الشعر فنٌّ أدبيٌّ راقٍ وجميلٌ، وهو نَظْمٌ يعتمد في كتابته على الوزن والقافية في نهاية كل الجمل الموجودة في هذه الأبيات، إذ يتكون الشعر من الأبيات موحدة القافية ذات الجرس والنغمة المميزة. الشعر هو الكلمة الجميلة التي تنمو ضمن مفاصل الحياة ومن خلالها لتسجل أعمق بواطنها وحلم جميل تسعد اليه النفس وتسمو اليه الروح حتى في حالة شقائها. الشعر يدخلنا في حالة من الانبعاث والتأثر النفسي حالة تنتج عن جمالية النص الذي نقرؤه ونتأثر به، حيث شفافية المشاعر، وروعة الأسلوب والنغم المتولد في الألفاظ والتراكيب التي أبدعها الشاعر وأوجدها حية بين الألفاظ والتراكيب اللغوية بقوة حدسه وشاعريته. الشعر شعر والنثر نثر، وليس الشعر كالنثر، يختلف النثر عن الشعر بأنه نميقة العقل ورغيبة الإبانة، بينما الشعر ينطلق من مناخ نفسي داخلي يسمى الحالة، وينساب على نسائم العاطفة وأجنحة الخيال. ولا يتميز الشعر عن النثر إلا بالوزن والقافية، ولا يبين هذا التفريق شكليا عن روح الشعر، والشعر بطبيعته متميزاً عن النثر بحكم ظهور التفعيلة والقافية أي بوجود الإيقاع الموسيقي وملازمة القافية. وكان للتأثير الأوروبي والأميركي دور مباشر في تصارع الأشكال الشعرية التي عرفها العالم العربي وظهور أجناس شعرية جديدة بفعل حركة الترجمة كالشعر المنثور، وإن كان استخدام هذا المصطلح يثير الكثير من الاضطراب والغموض والتداخل في العالم العربي. الشعر المنثور لون شعري ظهر بفعل الإبدالات النصية الجديدة التي عرفتها القصيدة بفعل حركة التحديث الشعري، فقد كان للتأثير الأوروبي دور فعال في ظهور هذا الجنس الشعري، إذ تمرد الشعراء على شكل القصيدة العمودية وذلك نتيجة احتكاك العرب بالشعر الأوروبي مما أدى إلى خلق أشكال جديدة كالشعر المنثور. الشعر المنثور يغلب عليه النزوع إلى الأساليب العصرية لدى أولئك المطلعين على الشعر الغربي والآداب الغربية ، كان جورجي زيدان أول من أطلق على هذا اللون من الشعر مصطلح "الشعر المنثور"، وذلك حين أرسل إليه الريحاني في عام 1905م قصيدة من هذا النوع، فقدّم لها الريحاني بمقدمة بعنوان "الشعر المنثور في اللغة العربية"، وبيّن فيها محاكاة هذا اللون لشعر الفرنجة. الشعر المنثور محاولة جديدة قام بها البعض محاكاة للشعر الإفرنجي بتأثر من الشعر الأوروبي، يخرج فيه الشاعر على المعهود في النظام الأدبي العربي ويقرَّب بدل أن يباعد بين حدود النثر والشعر ويخالف بكل شكل من الأشكال ما يدونه البعض من الخواطر المكتوبة، فهو ليست بخاطرة ولكنه ربما يكون قريباً منها من حيث التعبير وانتقاء الكلمة. يعتمد الشعر المنثور على الإيقاع النثري بدلاً من الإيقاع الخارجي الوزني، كما يعتمد على التكرار في السطور والكلمات والأفكار. الشعر المنثور هو قول شعري وليس شعراً، ولايجوز لكاتبه أن يسميه شعرا، وإن روح الشعر هي الذائقة الحساسة لترنيمة الشعر الايقاعي وهي الحاسه التي تحدد كون هذا النص شعريا أم هو نوع من النثر الفني، فلا مكان للأوزان والموسيقى في الشعر المنثور. الوزن هو المعيارالأساسي لعزل الشعرعن النثر، والموسيقى هي روح الشعر. الشعر آمال تداعب قلوب الناس وتغدغ مشاعرهم وتسبح في عوالم بعيدة وتسير معهم في حديقة الأحلام ويعتمد على الغناء والموسيقى، بينما الشعر المنثور يخلو من الموسيقى والعذوبة والتأثير العاطفي الذي يبلغ بالشعر العمودي إلى درجة الوحي والإلهام. لا يوفي الشعر المنثور حق الشعرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هو اللعب بالألفاظ والتداعب بالكلمات، تتسم معالمه بالغموض والاضطراب، فالشعر المنثور هو نوع من الشعر لا يخاطب العقول ولا يدخل في النفوس ولا يلامس القلوب. *كاتب المقال الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها