فيروس مجهري ، لا يرى بالعين المجردة ، لا دين له ولا ملة ولا هوية ، لا صوت ولا صورة ولا وزن له ، عبر البحار والقارات ، واخترق الحدود والمطارات ، لم تسلم من زيارته السفن ولا السيارات ولا الطائرات دخل جميع الدول بلا تأشيرة ولا جواز سفر ، لم يمنعه أحد من الدخول ، لا أجهزة تفتيش ولا مخابرات ولا رجال أمن ، ولم تستطيع أقوى الجيوش والمعدات العسكرية التعامل معه ، اخترق أكبر القارات ، وهاجم أعظم الدول ،وجعلها ترتجف رعبًا ، .أربك العالم ، وجعل سكان الأرض يعيشون في رعب ،،والحياة البشرية تكاد تصاب بالشلل ، تسبب في عزل الدول عن بعضها ، وتوقفت بسببه حركة السفر والترحال ، وأغلقت الحدود بين الدول جوا وبرا وبحرا ليعيش سكان الأرض في عزلة اضطرارية مخافة خطره– إنه “كورونا”..الذي شتت العالم ، وأوقف مدارسه ، والغى مؤتمراته وبطولاته .. لم يخطر ببال أحد أن يفرق هذا الفيروس المجهري الضعيف العالم في معاملاته الانسانية ،والاجتماعية، والاقتصادية ، ليضع العالم كله في حالة تأهب وترقب وكأننا على أعتاب حرب عالمية ، يقودها قاتل واحد ، لا يفرق بين تقي وفاجر ،ولا أبيض وأسود ، لايؤمن بدين ، فالكل عنده سواسيه ،زاده القتل وهمه الوحيد العدوى والانتشار ، لا توقفه دبابات ، ولا ترهبه تهديدات .أي غول فيروسي هذا ؟ أنه " كورونا" الذي اشتعل في العالم كاشتعال النار في الهشيم ، لا يحترم أعراف ولا أحكام ولا قوانين ، من يصاب به يرتجف ، ومن يتملك منه يموت بين أيدي الأطباء الذين ارتدوا المسلتزمات الطبية الواقية، عاجزين عن تقديم أي عون، سوى عزل المرضى وتركهم ما بين الشفاء أو الرحيل.من يصاب به يتركه أهله وأصحابه وعشيىرته ويهرب منه الجميع خشية العدوى . المستشفيات مكتظة، وعشرات الآلاف ينتظرون الفحوصات، ومئات الملايين من المعزولين عن العالم الخارجي خشية نقل الفيروس إلى آفاق أخرى ، الذي يتزايد بصفة مرعبة، وينتشر بسرعة جنونية ، ضحاياه في ارتفاع وزيادة ، حتى كعبة الله المشرفة لم تسلم من شره ، ليضعها في مشهد قاسي لم تشهده الكعبة من قبل ، مشهد دمعت له قلوب المسلمين أجمع عبر العالم ، قبل عيونهم ، مشهد رؤية صحن المطاف فارغا من المعتمرين والمصلين – بلا طوافين .مشهد لم يحدث منذ طوفان نوح عليه السلام ، ونسأل الله أن لا يكرر مثل هذا المشهد القاسي علينا جميعا …. حوارات عديدة وأحاديث كثيرة دارت مع بداية انتشار الفيروس عن سبب مولد هذا الفيروس ، قيل أنه انتقل من الحيوانات والحشرات الى الانسان عن طريق أحد الأسواق المعروفة في مدينة “ووهان” نظرا لأكل الصينين لهذه الحشرات والحيوانات كالخفافيش والثعابين وغيرها من الحشرات والحيوانات الأخرى الغير مألوفة في أكل بني البشر ، وأراء أخرى قالت أنه تسرب من مختبر في مدينة "ووهان " منشأ الداء، الذي كان على مقربة من سوق للمأكولات البحرية فانتقل الفيروس للانسان عن طريق المأكولات ، ولم يستبعد المحللون أن الفيروس قد يكون عن طريق المخابر التي لدى الدول التي تحمل عداء للصين ، في تأكيد على أنه ارهاب بيولوجي حديث ، استهدف العملاق الصيني كي يصيبه في المقتل ، ويجهز على اقتصاده الذي يتمدد سنة بعد أخرى عبر قارات العالم ، ويهدد اقتصاديات الدول الكبرى ، فكان لزاما إيقاف أسطورة التنين ..