمع .
الرئيس عبد الفتاح السيسى اصدرأوامره بمواجهة الظاهرة والتصدي لها ..مهيبا بالمواطنين القيام بدورهم لإعادة إحياء الروح الحقيقية والقيمة الأخلاقية في الشارع المصري.. وذلك إلى جانب جهود الدولة في تنفيذ القانون .
وكانت مصرقد اقرت مؤخرا تعديلا قانونيا يعاقب مرتكب التحرش الجنسي بالسجن ستة أشهر على الأقل أو بغرامة قدرها ثلاثة آلاف جنيه .
وتعد ظاهرة التحرش أمريتنافى مع الأعراف والقيم الأخلاقية والإسلامية وحتى العادات والتقاليد في العالم العربي.
وكان التحرش الجنسي حتى وقت قريب يعتبر من المحرمات التي لا ينبغي التحدث بها مع تزايد الدعوات لتجاهل المشكلة والتظاهر بعدم وجودها أو إلقاء اللوم على المرأة و تحميلها مسئولية إغواء الرجل في محاولات لإيجاد المبرر لتزايد التحرش ، وهو ما أدى إلى استفحال المشكلة وتضخمها ..ومن الأشكال التي انتشرت في العالم العربي ظاهرة التحرش الجماعي و كذلك ظاهرة التحرش بالأطفال ..ومن اللافت ان ثورة 25 يناير استمرت ثمانية عشر يوما لم تشهد معاكسات أو تحرشات بالفتيات حينما كان الكل مجتمعا فى ميدان التحرير تحت هدف واحد و شعار واحد .وفى ذلك اشارة بأن وحدة الانتماء والهدف تجب التحرش. وهو ما دعانا إلى دراسة الظاهرة ومعرفة أشكالها وأسبابها ..
تعريف التحرش..
رغم خطورة الأمر إلا أن المشرع المصري لم يضع معنى أو إطارا محددا للتحرش – كما الحال في كثير من دول العالم
ومن المتعارف عليه ان التحرش هو أي صورة من صور الكلمات الغير مرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك جسد أو مشاعر أو خصوصية المرأة ويجعلها تشعر بالتهديد أو الخوف أو الانتهاك وله عدة أشكال منها:المضايقة أوالمراودة عن النفس او الإثارة أو الإغواء وهو يبدأ بالنظرة أو الحركة أو الفعل أو القول أو اللمس الجسدي و النظر المدقق في الجسم بشكل غير لائق والتعبير بإشارات ذات طابع جنسي والتعبيرات البذيئة وأيضا الملاحقة والتتبع ، والتي تعد من أخطر أشكال التحرش الجنسي ، بالإضافة إلى التحرش عبر الانترنت أو المكالمات الهاتفية أو الدعوة لممارسة الجنس والاعتداء الجسدي والاغتصاب.
و ما تعرض له القانون المصري في المادتين 268 ، 269 في قانون العقوبات هو مسالة هتك العرض ( ملامسة العورة ) و عقوبتها السجن المشدد ( 3 – 7 سنوات ) و يتم التشديد في حالة إذا كانت المجني عليها أو عليه أقل من 18 سنة ، أو إذا كان الجاني من أصول المجني عليها أو أحد القائمين على رعايتها و تربيتها، وهنا قد ترتفع العقوبة إلى 15 سنة و قد تصل إلى المؤبد .
انتشار العناصر المندسة ..
تغيرت الصورة فى اعقاب الثورة ، حيث تزايدت حوادث التحرش الجنسى بالمرأة. وذلك مع تزايد وجود النساء فى المجال العام وظهر ذلك بتجلى فيما عرف بأول مظاهرة نسائية طالبن فيها بحرياتهن الشخصية واستعادة كرامتهن عند التواجد فى الشارع والحياة العامة، إلا أن ذلك قوبل بتزايد معدلات التحرش ويرجع ذلك فى نظر البعض إلى غياب التواجد الأمنى لفترة كبيرة ودخول عناصر وأنماط عرفت بالعناصر المندسة وسط المتظاهرين الثوار أو إحساس المتحرش بقدرته على الافلات بجريمته بعد ارتكابها لأنه لا يوجد رادع سياسى أو قانونى أو مجتمعى .
حوادث مؤلمة ..
