عادت الاستحقاقات الدستورية إلى الظهور مرة أخرى في الكثير من الأقطار العربية ، إن عن طريق النخب المتعلمة فضلاً عن القيادات الشعبية الحريصة على وجودها أولا والمحتجة على غيابها أو تعطيل فعلها ثانياً ويأتي ذلك ضمن ما تطرحه الأنظمة الحاكمة وهي تواجه الاحتجاج من وعود الإصلاح ، والتصدي لما تنذر به رياح التغيير من عنيف الزوابع وقوي الأعاصير . ومعلوم أن الحياة الدستورية كانت قد منيت بانتكاسات متكررة في معظم الأقطار العربية إن لم نقل جميعها على مدى الستين سنة الماضية وما شهدته من تنامٍ في الأنظمة الشمولية التي عمدت ضمن ما عمدت إلى النيل من هذه الحياة وكانت يومئذ في طور النشوء وهو نيل لم يتوقف عند سوء التطبيق وحسب ولكنه امتد إلى فكرة الدستور من الأساس ، بحيث لها تعد القرارات المتعلقة بشؤون الناس وطريقة حكمهم وإنفاق ثرواتهم لا تبحث لها عن سند يسوغها من خلال مواد هذا العقد الذي اصطلح العلم على وسمه بالدستور ، ولو كان هذا السند شكلياً على الأقل ، بل لقد عمدت الكثير من هذه الأنظمة إلى تجاوز ما تحويه الدساتير من قيود ومبادئ إلى التشكيك في جدوى الدستور وأكثر من ذلك إسقاط الهياكل المرتبطة بهذا العقد ، فلم تعد الصحف أو لنقل وسائل الإعلام عامة تنشر أخبار الطعون المقدمة حول دستورية القوانين ولا الأحكام الصادرة بخصوصها كما لم تعد المجالس والهيئات المختصة بحماية الدستور والحرص على تطبيقة تتناول ما يمكن أن ينقص هذا الإجراء أو ذاك حين يثبت عدم انسجامه مع مبادئ الدستور . وقد استفحلت هذه الوضعية المعادية للدستور فكرة وتطبقا عقب نكبة العرب الأولى المتمثلة في ضياع فلسطين إثر هزيمة ظل العرب طوال هذا التاريخ يتبادلون التهم حول مسؤولية حدوثها بين بعضهم بعضاً دون أن يخطوا خطوة واحدة في الطريق الذي يمكن أن يخرجهم منها ، بل لقد رأيناهم يكررونها أكثر من مرة وفي أكثر من مجال . وقد تم عقب تلك الهزيمة إسقاط أكثر من حاكم تقليدي، إن بابعاده من الحكم أو بإبعاده من الحياة الدنيا لتقضي بعد ذلك حقب من الزمن ولم يحفل التاريخ السياسي بشيء من الأقطار العربية ، حيث لا سيادة إلا لحالات الطوارئ و التدابير الاستثنائية التي طالما تجددت من تلقاء نفسها وفي مقدمتها بالطبع تعليق الدساتير أو إلغاؤها أو تعديلها بما يطال حقوق الشعب ويزيد من تغول السلطان ، فكادت كلمة الدستور هذه أن تختفي من قواميس السياسة العربية تستوي في ذلك الأنظمة التقليدية والأخرى المختلفة معا والتي تفوقها بصدد استحقاقات الدستور لتأتي بعد ذلك مجموعة الانفجارات التي طالت أكثر من قطر عربي فتبين أن على رأس أسباب ما حدث إنما إلى غياب الدستور وترسيخ السلطة التي تحتكم إلى الدستور إذ بات مؤكدا أن في ذلك المخرج الأنسب لتجاوز الأزمة والعرض الأكثر إغراء لإثارة اهتمام الجماهير وكسب ثقتها وضمان المطلوب من تعاونها والسلامة من ويلات غضبها وبالذات تلك التي خرجت عن صمتها وأفلحت في تحقيق ما كانت في حاجة إليه بصدد تغيير أحوالها فكان ما كان من حديث عن الدستور ولا سيما عبر الفضائيات التي أتاحت لكل متابع أن يجد نفسه في قلب الحدث من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه منظماته وجمهورياته لجان تشكل واستفتاءات تنظم و مشاريع صيغ توضع أمام مختلف الشرائح والقوى الفاعلة فلا حديث يعلو على الحديث بشأنه كل ذي قلم يستشعر المسؤولية في هذا العالم الذي يعاد تخريطه والوطن الذي لن يستطيع أحد فيه أن يكون بمنجاة من عواصفه العاتية ومتغيراته المتلاحقة وما من سبيل أمام الكثير من أنظمته المأزومة كي تظهر بأقل الخسائر سوى أن تدرك أن زمن الحكم المطلق قد ولى إلى الأبد وأن الاعتراض على فكرة التأبيد صارت تطال مقدسات الناس ما بالك عن شؤونهم الدنيوية فلا مناص والحالة هذه من الاسترشاد بما يجري به العمل في أرقى مجتمعات العالم ،إن الاستفادة بالمنجز العلمي في مجال التقنية والطبابة وكذلك محاكاته تقتضي بالضرورة وبعيدا عن المكابرة مراعاة المنجز الفكري فليس أمام ملكيات الوطن العربي سوى أن تكون دستورية لا يتجاوز فيها الملك صفة الرمز الذي يسود ولا يحكم فلا تنفيذ لمراسمه ما لم تكن موقعة من الوزير المختص فرئيس الوزراء حين تكون هذه المراسيم متعلقة بشؤون الدولة ولا شرعية لهؤلاء ما لم يكونوا نتاج انتخابات شفافة وبحضور مراقبين دوليين يشهدون على نزاهتها وقبل ذلك التحضير لها والأمر نفسه بالنسبه للجمهوريات فلا بد لها إن أراد القائمون عليها أن يكون اختيارهم نتاج الانتخابات ولدورة محددة لا تتجدد لأكثر من مرة ولا مجال فيها لما يطلق عليه النظام الرئاسي الذي يجعل من رئيس الوزراء شكليا أو غير موجود البتة ولم يعد مقبولا أن توصف بعض الوزارات بالصفة السيادية التي تنيط اختيار شاغلي حقائبها بالملك أو الرئيس بل لابد أن يكون الجميع من اختيار رئيس الوزراء وقبل ذلك لابد أن تفصل السلطات وتحدد الصلاحيات المتصلة بتخفيف الأحكام كما أن المجالس النيابية من جهتها لابد أن تكون من غرفتين أولهما تختار بنسبة السكان وثانيهما يراعى فيها الوضع الجغرافي لكل قطر من الأقطار وضمن رؤية لا تسمح باحتكار الواقع لإقليم دون آخر أو طائفة أخرى أو مذهب بعينه فالمواطنة حق للجميع والمواطنة تعني الشراكة في المسؤولية والقرار والثروة وغير هذه النقاط كثير وكثير جدا بصدد توزيع السلطات وتحديد الصلاحيات عندما يتم التحرك نحو الدستور الذي هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من عقد يمكن لكل ذي بصيرة أن يدلي فيه بدلوه ولا مجال للتعلل بالاختصاص القانوني لأن الاختصاص يعني سلامة الصياغة أما تقييد الصلاحيات فأمر يمكن أن يسهم فيه كل ذي رأي يملك صاحبه أن يصدح به. فالدولة في الوطن العربي "تحصد اليوم الثمار المرة لثلاثة أطراف عربية محلية؛ النخب الحاكمة، والنخب المعارضة من الأطياف السياسية كافة، والعصبيات المحلية والطائفية والمذهبية والعشائرية". أن الدولة في البلدان العربية لا تقتصر أسبابها على "غياب مسألتين رئيسيتين: غياب الديمقراطية وما يسمى "أزمة الحكم الرشيد، بل هي تعبر عن مشكلات عميقة في علاقة السلطة مع جميع فئات المجتمع، والمسؤولية ليست محصورة في السلطة بل إن جميع قوى المجتمع تتحمل المسؤولية"،. إشكالية وجود الدولة في الوطن العربي معتبراً أنه "ليس هناك دولة بل سلطة تمارس سلطتها الأمنية على الواقع الاجتماعي، ولا تقوم بدور الدولة الحقيقي، فلا دولة في لبنان أو العراق أو اليمن أو بقية الأقطار العربية". انشغال "الفكر الإسلامي في العصور الوسطى بالدولة الشرعية، أو الخلافة، وركز على الأمة الإسلامية أكثر من تركيزه على الدولة. وانشغل هذا الفكر، بمصطلحي الخلافة والإمامة، وهناك من رفض فكرة الدولة الدينية في الإسلام، كتيار الجامعة الإسلامية في القرن التاسع عشر".أما مفهوم الدولة القومية القائمة على "فكرة السيادة في إطار تعظيم قوة الدولة، تنشأ وتطور مع قيام الثورة الفرنسية العام 1789". وقد تطور هذا المفهوم وصولا إلى "فكرة السيادة الشعبية". الدولة المدنية بأنها "الحامية المدافعة عن أمن المواطن الفرد والرعاية لمقوّمات العيش في إطار الانتظام العام". أما الدولة القائمة في البلدان العربية، فهي "مجرد سلطة لا دولة. والسلطة مختصرة بسلطة الحاكم الفرد، أو ذاك الذي يمثّل أسرة تتوارث الحكم". لذا يتغطل قيام الدولة المدنية بسبب غياب مقوماتها الأساسية: عن "أخلاقيات الإسلام التي لم تتحول بعد إلى قوانين ونظم ومسلك، أن "الحركات العربية والإسلامية تجيب على الأسئلة المتعلقة بالموارد والثروات والبيئة ومخاطر القلق على المصير ومن طغيان الماديات". لكن "يصعب على هذه الحركات القيام بالمهمات المذكورة، لأنها أسيرة سلبيات ماضوية كالتكفير والتناحر الداخلي". وهي أيضا "لا تملك تصوراً حول بنية الدولة ومؤسساتها وأنظمتها في السياسة والإدارة والاقتصاد والإعلام والثقافة والتقنية الحديثة، لأن الدولة الحديثة هي في أصلها وفصلها دولة مدنية".ويجب علي الحركات العربية والإسلامية إلى حسم "حواراتها الطويلة حول جدليات العلاقة بين الدين والوطنية والقومية والعالمية". وهو يرى أيضا أن "لا مشاركة سياسية في الشأن العام مع الفوضى، والحروب الأهلية. إن الأمن الوطني، أو الاستقرار العام، يحتاج إلى سلطة الدولة من خلال قواتها المسلحة، أو قواها الأمنية. شرط ألا تتحول إلى القمع والتسلط. لذلك تبقى المشاركة السياسية معلماً هاماً من معالم دولة المواطنين، لا دولة الرعايا.و تكمن في "هزال فكرة المواطنة في الدولة الوطنية. لذا يسأل عن كيفية تأصيل فكرة المواطنة العربية في دول الرعايا، وهي دول "تعيش تنازعا قطريا أو إقليميا." أننا، نحن العرب، على اختلاف وطنياتنا، نعيش في مجتمع تقليدي، ولم نصل إلى مجتمع المواطنة، رغم محاولات جديرة بالدراسة، من بينها تجربة مجلس التعاون الخليجي وطرح فكرة المواطنة الخليجية". أن مسألة الدولة في العصر الحديث أصبحت أكثر تعقيداً. ذلك أن الدولة القطرية العربية والتي قامت كتتويج لحركات التحرير ضد الاستعمار أو كنتيجة لاتفاقيات دولية، لم تستطع أن تكسب شرعية تضاهي مشروعية الدولة القومية الجامعة ويسأل الدكتور الأحمر إلى أي مدى نكون قد كشفنا عن أسس الاستبداد في تجربتنا العربية الإسلامية عندما نبني فكرتنا على أساس أن الشريعة الإسلامية براء في "الأصل" من ظاهرة تقديس الدولة والحكام؟ أما في ما يتعلق بالأسس القانونية التي ينبغي أن تُبنى عليها الدولة العربية الحديثة، فأشار إلى فصل الدين عن السياسة الذي رافق تأسيس الدولة الحديثة في أوروبا، يكاد يكون من دون موضوع في التجربة الإسلامية". أما مؤسسات الدولة العراقية فتبدو أكثر تماسكاً وأقل عرضة لخطر الانهيار، إلا أنها ما زالت تعاني من تصارع قوى سياسية ومجتمعية على النفوذ في داخلها تتهافت على السيطرة انطلاقاً من رؤى متناقضة للدولة ووظائفها ووفقاً لأجندات سياسية متباينة. والصومال على لائحة الدول العربية المهددة بالانهيار أو الفشل، ما دام لم يعد في محيطها الإقليمي ولا في المجتمع