وحمل هذا الرأي اتهاما مباشرا للولايات المتحدةالأمريكية .. ولكن ان صح هذا الرأي أعتقد أن الصناعة المخبرية هذه أخفقت في رصد الجينات الصينية دون غيرها، فالفيروس لم يفرق في "حرب الإبادة" هذه بين جينات الجنس الأصفر ، أو الأبيض أو الأسمر ..فالكل سواسية لديه ،، المهم : تعددت الأسباب والكارثة واحدة . .. كوارث كثيرة مر بها العالم ، وشاهدها بني البشر مرأى العين كالزلازل والبراكين والأعاصير والأمراض والأوبئة ، ولا نزال حتى هذه اللحظة ونحن نرى آثار عظمة الله وقوته، ونرى في المقابل دلائل ضعف الانسان وقلّة حيلته أمام القوارع والابتلاءات التي يرسلها الله من حين إلى آخر..أليس كورونا هذا ابتلاء من الله للبشر ، هذا الفيروس الذي أرعب العالم وحوصرت بسببه مدن بأكملها وكادت مدن أخرى أن تصبح خاوية على عروشها، وألغيت بسببه بطولات وتجمّعات رياضية، وعلّقت العمرة إلى البلد الحرام.، ونسأل الله أن يسلم موسم الحج من شره ، كورونا هذا عبارة عن فيروس قطره لا يتجاوز 150 نانومتر.. أي أقلّ من جزء من مليون جزء من المليمتر.. هذا المخلوق الضّعيف في تكوينه، اليس من خلق الله ، وخلق بأمر الله ،مهما اختلفنا على طريقة وجوده ، لكنه في النهاية خلق بأمر الله ، وبتقدير الله ، وبأسباب الله، أربك العالم، واستنفر العلماء والمخابر العالمية التي لا تزال تبحث عن لقاح مضادّ له، ليجد البشر أنفسهم بما يمتلكون من قوة العلم والعلماء والمختبرات عاجزين أمام هذا الفيروس الضعيف الذي تقتله حرارة الشمس العادية ، وتقضي عليه مناعة الجسم القوية ، لكن البشر لا يملكون كشف الضرّ عن أنفسهم ولا تحويلا.. رغم تقدم العلم وتطوره إلا أن العالم لم يجد حلا لهذا الفيروس المرعب حتى الأن ،، فسبحانك ربّي ما أعظمك! وما أشد ضعف هذا الانسان، وغفلته وكبره وطغيانه ! ((أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُون)). ياليتنا نحن البشر نكون قد استعبنا الدرس، ونعود الى الطريق الصحيح ، ونكف عن الفساد والظلم والطغيان والفجور وعصيان الله ليل نهار ، فما أكثرنا جحودا بنعم الله ،، قطعنا الأرحام ، ومنعنا الزكاة ، وتركنا الصلاوات ، وجهرنا بالمعاصي والفجور ، فماذا ننتظر الا أن نعاتب أنفسنا ونحملها المسؤولية فيما نراه الأن أمام أعيننا ، لنفهم جيدا قول الله تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)).. ونستشعر حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والحمد لله على لطفه ورحمته بخلقه ، فبالرغم من كل هذه الكوارث الطبيعية المختلفة التي أصيب بها أهل الأرض عبر التاريخ لا تعد شيئا يذكر من قدرة الله ،، فأشد الزلازل في الأرض لم تتعدى شدتها 9.5 بمقياس ريختر. والأوبئة والفيروسات التي اجتاحت العالم بدءًا من القرن العشرين، لم يتجاوز عدد ضحاياها واحدا في الألف، باستثناء الأنفلونزا الأسبانية والتي راح ضحيتها مئات الملايين من البشر.، وفيروس كورونا رغم الهلع الذي رافقه، لم يتجاوز عدد ضحاياه منذ اكتشافه قبل شهور ال 4000 ضحية.. لعل ذلك رحمة من الله ولطفا بعباده الضعفاء الذين لا حول ولا قوة لهم الا بالله ،، نسأل الله أن يتوقف انتشار هذا الفيروس المزعج ويختفي بحلول فصل الصيف، بإذن الله ، وياليتنا نتعظ ونعود الى طريقنا المستقيم ومنهجنا الصحيح … حفظنا الله واياكم من كل سوء ومكروه . *كاتب المقال