بقلم الكاتب صالح خريسات لماذا يعتبر المسلمون أن كل ما حدث في العصر الإسلامي الأول، هو سنة يجب التقيد بها، وكل ما جاء بعدها بدعة؟! والقدوة غير التقليد، فإذا كان التقليد يتم بدون فكر عميق، فإن القدوة تتم بالفكر والعقل، وإن الاهتمام بالمظاهر السطحية، والتمسك بالقشور، دون التفكير العميق في الكون والحياة، والاهتمام بدور الإنسان في التعمير، ونشر السلم، والوئام، والمحبة، والتقارب بين الأفراد والجماعات، ليس من الإسلام في شيء، إن لم يكن هو ضد الدين، ورسالته العظيمة . يجب أن نعلم أن تكاليف الشريعة، ليست عقوبات يفرضها الله على المكلفين، فهي مقاصد تدور على حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال. يجب أن تعلم الأجيال، أن النصوص ليست إلا شواهد وعلامات، وهي لا تغني عن اجتهاد العقول. ولا يقول أحد أن باب الاجتهاد مفتوح، وأن أحداً لم يغلقه، نعم قد يكون ذلك الباب مفتوحاً، ولكن الذين يتجاسرون على الدخول فيه، تتناولهم من كل مكان، وترميهم الجماعات ذات الأفق الضيق، بالكفر والخروج على الدين، وقد يؤثر أكثرهم السلامة، فيعدل عن محاولة الاجتهاد. وإن الهروب من الواقع الحضاري، طعن في قدرة الإسلام، ومدى شموليته وصلاحيته لكل زمان ومكان. ولا بد والحالة هذه من إخضاع الأدوات الحضارية لروح الإسلام. أما الابتعاد عنها فأمر لا يرضاه الإسلام، لأنها أدوات حضارية، ولا بد من أخذ هذه الأدوات، وأخذ جوانب فيها لإثراء حياتنا، ثم هضمها وبلورتها وإخضاعها لمفهومنا، والحضارات تأخذ وتعطي، والحضارة القائمة على العقل، لا تخشى الأخذ من الحضارات الأخرى. فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يلقحون النخل فقال: "ماذا يفعلون؟ قالوا: إنهم يلقحون النخل يا رسول الله، فقال: لو تركوه لصلح. فسمع القوم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركوا نخلهم فمات النخل، فرجعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقالوا: يا رسول الله قد مات النخل! أو ما ظهر الطلع! فقال عليه السلام: خذوا عني أمور دينكم، أما أمور دنياكم فأنتم أعلم بها". إن التجربة الإسلامية الأولى، لا تلزم أجيال المسلمين في شيء، فما يلزم المسلمين ليس مرحلة زمنية بذاتها، ولكن أحكاماً صريحة وقاطعة في ثبوتها، وفي ولادتها، وخارج دائرة هذه الأحكام، فإن النصوص والشواهد والوقائع، تجعل التوجيه والإرشاد، قد يفيدنا أن نأخذ بها، لكنها لا تكون حجة علينا، إن تركناها إلى غيرها. إن أئمة الفقه الإسلامي، يؤكدون أن دين الإسلام، دين توسط واعتدال وتيسير، وأنه ليس لأحد من العباد، وصاية على العباد، وأن الدعوة إلى الله إنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تكون بإيغار الصدور، وإذلال النفوس، والاستخفاف بالعقول. إن الفكر الإسلامي، لا تمثله الجماعات الإسلامية في سلوكها، وأسلوب عملها، فهو لا يعني بتقصير الجلابيب، والأكل بأصابع اليد الثلاثة، والسواك، ووضع الساعة في اليد اليمنى، إنه يعني بالزمن المتحرك، وحاجات الناس ومطالبهم، التي تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، وظروف الحال. فالفكر الإسلامي لا بد أن يشتمل على وسائل الاستجابة المزامنة لروح العصر، وهو المعنى الحقيقي لخلود رسالة الإسلام، وصلاحية نظامه لكل زمان ومكان.