بقلم أ.د. فؤاد النادي تساءل شراح القانون الدستورى حول أثر الثورة والانقلاب على الدستور القائم وعما إذا كان نجاح الثورة من شأنه أن يؤدى إلى سقوط الدستور أم يظل قائما. نقرر بداية إن الثورة تعتبر من الطرق غير العادية لإنتهاء الدساتير بمعنى أنها تؤدى لنهاية الدساتير خلافا للقواعد المنصوص عليها فى الدستور القائم بمعنى أنها تنتهى بطرق غير عادية لا تستند على أى نص من نصوص الدستور. ولما كانت الهيئة التى تقوم بالثورة هى الشعب حيث تمثل الثورة انتفاضة للقضاء على النظام القائم وهو نظام فاسد لا يلبى حاجة المجتمع على التغيير وإحداث تغيير جذرى فى كافة المؤسسات الدستورية القائمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن ثم لا تؤدى إلى مجرد تنحية الحكومة الموجودة وإنما تستهدف فى المقام الأول إسقاط النظام برمته بهدف إحداث تغييرات أساسية تتعلق بالبناء الدستورى للمجتمع .وقد انتهى غالبية شراح القانون الدستورى على أن أثر الثورة على الدستور القائم يكون سقوط الدستور الذى يقوم عليه النظام سقوطا كليا فى حين يرى البعض أن الثورة لا تسقط الدستور سقوطا كليا وإنما تسقط النصوص التى تتنافى مع أهداف الثورة وغاياتها ، فأحكام الدستور لا تسقط كلها وإنما السقوط ينصرف إلى الأحكام التى تتعارض مع أهداف الثورة ومن ناحيتنا فإننا نرى أنه يترتب على الثورة السقوط التلقائي للدستور برمته . وقد تعلن الثورة سقوط الدستور فور نجاحها وهذا الإعلان ليس منشئاً لوضع جديد وإنما هو مقرر أو كاشف لوضع تحقق فور نجاح الثورة . ومن أمثلة النظم الدستورية التى تحقق فيها ذلك ما ورد فى الدستور البلجيكى سنة 1821، وما ورد فى دستور فيمر الألمانى سنة 1919 وما ورد فى الإعلان الدستورى فى 10 من ديسمبر سنة 1953 فى مصر حيث أعلن القائد العام بصفته قائدا لحركة الجيش سقوط دستور1923 كما أعلن فى ذات الوقت تأليف لجنة لوضع مشروع لدستور يحقق آمال الأمة فى إقامة حكم نيابى نظيف .. كما أنه فى 10من فبراير سنة 1953 أصدر قائد الجيش إعلانا دستوريا آخر يوضح فيه قواعد نظم الحكم فى فترة الانتقال . ويرى البعض أن ثورة 1952 لم يترتب عليها سقوط الدستور كليا حين قيامها لأنه فى بدايتها لم تكن موجهة ضد نظام الحكم بل كانت موجهة ضد العبث به وبالدستور ثم تطورت الثورة من ثورة ضد أداة الحكم إلى ثورة ضد نظام الحكم ذاته بعد ذلك ، وقد تحقق ذلك تدريجيا على مدى خمسة شهور أى فى 10/2/1953م . غير أن الرأي الراجح فى الفقه المصرى أن دستور 1923 سقط تلقائيا بمجرد نجاح الثورة ، وإن الإعلان الصادر فى 10/2/1953 ليس إلا مجرد أمر كاشف عن وضع تحقق نجاح الثورة . كما يرى البعض أن سقوط الدستور بنجاح الثورة لا يؤدى إلى سقوط سائر الأحكام التى يتضمنها الدستور ، وإنما السقوط ينصرف فقط إلى الأحكام المتعلقة بنظام الحكم أما سائر الأحكام فلا تسقط بالثورة لأن الثورة موجهة فحسب إلى نظام الحكم والتنظيم السياسى فى الدولة ومن ثم يترتب على هذا الرأي وهو ما نميل إليه النتائج الآتية : ليس من شأن الثورة أن تؤثر على الأحكام المتعلقة بالحقوق والحريات العامة لأنها لا تتعلق بالتنظيم السياسى إلى جانب أن هذه الأحكام واجبة التقديس والاحترام وذلك لاستقرارها فى ضمير الجماعة بحيث تعتبر أسمى من النصوص الدستورية وعلى ذلك فسقوط الدستور لا يؤدى إلى سقوط الحريات العامة الواردة فى هذا الدستور إلى جانب أن الحقوق والحريات العامة أكدتها المواثيق والعاهدات الدولية كما أقرتها مواثيق الأممالمتحدة ومن ثم تستمد وجودها من القوانين الدولية التى تجعلها أعلى من النصوص الدستورية وغير مرتبطة بوجود هذه النصوص وهذه القواعد تشكل ما يسمى بالدستور الإجتماعى للأمة لا يتغير بتغير الدستور أو زواله . إن الثورة تؤثر فقط على المعنى الشكلى للدستور حيث أن الدستور له مدلول شكلى ومدلول موضوعى أما المدلول الشكلى فهو مجموعة القواعد التى تحتويها الوثيقة الدستورية بغض النظر عن طبيعتها، أى يستوي أن تتعلق بنظام الحكم أو بغير ذلك من الأمور وعلى هذا النحو تعد النصوص الواردة فى الدستور نصوصا دستورية من حيث الشكل فقط ، أما من حيث المضمون أو المحتوى فلا تعتبر قواعد دستورية إلا تلك التى تعتبر بطبيعتها قواعد دستورية وردت فى الوثيقة الدستورية أم لم ترد كالقواعد المتعلقة بالحقوق والحريات العامة .. ومن أمثلة القواعد التى تعتبر دستورية من حيث الشكل دون المضمون قاعدة 50% المخصصة للعمال والفلاحين فى المجالس النيابية والمحلية فهى تكتسب قيمتها من حيث كونها واردة فى الدستور فإذا سقط الدستور سقطت مثل هذه النصوص وعلى ذلك يترتب على نجاح ثورة 25يناير 2011 سقوط الدستور سقوطا كليا إلا أن ذلك لا يؤثر على القواعد الدستورية التى تعتبر بطبيعتها قواعد دستورية كالقواعد المتعلقة بالحقوق والحريات على النحو الذى أشرنا إليه . والسؤال المطروح الآن ما هو جدوى الاستفتاء الذى سيجرى فى 19مارس 2011 طالما أن الدستور سقط سقوطا كليا .... وهذا له موضع آخر للحديث . أستاذ القانون العام