نشر في بقلم خيري منصور ربما لا يعرف كثيرون حتى بين رجال الشرطة أنفسهم أن جهاز الأمن السياسي في مصر هو أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط، بل إن وزارة الداخلية ذاتها تعد واحدة من أقدم ثلاث وزارات في مصر، إذ تأسست عام 1878 باسم نظارة الداخلية، ومعها نظارة الجهادية (الحربية أو الدفاع)، ونظارة المالية، وعلى الرغم من اختلاف مسميات جهاز الأمن السياسي عبر الحقب التاريخية التي شهدتها مصر من "القسم المخصوص" إلى "القلم السياسي" إلى "المباحث العامة" إلى "مباحث أمن الدولة"، حتى أصبح اسمه "قطاع مباحث أمن الدولة ثم "جهاز أمن الدولة"، لكنها مجرد لافتات متنوعة لكيان واحد هو إدارة تتبع إدارياً وزارة الداخلية، وتوكل إليها مهام الأمن السياسي، وكانت بداية تأسيس هذا الجهاز على يد الاستعمار البريطاني، وبعد توقيع معاهدة سنة 1936 بدأ تراجع الوجود البريطاني في أجهزة وإدارات وزارة الداخلية، وانتقلت مسؤولية الأمن السياسي الداخلي إلى عناصر مصرية من وزارة الداخلية . وقد تأسس "القلم السياسي" بإدارتين الأولى للقاهرة والثانية للإسكندرية، فضلاً عن "قسم مخصوص" يتبع السراي مباشرة ويرأسه قائد الشرطة الملكية، ولم تكن لوزارة الداخلية أي ولاية على هذا القسم الذي كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك . وربما لا يعرف البعض أيضاً أن جهاز "المخابرات العامة" خرج من رحم جهاز الأمن السياسي التابع لوزارة الداخلية، الذي أعيد تنظيمه وهيكلته تحت مسمى جديد هو "إدارة المباحث العامة"، عقب قيام حركة الضباط عام 1952، وأسست تلك الإدارة تحديداً في 22 أغسطس سنة 1952، وظلت مهمة ترتيب مسؤولياته تجري تحت إشراف شخصي ومباشر من جمال عبد الناصر حين كان يشغل منصب وزير الداخلية في الفترة من 18 يونيو 1953 وحتى الخامس من أكتوبر من ذات العام، ثم كلف زكريا محيي الدين بحقيبة الداخلية، وظل بها خلال ثلاث وزارات تبادل معه خلالها المنصب عباس رضوان، ولكن خلال وزارة زكريا محيي الدين صدر قرار جمهوري بإنشاء المخابرات العامة، وتحديداً عام 1956، لكنها لم تتأسس فعلياً إلا في مطلع العام 1957 . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك ثمة قانون ينظم مهام واختصاصات جهاز أمن الدولة، خلافاً للمخابرات العامة التي يوجد قانون يخصها، بينما يخضع جهاز أمن الدولة لقانون هيئة الشرطة الذي ينظم العمل في وزارة الداخلية، وقد أدخلت عليه تعديلات وضعت المزيد من القيود المجحغة على ضباط الشرطة، بل جعلت مستقبلهم رهن رضا رؤسائهم، تصل إلى حد الإحالة على التقاعد في سن مبكرة والعزل والمحاكمة، وبالطبع فإن نادي ضباط الشرطة، الذي يفترض أن يكون كياناً موازياً لنادي القضاة، حيث لا يسمح لرجال الشرطة والقضاء بتأسيس نقابات، غير أن هناك فرقاً شاسعاً بين استقلالية نادي القضاة ونادي ضباط الشرطة الذي هو مجرد إدارة ضمن إدارات الوزارة، ويعين القائمون عليه بقرارات وزارية ويمكن نقلهم وعزلهم في أي لحظة، الأمر الذي ينفي عنهم صفة الاستقلالية أو الدفاع عن حقوق الضباط، كما هو حال نادي القضاة أبناؤمثلاً