الوجه الآخر للتحرر هل ينفي حرية الآخر ويعتدي عليها، نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير في إطلاق الحريات وفشلت في حماية المرأة في الشوارع والميادين من تعدي هذه الحريات لمداها بما يتخطى حرمة الإناث وحرياتهم في العمل والتسوق وحتى التنزه مع الأسرة والأصدقاء ، فانتشرت ظاهرة التحرش الجماعي لتفرض بذلك طوقا على حرية المرأة يضيق عليها الخناق أكثر من ذي قبل ، غياب الأمن حول الحريات إلى انفلات فسقطت المرأة في فخ التحرش. علماء الدين وخبراء الأمن والاجتماع يتناولون هذه الظاهرة بالبحث والتحليل ليقفون على الأسباب الحقيقية لانتشارها وسبل مواجهتها بعد أن أصبحت ظاهرة لا تخفى على احد في أشهر ميادين مصر وشوارعها في كافة الأقاليم والعاصمة.
وفي هذا الإطار يقول الأستاذ الدكتور حسام عيسى أستاذ الصحة النفسية ومدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس الأسبق أن ظاهرة التحرش الجنسي بعد الثورة لا تختلف عنها قبل الثورة ولكن مثل كل الثورات يتبعها كثير من الحرية فيكشف كل شيء ويظهر ويأتي دور الصحافة ليبرز هذه الأمور كنوع من التسويق وفق مقاييس تجارية اتسم بها بعض الصحفيين ونوع من استثمار كل ما هو غريب ليخدم هذا الغرض الترويجي فيضخم المسائل أكثر من اللازم ويعطيها أكبر من حجمها الطبيعي.
والتحرش ضمن السياق العام في علم الثورات وعلم الشخصية المصرية والمستجدات الطارئة عليها بعد الثورة كذلك الشعوب " الشخصية القومية"بها ما بالأفراد من خصائص أيضا . وعلم الثورات يكشف لنا حقائق مذهلة يندهش من يدركها حيث يؤكد هذا العلم ان "الثورة تظهر أحسن ما في الشعوب وتفضح بالمثل وبنفس القدر أسوأ مافي الشعوب - بلطجة ، اعتصامات، قطع طرق، ولا يجب أن تظهر النظرة الأحادية التي تكون غالبا جاهلة وغير علمية بل يجب تبني مفهوم الفكر الشبكي المنظومي.
ويقول الشيخ يوسف البدري، من علماء الأزهر أن الثورة عندما جاءت كان لابد أن يكون لها شرور كما لها فوائد ولا زلنا نبحث عن فوائدها لنغير وجه المجتمع لما هو أفضل فشرورها كثيرة ومن الصعب تلافيها منها قلة الإنتاج وقلة فرص العمل وتردي الحالة الاقتصادية وكلها امور مادية سهل علاجها اما الجوانب الخلقية وهي اكثر : الطمع ، البخل وأصعبها العبث بأعراض الناس " النساء ".
وقد شدد الإسلام على وجوب حفظ الأعراض وشرع حدين هما حد القذف وحد الزنا وهناك احكام وجب على الحاكم ان يتبعها ، وقال ان هذا الفعل لايحدث الا من الشباب وقليل من الرجال الذين يتحرشون بالنساء متزوجون وهم قلة شاذة ولو ملكوا لتزوجوا للمرة الثانية.
وحذر رجال الدين من خطورة تفشي هذه الظاهرة التي تقلق الناس وخاصة الفتيات والسيدات، كما حذرت من تراجع قيم الدين السليمة وغياب منظومة الأخلاق عن المجتمع المصري خلال هذه المرحلة في ظل الانفلات العام الذي تفشي في كل شيء.
وقال الدكتور ربيع عبد الله أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن التحرش الجنسي من الناحية الشرعية حرام وكذلك من الناحية القانونية ممنوع ، مشيرا إلي عدم وجود قانون وضعي يجرم ذلك الا انه لا يصح ولا يجوز.
وأضاف ربيع لشبكة "محيط" ان التحرش جريمة يجب ان يعاقب عليها القانون و لابد من وضع قانون رادع يجرم تلك العملية الدنيئة، لأن ذلك يسئ الي المجتمع الإسلامي، مشيرا الي ان المستشرقين يأتون الي مصر ليدرسون تعاليم الدين والإسلامي فيفاجئون بأفعال تخالف الدين الإسلامي، في مصر الأزهر مما يضع بلدنا في صورة سيئة، مضيفا ان وفد من المستشرقين سألوا علماء الدين كيف أنتم أهل الإسلام وفي مصر الأزهر ينتشر هذا التحرش بصورة كبيرة .
وأضاف ان التحرش الجنسي إساءة أدب مع الله والناس، مشيرا الي ان غلاء عملية الزواج سبب ذلك، مطالبا في الوقت ذاته بوضع قوانين تسهل عملة الزواج للحد من هذه الظاهرة.
وقال ربيع ان العقوبة التي تتخذ ضد المتحرشين لا تتلاءم مع تلك الجريمة لأنها مخففة، بل يجب علي ولاة الأمور وضع قوانين صارمة لذلك في باب حقوق المرأة، موضحا انه يجب ان تكون عقوبة المتحرش سنة علي الأقل ووضع غرامة مالية ليكون عبره لغيره.
وحمل البيت والمدرسة والإعلام مسئولية ذلك. واستنكر إمام وخطيب الجامع الأزهر الشيخ صلاح الدين محمود التحرش الجنسي بشكل قاطع قائلا "هذه ظاهرة سلبية تهدد أمن المجتمع وتخدش حياء المرأة وعلي الجميع مواجهة ذلك،رافضا الخوض زيادة التفاصيل في ذلك بحجة انه يشمئز بالحديث في هذا الموضوع.
وبالسؤال عن دور المساجد في ذلك، أضاف خطيب الأزهر ل"محيط" ان دور المساجد يقتصر علي الدعوة وتعاليم الدين الإسلامي بشكل عام وليس الخوض في تلك التفاصيل، لأن الجميع يعلم ان ذلك حرام ولا يحتاج الي من يقول له ذلك، مشيرا إلي ان تلك التوعية من الأفضل لها ان تكون في النوادي والأماكن العامة والمكتبات الثقافية من خلال مؤتمرات التوعية والتكثيف منها وزرع قيم الأخلاق الحميدة وليس المساجد علي حد قوله.
وطالب صلاح الدين رجال القانون بوضع قوانين رادعة لمواجهة تلك الظاهرة ومعها أيضا ظاهرة الإضرابات الفئوية.
وعن تحليل التحرش الجنسي من الناحية الأمنية، قال المقدم محمد عمرو الأمين العام بالنقابة العامة لضباط الشرطة تحت التأسيس ان هذه الظاهرة من القضايا الخطيرة التي يجب التصويت عليها إعلاميا، لأنها مرتبطة بسلامة المواطنين، مشيرا الي انها موجودة قبل وبعد الثورة، مع التأكيد علي أنها زادت بعد الثورة نظرا للفهم الخاطئ لمفهوم الحريات عند الناس.
وأضاف ل"محيط" ان هذ الظاهرة ترجع الي الانحدار الأخلاقي في المجتمع والذي تضاعف كثيرا بعد الثورة نظرا للانفلات الأمني الذي ساعد المتحرشين من زيادة هذه الفعل الدنيء.
وأكد عمر ان ثقة المواطنين في رجال الشرطة تعطي دفعة قوية لرجال الأمن للتقليل من تلك الظاهرة في المراحل القادمة من خلال الحملات الأمنية التي تقوم بها رجال الأمن باستمرار لضبط الخارجين عن القانون، موضحا انه بدأت تعود سيادة القانون بتعاون المواطنين مع الشرطة حيث ان الناس عندما يحسون ان الشرطة عادت بقوة يكفون عن ذلك، لكنه حمل في الوقت ذاته الأسرة مسئولية ذلك ومطالبا الجميع معالجة ذلك معالجة تربوية.
مؤكدا علي ان مواجهة عملية التحرش الجنسي تأتي من خلال ما يلي:- 1 - مراجعة كافة الإجراءات القانونية الخاصة بضبط المتحرشين جنسيا لأنها لا تتلاءم مع ظل الظروف الحالية.
2- مراجعة مواد القانون الخاصة بذلك والتأكيد علي وجوب تغليظ العقوبة علي الشخص المتحرش ليكون عبره لغيره.
3 - التصويت الإعلامي علي ضبط المتحرشين جنسيا وتكثيف ذلك ليعلم الجميع أن الشرطة تضبط كل من تسول له نفسه فعل ذلك لإرسال رسالة إنذار الي المتحرشين بأن من يفعل ذلك سوف يعاقب.
وطالب عمرو المواطنون بإبلاغ الشرطة عن المتحرشين، مشيرا الي ان معالجة تلك الظاهرة يجب ان تكون بتعاون من الجميع ( الدولة - الإعلام - القانون - المواطنين).
كما أكد أمين النقابة العامة تحت التأسيس ان الخطوات المستقبلية لموجهة التحرش تتمثل في المراكز المتخصصة بالتعاون مع وزارة الداخلية والأزهر الشريف وكذلك المراكز الحقوقية وخاصة المركز القومي لحقوق المرأة لتكثيف معالجة تلك الظاهرة السلبية التي نأمل ان تنتهي من المجتمع المصري.
وأعرب عمرو عن تصوره خلال المرحلة المقبلة بالتحالف والتكاتف الوطني من إنشاء ورشة عمل متكاملة لإنهاء هذه الظاهرة لمعاجلة الإجراءات المتبعة، ثم تسليط الضوء علي دور المجتمع المدني ودور الأسرة.
ويقول الأستاذ محمد فرج مدير مدرسة ثانوي ان البعد عن الدين سبب كل شيء، مطالبا الجميع باتباع تعاليم الدين الإسلامي وخاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبعد عن كل سوء وعدم النظر الي ما حرم الله، حتى لا يقع احد أمام ظاهرة التحرش، موضحا ان أصل ذلك يرجع إلي التدين من ناحية الشباب والفتيات أيضا.
وأكد أيضا ان قضية التحرش الجنسي قضية واضحة وظاهرة ويرجع كل ذلك الي عدم التربية الدينية السليمة، محملا الأسرة ذلك، من حيث ان الأسرة عمود الأخلاق خاصة الأم لأنها يقع عليها دور كبير بشأن ذلك لأن الأم مدرسة اذا أعدتها فقد أعدت جيلا طيب الأخلاق، وهذا هو الأساس.
وحمل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية ظاهرة تفشي التحرش الجنسي في الشارع المصري بسبب الأفلام والصور المثيرة للشهوات والتي بها مشاهد ساخنة تؤدي في النهاية الي انتشار هذه الظاهرة الغير أخلاقية التي أفسدت حياة أبنائنا وهددت أمن مجتمعنا، مؤكدا ان الإعلام لو قام بدوره صحيحا لمنع هذه الظاهرة بالتدريج . مواد متعلقة: 1. العامري فاروق يطلب من السفارة المصرية بلندن تقريراً عن فضيحة التحرش الجنسي 2. المتهم بالتحرش في لندن: الاتهامات كيديه ووجودي بمصر دليل برائتي - فيديو 3. قومي المرأة يطالب بسرعة القبض على قاتل ضحية التحرش الجنسي ب«أسيوط»