والحقيقة ان ظاهرة التحرش لم تنشأ بين يوم وليلة وانما كانت نتاج لتراكمات كثيرة حيث كان هناك الكثير من الوقائع التي حدثت قبل ثورة 25 يناير نذكر منها ماحدث فى شوارع وسط البلد عندما كانت تكثر تجمعات الشباب والفتيات فيستغل الشباب ذلك الزحام ، منها على سبيل المثال حادثة سينما وسط البلد الشهيرة عام 2006، وهي التي دفعت وزارة الداخلية بعدها لإقامة كردونات أمنية لحماية النساء فى الشوارع من التعرض لحوادث التحرش فكان الحل الأمنى هو السائد ..وبعد الثورة ومع غياب الامن امتلأت الصحف وشاشات التلفزيون بمشاهد يندى لها الجبين من حوادث التحرش بالمرأة ونذكر منها حالة التحرش الجماعي بالمراسلة الأمريكية لارا لوجان وغيرها من الاجانب والمصريات فى
ميدان التحرير فضلا عن الاعتداء المتكرر على الفتيات والسيدات وتمزيق ملابسهن فيما يشبه عملية انتقام وحشية من فريسة ضعيفة وقعت ضحية مجموعات بشرية بائسة و محطمة ومهزومة .
وماتناقلته وسائل الإعلام عن حادثة تحرش جنسي ، في شارع جامعة الدول العربية في منطقة المهندسين حيث قاموا بالتجمع حول عدد من الفتيات وتمزيق ملابسهن وسط ذعر المارة ، إلى أن وصلت الشرطة وقامت بالقبض على عدد ما يقارب الثلاثين منهم . ولعل جريمة اغتصاب وقتل الطفلة زينة والتي هزت الرأي العام العربي من الامثلة البشعة حيث قام شابان أحدهما 17 سنة والآخر 15 سنة باغتصابها ثم التخلص منها ، وإلقائها من الدور الحادي عشر مما أودى بحياتها في الحال . ثم الواقعة التى تحرك لها رئيس الجمهورية والتى تعرضت فيها سيدة للاعتداء الجماعى الهمجى فى ميدان التحرير فيما كان الجموع تحتفل بتنصيب رئيس الجمهورية .. الى غير ذلك من حوادث يندى لها الجبين ..
تحليل لعناصر التحرش ..
تتضمن حادثة التحرش عنصر الرجل و المرأة والمكان والزمان، فيمكن تحليل التحرش من زاوية المكان من خلال النظر في طبيعة الأحياء التى تكثر فيها حوادث التحرش وأيضا من حيث الزمان أي ما هي التوقيتات التى يتم فيها ذلك، وبالمثل ما هى طبيعة فئات الرجال التي تقوم بالتحرش ..من حيث البيئة الاجتماعية ونوعية العمل ومن هن النساء اللائي يتم التحرش بهن وماذا عن ملابسهم .وبتحليل لمجريات الأمور في مصر، يمكن أن نرى بشكل لافت أنه يمكن ألا يتم التحرش بسيدة على الرغم من أنها ربما تكون مرتديه لملابس كاشفة لبعض جسدها، ولكن المكان والزمان يعدان العنصران الأساسيان فى ذلك. فبالرغم من ان الحجاب لم يكن منتشرا فى ستينيات القرن العشرين فى مصر إلا أن حوادث التحرش كانت أقل كثيرا مقارنة بما يحدث حاليا.
فهل المشكلة تتمثل في عدم وجود رادع أمام من يقوم بالتحرش أم أنها مشكلة تربوية ناتجة عن خلل النظام الاخلاقى الأسرى والمجتمعى .. أم هى مشكلة ناتجة عن تدهور التعليم و الوعى .. أم هى مشكلة أمنية تمثلت فى دولة غائبة أفسدت كافة القيم المجتمعية مما سوغ للبعض القيام بهذا السلوك، كما سمحت للبلطجية بانتهاك المجتمع على كافة مستوياته..
دراسات بشأن الظاهرة ..
في دراسة صدرت عن المركز المصري لحقوق المرأة ، اعترف 62 % من الرجال في مصر بالتحرش جنسيًا بالنساء، وأفاد 83 % من النساء بتعرضهن للتحرش، وقال نصفهن: إن ذلك يحدث معهن بشكل يومي. أما منسقة العلاقات الدولية في المركز المصري لحقوق المرأة فقد أفادت بأن التحرش ظاهرة حقيقية في مصر، وقد ساءت هذه الظاهرة خلال العشر سنوات الماضية بشكل لافت، وأضافت: "حتى السبعينات لم يكن هناك تحرش في مصر إلا نادرًا، لكن الأمور مختلفة تمامًا الآن". وكشفت دراسة حديثة نشرتها صحيفة المصري اليوم عن أن نسبة المتحرشين تتفاوت حسب السن؛ حيث تبلغ النسبة لمن في سن 18 حوالي 22%، ومن 18 إلى 24 حوالي 29%، ومن 25 إلى 40 حوالي 30% بينما
تنخفض النسبة لمن فوق 41 سنة إلى 14%، وتشير الدراسة إلى أن طالبات المدارس هن الأكثر عرضة للتحرش، حيث أكدت 30 طالبة شاركن في الدراسة أنه تم التحرش بهن في أماكن مختلفة، سواء في الشارع أو المواصلات العامة، وفيما يتعلق برد فعل المتحرش بها، نجد "السب" هو النسبة الأكبر، حيث تكتفي 55% من النساء بسب المتحرش ولعنه وإكمال اليوم بشكل عادي، وذلك في حالة اقتصار التحرش على بعض الألفاظ، كما أوضحت الدراسة أن 32% يطلبن مساعدة الغرباء، و11% يطلبن مساعدة أفراد العائلة أو الأصدقاء، بينما تلجأ 13% إلى الشرطة وتبلغ عن الحادثة.
وأشار تقرير إخباري أوردته صحيفة "ميل آند جارديان" البريطانية إلى تنامي ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء بمصر، وأنها لم تعد قاصرة على النظرات أو الكلمات الإباحية، وإنما امتدت إلى لمس أجساد النساء من قبل المتحرشين، وذكرت الصحيفة في تقريرها، أن عمليات التحرش الجنسي بالسيدات في مصر بالأماكن العامة لم تعد تقتصر على استهداف السيدات في مرحلة عمرية أو طبقة اجتماعية محددة أو بعضًا من النساء، ونقل التقرير عن خبراء اجتماعيين قولهم: إن هناك العديد من العوامل التي تساعد على زيادة انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في مصر،
يأتي أبرزها "تفاقم مشكلة البطالة وانتشار العاطلين في الشوارع، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الزواج، وغياب الوازع الديني الذي يحرم ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج".
رأى علماء الاجتماع ..
من خلال العديد من الدراسات التي أجراها علماء الاجتماع كشفت الابحاث أن التحرشات الجنسية منتشرة بين طبقات الشعب المصري المختلفة ، و أن نسبة ما يتم الإبلاغ عنه من هذه الحالات لا تتجاوز 5 % فقط مما يعني وجود فتيات و سيدات كثيرات يخشين الإفصاح عما جرى لهن خوفا من " العار " أو الفضيحة المترتبة عليها .
ويرجع بعض المحللين حوادث التحرش إلى إحساس الفرد المتحرش بالضياع وغياب الهدف من وجوده وبقائه. وربما باعتدائه على السيدة حتى لو كانت ترتدى أكثر الملابس احتشاما،فى محاولة لاثبات ذاته المسلوبة وإعلان احتجاجه على المجتمع. وتحديه لكل السلطات ومنها سلطة الدين والدولة والمجتمع .
ومع قيام الثورة وفى ظل غياب الأمن وإحساس الناس بالرفض لكل ما هو موجود، تصور فئة من الأفراد أنهم قد يكونوا في مأمن من العقاب وأنهم قد أبيحت لهم المحظورات فاستباحوا قوانين وأخلاقيات المجتمع والنظام العام. خاصة أن بعض المتحرشين من بعض الطبقات الدنيا فى المجتمع ربما يشعرون بالانتصار حينما يقومون بالتحرش بالبنات المتعلمات واللاتي ينتمين لطبقة أعلى، فالتحرش هو تعبير عن حالة من القمع والقهر، ولكن يظل التحليل الطبقى ليس هو التحليل الوحيد للتحرش، يضاف الى ذلك أن التحرش يأخذ أحيانا شكل هوس جماعي، حيث قد تقوم مجموعة بالتحرش جماعيا وقد لا يربط بينهم أي رابط، أي ليست مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب مثلا، ولكن مجرد مجموعة اجتمعت
واندفعت وراء فكرة التحرش مثلما يحدث فى الميادين و أمام دور السينما وهو ما يتكرر فى الأعياد وفى الأماكن العامة فى وضح النهار وتحت أعين المجتمع. والتحرش ليس مجرد تحرشات لفظية أو حركية ولكنه يتعدى هذا إلى طرح الأفكار والآراء المريضة استنادا الى أفكار أجمع العلماء أنها بعيدة كل البعد عن روح ومضمون الشريعة الاسلامية والقيم والاخلاق التى تحافظ على نقاء النفس وصحه العقل وسلام الروح.
راى علماء النفس ..
ويرى محللين نفسيين بالنظر فى نفسية المتحرش أن المشكلة ربما تكمن فى الانعزال والاغتراب عن المواطنين الآخرين وفى نفس الوقت الحاجة والرغبة فى الاشباع الجنسى. ولكن أيضا لا يكون الأمر دوما ناتجا عن عدم اشباع تلك الحاجة، إذ يكون التحرش فى أحيان كثيرة مجرد إظهار عدم احترام لشعور الآخرين وحرماتهم.
ولايغيب ما ترتبط به تلك الظاهره من تدهور الجانب التعليمى والتربوى، و كذا الحالة الاقتصادية للقائمين بالتحرش.
وازدياد معدلات الطلاق والكبت الجنسي في المجتمع،ومن التحليل نرى ان التحرش فى كثير من الأحيان لا يهدف لإشباع رغبة ولكن تعبير عن حالة غضب و نوع من العداء والرفض والثورة، وربما يكون طريقة لاثبات الذات .
يضاف الى ذلك سيادة ثقافة الصمت داخل المجتمع وخشية الأنثى من الإبلاغ عن الحادثة تجنبًا للفضيحة، وبعض الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن المناخ العام في البلاد، والذي أدَّى إلى الإحباط الناتج عن البطالة وعدم قدرة الشباب على الزواج وغياب الوازع الديني والأخلاقي.
راى رجال الدين ..
استنكر علماء الدين انتشار ظاهرة التحرش في المجتمع، وأرجعوا انتشار هذه الظاهرة إلى غياب الحياء والذي يمثل قمة الهرم القيمي بالمجتمع، وإلى تفسخ حتى التقاليد والأعراف، والتي تدعو إلى الشهامة والحفاظ على المرأة والفتاة في حال تعرضها لخطر. ودعا بعضهم إلى إنشاء صندوق لتزويج الشباب، يتولى شئونه عدد من الجمعيات الخيرية التي تكون مهمتها تزويج الشباب وتذليل ما يكتنفهم من عقبات، كما تكون مهمة هذه الجمعيات محاربة الرزيلة بأشكالها وأنواعها والعوامل المؤدية إليها. مطالبًين بضرورة احتضان الشباب، وأن تكون هناك مؤسسات رعاية اجتماعية لهم، مع دعوة الأسر إلى أن تقوم بدورها نحو حماية الشباب والفتيات وضرورة الانتباه إلى كل تغير يطرأ على أولادهن،
والاستفسار من العلماء والمشايخ وأساتذة علم النفس عن ضرورة معالجة أي داء ربما يتعثر عليهم مواجهته إذا ما وجدوه وعلى نفس الصعيد نددت "جبهة علماء الأزهر" بحادث التحرش الجنسي الأخير، وانتقدت قانون الطفل الذي أقر في الدورة البرلمانية الماضية والذي رفع سن المساءلة القانونية إلى الثامنة عشرة، ليحمي بذلك من هم دون هذا السن رغم بلوغهم عند ارتكابهم الجرائم، ووصفت الجبهة هذه القوانين بأنها وفرت الحماية للمتحرشين .
ومما سبق يمكن أن نجمل الأسباب الحقيقية للظاهرة في عدة نقاط وهي:
قلة الوعي الديني – غياب المؤسسة التعليمية غياب دور الأسرة الإحباط وعدم الشعور بالأمان الاستفزاز الطبقي وانتشار الفساد الغياب الأمني تزايد الأنانية وعدم المبالاة.
مبادرات مضادة للتحرش
تعددت المبادرات المواجهة للتحرش فيما بعد الثورة. نذكر منها :حملة "امسك متحرش في العيد" وهي حملة قام بها مجموعة من المتطوعات والمتطوعين بهدف حماية ومناصرة المرأة المصرية فى العيد وارتدوا شعار " بنات مصر خط أحمر " وقاموا بتنظيم مجموعة لتوثيق حالات التحرش ومجموعة للامساك بالمتحرشين ومجموعة للمساندة المعنوية للبنت "ضحية التحرش" ومجموعة لمساعدة البنت للذهاب الى أقرب قسم شرطة لتحرير محضر.
أيضا قامت مجموعة من الفتيات بفتح حوار على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و" تويتر" من خلال تغريدات ومحادثات لشرح ما تعانيه النساء في الشارع والأماكن العامة من تحرش جنسي.
بالمثل جاءت حملة "كما تدين تدان" وتواجد اعضاءها أمام المولات ودور السينما، مؤكدةً: لن نلجأ للأمن في التعامل مع المتحرش، لأن موقفه لن يكون حاسماً وأيضا حملة " قطع إيدك ".
كما توجد حملة "نفسى" التى تهدف إلى القضاء على التحرش الجنسي في مصر من خلال إطلاق عددا من المبادرات ويقول مؤسسيها أن " هدفنا أن يبقي الشارع المصري مكان آمن لكل من فيه، بدون استثناءات ، مؤمنين بحق كل امرأة أن تسير في الشارع دون أن يتحرش بها أي أحد سواء بالنظر أو الكلام أو اللمس.
ويقول القائمون على الحملة أنهم من خلالها يحاولون نشر رسالة بعدد من المبادرات، أولها كانت مبادرة بصنع سلسلة بشرية ضد التحرش الجنسي كما يهدفون لنشر مبادرتهم في كافة أنحاء البلد.
أيضا تعمل بعض المنظمات النسائية على إقرار قانون لتجريم التحرش الجنسي، سواء تم التحرش بواسطة المغازلة الكلامية، أو اللمس، أو من خلال المحادثات التليفونية ، أو رسائل المغازلة التي ترسل عبر الهاتف النقال أو الإنترنت أو الرسائل المكتوبة أو الشفهية." وإن كانت المحاكم المصرية قد أصدرت في عام 2008 أول حكم قضائي يجرم التحرش الجنسي، حيث قضت محكمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق مواطن لإدانته بجريمة التحرش ضد مخرجة للأفلام الوثائقية "نهى رشدى" وهى التى ذكرت فى أحاديثها الصحفية آنذاك أنها كانت مستعدة للموت ولا يفلت من تحرش بها من العقاب. و قد حصلت على هذا الحكم القضائى رغم عدم النص عليه صراحة فى القانون وذلك باجتهاد من القاضى حيث أصدره بالقياس على جرائم أخرى ولكن هذا الحكم لم يتكرر لعدم وجود نص في قانون العقوبات المصري يشير إلى
تعريف دقيق للتحرش واعتباره جريمة .
و يمكن أن نخلص إلى أن كافة تلك الجهود المجتمعية تمثل مدخلا لعلاج مرض التحرش الجنسى فى مصر، وخاصة بالعمل على تفعيل قوانين مناسبة لمواجهة التحرش، وضرورة توافر دور حيوى للمراكز البحثية الاجتماعية والجنائية والسياسية فى التحليل الجيد للمشكلة ومعرفة مدى انتشارها وأسبابها، ودور الشباب فى توثيق تلك الحوادث والعمل على العلاج النفسى للضحايا و تقديم الجانى للمحاكمة.
لكن لابد للجهود المجتمعية أن تدعم أيضا بجهود مؤسسية منظمة. من خلال التأكيد على دور وسائل الاعلام فى التوعية والانتشار الأمنى فى أماكن التجمعات ووسائل النقل وتفعيل القوانين المضادة للتحرش.
اللافت في الأمر هو بعد كل هذه الحالات لم تنصف المجتمعات العربية المرأة فيما يخص قضية التحرش الجنسي فلا تزال الكثير من النساء يشعرن بالخذي والعار إذا تحدثن أو أبلغن عن حالات تحرش تحدث لهن ؛ فالمجتمع لا يزال يحملها مسئولية ما يحدث ويتمثل ذلك في القوانين التي تتعلق بجريمة التحرش , حيث تصل العقوبة في المجتمعات المتقدمة إلى عقوبة الإعدام ، أما في العالم العربي أقصى عقوبة هي السجن ، وحتى أن تم تغليظ العقوبات فلا توجد آليات حقيقة لتنفيذ تلك العقوبات وتفعيلها, مع الاهتمام بنشر الوعي الأخلاقي والديني للحد من تكرار مثل هذه الحوادث البشعة.
ان اللجوء الى العقوبات الجزائية الرادعة في حق المتحرشين امر مشروع وحتمي، ولكنه لا يكفي وحده ومن الصعب ان يقضي على هذه الظاهرة الخطيرة التي لا نعرف كيف تم الصمت والتستر عليها طوال السنوات الماضية حتى وصلت الى هذه الدرجة من الخطورة.
وفى النهاية ينبغى وضع التحرش الجنسى فى إطار تحليلى أوسع، حيث أن تزايد معدلات وحدة وعنف التحرش الجنسى فى المجتمع هو خلل تربوى ودينى وأخلاقى، كما أنه يشيرالى خلل فى النظام . وهو شأن لن يحل بين عشية وضحاها وسيحتاج المجتمع إلى سنوات طويلة لإعادة ترميمه بعد تآكل أجزاء أصيلة منه ليعود ويتعافى من الأمراض التى أصابته منذ عقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.