الدولي، من يسعى إلى إعادة كيانها إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية. وعن لبنان قال حمزاوي إنه ليس بالدولة المتداعية، إذ أن ما يميزه، هو تقاسم السلطة وتوزيع الوظائف والأدوار فيما ما بين القوى اللادولتية. أن عهد الاستعمار في بصورته العسكرية قد انحسر في معظم الدول العربية، إلا أن آثاره ما تزال قائمة في كثير من هذه البلاد. لذلك، فإن معظم الدول العربية تنتمي إلى الخانة المسماة دول صلدة، أي تجمع بين الاستقلال النسبي في مواجهة المجتمع، ولكنها تفتقد الشرعية ورضى المواطنين. وعن التنمية كبعد اقتصادي وعنصر مأزوم في الدولة العربية عقّب حمزاوي بأن إخفاق تجارب التنمية المستقلة أعقبه تخلي جهاز الدولة عن مشروعه التحرري، وبدلاً من تقرير سلطته واكتساب الشرعية، أصبح يعتمد على القهر وعلى التحالف مع طبقات رأسمالية صاعدة، في إطار التبعية للسوق العالمية. و حول أزمة عجز الدولة وخطر انهيارها – حالة اليمن. وانطلاقاً من حرب الكل ضد الواحد والواحد ضد الكل، اعتبر الشرجبي أن الأزمة السياسية في اليمن وعندما تحوّلت إلى مواجهة عسكرية سعى طرفا الحرب (الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام) إلى السيطرة على السلطة كاملة في الجمهورية اليمنية. وبعد انتصار الحزب الحاكم في الحرب تنكّر المؤتمر الشعبي لحلفائه السياسيين والعسكريين والدينيين، وعمل على إقصاء حلفائه من السلطة التشريعية وتحقيق الأغلبية المطلقة. وعندما وصل بعض السكان في المحافظات الجنوبية إلى قناعة سلبية تجاه الأحزاب السياسية، تحرك المواطنون للتعبير عن أصواتهم خارج المؤسسات الرسمية، عبر حركة اجتماعية أطلقوا عليها الحراك الجنوبي السلمي. وقد استغلت النخب التقليدية هذا الحراك وعملت على الحشد على أساس الهوية وخلقت شعوراً لدى المواطنين الجنوبيين بأنهم مستهدفون، الأمر الذي أدى إلى تحول الحركة الجنوبية إلى حركة انفصالية تنكر شرعية الدولة والنخبة الحاكمة، وتتناغم من حيث الشكل مع المتمردين الحوثيين.ان اعتراف الدولة بوجود الأزمة لأن إنكارها لمطالب القوى السياسية ورفض الحوار معها قد يؤدي إلى ارتفاع سقف مطالبها وإلى تحالفها مع القوى غير النظامية والمتمردة. إنه لا يوجد إصلاح بدون مصداقية، ولا مصداقية بدون مشروعية، وأن الحوار مطلوب أيضاً داخل المؤتمر الشعبي العام حول الإصلاح السياسي كي يدفع باتجاه مقنع للمعارضة السياسية، على أن يعطي الحزب الاشتراكي بعض المكاسب التي تشجعه على قبول الحوار. أن وصف الدولة السودانية بأنها دولة فاشلة هو وصف تنقصه الدقة. فالدولة أظهرت صلابة كبيرة وقوة وقدرة على مواجهة الحصار الدولي والمشاكل الداخلية المتعددة. وكان للعامل الديني دوراً في صلابة الدولة، كما عزز النفط من قوة النظام وأسبغت اتفاقات "نيفاشا" على الحكم مشروعية دولية وشعبية جديدة. ورغم ذلك يبقى السودان دولة مأزومة بسبب اعتماد نموذج "دولة الثقب الأسود"، والتي تتلخص بوجود منطق سلطوي لا يتمتع بثقة الداخل والخارج. أن من طبائع هذا النموذج الانكماش على النفس باستمرار، زاعما الاستناد إلى عصبية معينة سرعان ما تصير عصبة صغيرة ترتهن للحاكم الأوحد الذي ينصّب أجهزة أمنية متنافسة مع بعضها البعض. على الدولة السودانية اعتماد طريق التوافق بين النخب السياسية على مسار انتقال ديمقراطي يستفيد من عناصر قوة الدولة السودانية الحالية، ويؤسس عليها وحدته القادرة على معالجة عوامل الضعف. أن الانفصال الذي حدث لن يؤدي إلى حسم المشاكل، لأن الكثير من المراقبين يتخوّف من أن يتحوّل الجنوب المستقل إلى دولة فاشلة أيضاً وبالمعنى الأضيق، بسبب ضعف الدولة المرجوة وعمق الخلافات القبلية والسياسية في الجنوب. ويرى كثيرون أن بؤراً من التوتر والنزاعات ستواجه الشمال، ومن أبرزها النزاع القائم في دارفور. أن الحرب الأهلية في الصومال لا مؤشرات حول نهايتها في المدى المنظور. وقضت هذه الحرب على آمال وطن لم يقدَّر له في الأصل أن ينعم بوحدة ترابه، إذ تمّت تجزئته وإخضاع بعضه قسراً لسلطات الدول المجاورة. ويبقى التاريخ وارثه الثقيل ذا دلالة بالغة على صعيد مقاربة جذور الحرب الأهلية في الصومال. بيد أن ذلك لا يمثل سوى عنصر في منظومة عناصر محفزة تجلت أيضاً في سلطوية النظام السياسي لدولة ما بعد الاستقلال، وتعثّر تجربته التنموية وهيمنة القبيلة على البنى والفضاءات الاجتماعية في البلاد. وقبل عامين ولدت سلطة سياسية جديدة في مقديشو جرى الترحيب بها على الصعيد الشعبي وحظيت بمساندة إقليمية ودولية ولكنها لم تحقق وجوداً فعلياً على معظم التراب الوطني، وواجهت السلطة معارضة مسلحة قوية. وها هو الصومال اليوم نموذج جلي لدولة فاشلة وعاجزة ومهترئة يدفع ثمن فشلها الداخل المغلوب على أمره والخارج المتخبط في مقاربة البحث عن حدود. ويواجه الصومال مشاكل كثيرة تشظي الوحدة الترابية، تآكل السيادة الوطنية، تداعي آليات فرض النظام، ارتفاع مستوى الأخطار التي تعرّض حياة المدنيين، النزوح المستمر للسكان في اتجاه دول الجوار، اضمحلال مؤشرات التنمية، استشراء الفساد، استمرار وضع البلاد باعتبارها مصدر تهديد للأمن الإقليمي والدولي. أن وعي الذات القومية العربية، بدأ في إطار ثقافي، وانتقل إلى إطار سياسي لامركزي – اتحادي، في أوائل القرن العشرين، ثم انتقل إلى إطار سياسي مركزي، واقترن بالبعد الاجتماعي (الاشتراكية) بعد الحرب العالمية الثانية. أما في النصف الثاني من القرن العشرين، فنشأ نموذج الدولة المركزية التسلطية (العراق – سوريا – مصر – الجزائر – تونس – اليمن)، أو نموذج الدولة المركزية السلطانية (السعودية – المغرب – الأردن). اتسمت عمليات بناء الأمة في هذه الدول الإقليمية على نحو فوقي، معتمدة نموذج الدولة الواحدية بشكله البريطاني أو الفرنسي. وبرزت حال التفكك وأزمتها من خلال تنامي الاحتجاج الفئوي (طائفة – مذهب – منطقة) وصعود الإسلام السياسي الذي عمق الإنقسامات الجزئية، ورسخ تحول الثقافة السياسية في الوطن العربي من الفكر القومي /الاشتراكي إلى الإسلامي.ان تباين كبير ما بين مشروعي بناء الدولة – الأمة (Nation-State Building) في كل من أوروبا والبلدان النامية. وهذا يعود إلى الطبيعة المتباينية لكن من هاتين التجربتين، فلا العناصر الاجتماعية ولا مستوى التطور الاقتصادي فيما كانت متشابهة. ومع ذلك هناك ما يشبه الاتفاق بين دارسي التنمية السياسية على ان مشروع بناء الدولة – الأمة يدور حول قضية مركزية تتمثل بتحقيق الاندماج بين مكونات الدولة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وهذا يتم عبر مسارين أساسيين: الأول يتعلق بعملية تكوين الدولة، والثاني بعملية دمج الأفراد في إطار بناء الأمة. وهناك فارق بين العمليتين. لماذا تتسم الدولة – الأمة في المغرب بالاستقرار والاستمرارية على خلاف الدول- الأمم في العالم الثالث بما فيها الدول العربية؟ ويمكن القول إن الدولة في العالم الثالث متغربة وتقليدية في آن واحد. فهي استمدت في نموذج أجهزتها الإدارية والأمنية والعسكرية التجربة الغربية، وفي الوقت ذاته استخلصت من موروثها الثقافي فكرة جعل السلطة حكراً على الحاكم وحاشيته. ولا يمكن معالجة أزمتي الدولة والهوية على أساس المقترجات التي قدمها عبد الجبار، لأن مثل هذه الإجراءات ستقود إلى تهميش سلطة المركز لصالح أطراف الدولة الناشئة. أن الدولة في مجتمعاتنا العربية مُجَسَّدة في البوليس والجيش والمحاكم والسجون، وعدم احترام القوانين. لذا تمثل عبئاً ثقيلاً على حياة الناس، أو هكذا هي في وعيهم ومخيالهم. ومقابل ضمور فكرة الدولة في وعي الناس، ثمة حضور متضخم لفكرة السلطة. وعليه تُوصف الدولة في البلاد العربية ما قبل الحقبة الكولونيالية في علم الاجتماع السياسي، بالدولة التقليدية، وأحياناً بالدولة السلطانية، إنها الدولة القائمة بسلطتها على الشرعية الدينية. أما الدولة الوطنية التي تعاني أزمة الشرعية فلا أحداً: لا القوميين ولا الماركسيين ولا الإسلاميين ولا الليبراليين، ولا الطوائف ولا المؤسسات الدولية المعمولة. فالدولة الوطنية لم توفر لنفسها الحد الأدنى من الأسباب التي تساعدها على التخفيف من وطأة أزمتها. والأسباب تعني الإنشاء الديمقراطي لكيانها، وهو الشرط التحتي لمعالجة أزمة الشرعية. أن السلطة هي أكثر مما يعرفه العرب عن دولهم المعاصرة، ويختزل الكثير منهم الدولة بسلطتها التنفيذية، وأحياناً بالأجهزة الأمنية المهيمنة على النظام السياسي. إن المقاومة كانت وطنية مسلحة، وشاركت فيها فصائل من الحركة الوطنية. ولكن ما لبثت هذه المقاومة أن أضحت "شيعية" وذلك مع صعود حزب الله بدعم إيران، وبتسهيل سوري، مع رفع النظام السوري شعار تلازم المسارين. وهكذا تخصّصت أو خُصّصت الساحة الجنوبية حصراً للمقاومة التي يقودها حزب الله، والذي ابرم اتفاقاً ضمنياً مع الرئيس بري قائماً على توزيع الأدوار في المجتمع الشيعي. فترك أمر تنظيم المجتمع الشيعي لمؤسسات حزب الله إلى جانب الحيّز الأمني المطلق لحركة المقاومة، وترك أمر التوظيف الشيعي في القطاع العام لحركة أمل، أي للرئيس نبيه بري. أن ست دول عربية، هي مصر والجزائر والأردن والمغرب وتونس واليمن، كانت قد حققت مستويات منخفضة من الفقر في منتصف الثمانينيات وأواخرها. وتؤكد بيانات مماثلة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت أقلّ مناطق العالم النامي فقراً. أن معدل الفقر يرتبط بعلاقة عكسية مع معدل النمو الاقتصادي، لأن زيادة النمو الاقتصادي تنتفع منها جميع شرائح المجتمع، بمن فيها الفقراء، وإن تفاوتت درجة هذه الاستفادة.فيجب تحقيق نمو اقتصادي ذاتي ودائم يتحقق بتكامل اقتصادي عربي تكون باكورته منطقة التجارة العربية الكبرى التي تم الاتفاق عليها عام 1998. هذا إضافة إلى الارتقاء بمستوى الخدمات التعليمية والصحية، وإيجاد صمامات أمان للتعامل مع الفقر وتفاوت الدخل مثل زيادة الدعم ، وتمويل المشروعات الصغيرة، وإصلاح نظم التقاعد. ** كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية