منحت الأكاديمية السويدية للعلوم جائزة نوبل للآداب هذا العام للشاعرة الأمريكية (لويز غلوك) موضحة في حيثيات قرار المنح أنَّ الشاعرة غلوك كوفئت "على صوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعاً عالمياً على الوجود الفردي" حسب ما تناقلته وكالات الانباء. هذا هو ملخص القصة الخبرية فيما يخص جانب الآداب، أمّا الاختصاصات العلمية الأخرى فلها من يتكلم عنها من أصحاب الشأن لأنهم أعرف منّا بخفاياها ومكنونات الاختيار؛ هنا من حقنا كمتابعين مهتمين بما ينتجه الأدب والمكانة الثقافية العالمية يومياً أن نتساءل ما هي أهم المعايير في اختيار الفائز بالجائزة؟ كم من المتخصصين العرب تم اختيارهم ضمن لجنة جائزة نوبل؟ لماذا فقط يترشح ويفوز الغربي دائماً؟ قبل كل شيء نشير الى أنَّ أهم معايير وشروط الحصول على الجائزة ما يلي: الترشح للجائزة، لكن مَنْ الذي يرشح مَن؟ كما يجب أن يكون المترشح على قيد الحياة. يتم ترشيح المتفوقين في المجالات العلمية والاقتصاد عن طريق أكاديمية العلوم وأعضاء لجنة جائزة نوبل، أمّا جائزة الآداب يتم الترشح لها عن طريق أعضاء الأكاديمية السويدية وأساتذة البحث في مجالات الأدب واللغة وهم الذين يختارون من يرونه مناسباً مستحقاً لها، وبالنسبة لجائزة نوبل للسلام فيشترك فيها بعض أعضاء الحكومات أو أساتذة كبرى الجامعات، ولن نأتي بجديد عند ذكر هذه المعلومات فهي معروفة للكثيرين، ويكتب عنها كثيرون كل عام تقريباً بمناسبة توزيع الجوائز، وعنهم تؤخذ أهم أخبار المستجدات. اذن اختارت اللجنة هذا العام شاعرة أمريكية لأن "صوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعاً عالمياً على الوجود الفردي" حسبما نقلته وكالة فرانس برس الاخبارية، وهل يكفي الصوت كسبب وجيه للاختيار؟ في بلداننا العربية هناك المئات، بل آلاف الشواعر يتميزن بصوت أجمل بكثير من (لويز غلوك) الذي تشغل منصب استاذ مساعد في جامعة ييل الأمريكية، ولهنَّ من السيرة الأدبية والمنجزات الشعرية ما يتفوقن به عنها، وفي بلدان أخرى غير العربية كذلك؛ فيما لو تكلمنا عن الشعر كونه اليوم هو سبب اختيار الفائز بالجائزة. لا ننكر، ولا غيرنا، مكانة الشعر وأثره على طول المسيرة الانسانية، ولكن هناك أكثر من الشعر في مجالات الأدب الواسعة، كالرواية والدراسات النقدية والبحوث الفكرية الأدبية الأكاديمية التي طالما تم تدريسها في الجامعات، وهناك العشرات وأكثر من طلبة الدراسات العليا كتبوا رسائلهم في مرحلة الماجستير، وأطاريحهم في الدكتوراه عن أديبات عربيات مبدعات لهنَّ مكانتهنَّ العلمية والأدبية في ذات الوقت قد لا تصل اليهنَّ (غلوك) أو لا توجد نسبة مقارنة بينهنَّ كالعراقية الدكتورة وفاء عبد الرزاق على سبيل المثال؛ فهي الاديبة والشاعرة والروائية صاحبة عشرات المنجزات الأدبية بطروحاتها الفكرية وتناولها عدد ليس بالقليل من الباحثين والطلبة في دراساتهم ، بغض النظر عن أي توجه أيديولوجي وعرقي وقومي حين نشير اليها كأنموذج عربي واقعي حيّ، لها مساهمات متصلة على طول الخط بالثقافة الوطنية والعالمية بما تُرجم لها من كتبها الى لغات عديدة. هنا يبرز سؤال جوهري لاحق: هل للسياسة دور في الاختيار؟ لكي نكون منصفين موضوعيين، نرى أنَّ كل ما يجري اليوم على الساحة الدولية مُخترق من قبل قوى فاعلة مؤثرة سياسياً، متحكمة اقتصادياً بكل شيء، كالولايات المتحدة، وليس وحدها فقط بل معها دول عظمى أخرى أيضاً، لكن يبقى قصب السبق لأمريكا، هذا ونحن نحلل دوافع منح جائزة لشاعرة أمريكية نقول لها أيضاً مبارك الفوز لأنها ليست صاحبة القرار، بل المُقرِّر هو من يحدِّد أمام من توضع الجائزة، ولكن لنقف عند نقطة مهمة وهي التركيز على الأعمال وجودتها، وهل أنَّ الأعمال الشعرية للشاعرة (لويز غلوك) هي الأفضل على الاطلاق اليوم ما جعل لجنة التحكيم تمنحها الجائزة، أم بسبب الصوت المميز لها والذي يضفي جمالاً؟ أعتقد أن جمال الصوت وسحريته لم يكن يوماً معياراً مهماً لا في جائزة نوبل ولا غيرها طالما هناك ابداع يمتاز به صاحب الاستحقاق، وحقيقة أستغرب هذا التقييم وفق هذا المعيار الذي يجعلني أكرر مرة أخرى أنَّ رائحة السياسة تفوح من بين ثنايا تلك المبررات. قد يقول قائل أن نوبل للآداب مُنحت للكاتب العربي نجيب محفوظ، ولكن هل عقمت ساحة الابداع بعد محفوظ ولا يوجد بعده أبداً من يستحق أو ينال ترشيحاً مُستَحقّاً؟ وهل لعب الباحثون والمفكرون العرب الدور الفاعل في ترشيحه لنوبل ودعمهم له، أم هناك معايير ثانية كانت موجودة حينها هي من أهّلت نجيب محفوظ وفاز بالجائزة؟ في الواقع نرى الى الآن دور العربي في المحافل الدولية مازال ضعيفاً حتى من يوجد منهم في المؤسسات الأكاديمية الغربية ممن له الدور الفعال هناك، لكنه لا يميل لتقييم ابن جلدته كمبدع منتج للإبداع بموضوعية بعيداً عن الانتماء العرقي، مستنداً لإفرازات الواقع الحقيقي في تثبيت معنى الأصالة الجديرة بالاهتمام؛ لذلك نرى كثيرين من مبدعي العرب في خانة الاهمال والنسيان الى أن يصلهم الموت لتُعرف قيمتهم الحقيقية، والسبب أيضاً هو مؤسساتنا الثقافية الحكومية بكل أطيافها التي مازال قسم كبير منها في سبات عميق، ولن ينتهي الحديث هنا فحسب، إنما تبقى مرارته عالقة!